هوذا يناديك
لا .. لم يتأخر الوقت بعد
فجأة وجد الخروف نفسه بين أنياب الأسد المفترس ، وليس ثمة أمل فى النجاة .. ولنفترض أن المستحيل قد حدث ، وانفلت الخروف وسقط على الأرض ، فهل يقدر أن ينجو ؟
يا للأسف ، من أين له القوة أن يجرى ويعدو بسرعة تفوق الأسد .. وحتى لو نجا منه ، فمن يحميه من الشر الثانى الذى لا يقل خطورة ؟ !! من يحميه من الدب الذى يقف متربصا به .. أوصدت كل أبواب الأمل ، ولم يعد أمام الخروف سوى الاستسلام للموت المحقق ..
لكن الأمر كان مختلفا لدى الله .. كلا ، لم يتأخر الوقت بعد وفى اللحظة الحاسمة التى تفصل بين الحياة والموت .. فى اللحظة الأخيرة قبل أن يموت الخروف من الرعب ، إذ بالراعى الأمين يهجم على الأسد والدب ، ويقتلهما معا .. وأنقذ الخروف من بين أنياب الأسد .. وخلصه من الدب ..
وانزاحت عن الخروف الظلمة المرعبة .. ووجد نفسه آمنا فى أحضان راعيه المحب ..
هذه القصة العجيبة رواها داود إلى شاول الملك (1صم 34:17 – 36) :
"كان عبدك داود يرعى لأبيه غنما فجاء أسد مع دب وأخذ شاة من القطيع . فخرجت وراءه وقتلته وأنقذتها من فيه ولما قام على أمسكته من ذقنه وضربته فقتلته . قتل عبدك الأسد والدب جميعا " ..
إنها ببساطة قصة كل من يأتى للرب بإيمان فى اللحظة الحرجة الأخيرة .. تأمل أيضا هذه الحادثة :
بدأ بطرس فى الغرق :
إلا أنه فى اللحظة الحرجة الأخيرة ، صرخ إلى الرب مستغيثا "يارب نجنى .. "
لا ، لم يتأخر الوقت بعد ، " مد يسوع يده وأمسك به " ( مت 31:14) ..
أيها القارئ العزيز .. لا تقل ، لقد تعقدت الأمور جدا وليس من أمل للنجاة .. لا تقل ، إن الأخطار عديدة ومن المستحيل أن أنجو منها .. لا تصدق إبليس إن قال ليس لك رجاء ..
لا ، لم يتأخر الوقت بعد .. ارفع قلبك إليه واصرخ بكل ثقة "يارب نجنى " ..
حتما سترى يد الرب تمتد إليك وتصنع الإنقاذ مثلما فعل لخروف داود ومثلما فعل لبطرس .. لا لم يتأخر الوقت بعد ..
-2-
لمسة القدير
رسم أحد الفنانين لوحة لأشجار فى فصل الخريف بعد غروب الشمس بقليل .. اللوحة تميل إلى الظلام .. الأشجار عارية الأوراق ، وهناك بيت منعزل بلا أضواء يقف منفردا ، يواجه عاصفة شديدة من التراب ..
كل ما فى اللوحة يعبر عن الكآبة والوحشة وفقدان الرجاء .. لكن الفنان لم يكن قد انتهى بعد من رسم لوحته ، بقيت بضعة دقائق قبل أن يسلمها للعرض ..
بسرعة غمس فرشته فى اللون الأصفر ثم رسم به نورا فى نافذة المنزل ، آتيا من الداخل ..
يا للتغيير المذهل !! .. لقد تحول مدلول المشهد تماما وصار يعبر عن الدفء والطمأنينة والأمان رغم العواصف .. بيت مضيء وسط الظلام والتشويش ..
أيها الحبيب .. قد يسمح الله لك بأن تمر بظروف معينة تراها تدعو للقلق .. قد ترى كل شئ حولك قاتم اللون .. وقد تشعر أنه ليس هناك أمل فى حل سريع .. صديقى ، فى ذلك الوقت ، لا تنس أن الله دعاك أن تسلك بالإيمان لا بالعيان .. ثق فى أبيك السماوى .. ثق فى أمانته وصلاحه ،ثق ، ثق فيه برغم كل شئ .. هذه الثقة تفرح قلبه جدا كما أنها تمتعك بأعماله العجيبة التى تشهد لاقتداره .. ثق فى أبيك السماوى ، ثق أن بلمسة بسيطة من يده سيغير كل شئ .. وسيجعلك سعيدا حتى وأنت فى وسط العواصف ..
"أحبك يارب ياقوتى .. لآتك أنت تضئ سراجى ..
الظلمة أيضا لا تظلم لديك والليل مثل النهار يضئ "
(مز 18: 1،28 – مز 12:139)
3- ارتفاع فى الأسعار
فكر معى .. قطعة من الفولاذ ثمنها لا يتجاوز الخمسة جنيهات ، ولكن متى صنعوا منها إبرا للخياطة ارتفعت قيمتها إلى خمسين جنيها .. وإذا استخدمت لعمل تروس للساعات قفز سعرها إلى الخمسين ألفا من الجنيهات ..
فكر معى ، ما سر هذه القفزة الضخمة من خمسة جنيهات إلى خمسين ألفا ؟ بلا شك السبب يعود إلى التهذيب والصقل الذى مرت به هذه القطعة ، فكلما زاد كلما ارتفع الثمن .. إن الشجر الذى يتعرض للعواصف والزوابع هو دائما أقوى وأكثر ثباتا فى الأرض من الذى ينمو بعيدا عن شدة الرياح .. وهكذا نحن ..
كلما واجهتنا تحديات ، كلما كان المجال متاحا لتقوية أيماننا .. وكلما تقوى إيماننا ، كلما ازدادت كفاءتنا وأصبحنا مهيئين أكثر لاستخدام الرب لنا ..
التحديات تحمينا من العلاقة السطحية مع الله .. التحديات تدخلنا فى علاقة عميقة معه وتعطى لايماننا فرصا ذهبية ، ليغير الواقع ولينقل الجبال ..
التحديات ليست إطلاقا لتفشلينا بل لرفع قدراتنا ، ولازدياد أكاليلنا .. التحديات تجعلنا أبطالا فى الإيمان ..
أشكرك لأنك تريدنى عظيما فى الإيمان ..
الصعوبات لن تفشلني لأن هذا ليس قصدك ..
سأتمسك بوعودك ، وسأتقوى بالإيمان ..
وأبدا لن أخزى فى شئ .. حتما سأتنصر .. هللويا..
4- بإمكانك أن تكون مؤثرا
فى "رومانيا " واد شهير لا تزرع فيه إلا زهور معينة ، اختيرت خصيصا لتصدر إلى الخارج .. وفى زمن الإثمار يمتلئ هذا الوادى برائحة مميزة قوية جدا ، حتى أنك إذا قضيت فيه بضعة دقائق التصقت هذه الرائحة بك وظلت معك يوما كاملا .. فإذا حدث وتقابل معك أى شخص ، اكتشف من اللحظة الأولى أنك زرت هذا الوادى ..
أيها القارئ ..
مقابلة مع الرب فى صباح كل يوم تكسبك رائحة مميزة تصاحبك طوال اليوم وتذهب معك أينما سرت ..
وهكذا فليس صعبا أن تشهد للرب .. تحدث معه كثيرا وستجد نفسك تفوح برائحته الذكية التى تعلن عنه .. يقول الرسول بولس "لأننا رائحة المسيح الذكية " (2كو 15:2) ، وقديما قال الله لارميا "ولو وقفوا فى مجلسى لأخبروا شعبى بكلامى (إر 22:23) ..
تقابل مع الرب كل يوم ، وسريعا ستكون مثل هؤلاء الذين قال عنهم الكتاب المقدس إنهم "نظروا إليه واستناروا ووجوههم لم تخجل " (مز 5:34) ..
سيدى ..
إننى أعلن إيمانى ، أن إبليس لن يقدر أن يعيقنى عن الجلوس عند قدميك كل يوم ..
أشكرك .. لأن هذه هى إرادتك أن التصق بك ..
حتى أصير رائحتك الذكية لكل من يتقابل معى ..
سيدى .. أريد أن تكون حياتى ، كلماتى ، كل شئ شاهدا لك ..
5- وحده
من أشهر لوحات الفنان العالمى لونارد دافنشى لوحة
"العشاء الأخير " .. بذل فى إعدادها مجهودا ضخما ووضع فيها كل قدراته ومواهبه الفنية .. حتى الكأس الذى فى يد الرب أخذ منه اهتماما خاصا ، رسمه كأسا من الذهب ، مطعما بالجواهر ..
بعد أن انتهى من لوحته العظيمة دعا نفرا قليلا من أصدقائه لإبداء رأيهم .. جذب اهتمامهم جمال الكأس ، وقال واحد منهم " إنه كأس رائع ، لم يرسم مثله من قبل " .. لكن ما أن سمع دافنشى هذه العبارة حتى غمس ريشته فى الألوان الداكنة وأتى بها على الكأس الرائع وجعله كأسا عاديا رخيص الثمن
ثم قال لهم " .. بل انظروا عظمة وجه الرب يسوع " ..
لا شئ فى الوجود يضاهى جمال ومجد الرب يسوع .. وليس هناك شخص أو موضوع يستحق أن يأخذ مكانته فى قلوبنا سواه ..
هو وحده الذى مات ليعطينا الحياة الأبدية مجانا ..
هو وحده الذى حمل آثامنا ليبررنا ..
هو وحده الذى حمل أمراضنا ليشفينا .. فليكن هو كل شئ لنا ..
ولنفعل دائما ما فعله دافنشى ونقلل اهتمامنا بكل ما يعطل انشغالنا بالرب ويضعف تركيزنا عليه ..
ولنقل له دائما "معك لا أريد شيئا فى الأرض " (مز 25:73) ..
"أنا لحبيبى وحبيبى لى " "أنا لحبيبى والى اشتياقه " (نش 3:6 ، 10:7 ) .