مفهوم الروح القدس في الإسلام
س3: ما هو مفهوم الروح القدس في الإسلام؟
هناك آراء مختلفة كثيرة حول مفهوم الروح القدس في الإسلام نعرض منها الآراء الآتية:
1- هو جبريل: كما ذكره الكاتب السابق تعليقًا على قول القرآن "وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ، قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ" (النحل 101، 102) وجاء في مختار الصحاح تحت كلمة "قدس" "روح القدس جبرائيل عليه السلام" وذكر البيضاوي في تفسير الآية 38 من سورة النبأ، وكذلك الطبري (مجلد 30 ص 144) أن "الروح القدس هو ملك موكل على الأرواح أو جنسها أو جبريل".
2- هو ملك عظيم وأعظم الملائكة قدرًا وخُلق على صورة آدم. قال الكشاف في تفسيره للآية 38 من سورة النبأ عن الروح القدس "هو ملك عظيم ما خلق الله بعد العرش خلقًا أعظم منه" وقال الطبري في تفسير نفس الآية "هو أعظم الملائكة قدرًا.. وهو خُلِق بشبه الناس وليس بالناس.. هو خُلِق على صورة آدم".
3- هو أعظم من الملائكة يسبح كل يوم 12 ألف تسبحة يخلق الله من كل تسبيحة ملكًا من الملائكة: فيقول الطبري عن الروح القدس ملك من السماء الرابعة وهو أعظم من في السموات ومن الجبال ومن الملائكة. يسبح الله كل يوم 12 ألف تسبحة. يخلق الله من كل تسبيحه ملكًا من الملائكة يجئ صفًا واحدًا" (الطبري ج 30 ص 13، 14) وقال البيضاوي في تفسير الآية 170 من سورة النساء عن الروح القدس أنه "هو أعظم من السموات ومن الجبال ومن الملائكة" وأنه "أعظم خلقًا من الملائكة وأشرف منهم وأقرب من رب العالمين" (البيضاوي المجلد 2 ص 355).
4- هو الذي يحيي الأموات والقلوب: فذكر البيضاوي في تفسير الآية 87 من سورة البقرة عن الروح القدس "انه هو الذي يحيي الأموات أو القلوب" وقال الرازي انه "روح الله. انه سبب الحياة" (الرازي ج 5 ص 521).
5- هو درجة نزول الأنوار: ذكر الطبري في تفسيره للآية 38 من سورة النبأ عن الروح القدس "هو في درجة نزول الأنوار من جلال الله، ومنه تشعبت إلى أرواح سائر الملائكة والبشر" وفي تفسير الجلالين للآية 22 من سورة المجادلة قال عن الروح القدس "هو نور من الله" وفي تفسير الطبري للآية السابقة قال عن الروح القدس "هو برهان من الله ونور وهدى" وقال النسابوري في تفسيره لسورة المعارج "الروح القدس هو أول درجة نزول الأنوار من جلال الله، ومنه تشعبت إلى سائر الملائكة".
6- هو رحمة: ففي تفسير البيضاوي للآية 22 من سورة المجادلة قال عن الروح القدس "هو رحمة من أمر الله. هو الضمير للإيمان ".
7- هو الكتب التي نزلت على الأنبياء: ففي تفسير الطبري للآية 15 من سورة غافر قال عن الروح القدس "هو الكتب التي أنزلها الله على أنبيائه".
8- هو من الذي اختصه الله بمعرفته: ففي تفسير البيضاوي للآية 85 من سورة الإسراء قال عن الروح القدس "هو الذي استأثره الله بعلمه" وقال الكشاف في شرحه لسورة السجدة عن الروح القدس " هو الذي اختص به تعالى وبمعرفته. لا يعلم كنه إلاَّ الله".
9- هو إنجيل عيسى: ففي تفسير البيضاوي للآية 87 من سورة البقرة قال عن الروح القدس "هو إنجيل عيسى".
10- هو روح عيسى: ففي تفسير الإمام الرازي للآية 85 من سورة الإسراء قال عن الروح القدس "هو روح عيسى عليه الصلاة والسلام، ووضعها فيه لطهارته من مس الشيطان أو لكرامته عند الله سبحانه وتعالى، ولذلك إضافة إلى نفسه تعالى"، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.وقد ذكر القرآن أن الله أيد عيسى بالروح القدس "إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ" (المائدة 110) "وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ" (البقرة 87، 253).
11- هو اسم الله الأعظم: ففي تفسير البيضاوي للآية 87 من سورة البقرة عن الروح القدس قال "هو اسم الله الأعظم الذي كان عيسى به يحيي الموتى" وقال الزمخشري "إنه الإنجيل أو روح عيسى أو اسم الله الأعظم الذي يُحيي به الموتى" (الزمخشري ج1 ص 162).
12- هو الذي خلق عقول الخلق: فقال القرآن "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً" (الإسراء 85) وفي تفسير الإمام الرازي لهذه الآية قال " هو الذي خلق عقول الخلق التي تقصر عن معرفته " وفي تفسير السيد قطب للآية 87 من سورة البقرة قال عن الروح القدس "ما الروح القدس أو من الروح القدس الذي جاء في مواقع شتى..؟ انه لا سبيل لإدراكه بوسائل العقل البشري وتصوراته المحدودة، ومن الخير ألا ننفق الطاقة في محاولة إدراك كنهه.. إن روح القدس قوة خلق الله تتوجه بأمر الله وإرادة الله إلى حيث يريد الله وكما يريد الله، وهذا كل ما يملك العقل البشري أن يتصوره أو يتلقاه" (نلاحظ إنه يتساءل عن الروح القدس تارة بما لغير العاقل وتارة بمن العاقل ثم ينصح بعدم الخوض في محاولة معرفة كنه الروح لأنه فوق مستوى إدراك العقل البشري).
13- "هو روح الله الأزلي غير المخلوق" قال الشيخ محمد الحريري البيومي في كتاب الروح وماهيتها "روح القدس هو روح الأرواح، وهو المنزه عن الدخول تحت القول" كن "الذي كان الله يخلق به المخلوقات، ومن ثم لا يجوز أن يقال أن الروح مخلوق، لأنه وجه خاص من وجوه الحق، قام الوجود بذلك الوجه، فهو روح ليس كالأرواح لأنه روح الله.. وروح الله غير مخلوق، وذلك الروح هو المعبر عنه بالوجه الإلهي".
14- هو الله: قال السيد عبد الكريم الجبلي " الروح القدس غير مخلوق، وغير المخلوق أزلي، والأزلي هو الله دون سواه " (مجلة كلية الآداب مايو 1934) والروح القدس لانه هو الله فهو الذي منح الحياة للإنسان، فقال القرآن عن خلقة الله لآدم "فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ" (الحجر 29؛ سورة ص 72) "ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ" (السجدة 9) ومنح الحياة هو من عمل الله وحده، فأي مخلوق مهما علا قدره فهو لا يملك منح الحياة للآخرين..
15- قال أحمد بن حنبل "أن القول بأن الروح مخلوق بدعة والقول بأنه قديم كفر" ويقول القس صموئيل مشرقي " وهكذا نجد كيف استبدت الحيرة ببعضهم فيقولون أن روح الله هو ما استأثره بعمله، بينما يدفع البعض الآخر في اتجاه الخلط بين الروح الإنسانية وروح الله. وإذ ثبت غموض معنى الروح لدى من حولنا، فقد جعلوا له 15 تفسيرًا تبعث على الدهشة لكثرتها واختلافها.. ومع ذلك فان لديهم في وصف الروح ما يكفي لإثبات الوهيته بلا شك إذ هو موصوف بأنه هو الذي يقف أمام عرشه صاغرين، وما الملائكة إلاَّ مبلغون وحية، يحرك القلوب بالكلمة وبيده الحكمة والحياة.