منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 10 - 07 - 2014, 03:00 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,467

كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
مقدمة


مقدمة
نتابع معًا يا صديقي رحلتنا عبر سلسلة:
"استقامة كنيستنا"
تحدثنا عن شهود يهوه، لئلا نسقط في هوة هلاكهم..
وتحدثنا عن الأدفنتست لئلا ننزلق إلى ظلمة موتهم... أما الآن فالحديث عن الإنجيليين.. والحديث هنا مختلف تمامًا.. مختلف في طريقة البحث ومختلف في القصد أيضًا..

أولًا: طريقة البحث:

ما أكثر الكنائس التي تدعو نفسها بأنها إنجيليه.. في مصر الكثير، وفي الخارج الأكثر والأكثر والأكثر... النازل إلى الساحة يتوه.. يتوه في زحمة المجموعات.. يتوه في زحمة المبادئ والأفكار.. يتوه في زحمة المشاكل والانشقاقات.. وبين عشرات الكتب لم أجد ضالتي المنشودة.. سمعت عن أسماء كنائس كثيرة، فمثلًا: الإصلاح والإيمان والله والمثال المسيحي والرسولية والخمسينية والمسيح والنعمة والنعمة الرسولية والبلاميث والأخوة المرحبين والمعمدانيين الإنجيليين والكنيسة المعمدانية الكتابية الأولى والأسقفية... الخ ولم أدري الفوارق بين كل كنيسة وأخرى.. فذهبت ونزلت.. نزلت إلى الأزقة والحواري والشوارع.. ألِف وأدور.. اسأل واستفسر عن القاعات الإنجيلية أجلس وأشاهد.. أسجل واستقصي، وأتناقش مع القسوس الإنجيليين والأخوة الأحباء.. على مدار ساعات طويلة طويلة وخلال أيام كثيرة وشهور عديدة، إلى أن انتهيت من هذا البحث بعد رحلة ألم وعناء وحسرة.. عجبًا...!! كيف تحول قطيع الراعي الواحد إلى قطعان صغيرة كثيرة متفرقة ومتصارعة (ولو في الخفاء)..!!!


كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
ثانيًا: القصد:

أما القصد فمختلف تمامًا عما سبق مع شهود يهوه والأدفنتست.. لم أقصد من كتابي هذا هجوم أو منازلة.. ولكن القصد كل القصد أنه صرخة..
صرخة ألم.. صرخة رعب.. صرخة حسرة.. صرخة نداء ودعوة.. صرخة تحذير وأمل..
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
إنها صرخة ألم... صرخة ألم من أعماق قلب أم حزينة على أولادها.. أولادها الذين هجروها.. هجروها وذهبوا بعيدًا بعيدًا عن أحضانها..
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
إنها صرخة الكنيسة.. أم القديسين والشهداء.. القديسون المجاهدون العابدون الذين سبقونا في طريق الملكوت:
"وإن لم تعرفي أيتها الجميلة بين النساء فاخرجي على آثار الغنم (القديسين) وارعي جداءك عند مساكن الرعاة" (نش 8:1)
والشهداء الذين بذلوا دمائهم الغالية رخيصة من أجل الإيمان فشكلوا سحابة الشهود المحيطة بنا:
"لذلك نحن أيضًا إذ لنا سحابة من الشهود (الشهداء) مقدار هذه محيطة بنا لنطرح كل ثقل والخطية المحيطة بنا بسهولة.." (عب1:12)
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
إنها صرخة رعب... صرخة رعب تعلن الويل كل الويل لكل متجاسر عنيد.. الويل لمن تجرأ أو تجاسر وقسَّم كنيسة المسيح إلى شيع وأحزاب.. الويل لمن اخترع طائفة جديدة أو كنيسة جديدة.. الويل لمن ساق نفسه إلى صراعات تفضي إلى تقسيم الجسد الواحد.. صراع على الرئاسة.. صراع على السلطة.. صراع حول الذات.. الويل لمن صنع الانشقاق والانقسام، فمن ذات الزرع سيحصد ثمارًا من نفس النوع.. وهذا ما نراه وما نلمسه يومًا فيوم بحجة التنويع وتلافى الخلافات.. ألا يدرون أن تقسيم الكنيسة جريمة عُظمى ضد الحبيب الواحد..؟؟!!
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
إنها صرخة حسرة.. ويا للحسرة.!! لقد مزقوا الكنيسة ثوب المسيح سعيًا وراء لوثر.. لقد شوَّهوا صورة الكنيسة عروس المسيح سعيًا وراء زونكلى وكالفن.. ومن بعدهم العشرات والمئات.. كل منهم يُنشئ كنيسة باسم جديد ومبادئ جديدة وتفسيرات جديدة... وأين المسيح يا قوم وسط هذا الزحام..؟!!
لقد ظهرت كنيسة القسيس فلان، وكنيسة القسيس عِلان.. كلٍ يحاول تسويق بضاعته وكسب أتباعًا جدد...
لقد عشت مع لوثر وزونكلى وكلفن.. ورأيت عجبًا..! وتساءلت:
أين هؤلاء من إنجيل المسيح.. ووصايا يسوع..؟
أين هؤلاء من وصية المحبة للجميع أخوة وأعداء..؟
أين هؤلاء من وصية التسامح..؟ أم أنهم قتلة سفاكي دماء بالتحريض والفعل..؟
أين هم من وصية " أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله" (فصل الدين عن السياسة)..؟ أم أنهم نصّبوا أنفسهم حكام دين ودنيا..؟
أين هم من حياة آباؤنا الرسل الأطهار؛ والشهداء الأبطال؛ والقديسون الأبرار؛ وإنكار الذات..؟
هل أرضوا الرب في حياتهم وتصرفاتهم حتى ننظر إلى نهاية سيرتهم ونتمثل بإيمانهم..؟ أم أنهم أرضوا ذواتهم وأتباعهم..
يا صديقي إن كنت تستثقل هذه الأقوال فلا تصدر رأيك إلا بعد الانتهاء من قراءة هذا الكتاب.
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
إنها صرخة نداء ودعوة.. صرخة دعوة أُم تفتح أحضانها منتظرة عودتك أيها الابن البعيد.. تناديك وتناجيك.. لكنها لا تريد أن تبكيك.. بل تهمس في أذنيك.. يا ابني.. يا حبيبي.. هيا انهض واصعد إليّ.. إنني على الجبل العالي.. مؤسسة على صخر الدهور.. أذكر يا ابني من أين سقطت وتُب.. تُب وقم.. قم واصعد.. اصعد وعُد إليّ.. عُد.. عُد يا ابني الحبيب إلى أحضاني لترح أحشائي التي حبلت بك، لقد ولدتك في جُرن المعمودية.. عُد يا ابني الحبيب حيث النجاة (فلك نوح).. حيث الحياة (من يأكل جسدي ويشرب دمي يحيا إلى الأبد).. حيث المصلوب (من يسير إلى الجلجثة يعطيه المصلوب أمه القديسة مريم أمًا له).. حيث السعادة وملء البركات (الكنيسة هي أيقونة السماء.. باب السماء.. هي السماء).
يا ابني... لا تدع الأيام تطويك.. والسراب يخدعك.. وتذهب وراء الأهواء.. وراء الإيحاءات.. وراء الانفعالات البشرية والصرخات الهستيرية وبلبلة الألسن.. وراء المحتجين ضد كل شيء حتى أنهم فقدوا كل شيء.
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
إنها صرخة تحذير وأمل.. حذارٍ.. حذارٍ.. يا أبي.. يا أمي.. يا أخي.. يا أختي.. يا ابني.. يا ابنتي.. أن يترك أحد أمه الكنيسة الأرثوذكسية لأي سبب كان..!!
فلنشكر الله على حياتنا في الأحضان الفسيحة الدافئة.. وصدقني.. صدقني يا صديقي أن الخارج من الكنيسة هو طفل تنتزعه من أحضان أمه لتلقى به في مفارق الطرق.. بل تلقي به في الطوفان.. دعنا نصلى ونضرع إلى إلهنا الحي ليمد يمينه ليضمد الجراحات.. ويجمع الشمل.. ويزيل الانقسامات.. لتكون رعية واحدة لراع واحد.. لمجد الإله الواحد.. بشفاعة أمنا العذراء القديسة مريم والدة الإله، أمين...
رد مع اقتباس
قديم 10 - 07 - 2014, 03:03 PM   رقم المشاركة : ( 2 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,467

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب

الوسط الذي ظهرت فيه حركة البروتستانت

أولا: سلطة البابا
ثانيًا: فساد الإكليروس
ثالثًا: جهل الشعب
رابعًا: الروح القومية
خامسًا: عصر النهضة
سادسًا: صكوك الغفران
عقيدة زوائد القديسين
عقيدة المطهر
احتجاجات مارتن لوثر الـ95
من أمثلة هذه الاعتراضات
تعليق
الحواشي والمراجع
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
أولًا: الوسط الذي ظهرت فيه حركة البروتستانت
أولا: سلطة البابا:

كانت أوربا مقسمة إلى ولايات، على رأس كل ولاية رئيس أساقفة، وكل ولاية مُقسمة إلى مناطق أصغر (دوقيات) على رأس كل منها أسقف، وهذه المناطق مقسمة إلى إبروشيات لكل إبروشية منها كاهن أو أكثر.. لقد مثّل هذا النظام شبكة متكاملة تُغطى جميع مناطق أوربا وجميعها تدين بالولاء للبابا.. هذا بالإضافة للأنظمة المختلفة للرهبنة وأهمها الدومنيكان والفرنسيسكان وكانت أعداد الرهبان كثيرة جدًا.. أما أديرتهم فهي تُغطى معظم مناطق أوربا وجميعهم يُدينون بالولاء للبابا.
وامتدت سلطة البابا من الأمور الدينية إلى الأمور الدنيوية، كما شملت سلطة الأساقفة الشئون المدنية علاوة على الشئون الدينية.. حتى أن سلطان الإمبراطور أصبح أقل كثيرًا من سلطان البابا.. فلقد أصبح الإمبراطور وأتباعه من الحكام مجرد صورة لاستكمال البرواز:
"كان رجاله (النظام الكنسي) يمسكون في أيديهم السلطة الدينية والدنيوية معًا.. والويل لمن تحدثه نفسه بأن يثور على نظام الكنيسة، أو يقف في وجهها، لأنهم عندئذٍ كانوا يسلمونه للسلطة المدنية لإصدار الحكم عليه ثم يكون نصيبه عامود (خازوق) الإحراق بعد ذلك في الميادين العامة، أما السلطة المدنية فما كانت تعمل إلا في خضوع لأوامرهم ومؤامراتهم"(1)...
والأمثلة على ذلك كثيرة نذكر منها القليل:
1) بعد أن ظل الأباطرة والملوك يعينون الأساقفة لوقت طويل باعتبار أن الأسقف يجمع بين السلطتين الدينية والمدنية، انتزع بابا روما هذا الحق وبدأ هو يُعين الأساقفة على أن يجمعوا بين السلطتين.. وعندما تجرأ الإمبراطور هنري الرابع واعترض قام البابا هيلد براند بحرمانه، ومعنى هذا أنه أصبح محرومًا من المُلك أيضًا.. فماذا فعل الإمبراطور...؟ لقد توجه الإمبراطور المظلوم عبر جبال الألب في الشتاء القارص والأمطار الغزيرة والثلوج بصحبة زوجته وابنه الرضيع حتى وصل إلى قصر البابا في روما.. وقف الإمبراطور أمام القصر وهو حافي القدمين مرتديًا الملابس الخشنة نادمًا متذللًا.. وظل على هذه الحالة لمدة يومان حتى سمح له قداسة البابا بالمقابلة ورفع عنه حكم الحرمان على ألا يعود إلى تلك المعصية..
2) ظهر جون هس في بوهيما وسط أوربا وأخذ يندد بالحياة المستبيحة التي يحياها الكهنة، وفي عام 1410م أخرج كتابًا أسماه "ناموس المسيح" نادى فيه بأنه يحق للمسيحيين شق عصا الطاعة على البابا فيما يخالف ناموس المسيح.. كما أنكر حق البابا في تحصيل جزية من إنجلترا.. عُقِد له مجمع كونستانس في 1414م وحُكم عليه بالحرق حيًا، فربطوه في عمود كبير وسط جزيرة بالنهر وأحرقت أمام عينيه كتبه وملابسه ثم أُحرِق ونُثر رماده في النهر لئلا يقدس أتباعه رفاته..
3) الراهب سافونارولا في مدينة فلورنسا بإيطاليا، قال:
"لقد كان للكنيسة من قبل قساوسة من ذهب وكؤوس من خشب أما الآن فالكؤوس صارت من ذهب والكهنة من خشب".
لقد اعترض سافونارولا Girolamo Savonarola على فساد الإكليروس والبابا الكسندر السادس الذي يصفه المؤرخين بأنه "حية رقطاء" يستبيح بكل القوانين ويغرق نفسه في الشهوات ممعنًا في القسوة لدرجة أنه لم يكن يتورع أن يدس السم لأتباعه"(2).. وكان نتيجة هذا الاعتراض أن البابا الكسندر أمر بحرق الراهب الثائر هو واثنين من رفقائه الرهبان سنة 1498م فشنقوا الثلاثة وأحرقوا جثثهم، وذروا رمادهم في نهر الأرنو..
4) كان في إحدى الأوقات لروما ثلاث باباوات في وقت واحد أولهم بندكتوس الثالث عشر الذي اعتلى كرسي الباباوية سنة 1394 م، ثم جاء جريجوريوس الثاني عشر سنة 1406م. ونصب نفسه بابا لروما في وجود بندكتوس، وفي سنة 1410م. نصب يوحنا الثاني عشر نفسه بابا ثالث لروما، وكان لكل بابا من الثلاثة حزبًا يؤيده ويحرم الآخرين، وظل هذا الوضع الشاذ حتى عام 1414م. عندما انعقد مجمع قسطنويًا برياسة البابا يوحنا الذي رفض التنازل عن الكرسي إلا بعد تنازل غريميه، فواجهه المجمع بخمسين تهمة موجهة ضده منها إنكار الحياة الأبدية وقيامة الأجساد وخلود النفس، وانه خدم الأسرار المقدسة وهو متقلدا سلاحه، بالإضافة إلى الفضائح الفظيعة التي يندى لها الجبين، وعندما أصر على رأيه قطعه المجمع مع بندكتوس الثالث عشر، واعتزل جريجوريوس وتم رسامه بابا جديد هو البابا رتينوس الخامس سنة 1417م..
5) البابا سيكستوس الرابع سنة 1471م. (ابن سماك) كان محبًا للمال شهوانيًا مستبيحًا فكان له أبناء غير شرعيين، بل تدهور به الحال إلى انه بني بيوتًا للبغاء.
6) البابا بانيوستيتوس الخامس سنة 1484م. كان أكثر فسادًا ممن سبقوه حتى أنه كان له ستة عشر ابنًا غير شرعي، بالإضافة إلى جشعه ومحبته للمال.
7) البابا سيكستوس الخامس سنة 1585م. كان قبل توليه كرسي الرئاسة يظهر التواضع فيمشى منحنيًا متوكئ على عصاه وصوته منخفضًا، وعندما اخبره الكرادلة بتذكيته لكرس الباباوية اظهر اتضاعًا عجيبًا مدعيًا انه لا يستحق هذا الشرف العظيم وهذا المنصب الجليل وعما قليل سيفارق هذه الحياة، والعجيب انه بعد الرسامة تبدل حاله وتغير فمشى منتصبًا وألقى عصاه واخذ يرتل بصوت عالٍ كالرعد، فلما سألوه عن سبب التغير أجابهم بأنه كان يفتش على مفاتيح مار بطرس فلما عثر عليها استقامت قامته.
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
ثانيًا: فساد الإكليروس:

نظرًا لأن الدرجات الكهنوتية أصبحت تمثل سلطة ومكسبًا ماديًا، لذلك اندفع الكثيرون يتنافسون للحصول على هذه الدرجات، وقدموا في سبيل ذلك المال والرشاوى المختلفة.. لقد تفشت السيمونية وسط الكنيسة الكاثوليكية ودخل للكهنوت من يستحق ومن لا يستحق:
"أما السيمونية فقد كانت شرعة لمن يريد أن ينال كرسيًا كهنوتيًا أو يحتل منصبًا كنسيًا.. أما الأسقفيات فكانت وقفًا على أبناء الأمراء والإقطاع دون النظر إلى درجة علمهم أو أهليتهم.. أما نذر العفة فقد كان ستارًا لكل الموبقات.. إن الشيطان قد أدخل كل النبلاء إلى دائرة الكهنوت وأجلسهم على كراسي الأساقفة.. أما جيمس ملك اسكتلندا فقد كان له خمسة من الأبناء غير الشرعيين أجلسهم كلهم على كراسي الأسقفيات في البلاد "(3).
نتيجة لهذا سقط الكثيرين من رجال الإكليروس في السُكر والعربدة والرذيلة،وعاشوا حياة البذخ والفخفخة حتى كرههم الشعب.. أيضًا لم يخضع رجال الإكليروس للقوانين العادية والمحاكم المدنية:
"أما تلك الإمبراطورية الكنسية فقد كانت في واقع الأمر في تحرر كامل من القوى المدنية.. كانت أعلى من الملوك في مستواها وفوق الأباطرة والأمراء.. والملوك أنفسهم كانت تهتز عروشهم إن هم حاولوا الوقوف ضدها.. حتى في حالة ارتكاب (الإكليروس) جريمة لم يكن من الممكن محاكمتهم على أساس القوانين السائدة في البلاد.. كانت محاكمتهم تتم في بلاط كنسي "(4)... ولهذا عندما ظهرت حركة البروتستنت تُهاجم البابا والإكليروس.. انضم إليها الكثيرين من المستاءين من هذه الأوضاع الكنسية المتردية.
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
ثالثًا: جهل الشعب:

انصرف رجال الدين عن تعليم الشعب، واقتصرت العبادة على الطقوس التي تُتلى باللغة اللاتينية التي لا يفهمها القارئ ولا السامع.. لقد افتقر الشعب إلى القدوة وقلت الروحانية وكثر الكلام والمجادلات والمماحكات الغبية، وانتشر السحر والشعوذة وأصبح الشعب الجاهل يخشى سلطة رجال الدين كما يخشون أعمال السحر.. لذلك شجع الكثيرون الفكر البروتستنتي الذي يحتج على سلطة الإكليروس ويهدم كرامة الكهنوت وينزع الوقار المُقدم لرجال الدين.
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
رابعًا: الروح القومية:


كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
عانى الفلاحون والعمال من تسلط وظلم أصحاب الأراضي والمصانع ولاسيما في بلاد غرب أوربا، وزاد من هذه المعاناة تسلط باباوات روما، وانصراف رجال الدين عن الاهتمام بشئون الرعية وانشغالهم في جمع المال وعيشتهم في ترف زائد.. كل هذا أدى إلى تذكية الروح القومية ولاسيما في ألمانيا وإنجلترا وفرنسا.. وتطور الأمر إلى اشتعال ثورات الفلاحين، وقد استغل قادة البروتستنت هذه الظروف لصالح دعوتهم.
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
خامسًا: عصر النهضة:

يسمى القرن الخامس عشر والسادس عشر في أوربا بعصر النهضة أو عصر الإحياء أو عصر الميلاد من جديد، وفيه تمت إنجازات هامة في كافة نواحي العلم، فمثلًا:
1. اكتشف كولمبوس أمريكا، كما اكتشف فاسكودى جاما طريق رأس الرجاء الصالح مما غير مصدر الثورة، فبعد أن كانت الثروة قاصرة على امتلاك الأراضي امتدت إلى التجارة.
2. أعلن كوبرينكس أن الشمس ثابتة والأرض هي التي تدور حولها.
3. سنة 1450م تم اختراع آلة الطباعة، وهذا ساعد على سرعة انتشار الأفكار ولاسيما التي تعارض وتنتقد الكنيسة البابوية.
4. سنة 1453م سقطت القسطنطينية في يد الأتراك وهرب كثير من علماء اليونان إلى غرب أوربا حيث أسسوا "الحركة الإنسانية" التي تهدف إلى خدمة الإنسان.. وقارنوا بين وضع الكنيسة الأولى والكنيسة في وضعها الراهن ونادوا بالتغيير والإصلاح.
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
سادسًا: صكوك الغفران:

اعتمدت فكرة صكوك الغفران على عقيدتين في الكنيسة الكاثوليكية، وهما عقيدة زوائد القديسين وعقيدة المطهر.
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
* عقيدة زوائد القديسين(5):

يعتقد الكاثوليك بأن القديسين الذين صنعوا أعمالًا صالحة عظيمة خلال حياتهم تكفيهم ويتبقى منهم الكثير، وهذه الأعمال الصالحة المتبقية من القديسين يطلقون عليها زوائد القديسين وهي تعتبر بمثابة كنز يودع في الكنيسة ومن حق الكنيسة الصرف من هذا الكنز لصالح المحتاجين، بشرط أن يؤدي هؤلاء المحتاجون خدمات جليلة للكنيسة أو يدفعون جزء من أموالهم للكنيسة.. لذلك تنافس الملوك في الحصول على أكبر عدد ممكن من أجساد القديسين وأمتعتهم، حتى أن الملك فريدريك الثالث ملك ساكسونيا جمع في كاتدرائية فيمتبرج حوالي 17000 ذخيرة من ذخائر القديسين تمنح إعفاءات من نار المطهر تصل إلى 127799 سنة، 166 يومًا.. والعجيب أن هذا الملك مات بروتستنتيًا كما سنرى فيما بعد.
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
* عقيدة المطهر:

جميع نفوس المنتقلين ستجوز في نار المطهر لكي تتطهر من الخطايا والهفوات والسهوات التي صنعتها، وكل نفس ستمكث في المطهر فترة تتناسب مع الخطايا التي صنعتها فالإنسان الذي صنع خطايا كثيرة يطول وجوده في المطهر والذي صنع خطايا أقل يقل وجوده في المطهر.. أما القديسون فإنهم لا يجوزون في نار المطهر.
والإنسان الذي يقتنى صك غفران يمكنه أن يُعفى من نار المطهر لمدة 20 أو 50 أو 10 سنة مثلًا.. كما يستطيع الشخص أن يحصل على صك غفران لصالح قريب أو عزيز له قد فارق الحياة، وقد بدأت فكرة صكوك الغفران مع الحروب الصليبية، ونادى رجال الدين بأن الجندي الذي يعترف ويتوب ويتقدم للحرب مخاطرًا بحياته يستطيع أن يحصل على صك غفران كتابةً، وبموجب هذا الصك يُعفى من عذاب المطهر.. ثم بدأ رجال الدين يمنحون هذه الصكوك لمن يقوم بأعمال خيرية مثل بناء الكنائس والمستشفيات وللذين يذهبون للأماكن المقدسة مثل أورشليم وروما، وفي البداية كانت تُمنح صكوك الغفران للفقراء مجانًا بشرط التوبة والاعتراف.. ولكن مع الأيام بدأت تُباع هذه الصكوك وأصبحت تجارة رابحة شائعة يلجأ إليها البابا كلما احتاج للمال.. كما كانت الصكوك متنوعة ومُختلفة.. فكل صك تتناسب قيمته مع مقدار الخطية المطلوب غُفرانها..
وفى سنة 1513م جلس البابا ليون العاشر على كرسي القديس بطرس، وكان من عائلة آل مديتشي الغنية، وهو قد اعتاد على حياة الرفاهية والإسراف والبذخ كما كان يحب الفن والتعمير وعندما عزم البابا على عمل بعض الإصلاحات بكاتدرائية بطرس الرسول لم يجد المال الكافي، لذلك أصدر في 31 مارس 1515م. قرار ببيع صكوك غفران كاملة أي تمنح الإنسان إعفاء كامل من عقوبة المطهر وليس لفترة محددة.. اعترض على هذا معظم الولايات الألمانية وبحث البابا عن أحد الأساقفة الألمان للتعاون معه فوجد ضالته المنشودة في البرت رئيس أساقفة ما ينسى الذي وصل إلى رئاسة ثلاث ابروشيات عن طريق الرشوة، رغم أن قانون الكنيسة كان يمنع شغل نفس الشخص لأكثر من منصب ورغم أن عمره لم يتجاوز الخامسة والعشرين..
كان ألبرت في شدة الحاجة إلى المال لسداد ديونه المتراكمة عليه لدى البنوك.. وتم الاتفاق بين البابا والبرت على بيع صكوك الغفران في الإبروشيات الثلاث خاصته على أن تقسم الحصيلة بينهما..
واختار ألبرت رئيس أساقفة ما ينسي الكاهن الدومنيكاني يوحنا ليقوم بحملة دعاية كبيرة لبيع هذه الصكوك، وسافر يوحنا إلى المدن المختلفة في موكب ضخم يتقدمه مُناد يدعو الجموع للاجتماع لأمر هام.. فيقوم فيهم الكاهن يوحنا خطيبًا بارعًا، يُحدثهم عن فوائد صكوك الغفران ويختتم خطبته بالعبارة الشهيرة التي سجلها التاريخ " في نفس اللحظة التي ترن فيها نقودكم في الصندوق تخرج النفس المطهرية حرة منطلقة إلى السماء".
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
احتجاجات مارتن لوثر الـ95:

هذه الصكوك أثارت الكثيرين وعلى رأسهم مارتن لوثر الذي أخذ يُهاجم هذه الصكوك في عِظاته.. وفي 31 أكتوبر 1517م كان يوافق عشية عيد القديسين حيث يقبل الآلاف من كل مكان إلى كاتدرائية فيتمبرج للحصول على الغفران، وانتهز مارتن هذه الفرصة وعلق لوحة على باب الكاتدرائية تحتوي على خمسة وتسعين احتجاجًا ضد صكوك الغفران باللغة اللاتينية، وكان قصد مارتن من الكتابة باللغة اللاتينية وعدم كتابتها بلغة الشعب الألمانية أنها رسالة موجهة لعلماء الكنيسة بقصد تصحيح الأوضاع... وتعجب مارتن عندما وجد هذه الاحتجاجات تُرجمت إلى الألمانية ولغات أخرى وطُبعت وانتشرت في ألمانيا وخارجها، وشملت هذه الاحتجاجات ما يأتي:
1) ليس للبابا سُلطة على نفوس المنتقلين.
(الاحتجاج1-29)
2) الغفران يتم عن طريق واحد وهو التوبة.
(الاحتجاج 30-68)
3) مهاجمة الذين يرتكبون الشر بحجة أنهم قد اقتنوا صكوك غفران كاملة. (الاحتجاج 69-90)
4) تحذير للشعب من الأنبياء الكذبة الذين ينادون للشعب بالسلام وهم كاذبون، ولن يدخل أحد الملكوت بالمال.
(الاحتجاج 91-95)
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
ومن أمثلة هذه الاعتراضات:

الاعتراض السادس:ليس من حق البابا أن يغفر خطايا الإنسان ولكنه يُعلن للخاطئ أن خطاياه غُفرت وذلك في التوبة والاعتراف.

كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
الاعتراض الحادي والعشرون:يضل الذين يُنادون بأن صكوك الغفران تُخَلِّص الإنسان من عَقاب الخطية.
الاعتراض السابع والعشرون:يضل الذين يقولون بأنه متى رنت النقود في صندوق الجمع تخلص النفس من المطهر مُنطلقة نحو السماء..
الاعتراض السادس والثلاثون:المسيحي الحقيقي الذي يترك خطاياه بقلب منسحق نادم تُغفر خطاياه، ولا حاجة له إلى صكوك الغفران..
الاعتراض الثالث والأربعون:على المسيحي أن يفهم حقيقة أن الذي يُحسِن إلى مسكين أو يُقرِض محتاجًا يقوم بعمل أفضل من شراء صك الغفران.
الاعتراض الثاني والستون:إن كنز الكنيسة الثمين هو إنجيل نعمة الله.
وقد اعتبر البروتستانت يوم 31 أكتوبر 1517م. بداية تاريخ الإصلاح الإنجيلي.
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
تعليق:

المسيحية تُفصل بين الأمور الدينية والأمور الدنيوية، وليست المسيحية دين ودولة، ولكنها تعترف بالفصل بين الدين والسياسة كقول السيد المسيح للمجربين "أعطوا إذًا ما لقيصر لقيصر وما لله لله" (مت 21:22)... وسقوط الكنيسة الكاثوليكية في خطأ الجمع بين السلطتين الزمنية والدينية، أعطى الفرصة للبعض بالاحتجاج.
وبينما تفشى الفساد في الإكليروس الكاثوليكي، لكن البروتستانت أنفسهم يعترفون بوجود بعض الأفاضل الذين حفظوا الفضيلة، كما يعترفون بأثر الكنيسة في المجتمع، فيقولون:
"فقد كان في الكنيسة أتقياء وقديسون من المؤمنين المتعبدين ومن النُسّاك والرهبان الزاهدين الذين سحرتهم كلمة الله وبشارة الإنجيل فدرسوها وتذوقوها وكتبوا عنها "(6)
"ومن مآثر الكنيسة في العصور الوسطى، أنها وحدَّت أوربا فترة من الزمن بعد ضعف وانهيار الدولة الرومانية التي كانت عامل الوحدة من قبل.. ولولاها لتفرقت أوربا إلى جماعات بربرية غير متحضرة..
الكنيسة بسلطانها الشامل أخذت هؤلاء البرابرة وهذبتهم، وغرست في الناس من بذور الأخلاق ما أمكن أن يستمر فيهم.. خففت ولطفت من القسوة في معاملة العبيد، ورفعت مقام المرأة ودافعت عن كيان الأسرة وقللت من احتمالات الحروب، وبالمساعدات الخيرية للفقراء سدت احتياجات المحتاجين... كادت الكنيسة تكون المصدر الوحيد للتعليم، فأغلب مُفَكِّري العصور الوسطى كانوا من بين كهنتها "(7)....
وجهل الرعية لم يكن نابعًا من تحريم الكتاب المقدس على الشعب كما ادعى بهذا بعض البروتستانت.. وفي تلك الأثناء عثر (لوثر) في مكتبة الجامعة على نسخة من الكتاب المقدس باللغة اللاتينية. وقد شغف لوثر بالكتاب "المحرم" على الشعب شغفًا شديدًا (8).
ويعترف بعض البروتستانت بأن الكنيسة لم تحرم أحدًا من قراءة أو طبع الكتاب المقدس، فيقول الدكتور القس حنا جرجس الخضري:
"البعض يعتقد أن الكنيسة الكاثوليكية كانت تمنع وتُحَرِّم الكتاب المقدس للعامة.. وقد رأي البعض في نسختي الكتاب المقدس المربوطتين بسلاسل في كل من جامعة إرفورت والدير الذي التحق به لوثر رمزًا على أن الكتاب كان مسلسلًا ومقيدًا ومغلقًا أمام الجميع.. ولكن الحقيقة -وإن كانت الكنيسة الكاثوليكية في ذلك العصر لم تشجع بأي حال من الأحوال العلمانيين على دراسة الكتاب المقدس أو الإطلاع عليه، بل احتفظت بحق تفسيره لإكليروسها- لكنها لم تُحرِم الذين يريدون الإطلاع عليه من ذلك.. والدليل على ذلك أن الكنيسة لم تصدر أي قرار ضد أول طبعة من الكتاب المقدس التي ظهرت باللغة الألمانية في سنة 1466م في مدينة ستراسبورج أي قبل أن يولد مارتن لوثر نفسه "(9)
_____
الحواشي والمراجع :

(1) ص15تاريخ المسيحية ج3 د.عزت زكى.
(2) ص21 أضواء على الإصلاح الإنجيلي (4).
(3) ص8،9 تاريخ الكنيسة ج3.
(4) ص14 تاريخ المسيحية ج3.
(5) ستتم مناقشة هذا الموضوع في كتاب " يا أخوتنا الكاثوليك متى يكون اللقاء "
(6) ص12 أضواء على الإصلاح الإنجيلي.
(7) ص13 أضواء على الإصلاح الإنجيلي.
(8) ص 39 تاريخ المسيحية ج3.
(9) ص26 مارتن لوثر للدكتور القس حنا جرجس الخضري.
  رد مع اقتباس
قديم 10 - 07 - 2014, 03:11 PM   رقم المشاركة : ( 3 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,467

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب

مؤسسي حركة البروتستانت

كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
يعتبر مارتن لوثر مؤسس حركة البروتستانت، بالإضافة إلى بعض الشخصيات الأخرى.. نتناول هنا بشيء من التفصيل حياة مارتن الألماني والريخ زونكلي السويسري، وجون كلفن الفرنسي.. ولك يا صديقي أن تتأمل وتفحص حياتهم وتصرفاتهم...
أين هم من حياة الشهداء والقديسين..؟!
ما مدى وضوح صورة السيد المسيح فيهم..؟!
هل يمكن أن نأخذ أقوالهم كأمور مُسَلَّم بها بدون فحص أو تمحيص؟...... إلخ.
  1. مارتن لوثر وبحور الدماء
  2. زونكلي الراعي المقاتل
  3. جون كلفن.. الحاكم بأمر الله
  4. فيليب ميلنكثون.. لاهوتي المحتجين
  رد مع اقتباس
قديم 10 - 07 - 2014, 03:19 PM   رقم المشاركة : ( 4 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,467

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب

مارتن لوثر وبحور الدماء


المرحلة الأولى: من الميلاد إلى الهرطقة
ميلاده
عماده
الفقر والقسوة
الأب الطموح
العذاب في مدرسة مانسفلد
التسول في مدرسة الآباء الفرنسيسكان
والتسول في مدرسة القديس جورج
مارتن وروح التردد والجُبن
في جامعة ارفورت
مارتن الأستاذ الجامعي
مارتن الراهب أغسطينوس الأغسطيني
1- راهب رغم أنفه
2- الراهب الفاقد الإفراز
3- الراهب الخائف المضطرب
4- الراهب الخاطئ المخطئ
5- الراهب الذي أُخفى عنه غفران خطاياه
6- الراهب المُحطم الحزين
7- الراهب والشياطين
8- الراهب الثائر ضد الله
9- الراهب الذي يكره الله البار
10- الراهب المتشكك
11- الراهب وروح الكبرياء
12- الراهب المحتج
المرحلة الثانية: الصراع وبحور الدماء
الحكم بخطأ لوثر
روح الخضوع
الحكم بهرطقته
فشل محاولة كاجتان
فشل محاولة ميلتيتز
الحوار المفتوح وقرار الحرمان
الكتب الهجومية
النيران المشتعلة
فريدريك يناصر لوثر
فشل مهمة اليندر
محاكمة لوثر
تمثيلية الاختطاف
الفارس جورج
الأنبياء المُلهمين
الدمار والخراب
جبرائيل الأغسطيني
عودة لوثر
مقاومة لوثر
بحر الدماء ومائة ألف قتيل
لوثر ينقض نذره
موت البابا والملك
غضب الإمبراطور
ماذا فعل أتباع لوثر بروما
حزب لوثر وحزب زونكلي
حالة اللوثريين
لوثر وتعدد الزوجات
نهاية لوثر
الحواشي والمراجع
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
دعنا يا صديقي نقسم حياة مارتن لوثر إلى مرحلتين.. الأولى تشمل الفترة من ميلاده وحتى بداية صراعه مع الكنيسة، وخلال هذه الفترة سوف تلاحظ يا صديقي انعكاس القسوة التي تعرض لها في طفولته في نظرته لله.. فصار يرى الله الديان المُنتقم القاسي الجبار المُرهِب المخوف الذي يقف للإنسان بالمرصاد يُعاقبه بالعذاب الأبدي بمجرد أي خطأ يصدر منه.. أمضى مارتن حياته حزينًا محطمًا وقد فقد سلامه تمامًا مع نفسه ومع الله، ووصل به الحد إلى الثورة ضد الله بل كراهيته.. أما المرحلة الثانية فتشمل فترة صراعه مع البابا وانشقاقه عن الكنيسة والتنكر لمبادئها وأسرارها وطقوسها.... الخ.. ثم دخوله في صراعات رهيبة كانت نتيجتها بحور الدماء.. حقًا إن حياة مارتن لم تكن إلا شجرة معوجة فاسدة... فماذا تتوقع أن تكون ثمارها؟!!
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
المرحلة الأولى: من الميلاد إلى الهرطقة:-

ميلاده:


ولد مارتن في بلدة ايسليبن بألمانيا الشرقية في 10 نوفمبر سنة 1483م من أسرة ريفية فقيرة.. الأب هو يوحنا لوثر، والأم مرجريت زيكلر.
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
عماده:


كانت أسرة يوحنا لوثر أسرة كاثوليكية محافظة لذلك أسرع يوحنا بعماد ابنه مارتن في اليوم التالي لميلاده وأسماه بهذا الاسم لأنه ولد في ليلة عيد القديس مارتن.
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
الفقر والقسوة:


عاش مارتن في بيت يخلو من وسائل الرفاهية والراحة نظرًا لقلة الدخل وزيادة عدد الأسرة التي تجمع سبعة بنين مع الأب والأم.. لقد ذاق مارتن طعم الحرمان، ولهذا يقول:
"كان والداي فقيرين جدًا فكانت والدتي تحمل الأخشاب على ظهرها لإعالتنا. لقد كانت حياتهما قاسية جدًا "(10)....
وكانت معاملة الأسرة للأبناء تتسم بالقسوة حتى أن مارتن ضربته أمه بالسياط بسبب حَبة جوز حتى انفجر الدم من جسده(11)...
أما عن والده فيقول:
"لقد عاقبني أبى عقابًا شديدًا في يومٍ ما لدرجة أنني هربت من أمامه واختفيت ولم أستطع أن آنس إليه إلا بعد وقت طويل "(12)...
وتأثر مارتن بأمه التي كانت تخشى الأرواح الشريرة والحسد والسحر حتى أنها نسبت موت ابنها الثاني إلى سحر جارتها.. كما أن القسوة في العقاب جعلته يعيش حياه انطوائية فيقول:
"كان والداي في غاية القسوة معي الأمر الذي خلق مني إنسانًا خجولًا، ولقد كانت قسوتهما عاملًا دفعني إلى الالتجاء إلى الدير لأصبح راهبًا "(13).
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
الأب الطموح:


كان أب الأسرة هانس (يوحنا) رجلًا طموحًا لذلك انتقل من أيسليبن المنطقة الزراعية إلى مدينة مانسفلد الغنية بمناجم النحاس والفضة.. وبعد أن كان عاملًا بسيطًا صار رئيس لثلاثة مسابك ثم مالكًا لأثنى عشر مسبكًا، واختير عضوًا في مجلس المدينة.
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
العذاب في مدرسة مانسفلد:


في السابعة أخذ مارتن طريقة إلى مدرسة مانسفلد، وفي المدرسة أيضًا عانى من قسوة المعلمين حتى أنه ظل يذكر هذه القسوة طويلًا.. ففي عام 1524م كتب يصف هذه المرحلة، فيقول:
"كنا نُعَذَّب.. ولم نتعلم شيئًا.. لقد ضُربت 15 مرة في يوم واحد "(14)
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
التسول في مدرسة الآباء الفرنسيسكان:


وفي الرابعة عشر أخذ مارتن طريقه إلى مدرسة الآباء الفرنسيسكان في مجدبورج.. ولكنه لم يمكث بها إلا سبعة أشهر بسبب إصابته بمرض شديد فعاد إلى مانسفلد.. ولكن رغم قِصَر هذه الفترة إلا أن مارتن تأثر جدًا بجماعة الفرنسيسكان التي تقوم بممارسات شديدة في الزهد والتقشف والإماتات والاتضاع.. كانت هذه الجماعة تعيش على الصدقة، وانضم إليها مارتن، فكان يجوب الشوارع مع أصدقائه طالبًا الصدقة من الناس(15)... وقد أسس هذه الجماعة القديس فرنسيس الأسيزي.. ويُذكر عنه أنه جاء إلى مصر إبان الحروب الصليبية سنة 1219م وتقابل مع الوالي ليقدم له صورة المسيحية الحقيقية... وأكثر ما أثّر في مارتن في هذه الفترة صورة الأمير وليم الذي كان يتجول في الشوارع طالبًا الصدقة، وقد ظهرت عِظامه من كثرة التقشف... فيقول مارتن:
"لقد رأيته بعيني يحمل كيسًا على ظهره كحمار"(16).
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
والتسول في مدرسة القديس جورج:


بعد عودة مارتن إلى مانسفلد قضى عدة أسابيع، بعدها تماثل للشفاء، فأخذ طريقه إلى مدرسة القديس جورج بأيزناخ.. وفي هذه المدرسة أيضًا انضم مارتن إلى مجموعة من الشباب الذين يطوفون الشوارع ويرنمون للحصول على الصدقة فيقول:
"لا تستهينوا بالصغار المتسولين لأني كنت مثلهم، نعم كنت فتى مسكينًا مستجديًا وارتقيت إلى ما أنا عليه بقلمي "(17) [ تأمل: مارتن يُرجع الفضل إلى قلمه وليس إلى الله].
"وأنا أيضا كنت أتسول طالبًا بعض الكسر من الخبز... لا تحتقروا هؤلاء الصغار فإني كنت واحد منهم"(18).
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
مارتن وروح التردد والجُبن:


يعلق على هذا الدكتور عزت زكى البروتستنتي، قائلًا:


كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
"وقيل أنه كان يستعين على شظف الحياة بترتيل الأناشيد الدينية، والاستجداء أمام بيوت المُحسنين... ولكنه كان مترددًا جبانًا.. كثيرًا ما يُسيء فهم تصرف إنسان رحيم فيهرب أمامه وهو قادم له بالطعام. حتى لقد فكر مرارًا في ترك التعليم بسبب هذه الظروف... سنة كاملة قضاها في هذا العذاب حتى قيض الله له أسرة رحيمة أُعجَبت فيها الزوجة التقية بصوته الجميل، وهو يُنشد الترانيم أمام باب البيت وقررت مع زوجها إيواءه في المنزل"(19)
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
في جامعة ارفورت:


وفي الثامنة عشر في شهر مايو سنة 1501م، أخذ مارتن طريقة إلى جامعة ارفورت حيث درس الفلسفة والعلوم الأخرى بجانب دراسته للكتاب المقدس، وعكف على القراءة حتى أن أصدقاؤه لقبوه بمارتن الفيلسوف.. كان موقفه من الدين متناقضًا، فهو يُحب الأمور المتعلقة بالدين، بينما يَرهَب الله جدًا ويتصوره كديّان قاس وقاض مخيف، ولهذا أصبح يرتعب من الموت.. وظَل شبح الموت يحاصره في كل مكان ولاسيما أنه تعرض لبعض الأحداث الصعبة، مثل:
1) موت أحد أصدقائه بمرض خطير.
2) اغتيال صديقه ألكسيس في ظروف غامضة.
3) سقوطه في حفرة أثناء عودته من الجامعة إلى منزله بمانسفلد سنة 1503م وتعرضه لنزيف حاد.. فأخذ يُصلى صلاه حارة للعذراء مريم التي كان يفضل أن يصلي لها دائمًا، فالعذراء لا تثير مشاعر الخوف والرعب في نفس مارتن مثل الله الذي يخشاه.
4) في 2 يوليو سنة 1505م وأثناء ذهابه إلى ارفورت وفي غابة ستوترنهايم.. عاين الموت.. حيث أخذ الرعد يُدْوِي والبرق يبرق وانقَضَّت صاعقة من السماء عبارة عن لسان من النار بمقربة منه.. واشتدت العاصفة حتى اقتلعت شجرة ضخمة من جذورها وسقطت أمامه، فسقط على الأرض وشعر أنه قاب قوسين من الموت.. فصرخ لله وتشفع بالقديسة حنة أم العذراء مريم ونذر نفسه، قائلًا: "يا قديسة حنة.. إذا أنقذتني سأكون راهبًا بقية حياتي "(20).
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
مارتن الأستاذ الجامعي:


أنهى مارتن دراسته وجاء ترتيبه الثاني على دفعته المكونة من سبعة عشر طالبًا.. حصل على البكالوريوس وكلفته إدارة الجامعة بالتدريس.. فبدأ يلقي محاضراته في جامعة ارفورت، وفي نفس الوقت يدرس في كلية الحقوق، وكان هذا مبعث الفرح والسرور في نفس والده.
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
مارتن الراهب أغسطينوس الأغسطيني:


في 18 يوليو سنة 1505م ترك مارتن حياة العالم وموقعه في الجامعة وذهب إلى دير القديس أغسطينوس وكم كان غضب أبيه وغيظه لأن ابنه ترك منصبه في الجامعة من أجل الدير ولهذا ظل يهاجمه فترة طويلة معلنًا عدم رضائه عنه... أمضى مارتن فترة الإختبار، وفي ديسمبر سنة 1506 أعلن نذره النهائي للرهبنة ودُعي باسم الراهب أغسطينوس، وفي 4 إبريل سنة 1507 سيم الراهب أغسطينوس قسًا..... فكيف كان حال الراهب القس أغسطينوس؟
1- راهب رغم أنفه:


اتخذ مارتن قرار ذهابه للدير وهو غير مقتنع ولكنه كان مضطرًا بسبب ما تعرض له من ظروف قاسية، وآخر هذه الظروف تعرضه للعاصفة التي كادت أن تقتله، فتشفع عندئذ بالقديسة حنة ونذر نفسه للرهبنة.. ويقول مارتن في كتاب له سنة 1521م يخاطب أباه:
"أتذكر.. إني قلت لك أن دعوة مخيفة من السماء قد وُجِهَتْ إلىّ، فلم أصِر راهبًا رغبة مني أو مسرة في الرهبنة بل دُفعت بطريقة لا تقاوم للنُطق بهذا النذر "(21).
ومما ذكّى هذا الشعور لدى مارتن، قسوة الحياة في الدير.. فكان الرهبان يصلون سبع مرات في اليوم، ويستيقظون في الواحدة صباحًا ويتناولون الطعام مرة واحدة في الساعة الثانية بعد الظهر.. أما قلايات الشباب فكانت بدون تدفئه في الشتاء... وبالإضافة إلى بعض الأعمال اليدوية كان يتجول الرهبان في الشوارع طالبين الصدقة بقصد الحفاظ على اتضاعهم من جهة، ومن جهة أُخرى لكي يمدوا الدير باحتياجاته.
2- الراهب الفاقد الإفراز:


كان مارتن يقوم بالممارسات الروحية دون حكمة وإفراز؛ فلم يوازن بين احتياجات الجسد واحتياجات الروح... وفي إحدى المرات حبس نفسه في قلايته عدة أيام يصلي حتى فقد الوعي تمامًا، واضطر الأخوة إلى كسر باب القلاية لكيما ينقذوه... ويقول مارتن عن هذا:
" كانت حياتي عبارة عن صوم وسهر وصلاة وعرق، فقد كدت أن أقتل نفسي بالسهر وبالدراسة وبالصلاة وبالأعمال الكثيرة الأخرى"(22).
3- الراهب الخائف المضطرب:


عندما أقام الراهب أغسطينوس أول قداس، تعرض لحالة شديدة من الخوف والانزعاج لأنه شعر أنه يقف أمام الله الذي يهابه ويرهبه، وقد اضطر رئيسه أن يسنده لئلا يسقط على الأرض، فيقول:
"عندما قمت بخدمة أول قداس لي شعرت أني على حافة الموت "(23).
4- الراهب الخاطئ المخطئ:


يعلق على هذا القس البروتستنتي حنا جرجس الخضرى قائلًا:
"لقد اعتقد البعض أن الخطية هي السبب الأول والدائم الذي كان يثير الخوف والرعب والاضطراب في نفسية لوثر، ومما لاشك فيه أن الخطية كانت سببًا من أسباب اضطراب لوثر، على أنها لم تكن السبب الأول والأساسي.. لأن السبب الأول والأساسي في اضطراب وخوف لوثر كان مفهومه الخاطئ عن شخص الله... فقد تصور الله قاضيًا مرعبًا مخيفًا، كما تصور يسوع المسيح ديانًا مهيبًا ولم يحاول أن يرى يسوع المسيح مصلوبًا على الصليب بدافع الحب.. لكنه كان يرى دائمًا يسوع المسيح الجالس على العرش ليدين الأحياء والأموات، فهو الذي يأمر أن يُلقى الأشرار في العذاب الأبدي... فحسب مفهومه هذا يكون يسوع جاء لكي يهلك لا لكي يخلص الهالكين "(24).
5- الراهب الذي أُخفى عنه غفران خطاياه:


وفي إحدى المرات تعرض مارتن لمرض خطير حتى أشرف على الموت الذي يخشاه، ولاسيما أنه غير واثق في غفران خطاياه، وخلال هذه الظروف تقابل مع راهب شيخ اسمه يوحنا ستوبيز يشغل منصب النائب العام للأديرة الأغسطينية ففتح مارتن قلبه للراهب الشيخ وأطلعه على مخاوفه.. فطمأنه الراهب يوحنا بأن الله يغفر الخطايا، وذكّره بقول قانون الإيمان الكاثوليكي "أؤمن بغفران الخطايا".
6- الراهب المُحطم الحزين:


يصف مارتن حالته النفسية قائلًا:
"لقد رأى الآخرون في حياتي مظهرًا عظيمًا للقداسة على أنها لم تكن واضحة في عيني فقد كنت محطمًا وحزينًا "(25)...
" لا بأس بحالتي الجسمية ولكن نفسي تتعذب.. إن نوبات اليأس تجتاحني، وعواصف القنوط قد انهالت علىّ.. لقد فقدت الرجاء في المسيح إلى النهاية "(26).
7- الراهب والشياطين:


كان مارتن يُبصر الشياطين تحيط به فلم يقوى على انتهارهم كما كان يفعل القديسين ولكنه فقد سلامه وتعرض للفشل:
"وكم من الليالي قضى وهو راكع على البلاط يصلي للقديسين لكنه ما أفاد شيئًا رغم أنه أصاب جسمه الهزال وعقله الشطط فكان يرى أرواحًا وشياطين تحيط به.. لقد كان يسعى للحصول على سلام الله بمجهوداته وبره ومع ذلك لم يحصد إلا الفشل"(27).
8- الراهب الثائر ضد الله:


وفي أحد الأيام لاحظ يوحنا ستوبيز وجه مارتن عابسًا فسأله عن السبب فأجاب مارتن بأن السبب هو خوفه من عِقاب الله بسبب خطاياه.. عندئذٍ شخَّص الراهب المُختبِر حالته وقال له:
"ليس الله هو الغاضب عليك أو الثائر ضدك بل أنت الغاضب والثائر ضد الله"(28).
9- الراهب الذي يكره الله البار:


وصل الحد بمارتن إلى كراهية الله البار لأنه وضع في نفسه أن الله البار لابد أن ينتقم من الخطاة والأثمة، فيقول:
"لم أستطع أن أحب هذا البار المُنتقم بل كرهته.. وكنت أقول لنفسي ألم يكتف الله بأن يحكم علينا بالموت بسبب خطية آبائنا؟ ألم يعذبنا بناموسه القاسي علينا حتى يضيف إلى آلامنا آلامًا أُخرى بإنجيله الذي يعلن لنا فيه بره وغضبه وثورته"(29).
10- الراهب المتشكك:


أيضًا من الأمور التي جعلت مارتن قلقًا مضطربًا متشككًا مشكلة الاختيار. حتى أوشك الشك أن يقتله.. ما هو مصيره؟ هل سيخلص أم سيهلك؟.. يقول القس حنا جرجس:
"ومن المشاكل الأخرى التي سببت للوثر القلق والاضطراب، مشكلة الاختيار.. فكان يتساءل عمّن يضمن له انه واحد من المختارين؟ وهل الله هو الذي يختار الإنسان أم الإنسان هو الذي يختار الله؟ فإن كان الاختيار مبنيًا على الأعمال الصالحة والإماتات، فهل أعمالي الصالحة وإماتاتي كافية بأن تجعلني واحدًا من المختارين؟.. وإن كان الاختيار متوقفًا على قصد الله وحده، فهل أنا واحد من هؤلاء الذين سبق الله فعينهم للحياة الأبدية؟ وكيف يمكنني أن أعرف ذلك"(30).
ورغم أن يوحنا ستوبيز حاول إنقاذ مارتن من حالة الاضطراب والتشكك، فاستدعاه للتدريس في جامعة ارفورت سنة 1509م... إلا أن مشكلة مارتن الثائر ضد الله لم تُحلْ ولم يجد راحة لنفسه... وأيضًا زيارة مارتن لروما لم تمنحه السلام الداخلي... فعندما أُتيحت له الفرصة لزيارة روما في خريف 1510م. وضع في نفسه أن يعترف اعترافًا كاملًا شاملًا بخطاياه ويزور ذخائر القديسين لكي يحصل على غفران كامل لخطاياه:
"وسار لوثر إلى روما على قدميه زيادة في التعبد والتذلل.. وعندما وصل لوثر على أبواب روما، ركع على ركبتيه وهتف: إني أحييك يا روما يا مثلثة القداسة بدم الشهداء"(31)...
وفي روما وجد السلم المقدس المُكون من ثمانية وعشرين درجة، ويُقال أن السيد المسيح صعد عليه للمثول أمام بيلاطس، ويدّعي الكاثوليك أن الذي يصعد على ركبتيه ويُصلي على كل درجة الصلاة الربانية يخرج شخصًا من المطهر:
"قرر لوثر أن يصعد هذه السلالم لأجل إنقاذ جده من المطهر.. وفعلًا صعدها، وقيل انه بعد أن انتهى من الصعود هتف وقال: هل أنت سعيد الآن يا جَدّي بخروجك من المطهر؟ ولكن لوثر نفسه يروي هذه الواقعة فيما بعد بقوله: لقد أردت وأنا في روما أن أُخَلِص جدّي من المطهر وصعدت سلم بيلاطس، وكنت أتلو على كل درجة الصلاة الربانية، لكن عند وصولي إلى النهاية تساءلت في نفسي: ومن يعرف إذا كان هذا الأمر حقيقة أم لا "(32)..
أيضًا زار مارتن كنيسة القديس يوحنا، وكانوا يدّعون أن الكاهن الذي يصلي القداس مساء الأحد بهذه الكنيسة تخرج روح أُم هذا الكاهن من المطهر. فتأسَّى مارتن لأن أمه مازالت على قيد الحياة...
وبعد عودة مارتن من روما واصل تدريسه ودراسته حتى حصل على دكتوراه في العلوم اللاهوتية في 19 أكتوبر سنة 1512م، ولكن مشكلة مارتن الثائر ضد الله مازالت قائمة ولم تُحَلْ.. فكيف حلَّ مارتن مشكلته؟؟...
فكر مارتن في فكرة التبرير بالإيمان، ولا داعي لأعمال الإنسان، فيقول مارتن:
"وأخيرًا أشفق الله عليَّ، وعندئذٍ بدأت افهم أن عبارة "بر الله" تعني أن الإنسان الذي يؤمن يحيا بالبر الذي يمنحه له الله... كما هو مكتوب وأما البار فبالإيمان يحيا، وحالًا شعرت بأنني أولد من جديد وأن أبواب السماء قد فُتحَتْ على مِصْراعيها أمامي"(33).
"أخيرًا أشفق الله عليَّ وبدأت افهم أن عبارة (بر الله) تعني أن الإنسان الذي يؤمن -بمجرد إيمانه فقط- يحيا بالبر الذي يمنحه له الله هذا البر هو رحمة ونعمة من الله ننالها بالإيمان... وبقدر ما كنت أكره عبارة (بر الله) صرت أحبها.... وهكذا أصبح هذا النص بالنسبة لي باب السماء"(34).
11- الراهب وروح الكبرياء:


اقتنع مارتن بفكرة التبرير بالإيمان ونادى بها، وظن انه أدرك ما لم يُدرِكه أحد من قبل، ليس هو فقط بل وأقل واحد من أتباعه يفوق في معرفته جميع القديسين السابقين، فيقول:
"إننا لو درسنا تاريخ العالم كله فلن نجد قرنًا نظير هذا منذ ولادة المسيح.. وكم بدأت العقول تتفتح على كل خفي حتى الصبي في العشرين يستطيع أن يدرك الآن ما لم تستطع أن تصل إليه مجموعة كاملة من دكاترة اللاهوت في الماضي"(35).
12- الراهب المحتج:



كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
ثار مارتن على صكوك الغفران وعلق خمسة وتسعين احتجاجًا على باب كاتدرائية فيتمبرج يوم 31 أكتوبر سنة 1517م في عشية عيد القديسين كما رأينا من قبل. ثم أرسل نسخة إلى ألبرت رئيس أساقفة ماينس الذي أرسلها بدوره إلى البابا ليون العاشر مما أثار البابا والبرت عليه... ولم يكُف مارتن عن قوله بأن البابا يحتاج إلى صلاة الإيمان أكثر من حاجته للمال...
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
المرحلة الثانية: الصراع وبحور الدماء:

الحكم بخطأ لوثر:


كلف البابا أحد علمائه ويدعى الكاردينال كاجتان بدراسة احتجاجات لوثر، فقام بدراستها.. وفي النهاية حكم بخطأ لوثر.. أما بائعي صكوك الغفران فقد غضبوا جدًا حتى أنهم أخذوا ينادون بحرق لوثر الهرطوقي حيًا.. اتصل كاجتان بالنائب العام للأديرة الأغسطينية يوحنا ستوبيز والأب الروحي للراهب اغسطينوس بقصد التأثير على لوثر لكي يسحب احتجاجاته.. حاول يوحنا إقناع لوثر دون جدوى فاضطر لدعوته أمام مجمع هيدلبرج في 25 إبريل 1518م..
روح الخضوع:


وأمام مجمع هيدلبرج اظهر لوثر خضوعه لسلطان البابا وكتب خطابًا للبابا جاء فيه:
"أيها الأب الأقدس إنني القي بنفسي أمام قداستكم خاضعًا بكل مالي وبكل حالي.. أحيوني أو اقتلوني.. ارفضوا أو اقبلوا قضيتي.. واحكموا بخطأي أو بصوابي.. كما تشاءون، وإنني اقبل صوتكم كما لو كان صوت المسيح متكلمًا عاملًا فيكم فإن كنت استحق الموت فلن أرفضه"(36).
الحكم بهرطقته:


لم يقتنع لوثر بسحب احتجاجاته إلاّ بعد أن يقتنع بخطئه.. وعندما أُرسلت نتيجة المجمع إلى البابا، أحال الموضوع إلى بريرياس المسئول عن الشئون القانونية والمالية، فحكم بهرطقة لوثر.. حينئذٍ أصدرت روما أمرها إلى لوثر بالحضور للمحاكمة..
فشل محاولة كاجتان:


كان الإمبراطور فاكسيمليان متعاطفًا مع البابا ليون، ولهذا كلف الكاردينال كاجتان للقيام بمهمة تسليم لوثر إلى روما.. ولكن محاولة كاجتان فشلت بسبب رفض الملك فريدريك تسليم لوثر إلى كاجتان.. اضطر كاجتان إلى لقاء لوثر في حضور يوحنا ستوبيز عدة مرات بهدف سحب لوثر لاحتجاجاته وإعلان خطأ تعاليمه.. وتراجع لوثر جزئيًا عن موقفه، فتعهد بأنه لن يتكلم بعد عن صكوك الغفران، ولكنه رفض إعلان خطأه حتى يقتنع أولًا.. ومع ذلك ظل مارتن يتابع دراسته وتدريسه في الجامعة..
فشل محاولة ميلتيتز Miltitz:


بعد أن فشل كاجتان في اصطحاب مارتن إلى روما، عاد البابا وأرسل ميلتيز إلى الملك فريدريك حاملًا في إحدى يديه هدية عبارة عن وسام الوردة الذهبية مُهداه للملك، وفي اليد الأُخرى سوطًا لعقاب مارتن الهرطوقي... ولكن ميلتيز لحق كاجتيان في الفشل بسبب استمرار تعاطف الملك فريدريك مع لوثر، ورفض تسليمه إياه إلى روما ولاسيما أن الملك كان سياسيًا محنكًا ويعلم تمامًا أن الإمبراطور فاكسيمليان لن يحمله على تسليم لوثر.. وفي 11 يناير سنة 1519م مات الإمبراطور وهدأت الأمور وقتيًا، ولكن نظرة مارتن للبابا تغيرت تمامًا من الحب والاحترام إلى الاتهام والتجريح، فنادي بأن البابا هو ضد المسيح...
الحوار المفتوح وقرار الحرمان:


في 4 يوليو سنة 1519م فتحت جامعة ليزبرج أبوابها لإجراء حوار مفتوح بين الدكتور مارتن المُخالف وبين الدكتور جون آك المُتعصِّب لكاثوليكيته... وجرى الحوار على مدار خمسة أيام ومارتن مُصِّر على عِناده، حينئذٍ انطلق آك إلى بابا روما الذي فرح بلقائه، وتكونت لجنة من آك وكاجتان واكوليني.. فحكمت بحرمان لوثر في 15 يونيو سنة 1520م، وبدأ الحرمان بمقدمة:
"قم يا رب وانصر حقك ضد الثعالب المفترسة التي تعمل على تخريب كرمك.. ضد الوحوش البرية التي تدمره.. قم يا بطرس واذكر كنيستك الرومانية المقدسة.. قوموا يا جميع القديسين وتضرعوا إلى الله"...
وجاء بالحرمان ردًا على 41 احتجاجًا، ومُنع مارتن من الوعظ والتعليم والكتابة والنشر، وأُمِرَ بحرق كتبه، وشمل القرار كل من يؤيد لوثر في آرائه الخاطئة.. ومنح قرار الحرمان مارتن شهرين للتراجع عن أفكاره الخاطئة.. ومر الشهرين ولم يغير مارتن موقفه، وفي أكتوبر سنة 1520م أصبح قرار الحرمان نافذ المفعول وصار مارتن محرومًا مع أتباعه وبالتالي يمكن لأي حاكم أن يعتقلهم ويحكم عليهم بالموت..
الكتب الهجومية:


استشاط مارتن غيظًا من قرار الحرمان وشَنْ هجومًا شنيعًا على الكنيسة ومعتقداتها فأصدر ثلاث كُتيْبات شملت الكثير من البدع والهرطقات:
الكُتيْب الأول: كتبه مارتن باللغة الألمانية ووجهه للشعب الألماني وشمل:
1. إثارة الشعب الألماني ضد التدخل الأجنبي (بابا روما).
2. إعلان فشل الإكليروس في القيام بعملهم.
3. خضوع الأباطرة والملوك للبابا أمر خاطئ.
4. لا يوجد كهنوت خصوصي، فكلنا ملوك وكهنة، والكاهن في المفهوم الكتابي معناه المؤمن أو المُعَمد أو المُجَّدد.
5. قرار الكنيسة بأن رجال الدين وحدهم الذين لهم حق تفسير الكتاب المقدس قرار خاطئ.. فالله الذي جعل حمارًا يتكلم لكي يوَبِخ نبيًا يستطيع أن يتكلم على فم إنسان لكي يوَبِخ البابا.
وحمل الكتيب تهديدًا لروما من لوثر قائلًا: "يكفي كل هذا.. لقد غنيت حتى الآن بنغمة مرتفعة، لكن لديّ نغمة جديدة سوف تجعل آذان روما وأتباعها تُصاب بالحكة.. أو تُدرِكين يا عزيزتي روما ما أعنيه؟"
الكُتَيْب الثاني: كتبه مارتن باللغة اللاتينية، ووجهه إلى رجال اللاهوت ودعاه بالأسر البابلي للكنيسة، وجاء فيه:
1. رفض خمسة أسرار من أسرار الكنيسة السبعة وقبول سِرَّيْ الإفخارستيا والمعمودية فقط.
2. في سر الإفخارستيا لا توجد استحالة.. فالخبز لا يتحول إلى جسد المسيح ولا الخمر يتحول إلى دمه، لكن الخبز والخمر يظلان كما هما ويحل المسيح فيهما... لذلك يسميه لوثر بالحلول المزدوج أي حلول شيئين في وقت واحد، وشَبّه هذا بالتجسد.. فان اللاهوت لم يلغي أو يلاشي الناسوت وإنما احتفظ كل منهما بطبيعته.
3. سَرَّىْ المعمودية والتناول لا ضرورة لهما ولا فائدة منهما، والعشاء الرباني لا يهب الإنسان الحياة الأبدية ولا الخلاص، لأن الخلاص بالإيمان.
4. البابا محتال ودجال، والبابوية هي مملكة بابل التي أسرت الكنيسة.
5. ليس من حق الكنيسة الكاثوليكية أن تمنع الشعب من التناول من الدم.
الكُتَيْب الثالث: ويحمل اسم "الحرية المسيحية" وقد أرسله لوثر للبابا كمحاولة صلح مع الكنيسة.. وكتب هذا الكتيب باللغة اللاتينية والألمانية، ويشمل موقفين متناقضين:
*المسيحي إنسان حُر لأن المسيح حرره من الخطية والقلق والخوف والموت والجحيم..
*المسيحي إنسان خادم مطيع..
كما تحدث عن التبرير بالإيمان وليس بالأعمال.
النيران المشتعلة:


"في العاشر من ديسمبر عام 1520م دبر لوثر موكبًا من دكاترة جامعة ويتمبرج مع حشد كبير من أصدقائه حتى خرج بهم خارج المدينة، وبجوار نهر الألب أشعل وثيقة خليفة الله على الأرض مع سلسلة من كتب القانون الكنسي التي كانت مقدسة لدى الكنيسة وذرى رمادها مع مياه النهر، معلنًا أمام حشود الشعب الألماني الهاتفة أن ألمانيا ليست ذيلًا للبابوية.. ثم عاد وسط هتافات الشعب إلى بيته"(37).
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب



لم يشعل مارتن النيران في الكتب الكنسية وقرار الحرمان فقط لكنه أشعل نيران الحقد والثورة في قلوب الشعب الألماني،مسرعًا به إلى هوة الموت والدمار..
وفي 3 يناير سنة 1521م اصدر البابا ليون قراره النهائي بحرمان مارتن لوثر من شركة الكنيسة واعتباره هرطوقيًا ومرفوضًا ومقطوعًا من الكنيسة، وبصدور قرار الحرمان هذا اعتُبِر مارتن لوثر إنسانًا خارجًا عن القانون..
الاستهزاء بالبابا: كتب لوثر كتابًا سخر فيه من البابا واستهزأ به، واستخدم الرسومات للتعبير عن هذه السخرية... فظهر بالكتاب اللوحات الآتية:
1) لوحة يظهر فيها السيد المسيح يرفض التاج، بينما البابا يلبس التاج.
2) السيد المسيح بردائه الأرجواني مُكللًا بإكليل الشوك، بينما البابا على العرش بكل مظاهر العظمة البابوية.
3) السيد المسيح يغسل أقدام التلاميذ بينما يمد البابا قدمه ليقبلها رجال البلاط.
4) السيد المسيح يسقط تحت ثقل الصليب بينما يُحمَل البابا على الأعناق.
5) السيد المسيح يطرد الباعة من الهيكل بينما يبيع البابا صكوك الغفران، وأمامه أكوام مكدسة من الذهب.
6) السيد المسيح داخلًا أورشليم على آتان بينما البابا يدخل إلى روما على محفة عظيمة.
7) السيد المسيح صاعد على جبل الزيتون بينما البابا في لباسه الفاخر والأبالسة والشياطين تهوى به قرار الجحيم وحوله النيران تندلع.
فريدريك يناصر لوثر:


في 28 يوليو سنة 1519م اعتلى شارل الخامس عرش الإمبراطورية عِوضًا عن فاكسيمليان ولم يتجاوز عمره بعد العشرين عامًا... بدأ الصراع بين الجانب الكاثوليكي والجانب اللوثري يشتد، أما الملك فريدريك فقد وقف يُساند لوثر حتى انه انتزع وعدًا من الإمبراطور شارل بمحاكمة لوثر في ألمانيا وليس في روما..
فشل مهمة اليندر:


استطاع اليندر القاصد الرسولي (مندوب البابا ليون) الحصول على إذن من الإمبراطور بحرق كتب لوثر، وسافر اليندر إلى ألمانيا لعله ينجح في اصطحاب لوثر إلى روما.. ولهذا اتجه اليندر إلى مجلس الأمة الألماني بمدينة فورمس وظل يتحدث لمدة ثلاث ساعات ليُقنع الأعضاء بهرطقة لوثر وخطره على سلامة الأمة وضرورة تسليمه إلى روما.. وفي النهاية اصدر مجلس الأمة قراره بمحاكمة لوثر أمامه وعدم سفره إلى روما، وعاد اليندر بعد أن فشل في مهمته كما فشل من قبل كاجتان وميليتز.
محاكمة لوثر:


في 6 مارس سنة 1520م أرسل الإمبراطور شارل الخامس دعوة إلى لوثر للمثول أمام مجلس الأمة الألماني في مدينة فورمس، واستهل دعوته بألقاب الإحترام، قائلًا:
"أيها المحبوب المكرم التَقّي الدكتور مارتن لوثر: إننا نحن وأعيان المملكة المقدسة هنا، بعد العزم على الفحص عن تعليمك وكتبك التي أذعتها.. أمرنا باتيانك بصك أماننا وأمان المملكة ذهابًا وإيابًا.. لا تخف ظلمًا ولا قهرًا وأننا نرعى بثبات صك الأمان المذكور"(38)
كما منحه الإمبراطور صك إيمان أي منحه وعدًا بالعودة إلى فيتمبرج سالمًا..
وفي 2 إبريل ترك مارتن مدينة فيتمبرج مُتجهًا إلى فورمس، وقد أوصى فيليب ميلانكثون باستكمال المسيرة إذا أصابه مكروهًا... كان فيليب مؤيد وزميل مارتن، إذ انه من أعضاء هيئة التدريس في جامعة فيتمبرج، وكان على دراية باللغة العبرية واليونانية، وبسبب وجود مارتن وفيليب في جامعة فيتمبرج اكتسبت الجامعة شهرة كبيرة، وقد توافد الطلبة من كل مكان ليروا الراهب الذي تحدّى البابا...
وفي الطريق مرَّ لوثر على عدة مدن، فكان الشعب يخرج مؤيدًا له أو ناقمًا عليه حسب اقتناعهم أو رفضهم لآرائه..
وفي 17 إبريل وقف لوثر يُحاكَم أمام مجلس الأمة الألماني.. حضر الجلسة الإمبراطور شارل الخامس وشقيقه فرديناند دوق النمسا وأربعة من الكرادلة وثلاثين من الأساقفة ورؤساء الأديرة مع زعماء الشعب.. وقف جون آك يُشير إلى حوالي عشرين كتابًا، ويستجوب مارتن قائلًا:
يا مارتن لوثر.. هل تعترف بأنك أنت الذي الّفت هذه الكتب، وهل أنت على استعداد أن تتراجع عن الأقوال التي خطتها يدك أم أنت مُصر على التمسك بها؟
طلب مارتن فرصة للتفكير لأن الأمر ليس سهلًا.. فمنحه الإمبراطور يومًا لإعادة التفكير...
وفي اليوم التالي عندما أعادوا عليه نفس السؤال، أخذ يلف ويدور ويقول أن بعض هذه الكتب خاصة بالأخلاقيات، فلماذا أُنكِرها؟.. والبعض الآخر خاص بالبابوية، والبابويين طغوا وظلموا فكيف أشجع الظلم والطغيان؟.. والجزء الثالث يحوي نقد شديد لبعض الأشخاص وهذا أقدم اعتذاري عنه.. وناشد الحاضرين بأن يُعَرفوه خطأه وحينئذٍ سيطرح كتبه هذه في النار، وقال:
"إني لست إلهًا بل إنسان أنا، وإني على استعداد أن أعترف بخطئي في التعليم إذا كان هناك من يُقنعني بهذا الخطأ"(39)...
ثم التفت لوثر إلى الإمبراطور مُحَذِرًا إياه من الحكم بسفك دمه.. وجاء تصريح الإمبراطور كالتالي:
"وبصفتي سليل أباطرة ألمانيا وأمراء النمسا وبرغنديا الذين اشتهروا بحماية الإيمان الكاثوليكي، سوف أطرد لوثر الأغسطيني وأُحَرِّم عليه أن يتسبب في أقل اضطراب بين الشعب وسأطارده وأتباعه كهراطقة جديرين بالحرم وبكل وسيلة تؤدي لهلاكهم.. وإنني أطلب من الأمراء أن يؤيدونني في هذا "(40)...
صاح البابويين بأن نهر الراين ينبغي أن يجرف رماده.. واحتج الأمراء وعارضوا الإمبراطور بشدة.
رُفِعَت الجلسة وكان مارتن في غاية الإعياء.. أما المدينة فورمس فقد تحولت إلى مرجل يغلي، وتطاول اللوثريين على البابا والإمبراطور حتى أن أحد الأشخاص وضع في حجرة الإمبراطور خطابًا مكتوبًا عليه: "ويلٌ لبلد يحكمه طفل.." وشخص آخر رسم البابا مُعلقًا من رجليه بعد شنقه..
تمثيلية الاختطاف:


وفي نهاية اجتماعات مجلس الأمة، نفذ الإمبراطور وعده.. إذ سمح لمارتن بالعودة سالمًا إلى فيتمبرج ولاسيما انه سمع أنباء عن تحفُز فرانز رئيس قلعة فارتبرج واستعداده لتحريك أربعمائة فارس وثمانية آلاف مُقاتل للدفاع عن لوثر، وقلعة فارتبرج هذه كانت قائمة على جبل شامخ يُطل على مدينة الزناخ وقد جمع فرانز داخلها نخبة من الرؤساء الثائرين، حتى أن الأمراء كانوا يؤجرونه للانتقام من أعدائهم.. حقًا كان لهذه الأنباء أثرًا في تراجع الإمبراطور.. ولكن اليندر نجح عقب ذلك في الحصول على وعد من الإمبراطور بإعادة القبض على مارتن بعد عودته إلى فيتمبرج، حتى أن اليندر صاغ أمر القبض بنفسه، حيث وصف لوثر بأنه شيطان، ووقَّع الإمبراطور عليه ونصه كالتالي:
"تمسكنا بوعدنا الإمبراطوري.. فقد أعطينا لوثر الهرطوقي الأمان للعودة إلى فيتمبرج.. ولكن بعد انتهاء مدة هذا الصك، نأمُر بأن يُقبض عليه وأن يُسلَّم إلى السلطات المُختصة لكي يُحاكم.. لأنه شيطان في صورة إنسان "(41)
وفي أثناء عودة لوثر إلى فيتمبرج كان اللوثريون يتوقعون اغتياله بخناجر البابويين.. وحدث أثناء العودة أن هجم عليه خمسة من الفرسان واختطفوه، ولم يكن هؤلاء الفرسان من أعداء لوثر، لكنهم من المؤيدين له.. خشوا عليه من الاغتيال فاختطفوه وهربوا به إلى مكان أمين:
"والتقى بهم في الطريق فرسان اختطفوه على صهوة جواد، وحملوه إلى قلعة فارتبرج، وكان من أرسل هؤلاء الفرسان هو فريدريك الحكيم أمير سكسونيا حِرصًا منه على حياة لوثر"(42)
الفارس جورج:


ذهب الفرسان بمارتن إلى قلعة فارتبرج حيث خلع ملابس الرهبنة وارتدى ملابس فارس، ووضع في عنقه السلسلة الذهبية الخاصة بالفرسان، وأطلقوا عليه اسم "الفارس جورج" وأصبح كل من في القلعة في خدمته... وخوفًا عليه من اكتشاف أمره، منعوه من الخروج من القلعة حتى استطال شعر لحيته ونبت شعر رأسه المحلوق.. وفي هذه القلعة ترجم الكتاب المقدس من اللاتينية إلى الألمانية حسب فكره الجديد، بل انه حذف رسالة يعقوب الرسول التي تركز على أهمية الأعمال، وان الإيمان بدون أعمال إيمان ميت.. وظل مارتن في قلعة فارتبرج من 4 مارس سنة 1521م إلى فبراير سنة 1522م عندما تواردت إليه الأخبار عن انهيار الأوضاع في فيتمبرج.. فماذا حدث في فيتمبرج..؟؟
الأنبياء المُلهمين:


وسط خضم هذه المشاكل، اقبل بعض الفلاحين والعمال الجُهلاء من الشمال، ونادوا بأنهم أنبياء مُلهمين من الروح القدس ولا حاجة إلى الكتاب المقدس ولا إلى الكنيسة ولا إلى الأسرار.. وأصبحت فيتمبرج مرتعًا للهراطقة والمبتدعين.. أنها ثمرة من ثمار لوثر..
الدمار والخراب:


إنقض أتباع لوثر على الكنائس يحرقون الصور ويحطمون التماثيل ويهدمون الهياكل وينتهكون حُرمة الكنائس، وهجموا على الأديرة.. حيث طردوا الرهبان والراهبات، وحلوا جمعية الرهبان الأغسطينية.. انتزعوا ممتلكات الأديرة واقتسمها الأمراء، ونادوا ببطلان العلم الجسدي والدراسة في الجامعات... وكانت الجريمة العُظمى عندما أرغموا الرهبان والراهبات على الزواج... لقد الغوا الكهنوت وقام كارلستارت الأستاذ الجامعي العلماني بصلوات القداس باللغة الألمانية وقدم العشاء الرباني.. لقد عمَّت الفوضى المدينة، واجتاحتها المظاهرات التي تنادي بالحكم الديمقراطي.. هذا قليل من كثير، وما هذا إلا ثمار لوثر واللوثرية.. ولا سيما أن لوثر كتب إلى أساقفة كنيسة فيتمبرج يقول:
"كل من نذر العزوبة (البتولية) من دون إيمان فانه ينذر نذرًا نفاقيًا ضمنيًا أي نذر للشيطان نفسه..انه يجب أن تُهدم تلك الأديرة كأنها مساكن للشيطان.. لا تنفع الأديرة ما لم تُحوَّل إلى مدارس يُربَّى الأولاد فيها حتى يصيروا رجالًا. فانها الآن بيوت (الأديرة) يصير فيها الرجال أولادًا ويبقون كذلك مدة الحياة"(43)
أيضًا ألَّف لوثر كتابًا في بطلان الرهبانية أهداه إلى أبيه.
جبرائيل الأغسطيني:


وهو راهب واعظ بدير الرهبان الأغسطينيين في فيتمبرج.. تأثر بآراء لوثر وكتب يُهاجم القداس والرهبنة ويقول:
"يسوع المسيح رتب سر المذبح تذكارًا لموته لا ليكون معبودًا.. فعبادة الخبز والخمر عبادة وثنية"(44)
"لا أحد من سكان الأديرة يحفظ وصايا الله ولا يقدر أحد أن يخلص تحت القلنسوة وكل من يدخل الدير للرهبانية إنما يدخله باسم الشيطان.. وإن نذر العزوبة (البتولية) والفقر والطاعة لقوانين الرهبانية منافية للإنجيل... إذا مرَّ راهب بالأزقة أو الشوارع وجب على الشعب أن يجذبوه من طرف ثوبه ويضحكوا عليه.. وأنهم إن لم يخرجوا من الأديرة بالهزء وجب إخراجهم منها بالقوة... اهدموا الأديرة حتى لا يبقى حجر على حجر وامحوا آثارها وخلصونا من ملاجئ الكسل ومواطن الخرافات ومصادرها"(45)
ونتيجة لهذه الأقوال والعظات ترك ثلاثة عشر راهبًا أغسطينيًا الدير ونقضوا نذر الرهبنة، ولأن الرهبان الفرنسيسكان لم يشتركوا معهم لهذا ثار طلبة فيتمبرج عليهم فعلقوا ورقة تهديد على باب ديرهم ثم دخل أربعون طالبًا وسخروا بالرهبان حسب وصية جبرائيل.
عودة لوثر:


عندما سمع لوثر بانهيار الأوضاع في فيتمبرج، ترك القلعة وزي الفرسان والسلسلة الذهبية وأسرع إلى فيتمبرج، وهاله الخراب الذي وصلت إليه المدينة، ولابد انه أحس بوخز الضمير إن كان قد تبقى لديه بقية منه...
جاء لوثر وأخذ أحد الأديرة الخاوية مقرًا له، وحاول أن يُصلِح الأحوال.. فماذا حدث..؟
مقاومة لوثر:


وجد لوثر من يقاومه وينافسه على الزعامة، لقد أصبح للأستاذ الجامعي كارلستارت مبادئه وأتباعه.. فتصدى له مارتن واتهمه بأنه يثير فتنة واضطراب، وانتهى الأمر بنفيه بعيدًا عن المدينة، ولكن أتباعه ظلوا يقاومون لوثر ويُقذفونه بالأحجار.. أيضًا وجد لوثر مقاومة شديدة من الأنبياء المُلهمين الذين نادوا بأن لوثر لا يختلف عن البابا في شيء، وكانت أفكار هؤلاء الفلاحين والعمال قد انتشرت وانضم إليهم الكثيرين بفضل عِظاتهم الحماسية والثورية..
كان قائدهم توما منزر يدعو نفسه مطرقة الرب، ويدعي أن الروح القدس يحل عليه، وعندئذٍ كان يثور ويلعن مخالفيه أمثال لوثر وأتباعه ويهددهم بسقوط الغضب الإلهي عليهم، ودعى أتباعه للحرب المقدسة ضد الأمراء وأغراهم أن أسلحة الأمراء لن تؤثر فيهم.. واشتعلت نيران الثورة من الفلاحين ضد الأمراء... فماذا كان موقف لوثر الذي وضع البذرة أولًا..؟؟
بحر الدماء ومائة ألف قتيل:


كانت ثمرة كتابات لوثر التطرف الشديد من الناحية الروحية والجسدية.. فالذين فسروا كتابات لوثر بالطريقة الروحية تطرفوا إلى أقصى حد.. ومنهم كارلستارت هادم الهياكل، ومنزر قائد الأنبياء المُلهمين، والذين فسروا هذه الكتابات بالطريقة الجسدية، سقطوا أيضًا في التطرف ونادوا بالمساواة والتحرر من خدمة الأمراء والإكليروس والامتناع عن دفع العشور للكنيسة..
لقد دفعت هذه الكتابات الفلاحين والعمال للغضب الشديد ضد الإكليروس والأمراء، ولاسيما أنهم أحسوا بمساندة لوثر لهم، الذي وجه تحذيره للأمراء قائلًا لهم أن غضب الفلاحين يعلن لكم غضب الله على أعمالكم وسوء تصرفاتكم.. وكانت نتيجة هذه الإثارة اللوثرية اندفاع الفلاحين في ثورة رهيبة نحو قصور الأمراء والإكليروس يقتلون ويسلبون ويحرقون ويدمرون ويهدمون والشياطين يرقصون فرحًا، وصدر بيان 26 إبريل يستحث الفلاحين: "تقدموا.. تقدموا إلى الأمام.. ولتظل سيوفكم ساخنة بالدماء بدون شفقة"..
ولكن الأمور لم تسر حسب هوى الفلاحين ولوثر للنهاية، لأن الأمراء استطاعوا توحيد صفوفهم واستأجروا بعض المحاربين الإيطاليين وانقلبوا على الفلاحين يعملون فيهم قتلًا وتنكيلًا وذبحًا وتعذيبًا.. فماذا كان موقف لوثر عندئذٍ..؟
ومن عجب العجاب ليس تخلي لوثر عن مساندة الفلاحين، ولكن انقلابه ضدهم وانضمامه للجانب المنتصر.. فتودد للأمراء بل أثارهم ضد الفلاحين، وقد سجل التاريخ للوثر صرخته للأمراء قائلًا:
"قاتلوا هؤلاء الفلاحين ككلاب مسعورة"(46)
ودعنا يا صديقي نفسح المجال للدكتور البروتستانتي عزت زكي لإدانة قائده الروحي مارتن لوثر:
"لكننا لا يمكن ولا يمكن أيضًا للتاريخ أن يغفر له (لوثر) دعوته للأمراء لسحق الفلاحين دون رحمة.. ألم تكن ثورة الفلاحين إلى حد ما متأثرة باندفاعه ضد البابوية في بعض التصرفات..؟ إن منظر راهب فيتمبرج على رأس زملائه وقد أشعل النار في مرسوم البابا وكتب القانون الكنسي لابد انه كان لها أثرها"(47)
ويكفي يا صديقي أن تعلم أن ثمرة لوثر الثائر ضد الله والكنيسة والمجتمع مائة ألف قتيل.. وليس نهاية المطاف بعد..
لوثر ينقض نذره:


وفي سن الثانية والأربعين نقض لوثر ندر البتولية والرهبنة وتزوج بالراهبة كاترين هانزفون بورا في 13 يونيو سنة 1525م وانجب خمسة أطفال: يوحنا واليزابيث ومجدولين ومارتن وبولس.. ماتت اليزابيث في السنة الأولى من عمرها ومجدولين في السنة الثالثة..
موت البابا والملك:


انتهت حياة البابا ليون موتًا بالسم في أول ديسمبر سنة 1521م وتولى بعده ادريان السادس الذي كان يرغب في السلام، ومع هذا أرسل إلى مجلس الأمة الألمانية يطالبه بالتصدي للوثر الهرطوقي، إلا انه مات بعد سنتين فقط، وخلفه اكلمندس السابع الذي عاصر اقتحام روما.. أما الملك فريدريك الذي جمع آلاف من ذخائر القديسين، فقد انتهت حياته بروتستنتيًا، وخلفه في الحكم منتخب سكسونيا..
غضب الإمبراطور:


أعلن الإمبراطور شارل غضبه على لوثر، وكتب إلى الأمراء الكاثوليك يعلمهم بأنه سيقوم بعملية حربية ليمحو مذهب لوثر الملعون والذي كان سببًا في المذابح والخراب والدمار..
بدأت حرب الإمبراطور شارل الخامس ضد البروتستانت، وكان منتصرًا في البداية.. إلا أن منتخب سكسونيا ألقى بثقله في المعركة، فهزم جيش الإمبراطور وطارد فلوله الهاربة.. وعندما شعر شارل بالفشل تنازل عن العرش لأخيه وذهب ليقيم في احد الأديرة بأسبانيا.. وفي أول جلسة للبرلمان الألماني سنة 1555م صدر عفو شامل وأصبحت البروتستانتية عقيدة رسمية.
ماذا فعل أتباع لوثر بروما:


لم يكتف البروتستانت بالانتصار الذي حققوه داخل ألمانيا، بل كوَّنوا جيشًا بقيادة فرندزبرج، خرج من ألمانيا وانضم إليه في سهول لومبارديا جيش أسبانيا، ووقف على أبواب روما عشرون ألف مقاتلًا، استطاعوا بالمعاول والتسلق فتح ثغرة في الجدار، واندفعوا إلى داخل مدينة روما... فهرب البابا والكرادلة والأساقفة إلى قلعة سان إنجيلو، وتركوا القصر البابوي، فنهبه المقاتلون واتجهوا إلى قصور الكرادلة فسلبوها، حتى كنيسة القديس بطرس لم تسلم من النهب.. ويصف كاتب تاريخ المسيحية هذا الهجوم الشرس، فيقول:
"وتدفق الألمان والأسبان ينهبون ويقتلون دون مراعاة لأي اعتبار، حتى الأطفال والنساء لم تشفع لهم استرحاماتهم ودموعهم.. والويل كل الويل لمن يقع في أيديهم من الأساقفة أو الكهنة أو الرهبان.. لقد كان انتقامًا لم يشهد مثله التاريخ... أما الكرادلة الذين لم ينجحوا في الهرب فقد كان نصيبهم السحل في شوارع روما حتى الموت.. وشوهدت جماعة تمسك بأحد الأساقفة كللت رأسه بأغصان الشجر وعرضته في السوق للبيع كالسوائم قبل الإجهاز عليه.. أما الكنائس فقد تحولت إلى إسطبلات للخيل وتكدست الخيول داخل كنيسة القديس بطرس وخارجها، والويل للراهبات والعذارى فقد كان الجند ينتزعنهن انتزاعًا من الأديرة ومن أحضان أمهاتهن"(48)
لقد اخذ المقاتلون يهتفون: "لوثر بابا روما".. وكانت النتيجة ثلاثة وخمسين ألف قتيلًا.. كانت هذه الدماء الغزيرة هي ثمار شجرة لوثر المعوجة..
حزب لوثر وحزب زونكلي:


قامت حركة جديدة في سويسرا بقيادة الريخ زونكلي وانضم لها كثير من الأمراء في سويسرا وجنوب ألمانيا، حتى صار حزب زونكلي والتابعين له أقوى وأكثر من مارتن لوثر وأتباعه.. "وقد اختلف زونكلي مع لوثر في موضوع العشاء الرباني، وكانا قد التقيا بهذا الشأن في ماربورج سنة 1529م، ونتيجة للخلاف بين اللوثريين والزونكليين حول عقيدة العشاء الرباني حدث انشقاق نشأت عنه الكنائس اللوثرية والكنائس المصلحة"(49)
حالة اللوثريين:


وصلت حالة اللوثريين إلى حد كبير من الجهل والتخلف والفوضى، حتى أن مارتن لوثر عندما قام بجولة تفقدية مع صديقه ميلانكثون في عدة مدن ألمانية هاله الجهل الذي يعيش فيه اللوثريون، فكتب كتابين هما أصول الإيمان المُفَصَّل وأصول الإيمان المختصر.. يشرح للشعب الإيمان من وجهة نظره..
لوثر وتعدد الزوجات:


كان الملك فيليب متزوجًا من هس إحدى مؤيدات لوثر ثم طلب فيليب من لوثر الموافقة على زواجه من مارجريت فون درسال سنة 1540م مع الاحتفاظ بزوجته الأولى هس.. والعجيب أن لوثر وافق على طلبه هذا.. فقط طلب من الملك أن يكون هذا الزواج سرًا.. ولكن السر أصبح مُعلنًا فهاج كثيرون على لوثر في أواخر أيامه.
نهاية لوثر:


مات لوثر أثناء زيارته لبلده مانسفلد التي نشأ بها، وذلك فجر يوم الخميس 18 فبراير سنة 1546م، ودُفِن يوم 22 فبراير في المدينة التي عاش فيها وهي فيتمبرج.. وآخر عبارة كتبها تُظهِر بوضوح إفلاسه الروحي، حيث قال:
"إننا جميعًا شحاذون... هذه هي الحقيقة.."
  رد مع اقتباس
قديم 10 - 07 - 2014, 03:29 PM   رقم المشاركة : ( 5 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,467

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب

زونكلي الراعي المقاتل

ميلاده
دراسته
هروبه من الدير
ألريخ زونكلي في باسل
راعي جلاريس
الراعي اللاهي
ألريخ زوينجلي الراعي المقاتل
واعظ دير البندكيتيين
قسًا للكرسي البابوي
واعِظ زيورخ
شمشون وصكوك الغفران
دعوة المجمع المقدس
زونكلي ضد الكنيسة
لجنة التحطيم والحرق
احتجاج لوثر
السخرية بالبابا
الصراع بين اللوثريين والزونكليين
إلغاء القداس
محاولة الإغراء
زونكلي والسلطة المدنية
الصراع مع البابويين
زونكلي يقود شعبه للهلاك
قتل زونكلي
الحواشي والمراجع

كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب

ميلاده:

ولد الريخ زونكلي Huldrych Zwingli في شهر سبتمبر سنة 1484م أي قبل ولادة مارتن لوثر بسبعة أسابيع، وكان مسقط رأسه قرية فلدهاوس على بحيرة زيورخ بسويسرا، من أب يُدعى زونكلي وأم تُدعى مرجريتا ميلي، أما ترتيبه بين أخوته الثمانية وأخته حنة فكان الثالث.. أما الأب زونكلي فكان ذو مكانة رفيعة، فهو شيخ الضيعة التي يقطنها، وكان يعمل بالرعي مع أولاده الذين يحبون عزف الموسيقى وقت فراغهم.
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
دراسته:

أخذ زونكلي ابنه الريخ إلى عمه الرئيس في بلدة ويسن فنال قسطًا من التعليم على يد معلم المدرسة.. وفي سن العاشرة الحقة والده بمدرسة مارثيودوروس في باسل حيث تعلم المناقشات والمحاورات... وفي سن الثالثة عشر التحق بالمدرسة الأولى للعلوم العالية في برن.
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
هروبه من الدير:

كان هناك خلافًا بين الرهبان الفرنسيسكان الذين يؤمنون بأن العذراء مريم حُبِلَ بها بلا دنس وبين الرهبان الدومنيكان الذين ينكرون هذا.. كان الدومنيكان يحاولون كسب كل نابغ إلى صفهم.. فعندما لاحظوا نبوغ الريخ أخذوه للإقامة في ديرهم، حتى إذا وصل إلى سن الرهبنة يصير راهبًا بالدير، ولكن عندما علم والده بهذا أرسل يحذره فهرب من الدير ورجع إلى بلدته.
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
ألريخ زونكلي في باسل:

وفي سن الثمانية عشر عام 1502م ترك الريخ بلدته فلدهاوس ثانية وذهب إلى باسل حيث بدأ يستكمل تعليمه، وفي نفس الوقت قام بالتدريس في مدرسة مارمرتينوس ونال لقب "معلم علوم"... وفي باسل نادى بأن التبرير بالإيمان، وان علم اللاهوت مجرد تشويش لا لزوم له، فقال:
"انه عما قريب سوف يأتي الوقت الذي فيه يلقي الناس علم اللاهوت جانبًا"(52).
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
راعي جلاريس:

وفي سن الثانية والعشرين عام 1506م اختار شعب جلاريس المعلم الريخ ليكون راعيًا له، فرُسِم قِسًا وصلى أول قداس في بلدته فلدهاوس في عيد الملاك ميخائيل.
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
الراعي اللاهي:

يقول العلاَّمة ميرل دوبينياه عن راعي جلاريس:
"فاجتهد زونكلى في القيام بأمور إبروشيته العظيمة، وإذ لم يكن قد تجاوز العشرين كان كثيرًا ما يُطلِق لنفسه العنان في الملاهي وخلاعة أهل العصر"(53).
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
ألريخ زوينجلي الراعي المقاتل:

لم يفصل زونكلي بين الدين والسياسة، تمامًا كما فعل جون كلفن من بعده.. فعندما هدد ملك فرنسا البابا، خرجت الجيوش السويسرية ومعهمالراعي زونكلي يحمل سيفه دفاعًا عن بابا روما، وبعد أن حققوا نصرًا مؤقتًا على الفرنسيين انقلبت الدفة عليهم.. فهلك كثير من شباب سويسرا... ونترك العلاّمة ميرل ليبكت الراعي المقاتل على تصرفه الشائن:
" ولما رأى زونكلي انه لم يقدر على منع تلك المصائب بالوعظ، عرَّض نفسه للخطر نفعًا لروما وضرب بالسيف.. ويا له من خطأ فظيع أن يحارب جندي المسيح بغير أسلحة الروح القدس "(54).
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
واعظ دير البندكيتيين:

كان هذا الدير قائمًا على إحدى جبال سويسرا، وكان يُعتبر مزارًا عالميًا، حيث
يفد إليه الكثيرون حاملين عطاياهم ونذورهم، وكان رئيس الدير يملك أكبر مجموعة خيول في سويسرا.. ويُذكر عنه أنه عندما ألَحَّ عليه الزوار لإقامة القداس قال:
" إذا كان يسوع المسيح حاضرًا بالحقيقة في الخبز والخمر فأنا لست مستحقًا أن أتداوله بيدي، وإذا لم يكن حاضرًا فأكون أكبر كذاب ومنافق لأني أقدم للناس خبزًا وهم يظنونه جسد المسيح"(55).

كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
وفي هذا الدير أخذ الواعظ القس الريخ يدعو الزوار للتبرير بالإيمان ولا داعي للنذور والعطايا وشفاعة القديسين، فقال:
"فلا نفع لكم من السياجات الطويلة والتماثيل وشفاعة العذراء والقديسين، ولا من كثرة الكلام في الصلاة.. فذهب كثيرون إلى المسيح ورجعوا بالشموع التي أتوا بها ليوقدوها أمام صور العذراء"(56).
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
قسًا للكرسي البابوي:

أراد البابا ليون العاشر أن يكسب الريخ ولا يفقده كما فقد مارتن لوثر، فدعاه وجعله قسًا خاصًا للكرسي البابوي في عام 1518م، وأخذ الريخ يصرف راتبًا شهريًا عن وظيفته هذه.
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
واعِظ زيورخ:

وفي نفس الوقت دعى كهنة زيورخ القس زونكلي ليأتي إلى زيورخ ويصبح واعظًا بها.. فوافق.. وعندما بدأ الوعظ في زيورخ لم يلتزم بالقطمارس (القراءات المرتبة حسب المناسبات والأعياد) وبدأ في دراسة إنجيل متى.
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
شمشون وصكوك الغفران:

أقبل إلى سويسرا الراهب الفرنسيسكاني شمشون على رأس موكب عظيم بالطبل
والزمر لبيع صكوك الغفران، وعندما كان يحل بمكان كان يقول:
" إني اغفر جميع الخطايا.. السماء وجهنم خاضعتان لسلطاني، فأبيع استحقاق المسيح لكل من ابتغاه بالدراهم نقدًا "(57).
وقد اقبل أحد القادة الفرنسيسكان واسمه يعقوب، يمتطي جوادًا أزرق جميل أعجب به شمشون فطلب منه يعقوب صكوك غفران له ولخمسمائة جندي تابعين له ولجميع أسلافه مقابل الحصان فوافق شمشون، ولكن الهجوم الشديد الذي شنَّه زونكلي على صكوك الغفران أثَّر على تجارة شمشون.. فوصل سعر صك الغفران للأغنياء أربع شلنات على ورق من جلد، وسعره للفقراء عدة مليمات على ورق عادي.. وعندما اقترب شمشون من أبواب زيورخ، خرج إليه وفد من المدينة يطلب منه الانصراف.. وانصرف على مضض وعاد إلى روما.. فماذا كان رد فعل روما..؟
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
دعوة المجمع المقدس:

ثار المجمع المقدس على زونكلي الذي يعصي أوامر للبابا،وأرسلوا إليه يستدعونه للمحاكمة، فرفض زونكلي وثار على الأوضاع ورفض تقاضي راتبه، قائلًا: "كنت اعتقد أنني أستطيع أن أتمتع بسخاء البابا وأنادى بمعتقداتي بضمير صالح.. ولكني حينما تقدمت في معرفة ابن الله، رأيت أنني يجب أن أرفض البابا وعطاياه "(58).
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
زونكلي ضد الكنيسة:

بدأ الريخ يرفض الكنيسة وطقوسها وصلواتها وأصوامها، فألغى الأصوام وطلب من الإكليروس الكاثوليك رفض البتولية ودعاهم للزواج، وشجع الشعب على حرق الصور وتحطيم التماثيل.. وعندما كتب أحد القسوس الزونكليين رسالة بعنوان "حكم الله ضد الصور والتماثيل " ثارت المدينة زيورخ، وأسرعوا إلى صليب مقام خارج المدينة وانهالوا عليه بالمعاول، وانقسمت المدينة بين مؤيد ورافض، حتى عندما أُلقي القبض على الذين فعلوا هذا ووقفوا أمام المحكمة، انقسمت هيئة المحكمة على نفسها، وبررت الذين قاموا بتلك الأعمال الهمجية... هذا جعل زونكلي يتمادى أكثر فأكثر.. فماذا فعل..؟
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
لجنة التحطيم والحرق:

طلب زونكلي من مجلس مدينة زيورخ تكوين لجنة لحرق الأيقونات وتحطيم التماثيل، فكوِّنَتْ لجنة من ثلاثة رعاه واثني عشر مستشار ومهندس المدينة ونجارين وغيرهم ونفذوا خطة زونكلي، وعندما امتلأت قلوب البابويين مرارة، خاطبهم زونكلي قائلًا: "يا أيتها النفوس الضعيفة انك أسَلْتِ دموعًا على هذه الأصنام المُحزنة.. فانظري، إنه لو كان لها من قوة لما قدرتم أن تكسروها‍‍‍‍‍"(59)...
والعجيب أن زونكلي هذا محطم التماثيل أقام له شعب لوسون تمثالًا فلم يعترض، ولكن البابويين قاموا بإزالته وتحطيمه.
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
احتجاج لوثر:

احتج لوثر على تصرف الزونكليين لأنه كان يريد أن يصلح الكنيسة من داخل الكنيسة.. أما زونكلي فكان يهتم بالتغيير حتى إذا لجأ إلى التحطيم.. أيضًا كان رأي لوثر عدم المساس بالصور والتماثيل لأنها لا تنافي أحكام الكتاب المقدس، ويعلق على هذا العلامة ميرل قائلًا:
"فإن لوثيروس لم يرد كسر الصور والتماثيل في كنيسة فيتمبرج لاعتقاده أنها إذا لم تُعبَد لا تنافي أقوال الكتاب" (60).
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
السخرية بالبابا:

وكان نتيجة استخفاف زونكلي بالبابا، تجرأ الشعب على انتقاد البابا والسخرية به.. ففي برن قدم الشباب رواية باسم "أُكَّال (آكلين) الموتى" يظهر فيها البابا جالسًاعلى عرشه مرفهًا في الثياب الناعمة يحيط به الكرادلة والأساقفة والأعوان.. وتمر جنازة فلاح غني يطلب أقربائه إعفائه من نيران المطهر مقابل دفع مائة ليرة.. فيندفع أحد الأعوان واسمه "روبرت هات وهات" ويأخذ المائة ليرة، ويُظهر الباقون فرحتهم بالميت الغني ويتمنون أمواتًا أغنياء أكثر وأكثر.. أما الكردينال المسمى "الكبرياء العظيمة " وهو يرتدي برنيطة حمراء، فيقول:
" إن رومية تسمن بالدم المسيحي ولذلك كان لون ردائي ولون برنيطتي لون الدم.. وأنا لم اربح ثروتي وكرامتي إلا من الأموات"..
ويقول الأسقف بطن الذئب:
"إني في شرائع البابا أعيش وأموت.. فيها ثيابي حرير وكيسى؟ مملوء والملاهي والصيد بهجتي.. نحن رعاة وذئاب معًا وهم (الرعية) غنم مسكينة... إننا منعنا لذّة الزواج.. وما على الخوري الكثير المال إلا الاختيار من ذوات الجمال (المحظيات) فيحصل عليها بأربع فلورينات... للبابا كل الإكرام، إني أسجد له أؤمن بإيمانه وأحامي عن كنيسته وأعترف أنه الهي"...
يقول البابا: "الآن صار الناس يصدقون أن خوريًا طماعًا يفتح ويغلق أبواب السماء كما يشاء. نادوا يا حُكام مجمعي نحن ملوك والعامة عبيد لئام "
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
الصراع بين اللوثريين والزونكليين:

يقول العلامة ميرل: "أبطل (زونكلي) القول بحضور المسيح في العشاء الرباني فخالف بهذا رأي لوثر فإنه قال بوجود المسيح بجسده في ذلك العشاء وجودًا سريًا بلا استحالة "(61)
اشتد الخلاف بين الفريقين فعقد اجتماع في ماربورج سنة 1529م حضره مندوب من كل فريق بالإضافة إلى بعض المؤيدين وتم طرح خمسة عشر بندًا للمناقشة، اتفق الطرفان على أربعة عشر بندًا واختلفا على البند الخامس عشر الخاص بالعشاء الرباني.. فقد كان لوثر يؤمن بحلول جسد المسيح في الخبز ودم المسيح في الخمر أما زونكلى فكان يرى العشاء الرباني مجرد تذكار لموت المسيح مما أثار لوثر جدًا.
"قال (لوثر) إنه أحب إليه أن يتناول الدم فقط مع البابا من أن يتناول الخمر فقط من زونكلي. كان مبدأ لوثر العظيم أن لا يترك شيئًا من تعليم الكنيسة وعاداتها ما لم يوجب ذلك نص الكتب المقدسة ولما قال كرلستارت أين أمَرَنا المسيح أن نرفع القربان ونعلنه للشعب..؟ قال لوثر وأين نهى المسيح عن ذلك.؟ "(62).
كان زونكلي يخشى الانفصال عن لوثر حتى أنه قال:
"لو قال عني لوثر أنني الشيطان بعينه فإني لا انفك أسميه خادم الله الأمين "(63).. لكن رغم هذا فقد حدث الانشقاق بين الاثنين...
"كان عقل زونكلي مخالف لعقل لوثر.. وبهذا انفصل كل من لوثر وزونكلي انفصالًا بعيدًا.. ومع هذا كره زونكلي الانفصال عن لوثر وارتعد من مجرد التفكير في أن ذلك الجدال ربما أدى إلى تفريق الجماعة الجديدة.. ولما أعلن لوثر رسالته المضادة لاعتقاد زونكلي، اضطر زونكلي أن ينشر رسالته عن الديانة الصادقة والديانة الكاذبة.. وعند هذا التظت الحرب الجدلية، وثار بوميرانوس صديق لوثر، وطعن زونكلي وأفرط في الاستخفاف به "(64).
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
إلغاء القداس:

وفي إبريل سنة 1525م وبناء على طلب زونكلي وصديقين له أصدر مجلس مدينة زيورخ قرارًا خطيرًا، ينص على:
" وليكن القداس لاغيًا في كل مكان بصفة قاطعة ويترك جانبًا كشيء أثري لا يتكرر"(65)...
وأخذ أولاد الزونكليين يتغنون قائلين:
تركنا بعون القدير إلهًا
فامتلأت قلوب البابويين مرارة

يُدَقُّ ويُسحَق في هاون
فهاجوا ووقحوا ولعنوا ما شاءوا

كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
محاولة الإغراء:


كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
ورغم ما فعله زونكلي فان البابا ادريانوس السابع أراد أن يكسبه بالإغراء، فأرسل إليه زنك رئيس الحراس ومعه القاصد انسيموس بمنشور دعى فيه زونكلي بابنه، وعرض البابا على زونكلي أي شيء يريده ما عدا كرسي البابوية.. ولكن زونكلي أصرَّ على عناده.
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
زونكلي والسلطة المدنية:

خلط زونكلي بين السلطة المدنية والدينية حتى نصَّب نفسه الراعي والرئيس والقائد العسكري، ويصف ميرل هذا قائلًا:
"فعزم (زونكلي) أن يكون في وقت واحد رجل الحكومة ورجل الكنيسة.. فإن السجلات تدل على انه اشترك في آخر سنيه في أهم المحاورات السياسية.. ألف مقالة في المدافعة (الدفاع) والحق انه عاش طويلًا بين الجنود، وأوضح الفوائد التي تصدر من مفاجأة العدو، ووصف الأسلحة بيَّن طريقة استعمالها، فكان في وقت واحد راعي زيورخ ورأس الحكومة وقائد العسكر"(66)..
"ولكن زونكلي تناول بندقيته ووضعها على كتفه وخرج مع العسكر"(67)
أما الأوضاع في زيورخ فكانت:
"خدمة القداس محرمة وجميع مظاهر العبادة البابوية لا محل لها، أما انتقادات التغيرات الحديثة فجريمة، والعادات التي كانت سارية في الأعياد فممنوعة منعًا باتًا.. والمواظبة على حضور الاجتماعات والخدمات فهي فرض حكومي تفرضه السلطات"(68).
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
الصراع مع البابويين:

أما صراع زونكلي مع البابويين فقد استمر مدى الحياة.. ففي 29 من كانون الثاني، جرت مناظرة بين الزونكليين والبابويين حضرها 600 شخص أثار فيهازونكلي 67 قضية ضد إيمان روما.. من هذه القضايا: "أنالمسيحيين أُخوة لا أب لهم على الأرض وستسقط الأحزاب والطوائف والرهبانيات إلى الحضيض "(69)..
وفي 26 تشرين الثاني، عُقِدَ اجتماع آخر حضره 900 شخص من أعضاء المجلس الكبير، و350 خوريًا.. ولكن بسبب جهل المجتمعين لم يجد زونكلي شخصًا واحدًا متعمقًا مثل أثناسيوس وكيرلس وديسقورس أبطال الأرثوذكسية يُثبت له صحة ذبيحة القداس.. لقد انتهى الاجتماع لصالح الريخ زونكلي، وتحول زونكلي إلى قسا بروتستنتيا وانفصل عن روما.
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
زونكلي يقود شعبه للهلاك:

كان يحيط بزيورخ خمس مقاطعات تدين بالولاء للبابوية، وكانت هذه المقاطعات تحصل على احتياجاتها من أسواق زيورخ، فأغلق زونكلي هذه الأسواق في وجه القادمين من المقاطعات، فتعرضت لمجاعات شديدة.. اجتمعت جيوش المقاطعات حوالي 8000 جندي وانضم إليهم جيش بابوي يضم حوالي ألفي جندي، حينئذٍ شعر زونكلي أن نهايته ونهاية شعبه قد اقتربت وانه في مواجهة الموت..
دعى زونكلي شعبه للخروج للحرب، فلم يطع كلامه إلا 800 شخص، ومعظمهم أُخرِجَ بالإكراه.. أما حالة زونكلي وجنوده فكانت سيئة للغاية.. فيقول العلاَّمة ميرل:
"كان من الواجب أن يبلغ عدد الجنود أربعة آلاف على الأقل فلم يزالوا منتظرين الزيادة.. خرج مائتان بلا حلف وتهيأ الباقون للانصراف، وعند ذلك رأوا زونكلي خارجًا من البيت يودع زوجته وأولاده وأصدقائه، وامتطى فرسه.. وفي الساعة الحادية عشر من ذلك الصباح تقدم اللواء وتبعه خمس مائة رجل وكثيرون منهم كانوا قد أُجبَروا على ذلك وكانوا يمشون حزانى صامتين وكأنهم يقادون إلى المحرق وكان الجميع يسيرون بلا ترتيب وكان زونكلي حزينًا وراء هؤلاء الرجال "(70)..
خرج زونكلي وابنه وبعض أقربائه ولكنهم ترددوا في الهجوم حتى تزمر الجنود الزونكليين "ولما رأى الجنود تردُد رؤسائهم أخذوا يتذمرون فكان يقول واحد أن الأكابر يتركوننا، وآخر أن القواد يخافون أن يعضوا ذنب الثعلب....الخ "(71).. وكان زونكلي يجلس في مكان بعيد، فعندما بدأت الحرب وسمع بتذمر بعض الجنود، فقال زونكلي: "كيف يمكننا الوقوف ونحن نسمع أصوات الرصاص، فبسم الله أهجم مع أُخوتي الجنود للموت أو للإنقاذ "(72).
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
قتل زونكلي:

وسريعًا انتهت الحرب وانهزم السويسريون، وأصبحوا بين قتيل وجريح وشريد، ولقي زونكلي مصرعه وكذلك ابنه غيرلد وبعض أقربائه.. وأُطلِق على شجرة الكمثرى التي مات تحتها زونكلي بكمثرات زونكلي، ولما ماتت هذه الشجرة، نصب هناك حجر كتب عليه ما خُلاصته:
" إن النصرة باسم الرب.. لا بالأسلحة العالمية "
  رد مع اقتباس
قديم 10 - 07 - 2014, 03:33 PM   رقم المشاركة : ( 6 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,467

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب

جون كلفن.. الحاكم بأمر الله
ميلاده
يوحنا كالفين قسًا في الثانية عشر
في باريس
المشاكل مع الكنيسة
التحول إلى البروتستانتية
الهروب إلى بازل
الدفاع عن المنشقين
وليم يلعن جون
الطرد الأول
جون المتخفي
العودة إلى جنيف ثانية
الطرد ثانيةً من جنيف
زواج جون
في استراسبورج
العودة إلى جنيف ثالثةً
التفسير والكتابة
وثيقة الفرائض
1- الإصلاح باللكم والركل
2- السجن لمن لا يحضر الكنيسة
3- المداخن والمراحيض وطبيب الأسنان
4- الإعدام والنفي للمخالفين في الرأي
5- نفي جيروم بولسك
6- حرق سرفتيوس حيًا
7- الإعدام بالجملة
بيت كلفن لم ينجون من الزنا
الحواشي والمراجع
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب

ميلاده:


ولد جون في بلدة " نوبون " التي تبعد عن باريس نحو 45 ميلًا في 10 يوليو سنة 1509م أي بعد ولادة مارتن لوثر بنحو ربع قرن... وقد وُلد جون من أب متدين يدعى جيرار كوفن يعمل في مجال المحاماة حيث يقوم بتسجيل العقود وأيضا يعمل سكرتيرًا لأسقف المدينة.. أما أمه فهي جين ليفرانك التي كانت تتمتع بالأمانة والجمال، ولما بلغ جون الثالثة من عمره ماتت أمه..
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
يوحنا كالفين قسًا في الثانية عشر:


بدأ جون دراسته في بلدته نوبون.. والعجيب أنه عندما بلغ الثانية عشر من عمره، وإكرامًا لوالده سكرتير الأسقف.. منحته الكنيسة وسامًا فأصبح يتمتع بلقب كاهن، وليس هذا فقط بل يُصرَف له راتبًا شهريًا بالإضافة للامتيازات الأخرى التي يتمتع بها الكهنة.. وحدث هذا برغم أن القانون الكاثوليكي يحرم التعيين في الكهنوت لمن هو أقل من خمسة وعشرين عامًا..
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
في باريس:


في الرابعة عشر التحق بجامعة "دى لامارش" بباريس، وبدأ يدرس الفلسفة الرواقية، وقد سميت هذه الفلسفة بالرواقية لأن رائدها الأول الفيلسوف زينون كان يُعَلِّم تلاميذه في رواق مزين بالصور.. وأُعجب جون بالفيلسوف "سينيكا" الذي كان يُغَلِّب جانب الروح على جانب الجسد ويهتم جدًا بالنواحي الإنسانية.. ظل جون يدرس الفلسفة التي تؤهله للكهنوت حسب رغبة والده.. ولكن في السابعة عشر من عمره كانت العلاقات بين والده والكنيسة قد بدأت تسوء، لذلك طلب منه أبوه أن يترك دراسة الفلسفة التي تقوده إلى الكهنوت ويدرس القانون.. لذلك أرسله إلى جامعة "اورليان".. وبدأ جون يدرس القانون لكي يصبح محاميًا، ولكنه لم يكمل دراسته في المحاماة، فقبل الثانية والعشرين من عمره توفي أبوه فترك دراسة القانون وتخصص في الأدب والعلوم الإنسانية، وحقق رغبته التي كان يتمناها..
وأثناء دراسة كلفن في جامعة باريس تعرف على أفكار البروتستانت من خلال ابن خاله " بيير أوليفيه".
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
المشاكل مع الكنيسة:


دخل والد جون في نزاع ضد سلطات الكنيسة في نوبون، وانتهى الأمر بطرد جيرار من الكنيسة سنة 1529م، وبعد وقت قليل مات جيرار.. ومما أثر في نفسية جون أن السلطات الكنسية لم تسمح بدفن أباه في المكان المخصص لذلك إلا بعد المحاولات المميتة التي قام بها القس شارل شقيق جون الأكبر.. وزاد الطين بلة أن الكنيسة طردت أيضًا القس شارل ومات في سنة 1537م..
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
التحول إلى البروتستانتية:


رفض جون الكاثوليكية وتحول إلى البروتستانتية في الفترة من نوفمبر 1533 إلى مايو 1534م، وتصور أن إيمانه بالكاثوليكية كان مجرد خُزعبلات.. فيقول في مذكراته:
" بينما كنت شديد التمسك بالخزعبلات البابوية بصورة يصعب معها إخراجي من هذه الحمأة العميقة، حوَّل الله فكري في تجديد مفاجئ "(64)..
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
الهروب إلى بازل:


كان جون على علاقة قوية مع زميل الدراسة الواعظ الكاثوليكي الشهير "نقولا كوب" ابن الطبيب الخاص لملك فرنسا.. وفي إحدى المرات وقف نقولا كوب يعظ في كنيسة الماتورين ووجَّه هجومًا عنيفًا ضد الكنيسة الكاثوليكية التي ترفض الحوار مع الخارجين عنها، وتستخدم أسلوب القمع بالسيف والنار لإسكات أصواتهم.. وقد اختار كوب المكان والزمان لإلقاء عظته الهجومية هذه.. فقد ألقى عظته في جامعة باريس التي تجمع أكثر علماء الكاثوليكية تعصبًا، وتعتبر مركزًا لصد هجمات البروتستانتية.. أما الزمان فكان أول نوفمبر 1533م حيث يوافق الذكرى السادسة عشر على تعليق لوثر احتجاجاته الخمسة والتسعين على باب كنيسة فيتمبرج.. وعقب العظة أحس نقولا بالخطر فهرب إلى مدينة بازل الألمانية المدينة الحرة التي لا تخضع لسلطان الكنيسة الكاثوليكية، وسريعًا تبعه جون كلفن الذي شعر أيضًا بالخطورة على حياته، ولاسيما أنه هو الذي كتب العظة لنقولا كوب.. ويصف جون هروبه إلى بازل وقد فقد شجاعته، فيقول:


كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
" فكرت في الهروب في الحال.. هل أخرج من الطريق العام..؟ لاحظت أن هناك من يحوم حول المكان.. عُدتُ إلى غرفتي.. ومن النافذة الخلفية تدليت إلى المزارع المتصلة بأرض الجامعة، وجعلت أركض.. أركض.. وقد قضيت طول الليل نائمًا في العراء.. ووصلت إلى أقرب مدينة واستأجرت هناك بغلًا لينقلني خارج حدود فرنسا.. إلى بازل"(65)..
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
الدفاع عن المنشقين:


هرب جون من فرنسا إلى ألمانيا، وفي بازل سمع ما تثيره الكنيسة الفرنسية ضد المنشقين عن الكاثوليكية.. فكتب كتاب " المبادئ " يدافع عن الخارجين عن الكنيسة، وأيضًا يشرح بعض الحقائق المسيحية في نفس الكتاب..
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
وليم يلعن جون:


ترك جون بازل متجهًا إلى مدينة استراسبورج، وفي طريقه مرَّ على مدينة جنيف والتقى بصديقه " وليم فاريل " الذي ألح عليه ليبقى معه في جنيف للخدمة.. أصر جون على استكمال طريقه إلى استراسبورج.. فأخذ وليم يهدده ويلعنه قائلًا:
"إن لعنة الله سوف تستقر عليك إن رفضت دعوته للخدمة هنا في المكان الذي يحتاج إليك"(66)..
ويقول جون كلفن: "ووجد وليم أن توسلاته لم تُجْدِ قطعًا، اندفع يلعنني ويقول أن الله لابد أن يحرمني من السلام لو ضننت عليهم بالمعاونة في وسط تلك الحاجة الماسة والوقت العصيب.. وإذ خافني كلامه وأحسست بالخجل والجبن تخليت عن رحلتي وحاولت استخدام كل مواهبي في الدفاع عن إيماني"(67)..
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
الطرد الأول:


لم يمكث جون مع صديقه وليم أكثر من أربعة أشهر في جنيف، وخلال هذه الفترة دار صراع بين وليم وجون من ناحية وجماعة المنشقين عن الكاثوليكية من ناحية أخرى.. وبانتهاء هذه الفترة القصيرة كان قد تم طرد جون ووليم من جنيف..
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
جون المتخفي:


ظل جون كلفن هاربًا.. وفي هروبه استخدم أسماء مستعارة ليخفي شخصيته، فاستخدم اسم "تشارلس دي اسبريل"، "ماركيانوس لوكانيوس".. ورغم محاولات تخفيه وهروبه إلا أنه سقط في أيدي الشرطة التي كانت تطارده عدة مرات، وقضى بعض الفترات في السجن..
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
العودة إلى جنيف ثانية:


مدينة جنيف كان عدد سكانها 13 ألف نسمة وهي مدينة ناجحة ومستقرة.. بعد محاولات، استطاع وليم مع جون العودة إليها، وقد أحدثوا انقلابًا في المدينة، فحوَّلوا الكنائس الثلاث الكاثوليكية إلى كنائس بروتستنتية.. أما الكهنة الكاثوليك فقد اثروا الانسحاب من جنيف المدينة التي زال عنها سلطان الكنيسة..
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
الطرد ثانيةً من جنيف:


حدث خلاف شديد بين جون ووليم وبين المجلس الحاكم للمدينة، انتهى بطردهما مع رفقائهما من جنيف وصدر قرار الطرد على أن ينفذ خلال ثلاثة أيام.. فترك جون جنيف وذهب إلى ستراسبورج..
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
زواج جون:


لم يكن جون راهبًا مثل مارتن لوثر الذي نقض نذره.. حتى أن البعض يدعونه بـ"لوثر الزاني"، ولكن جون أعلن نفسه قسًا بروتستنتيًا، وكان الناس قد اعتادوا على بتوليه الكهنة الكاثوليك.. لذلك أصبح جون مترددًا في اتخاذ قرار زواجه.. وأخيرًا أعلن زواجه من الأرملة "اوليت دى بور" التي مات زوجها أحد قسوس جماعة إعادة المعمودية وترك لها ابنًا وابنة، وفي أغسطس سنة 1540م أسرع وليم فاريل ليتمم مراسيم زواج صديقه.. وهذا الزواج لم يدم إلا تسع سنوات.. وقد أمضت اوليت من هذه المدة أربع سنوات طريحة الفراش ثم ماتت سنة 1549م، ولم يُرزق جون إلا بابن وحيد مات في طفولته.
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
في استراسبورج:


أقام جون في استراسبورج، وكان ينوي التفرغ للدراسة الدينية إلا أن لوثر ألح عليه كثيرًا للمشاركة في الخدمة، وعندما رفض جون هدده لوثر بسقوط غضب الله عليه إن لم يشترك في خدمة الرب، فقبل جون الخدمة فألغى صلوات القداس الإلهي وأحل محلها صلوات أخرى، ووضع نظامًا للترانيم والاجتماعات وحفلات الزواج والافتقاد.. وبعد أن كان النظام المتبع في قبول أو رفض أي عضو للكنيسة أو من الكنيسة هو من اختصاص مجلس المدينة.. انتزع جون هذا الحق ودعى كنيسة استراسبورج بالكنيسة الحرة.. أي الحرة من السلطة المدنية.. ظل جون يخدم بهذه المدينة لمدة ثلاث سنوات عاد بعدها إلى جنيف..
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
العودة إلى جنيف ثالثةً:


دخل جون جنيف للمرة الثالثة والأخيرة في 31 سبتمبر سنة 1541م، وظل بها حتى نهاية حياته في 17 مايو 1564م أي مكث بها حوالي ربع قرن.. فماذا فعل خلال هذه الفترة..؟
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
التفسير والكتابة:


ركز جون على تفسير الكتاب المقدس وإلقاء العظات الكثيرة.. فلم يعد هناك صلوات طقسية مثل القداس الإلهي والعشيات والأعياد، فكان لابد أن يحاول ملء الفراغ بالعظات، وقد استعان جون كلفن بتفاسير الآباء أمثال فم الذهب، وجيروم، وأوريجانوس، وأغسطينوس.. ثم طبعت هذه العظات بعد تنقيحها لتظهر في كتب عديدة، يقول عنها القس لبيب مشرقي على لسان جون:
"إنها فعلًا كتب عظيمة.. إنها تستحق التقدير.. إني أعتقد أن الله نفسه أملاها لي"(68)...
ويا ليته اقتصر خدماته على العظات والافتقاد والأعمال الروحية فقط.. إلا انه من المؤسف جدًا أنه نصَّب نفسه الحاكم بأمر الله، أقحم نفسه في الأمور المدنية.. أذاق الشعب طعم المرارة والأفسنتين والعذاب والنفي والموت والحرق والخراب والدمار كما سنرى حالًا..
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
وثيقة الفرائض:


وضع جون كلفن وثيقة بعنوان: "الفرائض الدينية لجنيف".. شملت هذه الوثيقة الوظائف الكنسية ونظام عقد الاجتماعات وتأدية شعائر المعمودية والتناول.. كما شملت عقوبات قاسية للخدام والشعب، وعندما اعتمد مجلس المدينة هذه الوثيقة أصبحت سارية المفعول.. وقد قسم جون الوظائف الكنسية إلى أربع فئات:
1) الرعاة (الموظفون)..
2) المعلمون..
3) الشيوخ..
4) الشمامسة..
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
وبدأت كل فئة تزاول عملها من خلال السلطة الكلفنية.. أما تصرفات كلفن نفسه فكانت فوق الوصف، والأمثلة على ذلك عديدة... نذكر منها الآتي:
1- الإصلاح باللكم والركل:


يتحدث القس لبيب مشرقي بلسان كلفن، فيقول:
"الحقيقة أنني لا أملك ما يدعونه الدبلوماسية في المناقشة.. أنا بطبيعتي خجول ولكن إذا عارضني أحد اندفعت بكل قواي.. وإذا خالفني أحد فيما أعتقد أنه صواب استجمعت كل قواي وصرخت في وجهه معلنًا الحقيقة.. وقد يصل الأمر إلى أن الكمه بيدي أو اركله بقدمي.. لكن أرجو أن تعلم أنى لا أفعل ذلك إلا نادرًا جدًا"(69).
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
2- السجن لمن لا يحضر الكنيسة:


وهكذا يحدث عندما يصبح كلفن الحاكم بأمر الله،ويتناول هذه الحقيقة القس لبيب في حديثة التصوري مع كلفن، فيقول:
"قد سمعت انك كنت مختصًا بتنفيذ قوانين تتصل بلزوم حضور اجتماعات الكنيسة وحضور الأولاد لمدارس الأحد وإلا حكم عليهم أحيانا بالسجن"(70).. وفي النهاية يوافقه كلفن على هذا..
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
3- المداخن والمراحيض وطبيب الأسنان:


يستكمل القس لبيب حديثه:
"كما كلفت بالإشراف على تنظيف المداخن والاهتمام بوجود المراحيض في البيوت ونظافة الشوارع.. وقد اندهشت إذ سمعت انه لم يُرَخَص لأول طبيب أسنان بممارسة المهنة إلا بعد أن امتحنته بنفسك.. سمعت أن القس كلفن راعى كنيسة جنيف كان مسئولًا مدنيًا عن وضع القوانين الصارمة وتنفيذها..!! قال كلفن: إني لا أذكر بالضبط كل ما تم لكننا كنا نقوم بحركة إصلاح تتصل بالمسيحية العقائدية والمسيحية الاجتماعية.. كنا في أول عهد الإصلاح.. كنا مضطرين أن نسلك السبيل الذي سلكناه وهكذا كل إصلاح يبدأ مشوشًا ولكنه يومًا فيومًا يستقر ويهدأ وينتظم.. كانت الثورة الدينية تتجه نحو الإصلاح ووضع أمور الدولة في الأيدي الأمينة.. كان لابد من قوانين صارمة، ربما تطرفنا بل ينبغي أن أعترف إننا تطرفنا، تطرفنا في وضع القوانين.. حتَّمنا أن يحضر أعضاء الكنيسة إلى الاجتماعات الدينية، حتَّمنا حضور الأولاد والبنات إلى اجتماعات مدارس الأحد، ووضعنا العقاب الصارم على كل من يخالف.. كتبنا بنود الإيمان التي يجب أن تؤمن بها الكنيسة، ولكننا تطرفنا في وضع بنود القصاص لمن يخالف"(71)....
"ولم يُرخَص لأول طبيب أسنان في جنيف بمزاولة المهنة إلا بعد أن قام كلفن شخصيًا بامتحان مهارته"(72).
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
4- الإعدام والنفي للمخالفين في الرأي:


ونترك الحديث أيضًا للقس البروتستانتي لبيب مشرقي لكي يبكت جون كلفن على تصرفاته الخسيسة البعيدة كل البعد ليس عن المسيحية فقط بل عن الإنسانية.. حقًا أنها تصرفات دكتاتورية بل وحشية.. أنها تصرفات مؤسس البروتستانتية المشيخية.. يقول القس لبيب مشرقي في حديثه التصوري مع جون كالفن:
" نعم.. حدث ذلك.. فقد عوقب أشخاص أتوا هذه الأفعال (انتقاد دعاة الإصلاح) بل قطعت رأس جاك جروت سنة 1548م نتيجة تعليقه مذكرة بنقد الرعاة (الوظيفة الأولى من الوظائف الكنسية الأربعة) على منبر الكنيسة.
قُلت (القس لبيب): وماذا تقول عمن شقوا عصا الطاعة.. ألم يقبض عليهم..؟ ألم يتعرضوا لحكم الإعدام لولا أنهم هربوا..؟ ألم يُحكم على زوجاتهم بالنفي..؟ ألم يصدر الحكم بعدم عودتهم إلى جنيف تحت تهديد الإعدام..؟
قال (كلفن): نعم.. كانت الإجراءات عنيفة.. شديدة العنف.!!
قلت: تقول عنيفة فقط.!! نفى وتعذيب وإعدام، وتقول عنيفة فقط..؟ هل تعتبر هذه الإجراءات مسيحية..؟
فقال: إنها كانت من فرض نظام الإصلاح.!!
قلت: وهل تقول الإصلاح على القوانين الصارمة الخاصة بإصلاح المداخن وإنشاء المراحيض وبناء السياجات ومراعاة نظافة الشوارع.. أنا أقر أنها إصلاحات اجتماعية... لكن مالك ولها يا سيد كلفن.. يا قسيس كلفن..؟ مالك وطب الأسنان الذي تدخلت فيه..؟ هل كان الإصلاح الذي قمتم به إصلاحا اجتماعيًا أم إصلاحا دينيًا..؟ هل كان المسئول عنه وزير الصحة أم القسيس كلفن..؟ ثم ما هذه العقوبات القاسية التي وقعت على كاسري ناموس الرب، والعقوبات التي وصلت إلى حد الإعدام..؟ لقد كان الخطاة في اليهودية يأتون بذبائحهم ويعترفون بخطاياهم.. وكان اله اليهود "اله الناموس" يغفر لهم.. ألم يكن أجدر بإله النعمة أن يغفر..؟ ما الذي ارتكبه جروت حتى تقطع رأسه..؟ وماذا فعل "بيرين" و"برتلبير" حتى يضطر إلى الهروب، وحتى تُنفى الزوجتان، وحتى يُعدم الكثيرون من المؤيدين لهما، وتقول أن هذا ثمن الإصلاح..؟
وقال كلفن: "لا تتحمس كثيرًا يا صديقي.. لقد كانت هذه القوانين بركة"(73)...
ويستكمل الحديث الدكتور هارى ايبرتس بالتعليق على الشخصيات البارزة التي حكم عليها كلفن بسبب الرقص في حفل زفاف أو غيره:
"ولقد استمر الصراع لفرض هذا النظام على المواطنين في جنيف لمدة أربعة عشر عامًا، وامتد هذا الصراع بطريقة ما إلى كل أسرة في المدينة.. فنُفي البعض لكسرهم النظام بينما ارتحل آخرون من ذواتهم.. ولقد وجه الاتهام بكسر النظام إلى كل من "بيراريون"، "داى بيرين"، "فيلبرت برثليير"، "جاك جروت"... وهم شخصيات بارزة في جنيف أوقع بهم القصاص.. وكانت الاهتمامات التي وجهت لكل منهم بالترتيب هي: إقامة قضية طلاق، الرقص في حفل زفاف، التحريض على الشغب، وأسوأ الكل التجديف على كلمة الله بتعليق مذكرة بنقد الرعاة على منبر كنيسة سان بيير.. وقد قطعت رأس جاك جروت نتيجة لهذا العمل في سنة 1548م "(74)..
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
5- نفي جيروم بولسك:


جيروم بولسك راهب كاثوليكي حصل على درجة الدكتوراه من جامعة باريس، بالإضافة إلى شهادة في الطب وكان له رأيًا في المختارين أن الله يختارهم لأنه بسابق علمه يعلم أعمالهم الصالحة.. فكان ملخص رأيه: "أن الذين يطيعون كلمة الله هم المختارون الذين قد عينهم الله للخلاص.. أما الذين لا يطيعونها فهم الذين قد رفضهم"(75)..
عقد الرعاة مجمعًا بقيادة جون كلفن، وبدلًا من قطعه من شركة الكنيسة؛ قرروا طرده من مدينة جنيف..
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
6- حرق سرفتيوس حيًا:


أما سرفتيوس الأستاذ اللاهوتي والطبيب والمؤلف الأسباني، فقد أنكر التثليث والتوحيد وأزلية الابن.. كما ألَّف كتابًا يهاجم فيه كتاب "المبادئ" الخاص بجون كلفن ويسخر منه.. فكيف كانت نهايته..؟ يقول الدكتور هاري:
"أنكر سرفتيوس في كتابه الثالوث وكذلك أزلية الابن، وظن أنه يحسن صنعًا بذلك لأنه كان يعتقد أن هذين الأمرين هما سبب امتناع اليهود والأتراك عن اعتناق المسيحية.. وقد تقابل مع كلفن عندما كان كلاهما طالبين في باريس.. وقد لاحظ أن كلفن هو الشخصية الحاكمة في حركة الإصلاح.. فاختصه بسخريته.. وسمى كتابه الذي تباهي فيه بآرائه "رد الشيء إلى أصله" وقصد أن يكون صفعة مباشرة لكتاب كلفن "المبادئ" وادَّعى سرفتيوس أنه يستخلص الحق المسيحي من الزيف الذي أحاطه به كلفن.. ولما طورد سرفتيوس من بلد إلى بلد من أجل بدعته المستحدثة، وهروبًا من محاكم التفتيش الكاثوليكية، ذهب إلى جنيف وظهر في كنيسة المجدلية في صباح يوم الأحد 13 أغسطس سنة 1553م.. فعرفوه في الحال والقوا القبض عليه وسجنوه بناء على اتهامات قدمها ضده سكرتير كلفن.. ولكنها كانت مكتوبة بخط كلفن"(76)...
وانتهت المحاكمة بالحكم بإعدام سرفتيوس حرقًا، وعندما زاره كلفن في السجن لعله يتراجع عن رأيه رفض ولكنه طلب من كلفن أن يكون الإعدام بالسيف بدلًا من الحرق.. ولكن دعاة الإصلاح ذو القلوب الصخرية رفضوا طلبه هذا.. وفي يوم الجمعة 27 أكتوبر 1553م اقتادوه في منطقة شامبي وهو يصرخ الرحمة... الرحمة... هذا ظلم.. ظلم.. ظلم.. وكثيرون تبعوه وكانوا متعاطفين معه حتى أن إحدى السيدات صرخت قائلة: إنكم ستحرقون البريء.. ثم أشارت بيدها إلى كلفن، وقالت: "هاك الوغد هو الذي يستحق الإحراق".. فجذبها زوجها بعيدًا لئلا يحكموا عليها بالحرق... وفعلًا تم حرق سرفتيوس حيًا وكان يتبعه القس وليم فاريل مرتديًا الرداء الإكليريكي الخاص بكلفن.. وبعد الحرق أخذ وليم بقايا من جسده ووضعها في الرداء الإكليريكي ثم أعاده إلى صاحبه..
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
7- الإعدام بالجملة:


أما المتعاطفون مع سرفتيوس فكان نصيبهم الهروب أو القتل.. وعلقت رؤوس بعضهم على باب المدينة.. وأيضا كان هذا نصيب كل المتعاطفين مع أحد المعارضين.. ويقول الدكتور هارى:
"وعندما حدث الشغب في السادس عشر من مايو سنة 1555م ألقي القبض على بيرين وبرتلير، وقُدما للمحكمة بتهمة التحريض عليه وهربًا من المحاكمة. فرَّ الرجلان إلى برن فنفيت زوجتاهما وأُعدم كثيرون من مؤيديهما وحرمت عليهما العودة تحت التهديد بالموت"(77)..
ويقول ايريل كيرنز:
"إلاّ أن مثل هذه العقوبات ثبت أنها قاسية جدًا حيث بلغ الذين تم إعدامهم 58 شخصًا، وتم نفي 76 آخرين مع حلول عام 1546م"(78)
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
بيت كلفن لم ينجون من الزنا:


والأمر العجيب أنه رغم تشدد كلفن.. إلا أنه لم يؤثر في النفوس التي عاش معها.. لقد فشل في التأثير على أقرب الناس إليه (أخيه وابنة زوجته التي اعتبرها ابنة له وخادمه الأحدب) يقول الدكتور هاري:
"أما ابنتها (زوجة كلفن) الوحيدة "جوديت" من زوجها السابق والتي أصبح كلفن وصيًا عليها فقد جاءت مع والدتها في استراسبورج لتعيش مع أسرة كلفن..
وبعد زواج جوديت بقليل حكم عليها بتهمة الزنا.. وقد أزعج ذلك كلفن إزعاجًا شديدًا حتى اضطر أن يعتكف في الريف عدة أيام ليسترد سيطرته على نفسه... وكان انطوان أخو كلفن الصغير يعيش وعائلته مع كلفن في نفس المنزل في جنيف.. وقد سبب زواج انطون أيضا الحزن لكل عائلته.. ففي سنة 1548م سُجنت الزوجة بتهمة الزنا ورغم أنها لم تلبث أن أُطلق سراحها من هذه التهمة إلا انه قد حكم عليها بالسجن تسعة سنوات لارتكابها الزنا مع خادم كلفن الأحدب الظهر"(79)...
ويكرر هذا المعنى القس البروتستانتي لبيب مشرقي (ص66 حديث مع جون كلفن)...
هذا هو احد قادة الإصلاح الذي تنتسب له الكنيسة البروتستانتية المشيخية في مصر.
وهذه هي تصرفاته..
أين هي من تصرفات رجال الله؟!!
وأين هو من الآباء القديسين؟!!
وبأي وجه سيقف أمام الديان العادل؟!!
يا مادحي كلفن أفيقوا لئلا تسقطوا في الدينونة معه.
  رد مع اقتباس
قديم 10 - 07 - 2014, 03:38 PM   رقم المشاركة : ( 7 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,467

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب

فيليب ميلنكثون.. لاهوتي المحتجين

ولادته
نشأته
اعتناق البروتستانتية
في كلية فيتمبرج
لوثر وميلنكثون
زواجه
قضاياه
دموع بربارة
الحواشي والمراجع

كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب

ولادته:

وُلد من أب يُدعى "جرجس شورتسارد" في 14 فبراير 1497م، وأم تُدعى " بربارة " في بلدة " برتن".. كان أبوه غنيًا ومعروف عند الأمراء وأمه ابنة قاضٍ مرموق اسمه يوحنا ريوتر، وكانت تقرض الشعر وكان اسمه عند ولادته فيلبس.
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
نشأته:

تربى فيلبس في كنف هذه الأسرة الغنية، وبدأ تعليمه وظل في بيت أبيه حتى سن الحادية عشر حيث توفي والده فقام جده "ريوتر" بتربيته وتعليمه على يد معلم يُدعى "هنكاريوس".. وبعد وفاة جده أكمل تعليمه بمدرسة "بفرزهيم" وأتقن اللغة اليونانية.. وفي سن الثانية عشر التحق بمدرسة " هيدلبرج " حيث درس العلوم اللاهوتية.
أعجب أحد الأشخاص المرموقين بفيلبس لذكائه وفطنته، فدعاه باسم ميلنكثون بدل شورتسارد، وكلا الاسمين لهم معنى واحد وهو "أرض سوداء".
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
اعتناق البروتستانتية:

كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب



بدأ ميلنكثون تتجه أفكاره نحو البروتستانتية ويرفض الكاثوليكية.. وبعد أن كان يحترم الأيقونات قال في أواخر حياته:
"إني أقشعر حينما أذكر الإكرام الذي كنت أقوم به للصور (المعروفة بالأيقونات) حين كنت بابويًا"(80)
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
في كلية فيتمبرج:

استدعاه الملك فريدريك للتدريس في كلية فيتمبرج وكان عمره حينئذٍ واحد وعشرين عامًا.. كان قصير القامة وضعيف الصوت وكثير الحياء:
لوثر ورفقائه حين تعرفوا به لم يتوقعوا منه أمورًا عظيمة لصغر سنه وفرط حيائه وجُبنه"(81)
ولكن بعد أن ألقى أول خطبة له باللغة اللاتينية تغيرت المشاعر تجاهه:
"ولما فرغ من خطبته أحدقوا به جميعًا وهنأوه، ولكنه لم يشعر حينئذٍ بمثل ما شعر به لوثر من الابتهاج فأسرع إليه وهنأه بعبارات المسرة والاحترام"(82)
وشغل ميلنكثون منصب أستاذ للغة اليونانية في عام 1518م، وفي سن الحادية والعشرين كان على دراية باللغات القديمة والعبرية.
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
لوثر وميلنكثون:

وجد لوثر في ميلنكثون ضالته المنشودة فهو يؤيده في جميع أفكاره، وأصبح ميلنكثون يمثل الفكر اللاهوتي للحركة البروتستانتية:
"وميلنكثون أحب لوثر ووجده على غاية من العلم والنباهة والشجاعة والهيبة، وقال إن وُجِد من أحبه من كل قلبي فهو مارتن لوثر"(83).
"وكلف لوثر ميلنكثون أن يشاركه في دروسه، وكان يستشيره في الآيات العويصة.. وملأ ميلنكثون علم اللاهوت الجديد ومذهب التبرير بالإيمان"(84)
رفض ميلنكثون سلطان البابا والآباء والقانون الكنسي، وأصدر كتاب صغير عن لوثر دعاه باسم"Loci Communes" يُظهِر فيه أفكار المحتجين من خلال رسالة رومية وركز على التبرير بالإيمان.
تعلق لوثر بميلنكثون حتى قال:
"الموت أحب لي مما أخسره."(85)
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
زواجه:

كان ميلانكثون يتردد على بيت الوالي "كراب" وكان للوالي ابنة اسمها "كاثرينا" فتزوج منها ميلنكثون.
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
قضاياه:

عندما كان لوثر في القلعة أعلن فيليب ميلنكثون خمسة وخمسين قضية ضد الإيمان، منها:
1. النظر إلى الصليب ليس بعمل صالح.. إنما هو التأمل في علامة تذكِّرنا بفداء المسيح.
2. الاشتراك في عشاء الرب ليس قيامًا بعمل صالح.. إنما هو إتيان بما يُذكِّرنا بالنعمة التي وهبها الله لنا بواسطة المسيح.
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
دموع بربارة:

حاولت أمه بربارة إعادته إلى العقيدة الكاثوليكية ولم تنجح في هذا:
"وكان ميلنكثون قد سافر بعد قليل من زواجه إلى برتن ليزور أمه فلما رأته كاد يغمى عليها من الفرح وبعد أن عانقته رجت منه أن يبقى في برتن ويرجع إلى إيمان آبائه فاستعفى بلطفٍ عظيم لئلا يجرح قلبها وحزن على فراقها."(
  رد مع اقتباس
قديم 10 - 07 - 2014, 03:41 PM   رقم المشاركة : ( 8 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,467

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب

العوامل التي حدَّت من انتشار البروتستانتية


أولًا: تجاوزات القادة
هنري الثامن
ثانيًا: ظهور البدع والهرطقات
1. حركة الأنبياء الملهمين
2. حركة إعادة المعمودية
ثالثًا: التصاق الانشقاقات البروتستانتية منذ نشأتها
رابعًا: تصدي الكنيسة الكاثوليكية
1) محاكم التفتيش
2) مذبحة الهوجنوت
مذبحة برثلماوس
3) حرب الثلاثين عامًا وقتل الملايين
خامسًا: محاولة الإصلاح من الكنيسة الكاثوليكية

كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
نتيجة لما عانته الشعوب الأوربية من فساد السلطة الكنسية، وتفشي نظام الإقطاع وانتشار الجهل فقد تهيأت قلوب هذه الشعوب لتصبح تربة صالحة تنشأ فيها البروتستانتية وتترعرع.. ونتيجة لجهود لوثر، وزونكلى، وكلفن وغيرهم الكثير والكثير انتشرت البروتستانتية وسيطرت على مدن بأكملها، بل على دول كاملة... خلال سنوات قلائل انفصل كثير من الدول عن سلطة روما، وأصبحت البروتستانتية العقيدة الرسمية لها مثل ألمانيا وسويسرا وفرنسا وإنجلترا وهولندا.. بل أن الحركة انتقلت من هولندا إلى أمريكا..
ولقد اشتد الصراع بين الكاثوليك والبروتستانت كما رأينا من قبل وراح ضحية هذا الصراع مئات الألوف من قتلى وجرحى.. كما شعرت الكنيسة الكاثوليكية أنها في أمسْ الحاجة إلى الإصلاح الداخلي.. ويمكن أن نذكر بعض العوامل التي حدَّت من انتشار البروتستانتية، وهي:
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
أولًا: تجاوزات القادة:

أخذنا أمثلة صارخة على هذه التجاوزات متمثلة في حياة لوثر وزونكلي وجون كلفن.. والآن نأخذ مثالًا من تجاوزات الملوك الذين ساندوا الحركة البروتستانتية من أجل أغراضهم الدنيئة، وقد ركبوا الموجة من أجل أهوائهم الشريرة، ونأخذ منهم:
* هنري الثامن(87) (1509- 1547)

تولّى هنري الثامن حكم انجلترا بعد وفاة والده هنري السابع، وتزوج من زوجته الأولى كاترين فأنجب منها ابنته ماري.. كان هنري مثقفًا ومتعلمًا يعرف اللاتينية والفرنسية والأسبانية إلى جانب الإنجليزية وعلى دراية بالعلوم اللاهوتية.. أصدر كتابًا دعاه "الدفاع عن أسرار الكنيسة السبعة" ردًا على كتاب "السبي البابلي" الذي أصدره لوثر مما جعل البابا يُلَقبه بلقب "حامي الإيمان" ومازال هذا اللقب يلقب به ملوك انجلترا إلى الآن.
لم تُنجب كاترين ولدًا يرث عرش زوجها، فطلب هنري من مستشاره الخاص "ولس" باستصدار قرار من بابا روما ببطلان زواجه من زوجته كاترين، ولكن بابا روما رفض طلب الملك هنري ولاسيما أن ابن أخت كاترين هو الملك تشارلز الخامس ملك اسبانيا وإمبراطور ألمانيا.. ثار هنري واتهم مستشاره "ولس" بالخيانة العظمى وحكم عليه بالإعدام إلاّ أن ولس وافته المنية قبل تنفيذ الحكم.
وكان رد فعل هنري على البابا انه أعلن نفسه رئيسًا لكنيسة انجلترا، وأجبر رجال الكنيسة على التوقيع على وثيقة " خضوع رجال الكنيسة للملك".. وأصبح رجال الكنيسة لا ينفذون أي قرار بابوي إلاّ إذا وافق عليه الملك هنري الثامن.. أيضًا منع الملك توريد الضريبة السنوية للبابا، وأصدر قرارًا بعدم استئناف أي أحكام كنسية في روما.
استطاع هنري أن يخضع كراغر رئيس الأساقفة لرأيه فأعلن كراغر في عام 1533م بطلان زواج الملك من الملكة.. وعلى الفور تزوج هنري من زوجته الثانية "آن بولين" التي كان يحبها، وللأسف تتكرر المأساة ثانيةً مع الزوجة الثانية ولكن مع نهاية أشنع من الأولى..
لقد أنجبت آن ابنتها إليزابيث ولم تنجب ولدًا فانقلب حب زوجها لها إلى بغضة شديدة.. أنظر يا صديقي ما فعله هذا الملك الفاسد..!!
لقد قدم زوجته للمحاكمة بتهمة الزنا وحُكم عليها بالإعدام ونُفِّذ الحكم فعلًا سنة 1536م..
عاد هنري وتزوج من زوجته الثالثة سيمور التي أنجبت له ولدًا اسماه "ادوارد" ثم ماتت.. فتزوج هنري من زوجته الرابعة "اوف كليفز" ثم طلقها، وتزوج من زوجته الخامسة "كاترين هوارد" وسار في طريق الشر إلى نهايته فحكم عليها بالإعدام، وأخيرًا تزوج من زوجته السادسة "كاترين بار".
هل هذا الملك الشرير المخالف الذي حطم وصية الإنجيل يصلح أن يكون مثلًا وقدوة.؟!!
ورغم ان الكنيسة الانجليزية انفصلت عن كنيسة روما في عصر هذا الملك الشرير الآ انها أدانت بنفس العقائد والطقوس الكاثوليكية، وعندما تولت ابنته الملكة إليزابيث الأولى العرش أدخلت بعض المبادئ البروتستانتية فأصبحت الكنيسة خليطًا بين الكاثوليكية والبروتستانتية، وعرفت باسم الكنيسة الأسقفية أو الانجليكانية، ومازال للآن يعتبر ملك انجلترا رأس الكنيسة الأسقفية.
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
ثانيًا: ظهور البدع والهرطقات:


كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
هيأت البروتستانتية التربة الصالحة للبدع والهرطقات، كما فظهرت بعض الحركات الخاطئة ونأخذ منها مثالين:
1. حركة الأنبياء الملهمين:

بدأت هذه البدعة في قرية صغيرة اسمها "زويكا" ثم انتشرت في فيتمبرج.. ادّعى أحدهم وهو حائك يدعى" نيقولاوس " ستُرْخ بأن الملاك جبرائيل ظهر له وأنبأه ببعض الأمور التي لا يستطيع أن يصرِّح بها.. انضم إليه حائك آخر يدعى " توما منزر " وطالب آخر من جامعة فيتمبرج ويدعى " مرقس ستبنر"..
اختار نيقولاس اثني عشر تلميذًا واثنين وسبعين رسولًا اقتداء بالسيد المسيح، وقالوا أن الرسل والأنبياء قد عادوا إلى كنيسة الله.. وبدأوا ينشرون مبادئهم، ومنها:
1) لا ضرورة للكتاب المقدس لأن الله نفسه يكلمهم، فقالوا:
"ما نفع شدة التمسك بالكتاب وقولنا الكتاب المقدس. الكتاب المقدس. الكتاب المقدس.. فهل يستطيع الكتاب المقدس أن يعظنا؟؟ وهل كاف هو لتعليمنا..؟
ولو قصد الله أن يعلمنا بالكتاب لأرسل الينا الكتاب المقدس من السماء.. إنما نحن نستنير بالروح وحده، فان الله يكلمنا وهو نفسه يعلن لنا ما يجب أن نبشر به"(88)
2) لا داعي لمعمودية الأطفال، وعلى الناس أن يقبلوا المعمودية الصحيحة من أيديهم هم.
3) الويل للكنيسة الحالية، والعالم الحالي سينتهي وتقوم مملكة الله التي سيحكمها نيقولاوس سترخ:
"ويلٌ. ويلٌ.. إن كنيسة يسوسها فاسدون كالأساقفة اليوم لا يمكن أن تكون كنيسة للمسيح.. فإن رؤساء المسيحيين المنافقين سوف يسقطون. وإنه في أثناء خمس سنين أو ست سنين أو سبع سنين يُدَمَر العالم، ولا يبقى منافق أو خاطئ حيًا.. وتطهر الأرض بالدم وحينئذٍ يقيم الله مملكة ويكون سترخ الحاكم الأعلى.. يوم الرب قريب ونهاية العالم قريبة.. ويلٌ. ويلٌ. ويلٌ.."(89)
وقد تأثر برأيهم الكثيرين حتى أن فيليب ميلنكثون لاهوتي المحتجين اضطرب وعجز عن الحكم عليهم، فقال:
"حقًا أن هؤلاء أرواحًا غريبة.. فلنحذر من جهة أن نُطفئ روح الله ومن جهة أخرى أن نتبع روح الشيطان"(90).
وكارلستارت تأثر بحياة هؤلاء الأنبياء فأعاد التلاميذ إلى منازلهم ونصحهم بعدم التعلم والاشتغال بالزراعة لأن الإنسان يجب أن يأكل خبزة بعرق جبينه ولا طائل من العلم..
والمعلم جرجس معلم مدرسة الصبيان كفَّ عن التعليم بحجة أن سترخ ورفقائه وهم صناع قد فاقوا العلماء وصاروا من الأنبياء.
والملك فريدريك انخدع من هؤلاء الهراطقة، وقال:
" أيوجد أنبياء ورسل في سكسونيا كما وجد في أورشليم.. إن ذلك لأمر عظيم، وأنا عامي لا أقدر أن أحكم بإثبات ذلك ولا بنفيه.. وأحب إليَّ أن أحمل عكازًا وأنزل عن عرشي من أن أحارب الله"(91)
وكان نتيجة هذه البدعة انتشار التشويش والخراب في مدينة فيتمبرج كما رأينا من قبل بقيادة توما منزر التي انتهت حياته بالقتل هو وآلاف من تابعيه.
2. حركة إعادة المعمودية:

في سنة 1522م نادى بعض أتباع زونكلي بإعادة المعمودية، وبعد ثلاث سنوات منع مجلس مدينة زيورخ هذه الجماعة من عقد اجتماعاتها ونفوهم من المدينة، وقد تبلورت هذه الحركة في سويسرا على يد "كونراد جبريل" (1498-1526) الذي تلقى تعليمه في فيينا وباريس وعمل مع زونكلي ثم إختلف معه وانفصل عنه في عام 1525..
نادى جبريل بضرورة إعادة المعمودية ويمكن لأي شخص أن يعمد، فقام بتعميد صديقه " جورج بلوروك " ثم قام جورج بدوره بتعميد جبريل..
ونادت الجماعة بأن أي شخص له حق تفسير الكتاب المقدس مع إعتبار سلطانه نهائي.. وكانوا يرفضون حمل السلاح للدفاع عن الوطن وينادون بكنيسة حرة بعيدة عن سلطة الدولة ويرفضون وظيفة القضاة والمحاكم البشرية.. ولاقت هذه الحركة رواجًا كبيرًا بين الفلاحين والعمال رغم ما تعرضوا له من عذاب وقتل وحرق وإغراق، فمثلًا: أحد قادتهم "بلثاصر هابماير" الذي حصل على درجة الدكتوراه في اللاهوت ودرس تحت يد جون إك الذي قاوم لوثر، وخدم كراعٍ كاثوليكي في مدينة " والدشوت " على الحدود السويسرية تأثر بأفكار حركة إعادة المعمودية، وقام مع 300 شخص من أتباعه بإعادة معمودية بعضهم البعض.. وأخيرًا إنتهت حياة بلثاصر بالإعدام حرقًا سنة 1528م، وأُغرِقَت زوجته في نهر الدانوب.
وبعض قادة هذه الحركة تمادوا في الهرطقات، فمثلًا "جان مائيس" الذي كان يعمل خبازًا وتزوج من راهبة جميلة اسمها ديفارا أعلن نفسه أنه هو أخنوخ الذي نقل إلى السماء.. وعندما قُتِل في إحدى المعارك قام بعده يوحنا الذي تزوج من ديفارا أرملة جان وأصدر قرارًا بتعدد الزوجات لكثرة الفتيات غير المتزوجات وتزوج هو من خمسة عشر زوجة"(92).
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
ثالثًا: التصاق الانشقاقات البروتستانتية منذ نشأتها:

بانشقاق لوثر عن كنيسته الكاثوليكية، وضع بذرة الانشقاق بين المحتجين فظهر زونكلي ثم انشق عنه وجاء كلفن وأراد أن يمسك العصا من المنتصف بين اللوثريين والزونكليين حتى أسموه بالمرحب.. ثم ظهرت الكنائس الأسقفية والحرة والمتطرفة وذلك في وقت وجيز جدًا..
فيقول ايرل كيرنز:
"مع حلول عام 1545م بدا أن أشكال الكنائس الرسمية التابعة للدولة التي أفرزتها اللوثرية والإنجليكانية والكنائس المصلحة إلى جانب الكنائس الحرة أو المتطرفة من أشكال حركة إعادة المعمودية تمضي كلها في طريقها"(93)
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
رابعًا: تصدي الكنيسة الكاثوليكية:

تصدت الكنيسة الكاثوليكية للمنشقين البروتستانت، ودارت معارك وحروب طاحنة بين الجانبين كما رأينا في الحديث عن لوثر وبحور الدماء، وقد ذكّى هذه النيران تفاني بعض الملوك في خدمة روما ولاسيما ملوك أسبانيا مثل تشارلز الخامس وفيليب الثاني.. ونأخذ ثلاثة أمثلة على هذا التصدي:
1) محاكم التفتيش:

نشأت هذه المحاكم لمواجهة الخارجين عن العقيدة الكاثوليكية، وظهرت أولًا في أسبانيا سنة 1480م بقيادة "توماس توركيومادا" بعد أن حصل على تصريح بابوي بإنشائها ثم انتشرت في روما سنة 1542م..
كانت هذه المحاكم تقبض على المنشقين وتتهمهم بالهرطقة وتفترض أنهم مذنبون.. ويتعرض المتهمون للتعذيب حتى يعترفوا بهرطقاتهم ثم يعلنوا رجوعهم وتوبتهم وإلا تصدر ضدهم الأحكام القاسية بنزع الملكية والسجن أو الإعدام حرقًا..
وقد أصدر البابا بولس الرابع سنة 1559م قائمة بأسماء الكتب المحرم على الشعب قراءتها أو تداولها، وكوَّن لجنة لإضافة كل ما هو جديد من الكتب الممنوعة.. لقد بلغ عدد المحكوم عليهم بالإعدام في أسبانيا اثني عشر ألفًا، ولم تلغي هذه المحاكم إلاّ سنة 1854م.

2) مذبحة الهوجنوت:

في فرنسا تجمع البروتستانت رغم اختلاف اتجاهاتهم اللاهوتية ونظموا أنفسهم فوصل عددهم إلى حوالي 400 ألف عرفوا باسم الهوجنوت.. فصاروا ذو قوة في المجتمع الفرنسي حتى أنهم أنشأوا مملكة داخل المملكة.. ولأن الهوجنوت هم بروتستانت يجري في عروقهم دم الملوك والأمراء والنبلاء لذلك لم يرضخوا للظلم البابوي وطالبوا بكافة حقوقهم كاملة وإلا فالثورة المسلحة...
دبر لهم فيليب الثاني ملك أسبانيا مع البابا بيوس هذه المذبحة وقام ملك فرنسا بتنفيذ هذه الخطة.. فماذا فعل..؟
أظهر ملك فرنسا أنه يود أن ينشر السلام بين طرفي النزاع الكاثوليكي والبروتستانتي.. ولهذا فهو مزمع أن يزوج شقيقته مرجريت دى فالوا لهنرى دى نافاز أحد الملوك البروتستانت، ودعى الملك الفرنسي الهوجنوت وزعمائهم لحضور حفل الزفاف المبارك.. وفي 18 أغسطس سنة 1572م عقد الزواج بكاتدرائية بوتردام دى بارى وأعقب الزواج الحفلات والولائم للهوجنوت.
أراد ملك فرنسا أن يقضى أولا على" كولني " قائد الهوجنوت وهو أدميرال فرنسي أولًا، فرصد خمسة آلاف قطعة ذهبية لمن يغتاله، وفعلًا جرت محاولة الاغتيال إلا أن كولنى نجى منها... حينئذٍ أظهر ملك فرنسا استيائه وأقسم أنه سينتقم من مدبري الحادث....

مذبحة برثلماوس:

وفي ليلة 24 أغسطس سنة 1572م وكانت عشية عيد القديس برثلماوس، وفي حوالي الثالثة بعد منتصف الليل دق ناقوس كنيسة سان جرمانوس ليعلن صلاة البكور، وكانت هذه العلامة المتفق عليها.. عندئذٍ اندفع مئات الجنود الفرنسيون يحملون بنادقهم ويرتدون قبعات ذات صليب أبيض.. هجموا على منازل البروتستانت ولم يرحموا حتى النساء والأطفال.. فامتلأت المنازل والشوارع من جثث القتلى، وسالت دمائهم إلى نهر السين.. أيضا اغتالوا قائدهم كولني.. أما العريس هنري دى نافاز وحاشيته فقد ساقوهم واحدًا فواحدًا وذبحوهم ذبح الشاة.. ومثل مذبحة سان برثلماوس هذه جرت مذابح أخرى في عدة مدن، وجرت الدماء الفرنسية غزيرة وكانت النتيجة سبعون ألف قتيل من البروتستانت الفرنسيين، وسُر البابا بيوس وأراد تخليد هذه الذكرى الذي قضى فيها على عدد كبير من الهراطقة، فصك ميدالية ذهبية يظهر على أحد وجهيها صورته، وعلى الوجه الآخر صورة الجنود يطاردون الهوجنوت، وقد ظهروا في شكل خنازير، وعبَّر البابا بيوس أيضا عن سعادته فأصدر غفرانًا عامًا..

3) حرب الثلاثين عامًا وقتل الملايين:

عقدت معاهدة السلام بين الكاثوليك والبروتستانت في اوجسبورج، وبموجبها يتخلّى أي حاكم كاثوليكي يتحول إلى البروتستانتية عن الحكم.. تحول كثير من حكام ألمانيا إلى البروتستانتية وأحسوا بمدى ظلم معاهدة اوجسبورج لهم.. بدأت سلسلة حروب منذ عام 1618م حتى عام 1648م دفع الثمن الفادح فيها الشعب الألماني فيقول إيرل كيرنز:
"فان عدد سكان ألمانيا قد تناقص بمقدار الثلث وذلك بموت الملايين، ودمر الكثير من الممتلكات خلال المعارك العديدة واحتياج العديد من المدن والقرى.. وكان على ألمانيا أن تستفيق وتستعيد حيويتها بعد ما عانته من دمار وضحايا وانهيار للروح المعنوية للشعب أثناء حرب الثلاثين عامًا"(94).
أما ضحايا هذه الحرب الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت في ايرلندا فقد بلغت حوالي مائة ألف نسمة.
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
خامسًا: محاولة الإصلاح من الكنيسة الكاثوليكية:

جرت محاولات جادة مخلصة لإصلاح الكنيسة الكاثوليكية من الداخل، ومن أمثلة هذه المحاولات:
  1. جماعة المحبة الإلهية
  2. حركة الجزويت (اليسوعيين)
  رد مع اقتباس
قديم 10 - 07 - 2014, 03:42 PM   رقم المشاركة : ( 9 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,467

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب

جماعة المحبة الإلهية

كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
1) جماعة المحبة الإلهية:
تكونت هذه الجماعة (1517-1557) من ستون رجلًا فاضلًا من رجال الكنيسة الكاثوليكية.. وكان هدف هذه المجموعة تعميق الحياة الروحية ونشر الخير في ربوع البلاد.. تعاون معهم البابا بولس الثالث وطلب منهم إعداد تقرير لإمكانية الإصلاح.. فأعدَّت المجموعة تقريرًا عام 1537 أشارت فيه إلى تجاوزات كنيسة روما وأخطاء الباباوات السابقين.
قام البابا بولس الثالث بتعيين بعضهم كرادلة، وكان من بينهم جيوفاني بيتر وكازافا الذي صار فيما بعد البابا بولس الرابع سنة 1555م.
لقد حاول بعض باباوات روما إصلاح الأوضاع مثل البابا بيوس الرابع الذي قضى على محاباة الأقارب، والبابا سيكستوس الخامس الذي حقق الإصلاح المالي.
وقد قامت جماعة المحبة الإلهية بتأسيس عدة أنظمة رهبانية تقوم على الفقر الاختياري والعفة والطاعة.. من هذه الأنظمة نظام "الرهبان الكبوشيين" الذي أسسه ماتيو دي باسير نحو سنة 1525م واعتمد على البساطة والتجرد حتى أن الرهبان كانوا يسيرون حفاة الأقدام، ونظام الرهبنة " الأورسلية " الذي أسسته أنجيلا ميريس واهتم برعاية المرضى وتعليم الفتيات.
  رد مع اقتباس
قديم 10 - 07 - 2014, 03:43 PM   رقم المشاركة : ( 10 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,467

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب

حركة الجزويت (اليسوعيين)



مؤسس الجماعة أغناطيوس ليولا:

أسس هذه الجماعة شخص يدعى أغناطيوس ليولا، وهو أسباني المولد سنة 1491م.. من أسرة غنية.. تعلَّم الفروسية وانتظم بالجيش الأسباني وشارك في معارك التحرير الأسبانية، كما حارب ضد اليهود والهراطقة.. ثم شارك في معارك أسبانيا مع قوات النافار الثائرة فأصيب في ساقه، ورغم أنه أجريت له عمليتين جراحيتين إلا انه لم يتماثل للشفاء بل تعرض أيضًا للحُمى وقارب من الموت.. وهنا، تغيرت أفكاره وأحلامه من فارس في ميادين القتال إلى جندي روحي في جيش يسوع، وقد عُرف ليولا بغيرته الشديدة على المذهب الكاثوليكي.. فوضع في نفسه القتال لأجل الكاثوليكية وإن لم يكن بالسيف فبالمبادئ والسلوك والقلم..

كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
التحق ليولا بأحد الأديرة، وعاش حياة الزهد والتقشف في أصوام وإماتات كثيرة.. كان طعامه الخبز اليابس، ولباسه رداء من الشعر الخشن على لحمه، متمنطقًا بسلسلة حديدية حول وسطه، وكان يدرب نفسه على القيام بالأعمال الوضيعة.. فكان يخرج من الدير إلى المستشفيات ليعصب جروح المرضى العفنة... وبعد فترة اعتزل في مغارة منفردًا عن الناس متوحدًا.. فذاعت شهرته وعمَّت الآفاق..
أشار عليه بعض أصدقائه المخلصين بدراسة اللاهوت.. فرحل سنة 1528م من أسبانيا إلى فرنسا حيث درس العلوم اللاهوتية في باريس... وأصبح ذو شأن عظيم.. فالتف حوله محبيه ومريديه.. وانتقى ليولا تسعة أشخاص ذو كفاءة عالية، وكوَّن العشرة معًا جمعية أسموها "جمعية يسوع " وكان ذلك سنة 1540م
كتاب يا أخوتنا البروتستانت، هلموا نتحاور - أ. حلمي القمص يعقوب
قامت الجمعية على مبدأ الطاعة الكاملة للكنيسة الكاثوليكية والرؤساء، فكان من مبادئها:
"على كل عضو أن يطع رئيسه كأنما هو المسيح على الأرض"...
كتب ليولا كتاب "التدريبات الروحية" للمرشحين للرهبنة، فالمرشح يقضي عدة أسابيع يتأمل في خطاياه ومحبة السيد المسيح له.. وفي نهاية فترة الاختبار يوقع المرشح على تعهده بالطاعة الكاملة للبابا والمرشد العام، والتزامه بحياة الطهارة والفقر الاختياري.
والتزم الأعضاء بالجهاد الروحي، كما أضفى ليولا على جماعته الروح العسكرية من الالتزام والجدية..
أعجب الكثيرون بمبادئ جماعة اليسوعيين التي تنأى بنفسها عن المجادلات، وتسلك في طريق الطاعة الكاملة.. فاكتسبت الجمعية كثير من الأتباع.. وانتشر نشاط الجمعية عبر البحار بفضل أعضائها العشرة.. فمثلًا: فرانز زافيير أحد العشرة المؤسسين للجمعية ذهب إلى الهند ماسكًا صليبه وحاملًا مذوده يكرز ويبشر للهنود ببشرى الخلاص، فآمن على يديه الكثيرين.. ثم انتقل من الصين ومنها إلى اليابان.. وعلى مدار إحدى عشر عامًا يكتسب شعبًا ليسوع حتى انتهت حياته في إحدى جزر الصين الموحشة.
قسَّم ليولا العالم إلى اثني عشر منطقة، وعيَّن لكل منطقة رئيس.. وقام هو بوظيفة الرئيس الأعلى للاثني عشر رئيسًا.. وفي فترة وجيزة انتشرت مدارس الجيزويت في دول كثيرة، ومن خلال التعليم أضفوا روح الحب والتقدير للكنيسة سواء على التلاميذ أو ذويهم.. كما اختاروا رعاة ممتازين للكنائس التي أسسوها، وبهذا كان لهم التأثير القوي الفعال في مقاومة الحركة البروتستانتية، حتى استطاعوا أن يستردوا مناطق كثيرة من النفوذ البروتستانتي، وسيطروا على معظم أنحاء العالم الكاثوليكي.. لقد كان لهذه الجمعية الفضل في عودة المهابة للكنيسة وللسلطة البابوية.
  رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
كتاب هناك كنت معه - أ. حلمي القمص يعقوب
كتاب أسئلة حول صحة الكتاب المقدس - خرافة إنجيل برنابا - أ. حلمي القمص يعقوب
كتاب مفهوم الوحي والعصمة في الكتاب المقدس - أ. حلمي القمص يعقوب
كتاب التثليث والتوحيد: هل ضد العقل؟ - أ. حلمي القمص يعقوب
لماذا رفض لوثر مؤسس المذهب البروتستانتى ومن بعده أخوتنا البروتستانت الكتب / الأسفار القانونية الثاني


الساعة الآن 10:17 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024