مارتن لوثر وبحور الدماء
المرحلة الأولى: من الميلاد إلى الهرطقة
ميلاده
عماده
الفقر والقسوة
الأب الطموح
العذاب في مدرسة مانسفلد
التسول في مدرسة الآباء الفرنسيسكان
والتسول في مدرسة القديس جورج
مارتن وروح التردد والجُبن
في جامعة ارفورت
مارتن الأستاذ الجامعي
مارتن الراهب أغسطينوس الأغسطيني
1- راهب رغم أنفه
2- الراهب الفاقد الإفراز
3- الراهب الخائف المضطرب
4- الراهب الخاطئ المخطئ
5- الراهب الذي أُخفى عنه غفران خطاياه
6- الراهب المُحطم الحزين
7- الراهب والشياطين
8- الراهب الثائر ضد الله
9- الراهب الذي يكره الله البار
10- الراهب المتشكك
11- الراهب وروح الكبرياء
12- الراهب المحتج
المرحلة الثانية: الصراع وبحور الدماء
الحكم بخطأ لوثر
روح الخضوع
الحكم بهرطقته
فشل محاولة كاجتان
فشل محاولة ميلتيتز
الحوار المفتوح وقرار الحرمان
الكتب الهجومية
النيران المشتعلة
فريدريك يناصر لوثر
فشل مهمة اليندر
محاكمة لوثر
تمثيلية الاختطاف
الفارس جورج
الأنبياء المُلهمين
الدمار والخراب
جبرائيل الأغسطيني
عودة لوثر
مقاومة لوثر
بحر الدماء ومائة ألف قتيل
لوثر ينقض نذره
موت البابا والملك
غضب الإمبراطور
ماذا فعل أتباع لوثر بروما
حزب لوثر وحزب زونكلي
حالة اللوثريين
لوثر وتعدد الزوجات
نهاية لوثر
الحواشي والمراجع
دعنا يا صديقي نقسم حياة مارتن لوثر إلى مرحلتين.. الأولى تشمل الفترة من ميلاده وحتى بداية صراعه مع الكنيسة، وخلال هذه الفترة سوف تلاحظ يا صديقي انعكاس القسوة التي تعرض لها في طفولته في نظرته لله.. فصار يرى الله الديان المُنتقم القاسي الجبار المُرهِب المخوف الذي يقف للإنسان بالمرصاد يُعاقبه بالعذاب الأبدي بمجرد أي خطأ يصدر منه.. أمضى مارتن حياته حزينًا محطمًا وقد فقد سلامه تمامًا مع نفسه ومع الله، ووصل به الحد إلى الثورة ضد الله بل كراهيته.. أما المرحلة الثانية فتشمل فترة صراعه مع البابا وانشقاقه عن الكنيسة والتنكر لمبادئها وأسرارها وطقوسها.... الخ.. ثم دخوله في صراعات رهيبة كانت نتيجتها بحور الدماء.. حقًا إن حياة مارتن لم تكن إلا شجرة معوجة فاسدة... فماذا تتوقع أن تكون ثمارها؟!!
المرحلة الأولى: من الميلاد إلى الهرطقة:-
ميلاده:
ولد مارتن في بلدة ايسليبن بألمانيا الشرقية في 10 نوفمبر سنة 1483م من أسرة ريفية فقيرة.. الأب هو يوحنا لوثر، والأم مرجريت زيكلر.
عماده:
كانت أسرة يوحنا لوثر أسرة كاثوليكية محافظة لذلك أسرع يوحنا بعماد ابنه مارتن في اليوم التالي لميلاده وأسماه بهذا الاسم لأنه ولد في ليلة عيد القديس مارتن.
الفقر والقسوة:
عاش مارتن في بيت يخلو من وسائل الرفاهية والراحة نظرًا لقلة الدخل وزيادة عدد الأسرة التي تجمع سبعة بنين مع الأب والأم.. لقد ذاق مارتن طعم الحرمان، ولهذا يقول:
"كان والداي فقيرين جدًا فكانت والدتي تحمل الأخشاب على ظهرها لإعالتنا. لقد كانت حياتهما قاسية جدًا "(10)....
وكانت معاملة الأسرة للأبناء تتسم بالقسوة حتى أن مارتن ضربته أمه بالسياط بسبب حَبة جوز حتى انفجر الدم من جسده(11)...
أما عن والده فيقول:
"لقد عاقبني أبى عقابًا شديدًا في يومٍ ما لدرجة أنني هربت من أمامه واختفيت ولم أستطع أن آنس إليه إلا بعد وقت طويل "(12)...
وتأثر مارتن بأمه التي كانت تخشى الأرواح الشريرة والحسد والسحر حتى أنها نسبت موت ابنها الثاني إلى سحر جارتها.. كما أن القسوة في العقاب جعلته يعيش حياه انطوائية فيقول:
"كان والداي في غاية القسوة معي الأمر الذي خلق مني إنسانًا خجولًا، ولقد كانت قسوتهما عاملًا دفعني إلى الالتجاء إلى الدير لأصبح راهبًا "(13).
الأب الطموح:
كان أب الأسرة هانس (يوحنا) رجلًا طموحًا لذلك انتقل من أيسليبن المنطقة الزراعية إلى مدينة مانسفلد الغنية بمناجم النحاس والفضة.. وبعد أن كان عاملًا بسيطًا صار رئيس لثلاثة مسابك ثم مالكًا لأثنى عشر مسبكًا، واختير عضوًا في مجلس المدينة.
العذاب في مدرسة مانسفلد:
في السابعة أخذ مارتن طريقة إلى مدرسة مانسفلد، وفي المدرسة أيضًا عانى من قسوة المعلمين حتى أنه ظل يذكر هذه القسوة طويلًا.. ففي عام 1524م كتب يصف هذه المرحلة، فيقول:
"كنا نُعَذَّب.. ولم نتعلم شيئًا.. لقد ضُربت 15 مرة في يوم واحد "(14)
التسول في مدرسة الآباء الفرنسيسكان:
وفي الرابعة عشر أخذ مارتن طريقه إلى مدرسة الآباء الفرنسيسكان في مجدبورج.. ولكنه لم يمكث بها إلا سبعة أشهر بسبب إصابته بمرض شديد فعاد إلى مانسفلد.. ولكن رغم قِصَر هذه الفترة إلا أن مارتن تأثر جدًا بجماعة الفرنسيسكان التي تقوم بممارسات شديدة في الزهد والتقشف والإماتات والاتضاع.. كانت هذه الجماعة تعيش على الصدقة، وانضم إليها مارتن، فكان يجوب الشوارع مع أصدقائه طالبًا الصدقة من الناس(15)... وقد أسس هذه الجماعة القديس فرنسيس الأسيزي.. ويُذكر عنه أنه جاء إلى مصر إبان الحروب الصليبية سنة 1219م وتقابل مع الوالي ليقدم له صورة المسيحية الحقيقية... وأكثر ما أثّر في مارتن في هذه الفترة صورة الأمير وليم الذي كان يتجول في الشوارع طالبًا الصدقة، وقد ظهرت عِظامه من كثرة التقشف... فيقول مارتن:
"لقد رأيته بعيني يحمل كيسًا على ظهره كحمار"(16).
والتسول في مدرسة القديس جورج:
بعد عودة مارتن إلى مانسفلد قضى عدة أسابيع، بعدها تماثل للشفاء، فأخذ طريقه إلى مدرسة القديس جورج بأيزناخ.. وفي هذه المدرسة أيضًا انضم مارتن إلى مجموعة من الشباب الذين يطوفون الشوارع ويرنمون للحصول على الصدقة فيقول:
"لا تستهينوا بالصغار المتسولين لأني كنت مثلهم، نعم كنت فتى مسكينًا مستجديًا وارتقيت إلى ما أنا عليه بقلمي "(17) [ تأمل: مارتن يُرجع الفضل إلى قلمه وليس إلى الله].
"وأنا أيضا كنت أتسول طالبًا بعض الكسر من الخبز... لا تحتقروا هؤلاء الصغار فإني كنت واحد منهم"(18).
مارتن وروح التردد والجُبن:
يعلق على هذا الدكتور عزت زكى البروتستنتي، قائلًا:
"وقيل أنه كان يستعين على شظف الحياة بترتيل الأناشيد الدينية، والاستجداء أمام بيوت المُحسنين... ولكنه كان مترددًا جبانًا.. كثيرًا ما يُسيء فهم تصرف إنسان رحيم فيهرب أمامه وهو قادم له بالطعام. حتى لقد فكر مرارًا في ترك التعليم بسبب هذه الظروف... سنة كاملة قضاها في هذا العذاب حتى قيض الله له أسرة رحيمة أُعجَبت فيها الزوجة التقية بصوته الجميل، وهو يُنشد الترانيم أمام باب البيت وقررت مع زوجها إيواءه في المنزل"(19)
في جامعة ارفورت:
وفي الثامنة عشر في شهر مايو سنة 1501م، أخذ مارتن طريقة إلى جامعة ارفورت حيث درس الفلسفة والعلوم الأخرى بجانب دراسته للكتاب المقدس، وعكف على القراءة حتى أن أصدقاؤه لقبوه بمارتن الفيلسوف.. كان موقفه من الدين متناقضًا، فهو يُحب الأمور المتعلقة بالدين، بينما يَرهَب الله جدًا ويتصوره كديّان قاس وقاض مخيف، ولهذا أصبح يرتعب من الموت.. وظَل شبح الموت يحاصره في كل مكان ولاسيما أنه تعرض لبعض الأحداث الصعبة، مثل:
1) موت أحد أصدقائه بمرض خطير.
2) اغتيال صديقه ألكسيس في ظروف غامضة.
3) سقوطه في حفرة أثناء عودته من الجامعة إلى منزله بمانسفلد سنة 1503م وتعرضه لنزيف حاد.. فأخذ يُصلى صلاه حارة للعذراء مريم التي كان يفضل أن يصلي لها دائمًا، فالعذراء لا تثير مشاعر الخوف والرعب في نفس مارتن مثل الله الذي يخشاه.
4) في 2 يوليو سنة 1505م وأثناء ذهابه إلى ارفورت وفي غابة ستوترنهايم.. عاين الموت.. حيث أخذ الرعد يُدْوِي والبرق يبرق وانقَضَّت صاعقة من السماء عبارة عن لسان من النار بمقربة منه.. واشتدت العاصفة حتى اقتلعت شجرة ضخمة من جذورها وسقطت أمامه، فسقط على الأرض وشعر أنه قاب قوسين من الموت.. فصرخ لله وتشفع بالقديسة حنة أم العذراء مريم ونذر نفسه، قائلًا: "يا قديسة حنة.. إذا أنقذتني سأكون راهبًا بقية حياتي "(20).
مارتن الأستاذ الجامعي:
أنهى مارتن دراسته وجاء ترتيبه الثاني على دفعته المكونة من سبعة عشر طالبًا.. حصل على البكالوريوس وكلفته إدارة الجامعة بالتدريس.. فبدأ يلقي محاضراته في جامعة ارفورت، وفي نفس الوقت يدرس في كلية الحقوق، وكان هذا مبعث الفرح والسرور في نفس والده.
مارتن الراهب أغسطينوس الأغسطيني:
في 18 يوليو سنة 1505م ترك مارتن حياة العالم وموقعه في الجامعة وذهب إلى دير القديس أغسطينوس وكم كان غضب أبيه وغيظه لأن ابنه ترك منصبه في الجامعة من أجل الدير ولهذا ظل يهاجمه فترة طويلة معلنًا عدم رضائه عنه... أمضى مارتن فترة الإختبار، وفي ديسمبر سنة 1506 أعلن نذره النهائي للرهبنة ودُعي باسم الراهب أغسطينوس، وفي 4 إبريل سنة 1507 سيم الراهب أغسطينوس قسًا..... فكيف كان حال الراهب القس أغسطينوس؟
1- راهب رغم أنفه:
اتخذ مارتن قرار ذهابه للدير وهو غير مقتنع ولكنه كان مضطرًا بسبب ما تعرض له من ظروف قاسية، وآخر هذه الظروف تعرضه للعاصفة التي كادت أن تقتله، فتشفع عندئذ بالقديسة حنة ونذر نفسه للرهبنة.. ويقول مارتن في كتاب له سنة 1521م يخاطب أباه:
"أتذكر.. إني قلت لك أن دعوة مخيفة من السماء قد وُجِهَتْ إلىّ، فلم أصِر راهبًا رغبة مني أو مسرة في الرهبنة بل دُفعت بطريقة لا تقاوم للنُطق بهذا النذر "(21).
ومما ذكّى هذا الشعور لدى مارتن، قسوة الحياة في الدير.. فكان الرهبان يصلون سبع مرات في اليوم، ويستيقظون في الواحدة صباحًا ويتناولون الطعام مرة واحدة في الساعة الثانية بعد الظهر.. أما قلايات الشباب فكانت بدون تدفئه في الشتاء... وبالإضافة إلى بعض الأعمال اليدوية كان يتجول الرهبان في الشوارع طالبين الصدقة بقصد الحفاظ على اتضاعهم من جهة، ومن جهة أُخرى لكي يمدوا الدير باحتياجاته.
2- الراهب الفاقد الإفراز:
كان مارتن يقوم بالممارسات الروحية دون حكمة وإفراز؛ فلم يوازن بين احتياجات الجسد واحتياجات الروح... وفي إحدى المرات حبس نفسه في قلايته عدة أيام يصلي حتى فقد الوعي تمامًا، واضطر الأخوة إلى كسر باب القلاية لكيما ينقذوه... ويقول مارتن عن هذا:
" كانت حياتي عبارة عن صوم وسهر وصلاة وعرق، فقد كدت أن أقتل نفسي بالسهر وبالدراسة وبالصلاة وبالأعمال الكثيرة الأخرى"(22).
3- الراهب الخائف المضطرب:
عندما أقام الراهب أغسطينوس أول قداس، تعرض لحالة شديدة من الخوف والانزعاج لأنه شعر أنه يقف أمام الله الذي يهابه ويرهبه، وقد اضطر رئيسه أن يسنده لئلا يسقط على الأرض، فيقول:
"عندما قمت بخدمة أول قداس لي شعرت أني على حافة الموت "(23).
4- الراهب الخاطئ المخطئ:
يعلق على هذا القس البروتستنتي حنا جرجس الخضرى قائلًا:
"لقد اعتقد البعض أن الخطية هي السبب الأول والدائم الذي كان يثير الخوف والرعب والاضطراب في نفسية لوثر، ومما لاشك فيه أن الخطية كانت سببًا من أسباب اضطراب لوثر، على أنها لم تكن السبب الأول والأساسي.. لأن السبب الأول والأساسي في اضطراب وخوف لوثر كان مفهومه الخاطئ عن شخص الله... فقد تصور الله قاضيًا مرعبًا مخيفًا، كما تصور يسوع المسيح ديانًا مهيبًا ولم يحاول أن يرى يسوع المسيح مصلوبًا على الصليب بدافع الحب.. لكنه كان يرى دائمًا يسوع المسيح الجالس على العرش ليدين الأحياء والأموات، فهو الذي يأمر أن يُلقى الأشرار في العذاب الأبدي... فحسب مفهومه هذا يكون يسوع جاء لكي يهلك لا لكي يخلص الهالكين "(24).
5- الراهب الذي أُخفى عنه غفران خطاياه:
وفي إحدى المرات تعرض مارتن لمرض خطير حتى أشرف على الموت الذي يخشاه، ولاسيما أنه غير واثق في غفران خطاياه، وخلال هذه الظروف تقابل مع راهب شيخ اسمه يوحنا ستوبيز يشغل منصب النائب العام للأديرة الأغسطينية ففتح مارتن قلبه للراهب الشيخ وأطلعه على مخاوفه.. فطمأنه الراهب يوحنا بأن الله يغفر الخطايا، وذكّره بقول قانون الإيمان الكاثوليكي "أؤمن بغفران الخطايا".
6- الراهب المُحطم الحزين:
يصف مارتن حالته النفسية قائلًا:
"لقد رأى الآخرون في حياتي مظهرًا عظيمًا للقداسة على أنها لم تكن واضحة في عيني فقد كنت محطمًا وحزينًا "(25)...
" لا بأس بحالتي الجسمية ولكن نفسي تتعذب.. إن نوبات اليأس تجتاحني، وعواصف القنوط قد انهالت علىّ.. لقد فقدت الرجاء في المسيح إلى النهاية "(26).
7- الراهب والشياطين:
كان مارتن يُبصر الشياطين تحيط به فلم يقوى على انتهارهم كما كان يفعل القديسين ولكنه فقد سلامه وتعرض للفشل:
"وكم من الليالي قضى وهو راكع على البلاط يصلي للقديسين لكنه ما أفاد شيئًا رغم أنه أصاب جسمه الهزال وعقله الشطط فكان يرى أرواحًا وشياطين تحيط به.. لقد كان يسعى للحصول على سلام الله بمجهوداته وبره ومع ذلك لم يحصد إلا الفشل"(27).
8- الراهب الثائر ضد الله:
وفي أحد الأيام لاحظ يوحنا ستوبيز وجه مارتن عابسًا فسأله عن السبب فأجاب مارتن بأن السبب هو خوفه من عِقاب الله بسبب خطاياه.. عندئذٍ شخَّص الراهب المُختبِر حالته وقال له:
"ليس الله هو الغاضب عليك أو الثائر ضدك بل أنت الغاضب والثائر ضد الله"(28).
9- الراهب الذي يكره الله البار:
وصل الحد بمارتن إلى كراهية الله البار لأنه وضع في نفسه أن الله البار لابد أن ينتقم من الخطاة والأثمة، فيقول:
"لم أستطع أن أحب هذا البار المُنتقم بل كرهته.. وكنت أقول لنفسي ألم يكتف الله بأن يحكم علينا بالموت بسبب خطية آبائنا؟ ألم يعذبنا بناموسه القاسي علينا حتى يضيف إلى آلامنا آلامًا أُخرى بإنجيله الذي يعلن لنا فيه بره وغضبه وثورته"(29).
10- الراهب المتشكك:
أيضًا من الأمور التي جعلت مارتن قلقًا مضطربًا متشككًا مشكلة الاختيار. حتى أوشك الشك أن يقتله.. ما هو مصيره؟ هل سيخلص أم سيهلك؟.. يقول القس حنا جرجس:
"ومن المشاكل الأخرى التي سببت للوثر القلق والاضطراب، مشكلة الاختيار.. فكان يتساءل عمّن يضمن له انه واحد من المختارين؟ وهل الله هو الذي يختار الإنسان أم الإنسان هو الذي يختار الله؟ فإن كان الاختيار مبنيًا على الأعمال الصالحة والإماتات، فهل أعمالي الصالحة وإماتاتي كافية بأن تجعلني واحدًا من المختارين؟.. وإن كان الاختيار متوقفًا على قصد الله وحده، فهل أنا واحد من هؤلاء الذين سبق الله فعينهم للحياة الأبدية؟ وكيف يمكنني أن أعرف ذلك"(30).
ورغم أن يوحنا ستوبيز حاول إنقاذ مارتن من حالة الاضطراب والتشكك، فاستدعاه للتدريس في جامعة ارفورت سنة 1509م... إلا أن مشكلة مارتن الثائر ضد الله لم تُحلْ ولم يجد راحة لنفسه... وأيضًا زيارة مارتن لروما لم تمنحه السلام الداخلي... فعندما أُتيحت له الفرصة لزيارة روما في خريف 1510م. وضع في نفسه أن يعترف اعترافًا كاملًا شاملًا بخطاياه ويزور ذخائر القديسين لكي يحصل على غفران كامل لخطاياه:
"وسار لوثر إلى روما على قدميه زيادة في التعبد والتذلل.. وعندما وصل لوثر على أبواب روما، ركع على ركبتيه وهتف: إني أحييك يا روما يا مثلثة القداسة بدم الشهداء"(31)...
وفي روما وجد السلم المقدس المُكون من ثمانية وعشرين درجة، ويُقال أن السيد المسيح صعد عليه للمثول أمام بيلاطس، ويدّعي الكاثوليك أن الذي يصعد على ركبتيه ويُصلي على كل درجة الصلاة الربانية يخرج شخصًا من المطهر:
"قرر لوثر أن يصعد هذه السلالم لأجل إنقاذ جده من المطهر.. وفعلًا صعدها، وقيل انه بعد أن انتهى من الصعود هتف وقال: هل أنت سعيد الآن يا جَدّي بخروجك من المطهر؟ ولكن لوثر نفسه يروي هذه الواقعة فيما بعد بقوله: لقد أردت وأنا في روما أن أُخَلِص جدّي من المطهر وصعدت سلم بيلاطس، وكنت أتلو على كل درجة الصلاة الربانية، لكن عند وصولي إلى النهاية تساءلت في نفسي: ومن يعرف إذا كان هذا الأمر حقيقة أم لا "(32)..
أيضًا زار مارتن كنيسة القديس يوحنا، وكانوا يدّعون أن الكاهن الذي يصلي القداس مساء الأحد بهذه الكنيسة تخرج روح أُم هذا الكاهن من المطهر. فتأسَّى مارتن لأن أمه مازالت على قيد الحياة...
وبعد عودة مارتن من روما واصل تدريسه ودراسته حتى حصل على دكتوراه في العلوم اللاهوتية في 19 أكتوبر سنة 1512م، ولكن مشكلة مارتن الثائر ضد الله مازالت قائمة ولم تُحَلْ.. فكيف حلَّ مارتن مشكلته؟؟...
فكر مارتن في فكرة التبرير بالإيمان، ولا داعي لأعمال الإنسان، فيقول مارتن:
"وأخيرًا أشفق الله عليَّ، وعندئذٍ بدأت افهم أن عبارة "بر الله" تعني أن الإنسان الذي يؤمن يحيا بالبر الذي يمنحه له الله... كما هو مكتوب وأما البار فبالإيمان يحيا، وحالًا شعرت بأنني أولد من جديد وأن أبواب السماء قد فُتحَتْ على مِصْراعيها أمامي"(33).
"أخيرًا أشفق الله عليَّ وبدأت افهم أن عبارة (بر الله) تعني أن الإنسان الذي يؤمن -بمجرد إيمانه فقط- يحيا بالبر الذي يمنحه له الله هذا البر هو رحمة ونعمة من الله ننالها بالإيمان... وبقدر ما كنت أكره عبارة (بر الله) صرت أحبها.... وهكذا أصبح هذا النص بالنسبة لي باب السماء"(34).
11- الراهب وروح الكبرياء:
اقتنع مارتن بفكرة التبرير بالإيمان ونادى بها، وظن انه أدرك ما لم يُدرِكه أحد من قبل، ليس هو فقط بل وأقل واحد من أتباعه يفوق في معرفته جميع القديسين السابقين، فيقول:
"إننا لو درسنا تاريخ العالم كله فلن نجد قرنًا نظير هذا منذ ولادة المسيح.. وكم بدأت العقول تتفتح على كل خفي حتى الصبي في العشرين يستطيع أن يدرك الآن ما لم تستطع أن تصل إليه مجموعة كاملة من دكاترة اللاهوت في الماضي"(35).
12- الراهب المحتج:
ثار مارتن على صكوك الغفران وعلق خمسة وتسعين احتجاجًا على باب كاتدرائية فيتمبرج يوم 31 أكتوبر سنة 1517م في عشية عيد القديسين كما رأينا من قبل. ثم أرسل نسخة إلى ألبرت رئيس أساقفة ماينس الذي أرسلها بدوره إلى البابا ليون العاشر مما أثار البابا والبرت عليه... ولم يكُف مارتن عن قوله بأن البابا يحتاج إلى صلاة الإيمان أكثر من حاجته للمال...
المرحلة الثانية: الصراع وبحور الدماء:
الحكم بخطأ لوثر:
كلف البابا أحد علمائه ويدعى الكاردينال كاجتان بدراسة احتجاجات لوثر، فقام بدراستها.. وفي النهاية حكم بخطأ لوثر.. أما بائعي صكوك الغفران فقد غضبوا جدًا حتى أنهم أخذوا ينادون بحرق لوثر الهرطوقي حيًا.. اتصل كاجتان بالنائب العام للأديرة الأغسطينية يوحنا ستوبيز والأب الروحي للراهب اغسطينوس بقصد التأثير على لوثر لكي يسحب احتجاجاته.. حاول يوحنا إقناع لوثر دون جدوى فاضطر لدعوته أمام مجمع هيدلبرج في 25 إبريل 1518م..
روح الخضوع:
وأمام مجمع هيدلبرج اظهر لوثر خضوعه لسلطان البابا وكتب خطابًا للبابا جاء فيه:
"أيها الأب الأقدس إنني القي بنفسي أمام قداستكم خاضعًا بكل مالي وبكل حالي.. أحيوني أو اقتلوني.. ارفضوا أو اقبلوا قضيتي.. واحكموا بخطأي أو بصوابي.. كما تشاءون، وإنني اقبل صوتكم كما لو كان صوت المسيح متكلمًا عاملًا فيكم فإن كنت استحق الموت فلن أرفضه"(36).
الحكم بهرطقته:
لم يقتنع لوثر بسحب احتجاجاته إلاّ بعد أن يقتنع بخطئه.. وعندما أُرسلت نتيجة المجمع إلى البابا، أحال الموضوع إلى بريرياس المسئول عن الشئون القانونية والمالية، فحكم بهرطقة لوثر.. حينئذٍ أصدرت روما أمرها إلى لوثر بالحضور للمحاكمة..
فشل محاولة كاجتان:
كان الإمبراطور فاكسيمليان متعاطفًا مع البابا ليون، ولهذا كلف الكاردينال كاجتان للقيام بمهمة تسليم لوثر إلى روما.. ولكن محاولة كاجتان فشلت بسبب رفض الملك فريدريك تسليم لوثر إلى كاجتان.. اضطر كاجتان إلى لقاء لوثر في حضور يوحنا ستوبيز عدة مرات بهدف سحب لوثر لاحتجاجاته وإعلان خطأ تعاليمه.. وتراجع لوثر جزئيًا عن موقفه، فتعهد بأنه لن يتكلم بعد عن صكوك الغفران، ولكنه رفض إعلان خطأه حتى يقتنع أولًا.. ومع ذلك ظل مارتن يتابع دراسته وتدريسه في الجامعة..
فشل محاولة ميلتيتز Miltitz:
بعد أن فشل كاجتان في اصطحاب مارتن إلى روما، عاد البابا وأرسل ميلتيز إلى الملك فريدريك حاملًا في إحدى يديه هدية عبارة عن وسام الوردة الذهبية مُهداه للملك، وفي اليد الأُخرى سوطًا لعقاب مارتن الهرطوقي... ولكن ميلتيز لحق كاجتيان في الفشل بسبب استمرار تعاطف الملك فريدريك مع لوثر، ورفض تسليمه إياه إلى روما ولاسيما أن الملك كان سياسيًا محنكًا ويعلم تمامًا أن الإمبراطور فاكسيمليان لن يحمله على تسليم لوثر.. وفي 11 يناير سنة 1519م مات الإمبراطور وهدأت الأمور وقتيًا، ولكن نظرة مارتن للبابا تغيرت تمامًا من الحب والاحترام إلى الاتهام والتجريح، فنادي بأن البابا هو ضد المسيح...
الحوار المفتوح وقرار الحرمان:
في 4 يوليو سنة 1519م فتحت جامعة ليزبرج أبوابها لإجراء حوار مفتوح بين الدكتور مارتن المُخالف وبين الدكتور جون آك المُتعصِّب لكاثوليكيته... وجرى الحوار على مدار خمسة أيام ومارتن مُصِّر على عِناده، حينئذٍ انطلق آك إلى بابا روما الذي فرح بلقائه، وتكونت لجنة من آك وكاجتان واكوليني.. فحكمت بحرمان لوثر في 15 يونيو سنة 1520م، وبدأ الحرمان بمقدمة:
"قم يا رب وانصر حقك ضد الثعالب المفترسة التي تعمل على تخريب كرمك.. ضد الوحوش البرية التي تدمره.. قم يا بطرس واذكر كنيستك الرومانية المقدسة.. قوموا يا جميع القديسين وتضرعوا إلى الله"...
وجاء بالحرمان ردًا على 41 احتجاجًا، ومُنع مارتن من الوعظ والتعليم والكتابة والنشر، وأُمِرَ بحرق كتبه، وشمل القرار كل من يؤيد لوثر في آرائه الخاطئة.. ومنح قرار الحرمان مارتن شهرين للتراجع عن أفكاره الخاطئة.. ومر الشهرين ولم يغير مارتن موقفه، وفي أكتوبر سنة 1520م أصبح قرار الحرمان نافذ المفعول وصار مارتن محرومًا مع أتباعه وبالتالي يمكن لأي حاكم أن يعتقلهم ويحكم عليهم بالموت..
الكتب الهجومية:
استشاط مارتن غيظًا من قرار الحرمان وشَنْ هجومًا شنيعًا على الكنيسة ومعتقداتها فأصدر ثلاث كُتيْبات شملت الكثير من البدع والهرطقات:
الكُتيْب الأول: كتبه مارتن باللغة الألمانية ووجهه للشعب الألماني وشمل:
1. إثارة الشعب الألماني ضد التدخل الأجنبي (بابا روما).
2. إعلان فشل الإكليروس في القيام بعملهم.
3. خضوع الأباطرة والملوك للبابا أمر خاطئ.
4. لا يوجد كهنوت خصوصي، فكلنا ملوك وكهنة، والكاهن في المفهوم الكتابي معناه المؤمن أو المُعَمد أو المُجَّدد.
5. قرار الكنيسة بأن رجال الدين وحدهم الذين لهم حق تفسير الكتاب المقدس قرار خاطئ.. فالله الذي جعل حمارًا يتكلم لكي يوَبِخ نبيًا يستطيع أن يتكلم على فم إنسان لكي يوَبِخ البابا.
وحمل الكتيب تهديدًا لروما من لوثر قائلًا: "يكفي كل هذا.. لقد غنيت حتى الآن بنغمة مرتفعة، لكن لديّ نغمة جديدة سوف تجعل آذان روما وأتباعها تُصاب بالحكة.. أو تُدرِكين يا عزيزتي روما ما أعنيه؟"
الكُتَيْب الثاني: كتبه مارتن باللغة اللاتينية، ووجهه إلى رجال اللاهوت ودعاه بالأسر البابلي للكنيسة، وجاء فيه:
1. رفض خمسة أسرار من أسرار الكنيسة السبعة وقبول سِرَّيْ الإفخارستيا والمعمودية فقط.
2. في سر الإفخارستيا لا توجد استحالة.. فالخبز لا يتحول إلى جسد المسيح ولا الخمر يتحول إلى دمه، لكن الخبز والخمر يظلان كما هما ويحل المسيح فيهما... لذلك يسميه لوثر بالحلول المزدوج أي حلول شيئين في وقت واحد، وشَبّه هذا بالتجسد.. فان اللاهوت لم يلغي أو يلاشي الناسوت وإنما احتفظ كل منهما بطبيعته.
3. سَرَّىْ المعمودية والتناول لا ضرورة لهما ولا فائدة منهما، والعشاء الرباني لا يهب الإنسان الحياة الأبدية ولا الخلاص، لأن الخلاص بالإيمان.
4. البابا محتال ودجال، والبابوية هي مملكة بابل التي أسرت الكنيسة.
5. ليس من حق الكنيسة الكاثوليكية أن تمنع الشعب من التناول من الدم.
الكُتَيْب الثالث: ويحمل اسم "الحرية المسيحية" وقد أرسله لوثر للبابا كمحاولة صلح مع الكنيسة.. وكتب هذا الكتيب باللغة اللاتينية والألمانية، ويشمل موقفين متناقضين:
*المسيحي إنسان حُر لأن المسيح حرره من الخطية والقلق والخوف والموت والجحيم..
*المسيحي إنسان خادم مطيع..
كما تحدث عن التبرير بالإيمان وليس بالأعمال.
النيران المشتعلة:
"في العاشر من ديسمبر عام 1520م دبر لوثر موكبًا من دكاترة جامعة ويتمبرج مع حشد كبير من أصدقائه حتى خرج بهم خارج المدينة، وبجوار نهر الألب أشعل وثيقة خليفة الله على الأرض مع سلسلة من كتب القانون الكنسي التي كانت مقدسة لدى الكنيسة وذرى رمادها مع مياه النهر، معلنًا أمام حشود الشعب الألماني الهاتفة أن ألمانيا ليست ذيلًا للبابوية.. ثم عاد وسط هتافات الشعب إلى بيته"(37).
لم يشعل مارتن النيران في الكتب الكنسية وقرار الحرمان فقط لكنه أشعل نيران الحقد والثورة في قلوب الشعب الألماني،مسرعًا به إلى هوة الموت والدمار..
وفي 3 يناير سنة 1521م اصدر البابا ليون قراره النهائي بحرمان مارتن لوثر من شركة الكنيسة واعتباره هرطوقيًا ومرفوضًا ومقطوعًا من الكنيسة، وبصدور قرار الحرمان هذا اعتُبِر مارتن لوثر إنسانًا خارجًا عن القانون..
الاستهزاء بالبابا: كتب لوثر كتابًا سخر فيه من البابا واستهزأ به، واستخدم الرسومات للتعبير عن هذه السخرية... فظهر بالكتاب اللوحات الآتية:
1) لوحة يظهر فيها السيد المسيح يرفض التاج، بينما البابا يلبس التاج.
2) السيد المسيح بردائه الأرجواني مُكللًا بإكليل الشوك، بينما البابا على العرش بكل مظاهر العظمة البابوية.
3) السيد المسيح يغسل أقدام التلاميذ بينما يمد البابا قدمه ليقبلها رجال البلاط.
4) السيد المسيح يسقط تحت ثقل الصليب بينما يُحمَل البابا على الأعناق.
5) السيد المسيح يطرد الباعة من الهيكل بينما يبيع البابا صكوك الغفران، وأمامه أكوام مكدسة من الذهب.
6) السيد المسيح داخلًا أورشليم على آتان بينما البابا يدخل إلى روما على محفة عظيمة.
7) السيد المسيح صاعد على جبل الزيتون بينما البابا في لباسه الفاخر والأبالسة والشياطين تهوى به قرار الجحيم وحوله النيران تندلع.
فريدريك يناصر لوثر:
في 28 يوليو سنة 1519م اعتلى شارل الخامس عرش الإمبراطورية عِوضًا عن فاكسيمليان ولم يتجاوز عمره بعد العشرين عامًا... بدأ الصراع بين الجانب الكاثوليكي والجانب اللوثري يشتد، أما الملك فريدريك فقد وقف يُساند لوثر حتى انه انتزع وعدًا من الإمبراطور شارل بمحاكمة لوثر في ألمانيا وليس في روما..
فشل مهمة اليندر:
استطاع اليندر القاصد الرسولي (مندوب البابا ليون) الحصول على إذن من الإمبراطور بحرق كتب لوثر، وسافر اليندر إلى ألمانيا لعله ينجح في اصطحاب لوثر إلى روما.. ولهذا اتجه اليندر إلى مجلس الأمة الألماني بمدينة فورمس وظل يتحدث لمدة ثلاث ساعات ليُقنع الأعضاء بهرطقة لوثر وخطره على سلامة الأمة وضرورة تسليمه إلى روما.. وفي النهاية اصدر مجلس الأمة قراره بمحاكمة لوثر أمامه وعدم سفره إلى روما، وعاد اليندر بعد أن فشل في مهمته كما فشل من قبل كاجتان وميليتز.
محاكمة لوثر:
في 6 مارس سنة 1520م أرسل الإمبراطور شارل الخامس دعوة إلى لوثر للمثول أمام مجلس الأمة الألماني في مدينة فورمس، واستهل دعوته بألقاب الإحترام، قائلًا:
"أيها المحبوب المكرم التَقّي الدكتور مارتن لوثر: إننا نحن وأعيان المملكة المقدسة هنا، بعد العزم على الفحص عن تعليمك وكتبك التي أذعتها.. أمرنا باتيانك بصك أماننا وأمان المملكة ذهابًا وإيابًا.. لا تخف ظلمًا ولا قهرًا وأننا نرعى بثبات صك الأمان المذكور"(38)
كما منحه الإمبراطور صك إيمان أي منحه وعدًا بالعودة إلى فيتمبرج سالمًا..
وفي 2 إبريل ترك مارتن مدينة فيتمبرج مُتجهًا إلى فورمس، وقد أوصى فيليب ميلانكثون باستكمال المسيرة إذا أصابه مكروهًا... كان فيليب مؤيد وزميل مارتن، إذ انه من أعضاء هيئة التدريس في جامعة فيتمبرج، وكان على دراية باللغة العبرية واليونانية، وبسبب وجود مارتن وفيليب في جامعة فيتمبرج اكتسبت الجامعة شهرة كبيرة، وقد توافد الطلبة من كل مكان ليروا الراهب الذي تحدّى البابا...
وفي الطريق مرَّ لوثر على عدة مدن، فكان الشعب يخرج مؤيدًا له أو ناقمًا عليه حسب اقتناعهم أو رفضهم لآرائه..
وفي 17 إبريل وقف لوثر يُحاكَم أمام مجلس الأمة الألماني.. حضر الجلسة الإمبراطور شارل الخامس وشقيقه فرديناند دوق النمسا وأربعة من الكرادلة وثلاثين من الأساقفة ورؤساء الأديرة مع زعماء الشعب.. وقف جون آك يُشير إلى حوالي عشرين كتابًا، ويستجوب مارتن قائلًا:
يا مارتن لوثر.. هل تعترف بأنك أنت الذي الّفت هذه الكتب، وهل أنت على استعداد أن تتراجع عن الأقوال التي خطتها يدك أم أنت مُصر على التمسك بها؟
طلب مارتن فرصة للتفكير لأن الأمر ليس سهلًا.. فمنحه الإمبراطور يومًا لإعادة التفكير...
وفي اليوم التالي عندما أعادوا عليه نفس السؤال، أخذ يلف ويدور ويقول أن بعض هذه الكتب خاصة بالأخلاقيات، فلماذا أُنكِرها؟.. والبعض الآخر خاص بالبابوية، والبابويين طغوا وظلموا فكيف أشجع الظلم والطغيان؟.. والجزء الثالث يحوي نقد شديد لبعض الأشخاص وهذا أقدم اعتذاري عنه.. وناشد الحاضرين بأن يُعَرفوه خطأه وحينئذٍ سيطرح كتبه هذه في النار، وقال:
"إني لست إلهًا بل إنسان أنا، وإني على استعداد أن أعترف بخطئي في التعليم إذا كان هناك من يُقنعني بهذا الخطأ"(39)...
ثم التفت لوثر إلى الإمبراطور مُحَذِرًا إياه من الحكم بسفك دمه.. وجاء تصريح الإمبراطور كالتالي:
"وبصفتي سليل أباطرة ألمانيا وأمراء النمسا وبرغنديا الذين اشتهروا بحماية الإيمان الكاثوليكي، سوف أطرد لوثر الأغسطيني وأُحَرِّم عليه أن يتسبب في أقل اضطراب بين الشعب وسأطارده وأتباعه كهراطقة جديرين بالحرم وبكل وسيلة تؤدي لهلاكهم.. وإنني أطلب من الأمراء أن يؤيدونني في هذا "(40)...
صاح البابويين بأن نهر الراين ينبغي أن يجرف رماده.. واحتج الأمراء وعارضوا الإمبراطور بشدة.
رُفِعَت الجلسة وكان مارتن في غاية الإعياء.. أما المدينة فورمس فقد تحولت إلى مرجل يغلي، وتطاول اللوثريين على البابا والإمبراطور حتى أن أحد الأشخاص وضع في حجرة الإمبراطور خطابًا مكتوبًا عليه: "ويلٌ لبلد يحكمه طفل.." وشخص آخر رسم البابا مُعلقًا من رجليه بعد شنقه..
تمثيلية الاختطاف:
وفي نهاية اجتماعات مجلس الأمة، نفذ الإمبراطور وعده.. إذ سمح لمارتن بالعودة سالمًا إلى فيتمبرج ولاسيما انه سمع أنباء عن تحفُز فرانز رئيس قلعة فارتبرج واستعداده لتحريك أربعمائة فارس وثمانية آلاف مُقاتل للدفاع عن لوثر، وقلعة فارتبرج هذه كانت قائمة على جبل شامخ يُطل على مدينة الزناخ وقد جمع فرانز داخلها نخبة من الرؤساء الثائرين، حتى أن الأمراء كانوا يؤجرونه للانتقام من أعدائهم.. حقًا كان لهذه الأنباء أثرًا في تراجع الإمبراطور.. ولكن اليندر نجح عقب ذلك في الحصول على وعد من الإمبراطور بإعادة القبض على مارتن بعد عودته إلى فيتمبرج، حتى أن اليندر صاغ أمر القبض بنفسه، حيث وصف لوثر بأنه شيطان، ووقَّع الإمبراطور عليه ونصه كالتالي:
"تمسكنا بوعدنا الإمبراطوري.. فقد أعطينا لوثر الهرطوقي الأمان للعودة إلى فيتمبرج.. ولكن بعد انتهاء مدة هذا الصك، نأمُر بأن يُقبض عليه وأن يُسلَّم إلى السلطات المُختصة لكي يُحاكم.. لأنه شيطان في صورة إنسان "(41)
وفي أثناء عودة لوثر إلى فيتمبرج كان اللوثريون يتوقعون اغتياله بخناجر البابويين.. وحدث أثناء العودة أن هجم عليه خمسة من الفرسان واختطفوه، ولم يكن هؤلاء الفرسان من أعداء لوثر، لكنهم من المؤيدين له.. خشوا عليه من الاغتيال فاختطفوه وهربوا به إلى مكان أمين:
"والتقى بهم في الطريق فرسان اختطفوه على صهوة جواد، وحملوه إلى قلعة فارتبرج، وكان من أرسل هؤلاء الفرسان هو فريدريك الحكيم أمير سكسونيا حِرصًا منه على حياة لوثر"(42)
الفارس جورج:
ذهب الفرسان بمارتن إلى قلعة فارتبرج حيث خلع ملابس الرهبنة وارتدى ملابس فارس، ووضع في عنقه السلسلة الذهبية الخاصة بالفرسان، وأطلقوا عليه اسم "الفارس جورج" وأصبح كل من في القلعة في خدمته... وخوفًا عليه من اكتشاف أمره، منعوه من الخروج من القلعة حتى استطال شعر لحيته ونبت شعر رأسه المحلوق.. وفي هذه القلعة ترجم الكتاب المقدس من اللاتينية إلى الألمانية حسب فكره الجديد، بل انه حذف رسالة يعقوب الرسول التي تركز على أهمية الأعمال، وان الإيمان بدون أعمال إيمان ميت.. وظل مارتن في قلعة فارتبرج من 4 مارس سنة 1521م إلى فبراير سنة 1522م عندما تواردت إليه الأخبار عن انهيار الأوضاع في فيتمبرج.. فماذا حدث في فيتمبرج..؟؟
الأنبياء المُلهمين:
وسط خضم هذه المشاكل، اقبل بعض الفلاحين والعمال الجُهلاء من الشمال، ونادوا بأنهم أنبياء مُلهمين من الروح القدس ولا حاجة إلى الكتاب المقدس ولا إلى الكنيسة ولا إلى الأسرار.. وأصبحت فيتمبرج مرتعًا للهراطقة والمبتدعين.. أنها ثمرة من ثمار لوثر..
الدمار والخراب:
إنقض أتباع لوثر على الكنائس يحرقون الصور ويحطمون التماثيل ويهدمون الهياكل وينتهكون حُرمة الكنائس، وهجموا على الأديرة.. حيث طردوا الرهبان والراهبات، وحلوا جمعية الرهبان الأغسطينية.. انتزعوا ممتلكات الأديرة واقتسمها الأمراء، ونادوا ببطلان العلم الجسدي والدراسة في الجامعات... وكانت الجريمة العُظمى عندما أرغموا الرهبان والراهبات على الزواج... لقد الغوا الكهنوت وقام كارلستارت الأستاذ الجامعي العلماني بصلوات القداس باللغة الألمانية وقدم العشاء الرباني.. لقد عمَّت الفوضى المدينة، واجتاحتها المظاهرات التي تنادي بالحكم الديمقراطي.. هذا قليل من كثير، وما هذا إلا ثمار لوثر واللوثرية.. ولا سيما أن لوثر كتب إلى أساقفة كنيسة فيتمبرج يقول:
"كل من نذر العزوبة (البتولية) من دون إيمان فانه ينذر نذرًا نفاقيًا ضمنيًا أي نذر للشيطان نفسه..انه يجب أن تُهدم تلك الأديرة كأنها مساكن للشيطان.. لا تنفع الأديرة ما لم تُحوَّل إلى مدارس يُربَّى الأولاد فيها حتى يصيروا رجالًا. فانها الآن بيوت (الأديرة) يصير فيها الرجال أولادًا ويبقون كذلك مدة الحياة"(43)
أيضًا ألَّف لوثر كتابًا في بطلان الرهبانية أهداه إلى أبيه.
جبرائيل الأغسطيني:
وهو راهب واعظ بدير الرهبان الأغسطينيين في فيتمبرج.. تأثر بآراء لوثر وكتب يُهاجم القداس والرهبنة ويقول:
"يسوع المسيح رتب سر المذبح تذكارًا لموته لا ليكون معبودًا.. فعبادة الخبز والخمر عبادة وثنية"(44)
"لا أحد من سكان الأديرة يحفظ وصايا الله ولا يقدر أحد أن يخلص تحت القلنسوة وكل من يدخل الدير للرهبانية إنما يدخله باسم الشيطان.. وإن نذر العزوبة (البتولية) والفقر والطاعة لقوانين الرهبانية منافية للإنجيل... إذا مرَّ راهب بالأزقة أو الشوارع وجب على الشعب أن يجذبوه من طرف ثوبه ويضحكوا عليه.. وأنهم إن لم يخرجوا من الأديرة بالهزء وجب إخراجهم منها بالقوة... اهدموا الأديرة حتى لا يبقى حجر على حجر وامحوا آثارها وخلصونا من ملاجئ الكسل ومواطن الخرافات ومصادرها"(45)
ونتيجة لهذه الأقوال والعظات ترك ثلاثة عشر راهبًا أغسطينيًا الدير ونقضوا نذر الرهبنة، ولأن الرهبان الفرنسيسكان لم يشتركوا معهم لهذا ثار طلبة فيتمبرج عليهم فعلقوا ورقة تهديد على باب ديرهم ثم دخل أربعون طالبًا وسخروا بالرهبان حسب وصية جبرائيل.
عودة لوثر:
عندما سمع لوثر بانهيار الأوضاع في فيتمبرج، ترك القلعة وزي الفرسان والسلسلة الذهبية وأسرع إلى فيتمبرج، وهاله الخراب الذي وصلت إليه المدينة، ولابد انه أحس بوخز الضمير إن كان قد تبقى لديه بقية منه...
جاء لوثر وأخذ أحد الأديرة الخاوية مقرًا له، وحاول أن يُصلِح الأحوال.. فماذا حدث..؟
مقاومة لوثر:
وجد لوثر من يقاومه وينافسه على الزعامة، لقد أصبح للأستاذ الجامعي كارلستارت مبادئه وأتباعه.. فتصدى له مارتن واتهمه بأنه يثير فتنة واضطراب، وانتهى الأمر بنفيه بعيدًا عن المدينة، ولكن أتباعه ظلوا يقاومون لوثر ويُقذفونه بالأحجار.. أيضًا وجد لوثر مقاومة شديدة من الأنبياء المُلهمين الذين نادوا بأن لوثر لا يختلف عن البابا في شيء، وكانت أفكار هؤلاء الفلاحين والعمال قد انتشرت وانضم إليهم الكثيرين بفضل عِظاتهم الحماسية والثورية..
كان قائدهم توما منزر يدعو نفسه مطرقة الرب، ويدعي أن الروح القدس يحل عليه، وعندئذٍ كان يثور ويلعن مخالفيه أمثال لوثر وأتباعه ويهددهم بسقوط الغضب الإلهي عليهم، ودعى أتباعه للحرب المقدسة ضد الأمراء وأغراهم أن أسلحة الأمراء لن تؤثر فيهم.. واشتعلت نيران الثورة من الفلاحين ضد الأمراء... فماذا كان موقف لوثر الذي وضع البذرة أولًا..؟؟
بحر الدماء ومائة ألف قتيل:
كانت ثمرة كتابات لوثر التطرف الشديد من الناحية الروحية والجسدية.. فالذين فسروا كتابات لوثر بالطريقة الروحية تطرفوا إلى أقصى حد.. ومنهم كارلستارت هادم الهياكل، ومنزر قائد الأنبياء المُلهمين، والذين فسروا هذه الكتابات بالطريقة الجسدية، سقطوا أيضًا في التطرف ونادوا بالمساواة والتحرر من خدمة الأمراء والإكليروس والامتناع عن دفع العشور للكنيسة..
لقد دفعت هذه الكتابات الفلاحين والعمال للغضب الشديد ضد الإكليروس والأمراء، ولاسيما أنهم أحسوا بمساندة لوثر لهم، الذي وجه تحذيره للأمراء قائلًا لهم أن غضب الفلاحين يعلن لكم غضب الله على أعمالكم وسوء تصرفاتكم.. وكانت نتيجة هذه الإثارة اللوثرية اندفاع الفلاحين في ثورة رهيبة نحو قصور الأمراء والإكليروس يقتلون ويسلبون ويحرقون ويدمرون ويهدمون والشياطين يرقصون فرحًا، وصدر بيان 26 إبريل يستحث الفلاحين: "تقدموا.. تقدموا إلى الأمام.. ولتظل سيوفكم ساخنة بالدماء بدون شفقة"..
ولكن الأمور لم تسر حسب هوى الفلاحين ولوثر للنهاية، لأن الأمراء استطاعوا توحيد صفوفهم واستأجروا بعض المحاربين الإيطاليين وانقلبوا على الفلاحين يعملون فيهم قتلًا وتنكيلًا وذبحًا وتعذيبًا.. فماذا كان موقف لوثر عندئذٍ..؟
ومن عجب العجاب ليس تخلي لوثر عن مساندة الفلاحين، ولكن انقلابه ضدهم وانضمامه للجانب المنتصر.. فتودد للأمراء بل أثارهم ضد الفلاحين، وقد سجل التاريخ للوثر صرخته للأمراء قائلًا:
"قاتلوا هؤلاء الفلاحين ككلاب مسعورة"(46)
ودعنا يا صديقي نفسح المجال للدكتور البروتستانتي عزت زكي لإدانة قائده الروحي مارتن لوثر:
"لكننا لا يمكن ولا يمكن أيضًا للتاريخ أن يغفر له (لوثر) دعوته للأمراء لسحق الفلاحين دون رحمة.. ألم تكن ثورة الفلاحين إلى حد ما متأثرة باندفاعه ضد البابوية في بعض التصرفات..؟ إن منظر راهب فيتمبرج على رأس زملائه وقد أشعل النار في مرسوم البابا وكتب القانون الكنسي لابد انه كان لها أثرها"(47)
ويكفي يا صديقي أن تعلم أن ثمرة لوثر الثائر ضد الله والكنيسة والمجتمع مائة ألف قتيل.. وليس نهاية المطاف بعد..
لوثر ينقض نذره:
وفي سن الثانية والأربعين نقض لوثر ندر البتولية والرهبنة وتزوج بالراهبة كاترين هانزفون بورا في 13 يونيو سنة 1525م وانجب خمسة أطفال: يوحنا واليزابيث ومجدولين ومارتن وبولس.. ماتت اليزابيث في السنة الأولى من عمرها ومجدولين في السنة الثالثة..
موت البابا والملك:
انتهت حياة البابا ليون موتًا بالسم في أول ديسمبر سنة 1521م وتولى بعده ادريان السادس الذي كان يرغب في السلام، ومع هذا أرسل إلى مجلس الأمة الألمانية يطالبه بالتصدي للوثر الهرطوقي، إلا انه مات بعد سنتين فقط، وخلفه اكلمندس السابع الذي عاصر اقتحام روما.. أما الملك فريدريك الذي جمع آلاف من ذخائر القديسين، فقد انتهت حياته بروتستنتيًا، وخلفه في الحكم منتخب سكسونيا..
غضب الإمبراطور:
أعلن الإمبراطور شارل غضبه على لوثر، وكتب إلى الأمراء الكاثوليك يعلمهم بأنه سيقوم بعملية حربية ليمحو مذهب لوثر الملعون والذي كان سببًا في المذابح والخراب والدمار..
بدأت حرب الإمبراطور شارل الخامس ضد البروتستانت، وكان منتصرًا في البداية.. إلا أن منتخب سكسونيا ألقى بثقله في المعركة، فهزم جيش الإمبراطور وطارد فلوله الهاربة.. وعندما شعر شارل بالفشل تنازل عن العرش لأخيه وذهب ليقيم في احد الأديرة بأسبانيا.. وفي أول جلسة للبرلمان الألماني سنة 1555م صدر عفو شامل وأصبحت البروتستانتية عقيدة رسمية.
ماذا فعل أتباع لوثر بروما:
لم يكتف البروتستانت بالانتصار الذي حققوه داخل ألمانيا، بل كوَّنوا جيشًا بقيادة فرندزبرج، خرج من ألمانيا وانضم إليه في سهول لومبارديا جيش أسبانيا، ووقف على أبواب روما عشرون ألف مقاتلًا، استطاعوا بالمعاول والتسلق فتح ثغرة في الجدار، واندفعوا إلى داخل مدينة روما... فهرب البابا والكرادلة والأساقفة إلى قلعة سان إنجيلو، وتركوا القصر البابوي، فنهبه المقاتلون واتجهوا إلى قصور الكرادلة فسلبوها، حتى كنيسة القديس بطرس لم تسلم من النهب.. ويصف كاتب تاريخ المسيحية هذا الهجوم الشرس، فيقول:
"وتدفق الألمان والأسبان ينهبون ويقتلون دون مراعاة لأي اعتبار، حتى الأطفال والنساء لم تشفع لهم استرحاماتهم ودموعهم.. والويل كل الويل لمن يقع في أيديهم من الأساقفة أو الكهنة أو الرهبان.. لقد كان انتقامًا لم يشهد مثله التاريخ... أما الكرادلة الذين لم ينجحوا في الهرب فقد كان نصيبهم السحل في شوارع روما حتى الموت.. وشوهدت جماعة تمسك بأحد الأساقفة كللت رأسه بأغصان الشجر وعرضته في السوق للبيع كالسوائم قبل الإجهاز عليه.. أما الكنائس فقد تحولت إلى إسطبلات للخيل وتكدست الخيول داخل كنيسة القديس بطرس وخارجها، والويل للراهبات والعذارى فقد كان الجند ينتزعنهن انتزاعًا من الأديرة ومن أحضان أمهاتهن"(48)
لقد اخذ المقاتلون يهتفون: "لوثر بابا روما".. وكانت النتيجة ثلاثة وخمسين ألف قتيلًا.. كانت هذه الدماء الغزيرة هي ثمار شجرة لوثر المعوجة..
حزب لوثر وحزب زونكلي:
قامت حركة جديدة في سويسرا بقيادة الريخ زونكلي وانضم لها كثير من الأمراء في سويسرا وجنوب ألمانيا، حتى صار حزب زونكلي والتابعين له أقوى وأكثر من مارتن لوثر وأتباعه.. "وقد اختلف زونكلي مع لوثر في موضوع العشاء الرباني، وكانا قد التقيا بهذا الشأن في ماربورج سنة 1529م، ونتيجة للخلاف بين اللوثريين والزونكليين حول عقيدة العشاء الرباني حدث انشقاق نشأت عنه الكنائس اللوثرية والكنائس المصلحة"(49)
حالة اللوثريين:
وصلت حالة اللوثريين إلى حد كبير من الجهل والتخلف والفوضى، حتى أن مارتن لوثر عندما قام بجولة تفقدية مع صديقه ميلانكثون في عدة مدن ألمانية هاله الجهل الذي يعيش فيه اللوثريون، فكتب كتابين هما أصول الإيمان المُفَصَّل وأصول الإيمان المختصر.. يشرح للشعب الإيمان من وجهة نظره..
لوثر وتعدد الزوجات:
كان الملك فيليب متزوجًا من هس إحدى مؤيدات لوثر ثم طلب فيليب من لوثر الموافقة على زواجه من مارجريت فون درسال سنة 1540م مع الاحتفاظ بزوجته الأولى هس.. والعجيب أن لوثر وافق على طلبه هذا.. فقط طلب من الملك أن يكون هذا الزواج سرًا.. ولكن السر أصبح مُعلنًا فهاج كثيرون على لوثر في أواخر أيامه.
نهاية لوثر:
مات لوثر أثناء زيارته لبلده مانسفلد التي نشأ بها، وذلك فجر يوم الخميس 18 فبراير سنة 1546م، ودُفِن يوم 22 فبراير في المدينة التي عاش فيها وهي فيتمبرج.. وآخر عبارة كتبها تُظهِر بوضوح إفلاسه الروحي، حيث قال:
"إننا جميعًا شحاذون... هذه هي الحقيقة.."