رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
هل أحرق قسطنطين كل الأناجيل الأبوكريفية عدا الأربعة المعروفة؟! (4) زعم أن الإمبراطور قسطنطين، في مجمع نيقية، قد قام بإحراق كل الأناجيل التي بأيدي الناس، عدا الأربعة المشهورة "كما أمر الإمبراطور يا أبت بإحراق كتبه وبإحراق كل الأناجيل التي بأيدي الناس، عدا الأربعة المشهورة"[46]! وراح يتكلم عما اسماه بالأناجيل المحرمة بصورة توحي بأن الكنيسة أحرقتها أو أخفتها لأنها تريد أن تخفي ما بها من أسرار مزعومة!! فقال بلسان راهبه المزعوم هيبا: "فسوف أضع ما اكتبه في هذا الصندوق مع الأناجيل المحرمة والكتب الممنوعة، وادفنه تحت البلاطة الرخامية المتخلخلة عند بوابة الدير، وأسد عليه وأطمر البلاطة بالتراب. فأكون قد تركت منى شيئا هنا، قبل رحيلي النهائي بعد انتهاء خلوة الأربعين يوما التي تبتدئ بها عزلتي، ويبدأ تدويني هذا الذي لم اخبر به احد"[47]. بل ويجعل من نسطور وراهبه المزعوم يتفاخران بوجود هذه الكتب معهما: "بمناسبة كلام السيد المسيح، هل لديك نسخة من إنجيل توما؟ نعم يا أبت، وعندي أيضا نسخة قديمة من إنجيل توما المصريين، وإنجيل توما يهوذا، وسفر الاسرار.. فانا أحب اقتناء الكتب. أبتسم المبجل نسطور وهو يقول أنني احتفظ بكل الكتب الممنوعة! فقلت أن الكتب المسموح بها، موجودة في الكنيسة، وفي كل مكان!"[48]. وهنا يزعم كذبًا بوجود كتب مسموح بها وكتب ممنوعة!! ويصل في تجنيه وإساءته للكتاب المقدس فيقول: "أن التوراة التي نؤمن بها، مليئة أيضا بمخادعات وحروب وخيانات. وإنجيل توما المصريين الذي نقرا فيه، مع انه ممنوع، فيه ما يخالف الأناجيل الأربعة المتداولة.. فهل هذا وذاك خيال والله من وراء ذلك محتجب وراء كل الاعتقادات؟؟"[49]. وهذا الكلام عاري تمامًا من الصحة ومن الحقيقة وبعيد تمامًا عن المنهج العلمي بل كذب وتلفيق أو على الأقل جهل بالتاريخ وفي الأغلب تزوير للتاريخ!! أولًا: لأن مجمع نيقية لم يناقش موضوع الأناجيل سواء القانونية الموحى بها أو المنحولة، لأن مثل هذا الموضوع كان محسوما ولم يحتاج لمثل مجمع نيقية، ولم يكن شيء من ذلك في جدول أعماله الذي ناقش ثلاث موضوعات فقط هي؛ هرطقة آريوس، وتحديد موعد عيد الفصح، والقوانين الخاصة بالكهنوت. ثانيًا: لأن الأسفار القانونية الموحى بها كان تدوينها قد تم قبل نهاية القرن الأول وقبلت على الفور من المؤمنين لأن من كتبها وسلمها لهم هم نفس الرسل الذين سبق أن سلموها لهم شفويًا. فقد كتبت الأناجيل الثلاثة الأولى وسفر أعمال الرسل وجميع رسائل الرسل بولس وبطرس ويهوذا ويعقوب كتبت قبل سنة 68م بينما كتب الإنجيل للقديس يوحنا ورسائله الثلاث وسفر الرؤيا فيما بين سنة 75 و95م[50]. ثالثا: كتبت جميع الكتب الأبوكريفية المنحولة فيما بين سنة 150 و450م، بل وكتب بعضها فيما بين 450 و700م!! وكانت أما نتاج مسيحي شعبي أسطوري مثل الكتب المسماة بأناجيل الطفولة والميلاد والتي قمنا بترجمتها ونشرها بالعربية[51]، وتمتلئ بالقصص والمعجزات الخيالية والأسطورية المنسوبة للمسيح في ميلاده وطفولته وصبوته، والتي يقول عنها العلامة الإنجليزي وستكوت: "في المعجزات الأبوكريفية لا نجد مفهوما سليما لقوانين تدخلات العناية الإلهية، فهي تجرى لسد أعواز طارئة، أو لإرضاء عواطف وقتية، وكثيرا ما تنافى الأخلاق، فهي استعراض للقوة بدون داع من جانب الرب أو من جانب من عملت معه المعجزة"[52]. أو نتاج لفكر الهرطقات الغنوسية التي يتخلص فكرها، في أن الله كائن سامي غير معروف وغير مدرك يمثل النور والخير والطهر المطلق، وأن المادة أزلية غير مخلوقة وتمثل الشر والظلمة، ولأن الله لا يمكن أن يلمس المادة لذا بثق من ذاته شرارات إلهية (ايونات) أهمها المونوجينيس، أي وحيد الجنس، والأوتوجينيس، أي المولود الذاتي، وباربيلو، أي عقل الآب، وأخيرا صوفيا أو الحكمة، التي ولدت من ذاتها الديميورج أو يلدابوس، أي الصانع، الذي نظرا لأنه لم يعرف شيء عن الإله السامي تصور في نفسه أنه إله الكون، فصنع الكون المادي ولما صنع الإنسان لم ينجح في أن يعطيه الحياة، لأنه صانع وليس خالق، فأخذ مجموعة من هذه الشرارات المنبثقة من الإله السامي ووضعها في هذه الأجساد التي صنعها لتحيا، أي أنه سجن الأرواح في هذه الأجساد، فجاء المسيح من الإله باربيلو، عقل الآب، وظهر على الأرض في شكل إنسان دون أن يتخذ جسدا أو طبيعة الإنسان المخلوقة من المادة التي هي شر والتي جاء المسيح لكي يخلص منها، أي الطبيعة البشرية الشريرة، بالمعرفة؛ أي يعرف الإنسان أنه شرارة من الإله السامي، وأنه لابد أن يتخلص من هذا الجسد المادي المسجون فيه، وأن يعرف أن الإله السامي هو الإله الحقيقي الوحيد وأن الديميورج أو يلدابوس هو إله الشر أو الظلمة. وكتبوا العشرات من الكتب التي أسموها بالأناجيل وأعمال الرسل والرسائل وأسفار الرؤى ليشرحوا فيها هذه الأفكار الغنوسية!! وكلها تبتدئ من قيامة المسيح وظهوراته لتلاميذه بعد القيامة وكل منها يدعي أنه كتاب سري أعطاه المسيح بصفة خاصة وسرية لأحد تلاميذه مثل يوحنا وبطرس وتوما وفيليب ويعقوب. ومنها ما كتب بأسماء أصحاب هذه الهرطقات مثل إنجيل مركيون وباسيليدس.. الخ وما كتب بأسماء مستخدميها مثل إنجيل المصريين اليوناني وإنجيل المصريين القبطي.. الخ وهي تمتليء بهذا الفكر الغنوسي الخيالي وقد قمنا بترجمتها وأعداد الجزء الثاني منها للنشر!! وبالرغم من أن هذه الكتب اعتبرها أصحابها أناجيل سرية لا يقرأها ولا تعطى إلا لأعضاء هذه الفرق الغنوسية، مما حد من انتشارها ومعرفة عامة المسيحيين بها، إلا أنها كانت معروفة لآباء الكنيسة الذين قرءوها وانتقدوها وبينوا ما بها من فكر هرطوقي خيالي لا يتفق مع المسيح ولم يخرج من دائرتها بل خرج من دائرة الهراطقة كما قال القديس إيريناؤس (175 م.) "أن الهراطقة الماركونيين أصدروا عددا لا يحصى من الكتابات الأبوكريفية والمزورة والتي زيفوها بأنفسهم ليذهلوا عقول الحمقى[53]. وقال عن تلفيق جماعة القاينيين لإنجيل يهوذا: "ولذا فقد لفقوا تاريخا مزيفًا أسموه إنجيل يهوذا". وقال العلامة أوريجانوس (185 – 253م)؛ "الكنيسة لديها أربعة أناجيل والهراطقة لديهم الكثير جدًا". ومن علماء العصور الحديثة الذين درسوا هذه الكتب قال د. سويت، في تعليقه علي إنجيل بطرس (لندن 1893) "انه حتى التفاصيل التي تبدو جديدة تماما أو التي تتعارض مع الأناجيل القانونية، يمكن أن تكون مأخوذة عنها. وختم بقوله "أنه بالرغم من الجديد فيها فليس هناك ما يضطرنا لاستخدام مصادر خارجية عن الأناجيل القانونية"[54]. وقال بروفيسور أور عن إنجيل بطرس، أيضا، أن الأصل الغنوسي لهذا الإنجيل يبدو واضحا في قصة القيامة والمعالم الدوسيتية فيها[55]. وقال ر. هو فمان R. Hofmann عن كيفية كتابة هذه الكتب الأبوكريفية "أن الطريقة المستخدمة هي نفسها دائما، سواء كان قصد الكاتب أن يجمع ويرتب ما كان طافيا في التقليد العام، أو كان قصده أن يوجد أثرا عقيديًا محدد، لقد أنهمك في عمله حقيقة، وبصفة عامة فقد صور ما ألمحت إليه الأناجيل القانونية، أو حول كلمات يسوع إلى أعمال، أو صور إتمام توقعات اليهود الحرفية عن المسيا، أو كرر عجائب العهد القديم في شكل آخر..الخ. لقد أتم العمل وحرص على أن يخفي اسمه ويدمغ كتابه باسم أحد الرسل أو التلاميذ ليعطيه سندًا رسوليًا"[56]. أخيرا يقول أ. روبرتس و. ج. دونالدسن أحد محرري موسوعة "ما قبل نيقية" أنه بينما تقدم لنا الأناجيل الأبوكريفية لمحات غريبة عن حالة الضمير المسيحي وأساليب التفكير في القرون الأولى من العصر المسيحي، فان الانطباع الدائم الذي تتركه في أذهاننا، هو شعور عميق للسمو الذي لا يقاس والبساطة التي لا يمكن بلوغها والعظمة التي للكتابات القانونية"[57]. والسؤال الآن: هل قرأ د. زيدان هذه الكتب، وما كتب عنها من تعليقات، سواء لآباء الكنيسة أو للنقاد، هذه الكتب التي كرر الكلام عنها متصورا أن الكنيسة أحرقتها أو أخفتها!! وهذا غير صحيح فهي موجودة في مئات المواقع على النت وقد قمنا بترجمته إلى العربية ونشرنا الجزء الأول منها والثاني في الطريق إلى المطبعة والبقية تمت ترجمتها ولكنها في الأعداد للنشر! أم أنه يكتب عن شيء يجهله!! أغلب الظن، بل من المؤكد أنه يكتب عما لا يعرف!! |
|