منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 01 - 04 - 2014, 02:13 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,577

شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
تفسير سفر المكابيين الثاني - المقدمة
من الضروري لدارس العهد الجديد دراسة سفرى المكابيين، إذ تُعد هذه الفترة (القرنين الثاني والأول قبل الميلاد) تمهيدْ وتوطئة للعهد الجديد . كانت الأمة اليهودية قد وصلت إلى حالة سيئة من الضعف والتردى في تلك الأيام ، وذلك على أكثر من مستوى . ومع أن المكابيين قد قاموا بدورهام في سبيل إعادة الأمة إلى الله وتفعيل جذوة الحياة الليتورجية من جديد بعد توقف العبادة في الهيكل وترك الشعب الناموس وإهماله لخلاصه، إلا أن خلفائهم قد مالوا إلى السياسات التوسعية وسعوا إلى تحقيق مآرب شخصية،
فحادوا عن الطريق وأهملوا شئون الأمة.. مما مهد السبيل للرومان لكي يضموا منطقة اليهودية إلى أملاكهم ومستعمراتهم..
ومع ذلك فقد أسهم الرومان بشكل غير مباشر ودون قصد منهم في تسهيل نشر المسيحية في ربوع الإمبراطورية الرومانية المترامية الأطراف.. وكان ذلك بتدبير من الله الذي يستثمر كل الأحداث وكل البشر في سبيل تحقيق مشيئته الصالحة وتدبير الخلاص لهم.. ذلك الخلاص الذي نظره آباؤنا من بعيد وصدقوه وحيوه.
وبينما يتحدث سفر المكابيين الأول عن جهاد الإخوة المكابيين الخمسة، في سبيل تنقية الأمة من التأثير الوثني العقيدي الذي وضعه الحكام السلوقيين. فإن سفر المكابيين الثاني هنا يركز على جهاد يهوذا المكابى في نفس الفترة، والذي يعد القائد الأشهر في التاريخ اليهودي بعد داود النبي. كما قدم لنا سفر المكابيين الثاني باقة عطرة من الشهداء، والذين اعتبرتهم الكنيسة شهداءا مسيحيين قبل المسيحية. مثل المرأتين اللتين استشهدتا مع طفليهما لأجل الختان، والشهداء السبعة وأمهم وأبيهم، وكذلك رازيس الشيخ. هؤلاء الذين أشار إليهم القديس بولس في رسالته إلى العبرانيين قائلا:
"الذين بالإيمان قهروا ممالك صنعوا برا نالوا مواعيد سدوا أفواه أسود. أطفأوا قوة النار. نجوا من حد السيف تقووا من ضعف صاروا أشداء في الحرب هزموا جيوش غرباء. اخذت نساء أمواتهن بقيامة وآخرون عذبوا ولم يقبلوا النجاة لكي ينالوا قيامة أفضل. وآخرون تجربوا في هزء وجلد ثم في قيود أيضًا وحبس. رجموا نشروا جربوا ماتوا قتلا بالسيف طافوا في جلود غنم وجلود معزى معتازين مكروبين مذلين. وهم لم يكن العالم مستحقا لهم تائهين في براري وجبال ومغاير وشقوق الأرض. فهؤلاء كلهم مشهود لهم بالإيمان لم ينالوا الموعد. إذ سبق الله فنظر لنا شيئًا أفضل لكي لا يكملوا بدوننا." (11: 33-40)
أشكر جميع الذين اشتركوا معي في إعداد هذا الكتاب سواء من جهة جلب المراجع أو ترجمتها أو مراجعة النصوص أو الأعمال التقنية وغيرها... الرب قادر أن يكافئ الجميع خيرًا عن تعبهم، بصلوات قداسة البابا المعظم الأنبا شنودة الثالث وشريكه في الخدمة الرسولية نيافة الأنبا إيسوزورس، والذي تفضل بمراجعة الكتاب. ولإلهنا المجد دائمًا أبديًا آمين.
مكاريوس
الأسقف العام
صوم الرسل الأطهار 2004م
رد مع اقتباس
قديم 01 - 04 - 2014, 02:21 PM   رقم المشاركة : ( 2 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,577

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني

المكابيين الثاني 1 - تفسير سفر المكابيين الثاني
رسالتان إلى يهود مصر


أراد يهود أورشليم أن يشركوا أقرانهم في مصر فرحتهم في الاحتفال بالتدشين، فأرسلوا لهم يحثّونهم على ذلك شارحين الظروف والملابسات المتعلقة بهذه المناسبة التاريخية العظيمة، والتي لا يزال الاحتفال بها سارياً حتى اليوم وإن اتخذ مظاهرًا مُغايرة لما كان يجرى في السنوات الأولى بعد تدشين الهيكل.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
الرسالة الأولى إلى يهود الأسكندرية

1 إلى إخوتهم اليهود الذين في مصر سلام من إخوتهم اليهود الذين في أورشليم وبلاد اليهودية أطيب السلام. 2 وليحسن الله إليكم ويذكر عهده مع إبراهيم وإسحق ويعقوب، عبيده الأمناء. 3 وليؤتكم جميعًا قلبًا لأن تعبدوه وتعملوا بمشيئته بقلب كريم ونفس راضية، 4 ويفتح قلوبكم لشريعته ووصاياه ويحل السلام. 5 وليستجب لصلواتكم ويصالحكم ولا يخذلكم في أوان السوء. 6 ونحن الآن ههنا نصلي من أجلكم. 7 كنا نحن اليهود قد كتبنا إليكم في عهد ديمتريوس، في السنة المئة والتاسعة والستين، ما يلى: "في أثناء الضيق والشدة التي نزلت بنا في تلك السنين، بعد ارتداد ياسون والذين معه عن الأرض المقدسة والمملكة، 8 فإنهم أحرقوا الباب وسفكوا الدم الزكى، فابتهلنا على الرب فاستجاب لنا، وقربنا الذبيحة والسميذ، وأوقدنا السرج وقدمنا الخبز". 9 فنكتب الآن إليكم بأن تعيدوا أيام الأكواخ التى في شهر كسلو.
<SPAN lang=ar-sa> <DIV class=Section2 dir=rtl>
تبدو الرسالة هنا مثل الرسائل الفصحية التي بدأ البابا أثناسيوس الرسولي في توجيهها إلى كنائس العالم لتحديد عيد الفصح، حيث كانت تلك الرسائل السنوية فرصة لمعالجة بعض الخلافات أو تصحيح بعض المفاهيم. هناك أمثلة لمثل تلك الرسائل اليهودية في (أخبار الأيام الثاني 30: 1-9 واستير 9: 20-32) حيث ربطت الرسالتان بين الدعوة إلى التوبة ومراعاة الاحتفال بالعيد(1)
كانت الجالية اليهودية في مصر أكبر الجاليات التي تسكن خارج أورشليم، ويرجع وجودها هناك إلى ما قبل القرن السادس، وقد جاء تعبير: اليهود الذين في مصر (آية 1): في اليونانية(toiVkat Aigipton) ويعني: المبعدين في مصر. غير أن وجودهم في مصر تأكد وتثبّت في عهد البطالمة والذين منحوهم العديد من الامتيازات ليشجعونهم على الاستقرار هناك، فقد قام بطليموس فلادلفوس بترجمة التوراة إلى السبعينية، كما سمح بطليموس السادس لحونيا بن حونيا الثالث ببناء هيكل في مصر سنة 150 ق.م. على غرار هيكل أورشليم، وكما شغل اليهود ثلاثة أحياء سكنية في الإسكندرية من مجموع ثمانية أحياء، فقد شغلوا كذلك المناصب الرفيعة في الجيش والبلاط الملكى، إضافة إلى وجود شريحة كبيرة منهم من الموسرين.
فقد كان من اليهود بعض من رجال البلاط سواء في العاصمة أو الأقاليم، مثل أرسطوبولس المذكور في هذا الأصحاح ودوسيتيوس Dositheos بن دريميلوس Drimylos والذي كان يشغل وظيفة مرموقة في بلاط كل من بطليموس الثالث وبطليموس الرابع، فقد عمل كسكرتير للملك في سنة 240ق.م، وكما كان أونياس موظفًا كبيرًا ربما قائدًا Strategos في إقليم هليوبوليس. وقد سجّلت احدى البرديات خطابًا رقيقًا موجهًا إليه من هيرودس وزير مالية بطليموس السادس فيلوميتور الذي عرف عنه ميله إلى اليهود، حيث يبدو من الرسالة وكأن هذا القائد في هليوبوليس يمت لهيرودس بصلة قرابة (1) كما كان رئيس الشرطة في "أتريب" يهوديًا في الغالب، وبعض رجاله كذلك.
كما شغل اليهود وظائفًا كبيرة في الإدارة المالية مثل مديرى البنوك في عهد بطليموس السادس وبطليموس الثامن، وكان أحد أولئك المديرين اليهود في طيبة وآخر في قفط. كما تولى أحدهم الاشراف على "مخزن التبن" ومنهم من كان جابيًا للضرائب، ومع أن جمع الضرائب كانت مهنة تثير الكراهية ولا تمثل كسبًا ماديًا، إلاّ أنها تقرّب إلى الحكام، ومن هؤلاء اشتهر سمعان بن ألعازر. وكذلك شغل اليهود الكثير من المهن مثل النسيج والنجارة والفخار والنبيذ والزراعة وغيرها.
و برغم تخوف اليهود من بطليموس الثامن (يورجيتيس الثاني) إلا أن الأخير أصدر عفوًا عامًا، فعمّ السلام في البلاد حتى موته سنة 116 ق.م. ومن بعد وفاته ازداد نفوذ كليوبترا الثانية المناصرة لليهود، ومن بعد موتها استولت كليوبترا الثالثة ابنة السابقة وأرملة يورجيتيس على الحكم، حيث أعلنت تعاطفها مع اليهود وتحالفها مع الحونيين (نسل حونيا) رغم كراهية بطليموس التاسع -ابنها- لهم، و هكذا استمرّ دعم الحكام المصريين لليهود زمنًا طويلًا.
كل ذلك يؤكد لنا اندماج اليهود في المجتمع البطلمي، مما حدا بالبطالمة منحهم العديد من الامتيازات، منها الحق في أن يعيشوا طبقًا لشريعتهم وتقاليدهم Tois patrias namois chresthai، ويشير المؤرخ استرابون إلى أنه كان على رأس الجالية اليهودية هناك رئيس Ethnarches يباشر سلطات قضائية وإدارية، كما يرجّح أنه كان لهم "سنهدريم" على غرار الموجود في أورشليم(1) ومع كل ذلك فإنه من المستبعد أن يكونوا قد حصلوا على حقوق "المواطنة" إذ كان ذلك يلزمهم بالاشتراك في العبادة الوثنية والتخلي عن تمسكهم بإلههم (يهوه) ويرد في كتاب المكابيين الثالث (سفر غير قانوني) أن بطليموس الرابع عرض على اليهود الحصول على المواطنة شريطة أن يعبدوا "ديونيسيوس" فلما رفضوا ذلك اضطهدهم كثيرًا، غير أنه ندم في وقت لاحق وسمح لهم بقتل كل يهودي استجاب لدعوته السابقة على الوثنية.!
وكما كان في مصر هيكلًا كبيرًا - كما سبق - فقد أقام اليهود أيضًا العديد من المجامع في أقاليم مصر، فيما يشبه الجاليات والتي كان يطلق عليها "بوليتوما" ولكن أكثر الأسماء التي ُاطلقت على دور العبادة Synagoague, proschoche (2) ومع عدم اعتراف اليهود بهيكل مصر المقام في "لينتوبوليس" سنة 150م إلاّ انهم يرسلون إليهم يعزونهم ويشجعونهم، بسبب الاضطهادات التي يلاقونها على يد بطليموس الثامن(3).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
التحية والسلام

استخدمت هذه التحية من زمن بعيد "شالوم" أي سلام، وفي السبت سلام خاص "شالوم شبات" أي سلام السبت، وهي التحية الكتابية الضاربة في القدم، و التي تعني السلام الآتي من الرب، فهو مصدر السلام الحقيقي، ويسأل يعقوب أب الأسباط أهل حاران عن لابان خاله قائلًا: "هل له سلامة فقالوا له سلام" (تكوين 29: 6) وكان السلام هو عطية الله لشعبه متى ساروا في طرقه (لاويين 26: 6) هكذا يقول هرون للشعب "فيرفع الرب وجهه عليك ويمنحك سلامًا (العدد 6: 26) في حين يقول الرب "لا سلام قال الرب للأشرار" (إشعياء 48: 22). غير أن السلام الحقيقي قد تحقق للبشرية عندما صالحها الله بدم ابنه "وصار لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح" (أعمال 10: 36) بل صار هو نفسه "سلامنا الذي جعل الاثنين واحدًا" (أفسس 2: 14). هذا وقد أرفق القديس بولس الرسول سلامه في الرسائل بالنعمة فصارت تحيته للأمم عبر الرسائل، نعمة وسلام، حيث كانت النعمة هي تحية الرومان، راجع (رومية 1: 7 و كورنثوس الأولى 1: 3 و غلاطية 1: 3) وكانت تحية الرب يسوع لتلاميذه "سلام لكم" (لوقا 24: 36 و يوحنا 20: 19، 21، 26). وقد التقطتها الكنيسة لتبدأ بها كل صلاة وكل خدمة ليتورجية، وفي كل مرة تسحب الكنيسة من ذلك الرصيد الذي تركه الرب يسوع لها "سلامًا أترك لكم سلامي أنا اعطيكم" (يوحنا 14: 27) وهكذا صارت التحية التقليدية بين الناس: "السلام والنعمة".
وفي الآيات العشر الأولى من هذا الأصحاح ترد كلمة السلام أربع مرات، فقد كان كل من يهود مصر وأورشليم أحوج ما يكون إلى هذه العطية في تلك الأيام، مُلحّين على الله أن يذكر عهده مع ابراهيم واسحق ويعقوب فيحميهم ويزيد من رقعة أراضيهم ويكثر من نسلهم.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
العبادة بقلب كريم ونفس راضية(آية 3):

وجاءت في اليونانية kardia megalh وهي ترجمة حرفية من الأصل العبري (بقلب كامل ونفس راضية)(1).
عندما تنحصر الصلاة في تحريك الشفاه ورفع اليدين، فهي بذلك مازالت عند مستوى الفريسية وإتمام القانون فحسب، وأما العبادة الحقيقية فيعمل الحب كدافع خلفها. إن العبادة المقبولة هي تلك التي تأتى كتعبير عن الحب الموجود بالداخل من نحو الله مما يهبها الحرارة والفرح والسخاء..! وبالتالي فهي ليست بدافع الخوف أو الرغبة في العطايا أو جريًا لعادة "وأنت يا سليمان ابنى اعرف إله أبيك واعبده بقلب كامل ونفس راغبة لأن الرب يفحص جميع القلوب ويفهم كل تصورات الأفكار.. " (أخبار الأيام الأول 28: 9). ويمكننا أن نجد صدى لمضمون هذه الآية في (تثنية 5: 26 و إرميا 32: 39).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
القلب المفتوح على الوصية (آية 4):

إنه القلب الذي تجد فيه وصايا الرب الطريق ممهدًا، تسكن فيه فتطهره وتتخذ لها فيه مكانًا، أنه القلب الذي يجد فيه الله راحته قائلًا ههنا أسكن لأنّى اشتهيتها" (مزمور 132: 14) وهو القلب الذي يوجد مستعدًا دائمًا ليفتح للرب حالما يطرقه فيدخل إليه وفيه يصنع منزلًا "إن أحبني أحد يحفظ كلامي ويحبه أبى وإليه نأتي وعنده نصنع منزلًا" (يوحنا 14: 23) وهكذا يحل السلام في القلب. ويبدو هذا التحوّل في المصطلح من "العينين" إلى "القلب" في (مزمور 119: 18) والأذنين (هوشع 13: 6-8) "أشق شغاف قلبهم" ويظهر هذا الُمصطلح في العهد الجديد في (أعمال 16: 14) وبعض الصلوات اليهودية.وقد تحقق ذلك ليهود الإسكندرية وهم أول جماعة مسيحية في مصر - منذ حضورهم يوم الخمسين ثم بشارة القديس مرقس بينهم بالإنجيل.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
المصالحة (آية 5):

يأتي تعبير يتصالح هنا ترجمة للكلمة العبرية "يغفر". والتعبيرات في هذه الآية نجد لها شبيهًا فى: (ملوك أول 8: 30، 34، 36، 39، 49-50) راجع أيضًا: (أخبار الأيام الثاني ص 6). لقد تراءف الله في ملء الزمان على البشرية الصارخة إليه عبر آلاف السنين، وتمّت المصالحة الحقيقية بدم يسوع المسيح فبعد هذا الزمان الذي تُقرأ فيه هذه الرسالة بقليل: ولد المسيح الحقيقي ليتم هذه المصالحة الفريدة، بعدما بدا أن الخصومة قد استحكمت ما بين السماء والأرض "ولكن الكل من الله الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح وأعطانا خدمة المصالحة" (كورنثوس الثانية 5: 18). وها نحن نطلب كل يوم من صلاحه ألاّ يخذلنا وألاّ يعاملنا بحسب خطايانا، وإنما بحسب بره وخيريته، وأن كنّا في احتياج إلى ذلك كل يوم فكم بالأحرى في زمن السوء، عندما تهبط العزائم وينشب اليأس مخالبه ويشتكى الشيطان على بني الإنسان "الرب الإله إلهي معك. لا يخذلك ولا يتركك.." (1 أخ 28: 20).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
الصلاة لأجل الآخرين:

إنها وصيّة الرب نفسه "صلوا بعضكم لأجل بعض لكي ُتشفوا" (يعقوب 5: 16) وفي العهد القديم يطلب الشعب إلى موسى أن يتوسّل إلى الرب عنهم ليرفع الحيات (العدد 21: 7) وفي سفر صموئيل يرد: "وقال جميع الشعب لصموئيل صل عن عبيدك إلى الرب إلهك حتى لا نموت" (صموئيل الأول 12: 19) وقد طلب الله من أصحاب أيوب أن يلتمسوا صلاته لأجلهم (أي 42: 8).
إن محبتنا لبعضنا البعض وصلاة أحدنا عن الآخر تفرّح قلب الله فيستجيب الطلبة، بل يقول الآباء: (أنه من أجل محبة الذي لم يخطئ غفر الله للذى أخطأ) ذلك أن أحد الرهبان سقط في خطيئة فلم يرد العودة إلى الدير إذ كان في القرية لقضاء بعض الشئون، ولكن راهبًا آخر من ديره قابله في القرية وعرف منه ما حدث وعدم رغبتة في العودة، فشجعه بأنه خاطئ مثله ولكنه ليس في مثل اتضاعه لأنه أخطأ هو الآخر ولكنه لم يعترف بخطيئته كما فعل هو، وأشار عليه بالعودة معًا إلى الدير ليطرحا أمرهما قدام الشيوخ، والذين وضعوا على الاثنين قانونًا صعبًا من الأصوام والميطانيات. وكان الراهب الذي لم يخطئ يقول أمام الله: يا رب أنت تعرف أنه لا ذنب لي في ذلك، ولكن احسب تعبى هذا لأخى. وقد ظهر الله لأحد الشيوخ معلنًا له أن الله قبل توبة الخاطئ من أجل محبة الذي لم يخطئ.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
زمن الاضطهاد (آية 7، 8):

الضيق والشدة: en th qliyei kai th akmh، استخدم كاتب السفر هنا الأسلوب الكتابي في (صفنيا 1: 15): يَوْمُ ضِيقٍ وَشِدَّةٍ، ووردت في الترجمة السبعينية (qliyiV kai anagkh) وفي الآرامية: (بعَقتا و بأولِصتانا)، و في الفولجاتا اللاتينية: (in angustiis et pressuris)، وقد أوضح العالم جريتس أن الكلمة اليونانية (akmh) من (anagkh).

كتب اليهود لإخوتهم في مصر في السنة المئة والتاسعة والستين، أي عام (144 - 143 ق.م) يتحدثون عمّا حدث في عهد أنطيوخس أبيفانيوس في سنة (168 - 165 ق.م).أمّا ديمتريوس المقصود في هاتين الآيتين فهو ديمتريوس الثاني الملك السلوقي (145-125 ق.م.) وهو ابن ديمتريوس الأول، استردّ عرش أبيه من الإسكندر بالاس حيث عضده في ذلك بطليموس فيلوميتور ملك مصر، ولكن ديمتريوس الثاني هذا أساء إدارة البلاد وكان حكمه فاسدًا، مما دفع بأحد قواده المقربين وُيدعى تريفون إلى المناداة بأنطيوخس الخامس ملكًا وكان ما يزال صبيًا (1مكا11) وقد استمر ديمتريوس وهو بعيدًا عن العرش في محاولات متكررة لاسترداد عرشه غير أنه لم يفلح في ذلك، بل حوصر في النهاية في صور من قِبل كليوباترا حيث أعدم هناك. وقد لاقى اليهود اضطهادات شديدة منه ولم تفلح المعاهدات المتعددة فيما بينه وبينهم في اتقاء شروره، كما اتّسمت خطاباته إلى اليهود - حتى تلك المعتبرة وديّة - بالعجرفة والتعالى.
لقد كان بالفعل زمن ضيق وشدّة..

شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
ارتداد ياسون والذين معه (آية 7):

<SPAN lang=ar-sa> بعد أن استولى منلاوس على رئاسة الكهنوت فرّ ياسون إلى أرض بنى عمون (4: 26) إلى حصن ابن عمومته "هركانوس الطوبى" ويرى بعض العلماء أمثال بول لاب Paul Lapp أن قصر هركانوس والذي ُيعرف الآن ب " قصر العبد Qasr-el-Abd " كان هيكلًا وأن هناك وجه شبه بينه وبين هيكل مصر الذي شيّده حونيا الرابع (ابن شقيق ياسون)، فإذا كان هناك "هيكل انشقاقى" في المكان المسمى "عرق الأمير" في أرض بنى عمون فسيكون ذلك شرحًا لتمرد ياسون على الأرض المقدسة.

وقد يؤيد هذا الرأي الفكرة القائمة حينئذٍ من حيث أن هيكل أورشليم لم يصر بعد "الموضع الذي اختاره الرب" _ وذلك منذ السبي البابلي _ ومن ثم يمكن أن تنتشر هياكل عدة في أنحاء مختلفة من البلاد، بل ربما اعتقد معارضى منلاوس في أورشليم أن العبادة الانشقاقية في أرض طوب هي شرعية، لاسيما وأنه يخدم فيها واحد من سلالة
  رد مع اقتباس
قديم 01 - 04 - 2014, 02:25 PM   رقم المشاركة : ( 3 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,577

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني

المكابيين الثاني 2 - تفسير سفر المكابيين الثاني
تدشين الهيكل امتداد لعمل سليمان وأرميا ونحميا


يورد هذا الأصحاح وثيقة هامة عن وجود مكتبة للأسفار في عهد المكابيين، قام يهوذا المكابى بجمعها على غرار ما فعله نحميا المصلح العظيم، ذلك على الرغم من تدمير رجال أنطيوخس ابيفانيوس للكثير من الأسفار والكتب في سعيهم إلى أغرقة اليهودية، والاقتباس الوارد هنا من تلك الأسفار أو السجلات يتعلق بعناصر الهيكل الرئيسية، وقد أورده يهود أورشليم في سياق شرح خلفية الاحتفال بعيد التدشين.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
السجلات

1 جاء في السجلات أن إرميا النبي أمر أهل الجلاء أن يأخذوا نارًا، كما ذُكر، 2 وأن النبي أوصى أهل الجلاء بعد أن أعطاهم الشريعة، أن لا ينسوا وصايا الرب وأن لا يضلوا في أفكارهم، إذا رأوا تماثيل الذهب والفضة وما عليها من الزينة. 3ومما حثهم عليه أن لا يدعوا الشريعة تبتعد عن قلوبهم.



شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
تأتى كلًا من كلمة السجلات (آية1) والكتابة (آية 4) بمعنى نص وفي ترجمة يونانية قديمة (دانيال 21:10) تأتى بمعنى "وثيقة سماوية هامة" كما تأتى كلمة Graphe بمعنى "الكتاب المقدس"(1)
وأما كلمة جاء أو وجد (آية 1) فتأتى في العبرية والآرامية والتوارة اليونانية بمعنى التأكد من واقعة من خلال الوثائق (نحميا1:13 و استير 2:6 و دانيال 1:12) وفي النصوص الكلاسيكية القديمة استخدمت كثيرًا العبارة "وجدنا أنه مكتوب"(1).
فُقد العديد من الأسفار والكتب الوثائقية الهامة، خلال عملية تدمير أورشليم وسبى شعبها، بل أن الاحتفاظ بأحد الأسفار كان يعد جريمة يُعاقَب عليها بالموت، ونقرأ في الأسفار التاريخية للعهد القديم إشارات عديدة إلى أسفار أصبحت مفقودة، مثل سفر ياشر وسفر عدو، وسفر أخبار حروب إسرائيل ويهوذا، وغيرها. وفي السفر الأول للمكابيين نقرأ عن كتاب أخبار يهوذا وكتاب آخر عن يوحنا هركانوس رئيس الكهنة (1مكا 16: 23). غير أن بعض الرقوق والأدراج القديمة احتفظت لنا ببعض من تلك الأسفار، ولكن تلك الكتب المفقودة وأن لم تكن كتبًا ُموحى بها من الله، لأن الله يحفظ كلمته من الزوال (السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول) إلا أنها ُتعد مرجعًا هامًا للتاريخ اليهودي القديم والأدب الرؤيوي، مثل تلك التي ُعثر عليها في مغائر قمران ومجمع عزرا في القاهرة: الجنيزا (2) وكذلك تلك البرديات التى ُعثر عليها في آثار مستعمرة إلفنتين في أسوان بمصر.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
وصايا الرب:

كان من المتوقع أن يتأثّر اليهود في السبي بالعبادات الوثنية هناك لسببين: أولهما بُعدهما عن الهيكل ومراكز التعليم وندرة وجود الأسفار المقدسة، وثانيهما هو الضغط العقيدي الوثني الذي سيتعرضون له هناك من البابليين لمحو هويتهم الدينية وبالتالي القومية، فقد كانت سياسة تلك البلاد هي تشتيت المسبيين داخل بابل نفسها لمنع التكتلات الدينية أو العرقية، وبذلك يسهل صهرهم في بوتقة بابل بما فيها من ثقافة ولغة ودين. ولكن اليهود والذين كانوا يشكلون نسبة كبيرة كوّنوا جاليات ضخمة متماسكة لها شرائعها ومحاكمها وتقاليدها، ومع الوقت منح لهم الحكام المزيد من الحقوق بما لا يتعارض مع قانون البلاد، ويلاحظ ذلك من خلال قصة سوسنة الواردة في تتمة سفر دانيال، حيث حاكم اليهود هناك سوسنة داخل بابل نفسها بقوانينهم هم وذلك من خلال الشيوخ المنتَخبون من بينهم.
لذلك كان لزامًا على إرميا النبي أن يحذّر الشعب قبل وقوع السبي إلى ضرورة التمسك بكلمة الله وهي كفيلة بحفظهم من الانحرافات هناك وتربطهم بالله فتمنحهم التعزية في زمن الغربة، وسراج يضيء لهم ظلام تلك السنين الآتية عليهم هم وأولادهم. انظر (باروخ6:1، 7—10).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
الأصنام:

كانت عبادة الأصنام راسخة في بابل ولها قوانينها ولها مدافعون عنها ولهم بدورهم فلسفتهم، بل ولها من يكرز بها أيضًا، ومن بين المخاطر التي يتعرض لها الغرباء هناك هو ما يبدو لتلك الأوثان من مصداقية وذلك بسبب الاحتفالات الصاخبة الكثيرة التي تقام لها، وكذلك كثرة الذبائح والهدايا والأموال التي توهب لها، ليس من عامة الناس فحسب بل ومن الملوك والأمراء أنفسهم، إضافة إلى التماثيل البديعة لتلك الآلهة والأحجار الكريمة المرصعة بها، ليس كل ذلك فحسب، بل وتعرّض الغرباء هناك إلى الضغط والاضطهاد للاشتراك في العبادة، وإلاّ ُاعتبروا مناهضين للدولة ولحكامها، ليس بسبب صعوبة الفصل بين الدين والدولة في ذلك الوقت، بل وكثيراً ما كانت هناك أشكال من عبادة الملك ذاته.!! وبالتالي فمن يرفض الاشتراك فهو مناهض للملك شخصيًا كما كان يحدث مع المسيحيين.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
إخفاء الأدوات


4 وجاء في هذه الكتابة أن النبيّ، بمقتضى وحى صار إليه، أمر أن يُذهَب معه بالخيمة والتابوت، عندما خرج إلى الجبل الذي صعد إليه موسى ورأى ميراث الله. 5 ولما وصل إرميا، وجد مسكنًا بشكل مغارة، فأدخل إليه الخيمة والتابوت ومذبح البخور، ثم سَدّ الباب. 6فأقبل في وقت لاحق بعض من كانوا معه ليضعوا علامة في الطريق، فلم يستطيعوا أن يجدوه. 7 فلما علم بذلك إرميا، لامهم وقال: "إن هذا المكان سيبقى مجهولًا، إلى أن يجمع الله شمل شعبه ويرحمهم.

شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
بمقتضى وحى صار إليه: جاءت في اليونانية: (crhmatismou genh qentoV autw =كان الكلام من السماء).
أفادت بعض الأسفار والسجلات ما يفيد اخفاء أدوات الخدمة الهيكيلية قبيل استيلاء البابليين على أورشليم، وقد ورد في كتاب غير قانوني ُيدعى "مراثى إرميا" (1) ما يلى: "حسنًا يا رب نحن نعلم الآن أنك ستسلم المدينة إلى أيدي أعدائها وأنهم سيقودون الشعب إلى بابل، فماذا نفعل بأشيائك المقدسة الخاصة بعبادتك. ماذا تريد أن نفعل بها. فأجاب الرب: "خذها واعهد بها إلى الأرض والمذبح قائلًا: "إسمعى أيتها الأرض صوت الذي خلقك في وفرة المياه والذي ختمك بسبعة أختام في سبعة أوقات، والتي بعد ذلك ستحصلين على حليتك، احفظى أدوات العبادة في حضور المحبوب"... ودخل إرميا وباروخ إلى الهيكل وعهد للأرض بآنية العبادة كما كان الرب قد طلب منهما وسرعان ما ابتلعتها الأرض. عندها جلس الاثنان وبكيا (أصحاح 3: 7-8، 14).
وبعد أن أخذ إرميا مفاتيح الهيكل خرج من المدينة ورماها في وجه الشمس قائلًا "اننى أقول لك أيتها الشمس خذى مفاتيح هيكل الله واحفظيها إلى اليوم الذي يسألك عنها الرب لأننا لم نكن أهلًا للاحتفاظ بها، فقد كنا حراسًا غير مخلصين (أصحاح4: 3، 4).
كما يرد في نبوة باروخ (كتاب باروخ الثاني)(1): "لأنني (الملاك) مرسل لكي أعطى أولًا للأرض أمرًا وأنقل لها ما أمرنى به الرب العلى، ورأيته ينزل في قدس الأقداس ويأخذ منه الوشاح والأفود المقدس ومائدة تابوت العهد والطاولتين وثياب الكهنة المقدسة ومذبح العطور (البخور) والثمانية وأربعين حجرًا ثمينًا التي يرتديها الكاهن وكافة الآنية المقدسة في الخيمة، وصرخ في الأرض بصوت عظيم: "أيتها الأرض. أيتها الأرض. أيتها الأرض: إسمعى كلام الله القدير وتلقى الأشياء التي عهد بها إليك واحفظيها حتى الدهور الأخيرة لتعيديها عندما تتلقين أمرًا بذلك، حتى لا يستولى عليها الغرباء، لأن الوقت الذي ستسلم فيه أورشليم لوقت معين حتى يقال أنها رحمت إلى الأبد. وفتحت الأرض فاها وابتلعتها" (أصحاح 4: 6-10).
ويقصد في الآية الرابعة من سفر المكابيين هنا بالخيمة والتابوت محتوياتهما من الأدوات الموجودة داخل التابوت، والأخرى المستخدمة في الخدمة بالخيمة، وأن الخيمة نفسها قد ألغيت منذ بنى سليمان الهيكل.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
رحله تابوت العهد (1)

كان التابوت والذي صنع من خشب السنط وغُشىّ بالذهب، يحوى لوحيّ الشريعة (خروج 34: 28، 29) ثم قسط المن (خروج 16: 33، 34) ثم عصا هرون (عد 17: 8-10) وغطى التابوت بغطاء ُسمى كرسي الرحمة وهو مصنوع من الذهب ويسمى أيضًا مكان الكفارة، يظلله كاروبيمان، وقد سمى الهيكل كله والخيمة من قبله ب "بيت الغطاء" إذ ينضح عليه الدم للتكفير مرة كل عام. وقد رافق التابوت بنى إسرائيل أثناء ترحالهم في البرية وكان مجد الرب يظهر لهم من بين الكاروبيمان، وهكذا كان التابوت يمثل الحضور الإلهي بحيث كان الوقوف أمامه يمثل الوقوف قدام الله، ولكن عندما اعتبر اليهود أن التابوت يحوى الله داخله أسلم الله التابوت إلى الفلسطينيين، بل كان الرب يتكلم مع موسى من فوق الغطاء (سفر العدد 7: 89) وكان التابوت يوضع في الخيمة التي تأسست في العام التالي للخروج (خروج 20: 20، 21) بينما في الارتحال كان بنو قهات يحملونه من خلال العصى (سفر العدد 4: 15) ورافقهم في انتصاراتهم وعبر به الكهنة أولًا نهر الأردن عند دخول أرض الموعد (يشوع 3: 17) وداروا به فيما بعد حول أسوار أريحا (يشوع 6، 7) ثم استقر التابوت في الجلجال ثم في شيلوه (يشوع 4: 18) حيث استمر في عهد القضاه هناك، وقد أخذ التابوت من بنى إسرائيل ليستقر في أشدود وعقرون سبعة أشهر لدى الفلسطينيين (صموئيل أول 6: 1) وبعد ذلك نقل إلى قرية يعاريم (صموئيل أول 7: 1) وبعد فترة من إهمال شاول للتابوت نقله داود إلى صهيون عاصمة ملكة الجديرة، وبعد موت عزيا بسبب لمسه للتابوت أثناء نقله بقى في بيت عوبيد الحثي ثلاثة أشهر (صموئيل ثان 6: 11) ثم جاء به داود إلى داخل خيمة نصبها له على جبل صهيون حيث أنشد مزامير خاصة بذلك مثل (24، 47، 122).
ثم في مرحلة تالية وهامة بنى سليمان الهيكل على جبل الموريا ونقل التابوت إلى قدس الأقداس (1مل 6: 19) ثم صنع له كاروبيمان من الخشب المصفح بالذهب، ثم نقل مؤقتًا في عهد منسى الملك الشرير (2 أخ 35: 3، 33:7) حتى جاء نبوخذ نصر وأحرق الهيكل.
ورغم التقليد اليهودي القائل بوجود تابوتين للعهد، الأول به لوحيّ الشريعة اللذين كسرا والآخر يحوى الاثنين اللذين جاءا بدلًا منهما، إلا أن الحقيقة الكتابية تقضى بوجود تابوت واحد فقط، هذا وتحوي المجامع اليهودية اليوم ما يشبه تابوت العهد، وهو عبارة عن صندوق خشبى ُيوضع داخله نسخة من التوراه فقط حيث توضع التوابيت تجاه أورشليم. وبعد السبي كان اجتماع اليهود الحقيقي حول كلمة الله، وفي النهاية يجد القديس يوحنا اللاهوتي في رؤياه تابوت عهد الرب في هيكله (رؤيا 11: 18، 19) رمزًا لتمام عهد الله بالخلاص والحضور الإلهي.
وتفيد بعض التقاليد أن إرميا سبى إلى بابل بصحبة باروخ، وتفيد تقاليد أخرى أن إرميا عندما أخذ عنوة إلى مصر عند السبى، مرَ في طريقه على جبل سيناء في الموضع من على جبل نبو الذي صعد عليه موسى ليرى الموضع من بعيد حيث سيرث بنى إسرائيل أرض الموعد (تث 34: 1).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
متى يظهر مجد الرب من جديد؟

8 وحينئذ يُظهر الرب هذه الأشياء، ويَظهر مجد الرب والغمام، كما ظهر في أيام موسى وحين سأل أن يُقدس المكان تقديسًا بهيًا. 9 وكانوا يُخبرون أيضًا كيف أنه قدم، بفضل حكمته، ذبيحة تدشين الهيكل وإنجازه. 10وكما أن موسى دعا الرب فنزلت النار من السماء وأكلت مواد الذبيحة، كذلك دعا سليمان فنزلت النار من السماء وأفنت المحرقات. 11 وكان موسى قد قال: "إنما أفنيت ذبيحة الخطيئة لأنها لم تُؤكَل". 12 وكذلك عيد سليمان عيد التدشين ثمانية أيام.


هنا يشرح إرميا النبي كيف يحلَ مجد الرب فيرضى عن شعبه ويقبل منهم الذبيحة، وعندما أراد البعض وضع علامة على الكهف الذي اختفت فيه عناصر الهيكل لم يجدوا الموضع، فقد اختفى بفعل إلهي وسيظهر بفعل إلهي أيضًا، عندما يعود الرب ليظهر رضاه عن الأمه ويعيد إليها مجدها الحقيقي من خلال استئناف الليتورجية، (1) حيث يظهر مجد الرب في الغمام وهو علامة الحضور الإلهي كما حدث في جبل سيناء(خروج 24: 16 و 40: 34 و لاويين 9: 23) عندما حلّ الله على الجبل وسط انبهار الشعب، كما حدث أيضًا الشئ ذاته عند تدشين الهيكل في أيام سليمان (ملوك أول 8: 10، 11) حين تمنّى سليمان أن يتقدس المكان، فقدّم الذبيحة (1مل 8: 11، 62، 63 و9: 3) و 2 أخ 5: 14 و 7: 2، 12، 16 و إشعياء 40: 5).
على أنه يجب ألاّ ُيفهم ذلك على أن الله سُيظهر تلك الأدوات في نهاية الأيام، ويجمع شتات اليهود ومن ثمّ ُتستئنف الذبيحة، إذ أنه بمجيء المسيح يسوع "الذبيحة الحقيقية" بطلت الذبائح اليهودية وانتهى دور الهيكل اليهودي(1). فإن المقصود هنا هو زمن ما بعد السبي وحتّى مجيء السيد المسيح. "هذا الذي أصعد ذاته ذبيحة مقبولة على الصليب عن خلاص جنسنا" (ثيئوتوكية الأحد).
وفي إطار حضور الله وقبوله الذبيحة كعلامة رضى، يشير الكاتب إلى دعوة موسى إلى الله لكي تنزل نارًا من السماء لأكل الذبيحة (لاويين 9: 24) وهو الأمر ذاته الذي تكرر أيام سليمان (2 أخ 1:7) وقد نزلت النار وأكلت ذبيحة الخطية لأنها لم تُؤكل " وأماّ تيس الخطية فإن موسى طلبه فإذا هو قد احترق، فسخط على ألعازار وإيثامار ابنى هرون الباقيين وقال مالكما لم تأكلا ذبيحة الخطية في المكان المقدس لأنها قدس أقداس وقد أعطاكما إياها لتحملا اثم الجماعة تكفيرًا عنهم أمام الرب (لاويين 10: 16، 17).
وفي سفر اللاويين (10: 16-20) أمر هرون بحرق لحم جدى ذبيحة الخطية، وبالرجوع إلى خروج (29: 33-37) وبالمقارنة مع لاويين (8: 31-35) نجد أنه في غضون تواصل مراسم تقديس الكهنة والمذبح ينبغي أن يأكل الكهنة جزءًا من كل من تلك الأشياء التي تمت بها الكفارة أى من كل ذبائح الخطية، وأن ما يبقى من كل من ذبائح الخطية دون أن يؤكل حتى فجر اليوم التالي ينبغي أن يُحرق، وعلى ضوء هذا التفسير يجعل سفر الخروج (29: 33) ذبيحة الخطية الخاصة بمراسم التقديس فريدة بين ذبائح الخطية الأخرى التي ذكرت في التوراة، حيث أن خروج (29: 33) هو النص الوحيد في الشريعة الذي يحتم بوضوح على الكاهن أن يأكل لحم ذبيحة الخطية، وفي النصوص الربّانية (تقليد الحاخامات) يرد أنه لا ذبيحة إثم تمنح كفارة ما لم يأكل الكاهن منها.
ثم يشير السفر إلى أوجه التشابه ما بين احتفالات التدشين وتقديس الرب وحضوره، سواء من خلال النار المقدسة أو الضباب (مجد الرب) وتدشين الهيكل هنا في عهد المكابيين والذين يرون أنه حدثٌ لا يقل عن ذاك الذي حدث في عهد كل من موسى وسليمان، فقد عيّد سليمان عيد التدشين في ثمانية أيام إذ تصادف مجئ التدشين في مناسبة عيد المظال (1مل 8: 65، 66) والذي يعيد فيه ثمانية أيام (لاويين 23: 36، 39).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
ثمانية أيام الاحتفال:

اُعتبرت أيام التكريس التي قام بها موسى ثمانية، وذلك بإضافة اليوم الثامن مع السبعة كيوم ينطبق فيه الحكم الخاص على ذبيحة الخطية، وكما دامت مراسم تكريس موسى ثمانية أيام هكذا حدث في أيام سليمان، والتي من المفترض أن أيام التكريس قد اشتملت على يوم الاعتكاف الثامن (2اخ 7: 9) وفي سفر اللاويين نقرأ الآتي: " وَمِنْ لَدُنْ بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ لاَ تَخْرُجُونَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ إِلَى يَوْمِ كَمَالِ أَيَّامِ مَلْئِكُمْ لأَنَّهُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ يَمْلأ أَيْدِيَكُمْ" (لاويين 8: 33) وفي اليوم الثامن بدأ هارون في الخدمة (لاويين 1:9) وعن سليمان قيل: " وَعَيَّدَ سُلَيْمَانُ الْعِيدَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَجَمِيعُ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ، جُمْهُورٌ كَبِيرٌ مِنْ مَدْخَلِ حَمَاةَ إِلَى وَادِي مِصْرَ أَمَامَ الرَّبِّ إِلَهِنَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَسَبْعَةَ أَيَّامٍ، أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا. 66وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ صَرَفَ الشَّعْبَ" (ملوك أول 8: 65-66). راجع أيضًا أيام التطهير الثمانية التي ل حزقيا (2اخ 28: 22 - 30:37). والكاتب هنا في سفر المكابيين الثاني اقتبس ما قيل في (2 أخ 7:8-9) " وَعَيَّدَ سُلَيْمَانُ الْعِيدَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ وَجُمْهُورٌ عَظِيمٌ جِدًّا مِنْ مَدْخَلِ حَمَاةَ إِلَى وَادِي مِصْرَ. وَعَمِلُوا فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ اعْتِكَافًا لأَنَّهُمْ عَمِلُوا تَدْشِينَ الْمَذْبَحِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَالْعِيدَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ".
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
مكتبه نحميا

13 في هذه المؤلفات وفي ذكريات نحميا، كانوا يخبرون بأن نحميا أنشأ مكتبة جَمَعَ فيها الأسفار المختصة بالملوك والأنبياء وداود، ورسائل الملوك في التقادم. 14 وكذلك جمع يهوذا كل ما بُعثر من الأسفار في الحرب التي حدثت لنا، وهو عندنا. 15 فإن كنتم في حاجة إلى ذلك، فأرسلوا من يأخذه إليكم.


هنا يسجّل السفر إشارة هامة خاصة بالأسفار، فقد ُجمعت أكثر الأسفار في عهد عزرا الكاتب، وبالتالي فمن المنطقي أن تكون قد تكوّنت مكتبة ضخمة للأسفار والكتب الأخرى، حيث ضمّ عزرا من تلك الأسفار كل ما هو قانوني - وموحى به ومستوفى كافة الشروط القانونية للأسفار المقدسة - إلى قائمة أسفار العهد القديم، بينما ترك الآخر ليعمل ككتب مساعدة سواء في التاريخ أو الأدب الروحي والرؤيوى أو الحروب، كما سبق الإشارة، مثل حروب داود وأخبار وسليمان ومن قَبلهم من القضاة ومن بعدهم بعد انقسام المملكة، مع الوضع في الاعتبار أن بعض أسفار العهد القديم ظهرت بعد عهد عزرا مثل يشوع بن سيراخ والمكابيين.
ومن الملفت للنظر تلك الرسائل الخاصة بالتقادم (التقدمات / آية 13) ولعلها تحوى الذكريات والظروف الخاصة ببعض التقدمات والذبائح التي قدمت مرتبطة ببعض الأحداث مثل الانتصارات والنجاة من الكوارث وغيرها(1).
وُتلقى هذه الفقرة من السفر الضوء على كيفية العثور على الأسفار الأبوكريفية غير المعترف بها من كافة الكنائس ككتب قانونية، ولكننا بدأنا في الاطلاع عليها الآن بفضل بعض المهتّمين بهذا التراث الهام(2).
كانت مثل تلك السجلات ُتحفظ بمعرفة الكهنة في أماكن حفظ أرشيفات، أو في الخزانة مع كنوز الهيكل، مثلما حفظ الكهنة الفراعنة قوائم التسلسل التاريخي للملوك المصريين في معابدهم.
أما نحميا فمن الممكن أن يكون قد جمع مكتبة، احتوت على كتب (أسفار) الملوك وكتب الأنبياء وبعض المزامير، وبعض رسائل الملوك الوثنيين الذين أرسلوها مع هداياهم الثمينة للهيكل، ويبدو لنا هنا أيضًا أنها اشتملت على أسفار أخبار الأيام وعزرا ونحميا بالشكل الذي لدينا.
أما سبب ذكر ذلك في السفر، فهو وجود شبه بين عمل نحميا هذا، وعمل يهوذا المكابى هنا، والذي اضطلع بتكوين مكتبة للأسفار والوثائق ومختلف الكتب، لاسيما تلك السجلات المتعلقة بكفاح المكابيين وأعمالهم، وهي المكتبة التي اطلع عليها بلا شك كاتب سفر المكابيين الأول جنبًا إلى جنب مع سجلات الهيكل التي تحوى المكاتبات الرسمية ين رئيس الكهنة والقادة الأجانب، كما استفاد بهذه المكتبة أيضًا ياسون القيرينى صاحب مصدر سفر المكابيين الثاني، وأخيرًا الكاتب الذي لخّص عن ياسون. كل ذلك على الرغم من قيام السلطات السلوقية بإتلاف العديد من الأسفار والسجلات إبان فترة الاضطهاد الرئيسية (من سنة 176 حتى سنة 164 ق.م.) راجع (1مكا 1: 56، 57).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
الدعوة إلى الأحتفال بعيد التدشين

16 ولما كنا مزمعين أن نُعَيد عيد التطهير، فقد كتبنا إليكم. وإنكم تُحسنون عملًا، إذا عيدتم هذه الأيام. 17 والله الذي خلص كل شعبه ورد إليه كله الميراث والملك والكهنوت والتقديس، 18كما وَعَدَ في الشريعة، نرجو منه أن يرحمنا قريبًا ويجمعنا مما تحت السماء إلى المكان المقدس، فإنه قد أنقذنا من شرور جسيمة وطهر المكان المقدس.



بموجب الانتصارات التي حققها اليهود على يد يهوذا المكابي، استعادت الآن مكانتها بعد أن كانت قد فقدت أهم ما تملك وتفخر به مثل الميراث (1)، والملك، والكهنوت.. حتى وأن كان كل ذلك قد تم جزئيًا إلا أنه كان البداية لاستقلال كامل بل وأكثر، وذلك بالتدريج على يد يهوذا ثم يوناثان ثم سمعان ثم يوحنا هركانوس والذي اتسعت مملكة البهود في أيامه جدًا... انظر (زكريا 8: 7، 12) وقارن مع (اشعياء 49: 7، 8).
أراد يهود أورشليم أن يقولوا لاخوتهم في مصر: حتى وإن كنا مشتتين ولم يسمح الله لنا بعد بلمْ شملنا، فلنعيّد معًا بروح واحدة في توقيت واحد، فإن هيكل أورشليم هو مركز العالم ونقطة تلاقى الله مع شعبه، وهو رمز اليهودية ومكان حضور الله، ويقول الربيين اليهود "إن كان العالم يمثل جسد الإنسان فإن أورشليم تمثل العين بينما يمثل الهيكل حدقة العين" وكل هيكل آخر في أي بقعة من العالم لا يعد شيئًا بجوار هيكل أورشليم كما لا يعترف به اليهود (مثل هيكل مصر اليهودي). أما المجامع فهي شيء مختلف إذ أنها مراكز للتعليم والتسبيح وليس لتقديم الذبائح.
هذه هي الفكرة التي دفعت يهود أورشليم إلى مراسلة إخوتهم في مصر للاشتراك معهم في الاحتفالات ومقاسمتهم فرحتهما. أمّا الميراث الذي ردّه الله إلى اليهود فهو أورشليم والتي صارت حرة مقدسة، وقد رأوا أن ذلك تحقق بانسحاب ليسياس من اليهودية ونهاية الاضطهاد، كما أقر بذلك الملوك السلوقيون في رسائلهم إلى القادة اليهود، ولا سيّما رسالة ديمتريوس الثاني (1مكا 13: 36 42) وقد كمُل هذا الميراث بتطهير القلعة السلوقية في أورشليم والتي كانت تمثل الوجود الوثني في المدينة (1مكا 13: 51، 52) وأماَ المُلك الذي نالوه، فهو عودة القيادة للمكابيين، وإن كان أول ملك فعلى للحشمونيين هو يوحنا هركانوس بن سمعان المكابى آخر الأخوة المكابيين الخمسة، أما الكهنوت الذي استردوه فقد جاء بعد انصراف الكهنة لسنوات عن خدمتهم وممارساتهم الطقسية وانشغالهم بأمور أخرى، نظراً لتوقف العبادة في الهيكل، فقد عادوا للانتظام في وظائفهم، واستئناف الخدمة في الهيكل وأماَ التقديس ويقصد به الهيكل "القدس" بتجديده وتطهيره وتقديم الذبائح من جديد واستئناف الخدمة والتقدمات ومباشرة الاحتفال بالأعياد.
وفي النهاية يرجو الكاتب أن يجمع الله شمل الجميع ليحتفلوا معًا (خروج 19: 5، 6 ؛ تثنية 30: 3-5). وإلى هنا ينتهي نص الرسائل المرسلة إلى اليهود والتي تحمل الدعوة للاحتفال.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني

شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
الكاتب يشرح دوره

19 إن أخبار يهوذا المكابى وإخوته، وتطهير المقدس العظيم، وتدشين المذبح، 20 والحروب التي وقعت بينه وبين أنطيوخس إبيفانيوس وإبنه أوباطور، 21والآيات التي ظهرت من السماء لصالح البُسلاء الذين حاربوا عن دين اليهود، حتى إنهم مع قلتهم نهبوا البلاد بجُملتها وطردوا جماهير الأعاجم، 22 واستردوا المقدس الذي اشتهر ذكره في المسكونة بأسرها، وحرروا المدينة، وأحيوا الشرائع التي كادت تُلغى، لأن الرب وفقهم بكل رفقهِ.


هنا يبدأ الكاتب شرح قصة صراع المكابيين من أجل الحق والوصية، وهو العرض الذي استخلصه بدوره عن مؤلفات ياسون القيرينى والذي هو أيضًا موضوع الرسائل السابقة، والتي عملت كمدخل هام للسفر، ومثل هذه الإعلانات التي كان يستهل بها قدامى الكتاب والمؤرخين، كانت تعمل كمدخل مشوق للكتاب أو الرسالة وكمختصر لها، وقد قرأ (المُلخِّص) نص ياسون القيريني وأعاد صياغته دون المساس به، وذلك من خلال جهد كبير، الهدف منه امتاع القارئ والوقوف به على قصة ذلك التاريخ الرائع دون إسهاب ممل.
وهذه الآيات في هذه الفقرة من الأصحاح هي عنوان لما هو آت في (3: 14 و 5: 2 و10: 29 و 11: 8) وكيف أعان الله المكابيين في حروبهم مع أنطيوخس أبيفانيوس (1مكا 1: 10) ومن بعده ابنه أنطيوخس أوباطور (2 مكا 10:10).
ويلاحظ في الآية (20) أنه لم يذكر سلوقس الرابع، ربما لأن مهمة هليودوروس رئيس وزرائه (ص 3) لم تكن حربية وإن كانت سيئة، كما لم يذكر أن ديمتريوس الأول رغم أن قائده نيكانور خاض معاركًا عدة مع اليهود (14: 16، 17، 29 - 46 و 15: 1-30) بل أن يوم نكانور صار عيدًا هامًا ربما لأن ديمتريوس عاد فهادنهم وعرض عليهم عروضًا سخية، لقد ركّز السفر على انطيخوس وابنه أوباطور لأهميتهما كقضيبي غضب الله الذين بتجاوزاتهما وبسقوطهما جلبا عهد المعجزات العظيم الجديد. أنظر (دانيال 7: 11) فعندما حاصر أنطيوخس الخامس وليسياس الهيكل، رأى الأتقياء اليهود الحادثة على أنها تواصل للمتاعب التي وضعها دانيال في (11: 33 - 36) وقد اعتبر ديمتريوس شخصًا غير مضطهد، إذ ساند ألكيمس بطريق الخطأ (14: 11-13، 27) ولكنه لم يسئ إلى الديانة اليهودية، فلولا خطايا ألكيمس لكان رئيس كهنة شرعي (14: 3) وهكذا كان خطأ ديمتريوس أقل بشاعة منه فبتحريض من ألكيمس مارس ديمتريوس ضغطًا على نكانور قائده، ولكن الأخير هو الذي جدّف على الهيكل من تلقاء نفسه وليس بإيعاز من ديمتريوس.
وقد أيّد الله جهادهم برؤى سمائية لتشجيعهم، أما المقصود ب "نهبوا البلاد" فهو الاستيلاء عليها (آية 21) رغم قلة عددهم مقابل القوات المعادية، وربما كان المقصود هو نهب ممتلكات اليهود الأشرار (الهيلينين) وُحماتهم الوثنيين، وبالجملة فقد أعانهم الله وترفّق بهم حتى استعادوا الهيكل وانتصروا للشريعة والتي كانت قد ُاهملت (2مكا 6: 6-11).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
الأعاجم (آية21):

جاءت في اليونانية (to Barbara plhqh) وقد استخدم اليونانيين لفظ " أعجمي" للإشارة إلى غير اليونانيين، فالكلمة اليونانية بربري Barbarous تعني: المتحدث بلغة أجنبية. وبالنسبة لليهود كانت الجيوش السلوقية تتحدث بلغة أجنبية، والكلمة تستخدم في السفر أيضًا بمعنى "متوحش" (4: 25 و 5: 22 و 10: 4 و 15: 2) وفي المقابل يستخدم السفر هنا كلمة Ioudaismos أي يهودية في سياق كلمة أعجم، وربما يريد أن يذكر المثقفون اليونايون بصراع هليوس Helleues الوفي ضد الفرس الأعاجم وضد فجور medioum اليونانيين المتعاملين مع الإمبراطورية الفارسية. في هذه الآية أيضًا يرد تعبير: دين اليهود، وهي المرة الأولى الذي يستخدم فيه هذا اللقب، وجاء في اليونانية (IoudaismoV).
ولقد كان هيكل أورشليم في ذلك الوقت بالفعل أغنى وأعظم وأشهر هيكل على وجه الأرض، لدرجة بهرت الإسكندر الأكبر فأهداه عطايا ثمينة. ولذا فقد أصبح مطمعًا للكثير من الحكام، كما بُهر به تيطس الروماني أيما انبهار، وسعى بعد اقتحام أورشليم بكل قوته حتى لا يُدمّر، ولكن الجنود والذين كان قد نفذ صبرهم بسبب عناد اليهود ومقاومتهم، أحالوه إلى رماد.
هنا يؤكد السفر على أهمية هيكل أورشليم وتفوقه على هيكل السامرة (انظر 6: 2) وهيكل الأونيين (نسل أونيا) في لينتوبوليس بمصر والمعابد الأخرى للمنشقين(1).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
الحاجه إلى تلخيص كتب ياسون

23 تلك الأمور التي عرضها ياسون القيرينى في خمسة كتب سنُحاول اختصارها في مُجلد واحد. 24 ولما رأينا كثرة الأرقام والصعوبة التي تعترض من أراد الخوض في أخبار التاريخ لغزارة المواد، 25 كان من همنا أن نوفر المتعة للمطالع والسهولة للحفاظ والفائدة للجميع. 26 فلم يكن يكلفنا هذا التلخيص أمرًا سهلًا، بل تم بالعرق والسهر، 27 كما أن الذي يُعِد مأدبة ويبتغى منفعة الناس لا يكون الأمر عليه سهلًا. غير أننا لمنفعة الكثيرين سنتحمل هذا العمل الشاق عن طيبة نفس، 28 تاركين التدقيق في تفاصيل كل من الأحداث لأهل التاريخ، وملتزمين التقيد بقواعد التلخيص. 29 فإنه كما ينبغي لمن يُهندس بيتًا جديدًا أن يهتم بمُجمل البناء، ولمن يقوم بتزيينه برسوم مدهونة أن يدقق النظر في ما يناسب قواعد التزيين، فهكذا يكون أمرنا على ما أرى. 30 فإن تقصى الأمور والإحاطة بالمسائل والبحث عن جزء فجزء من شأن مصنف التاريخ. 31 وأما الملخِّص فمرخص له أن يسوق الحديث بإيجاز، مع إهمال استنفاد الموضوع.

شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
ياسون القيرينى (القيرواني)

جاءت صفة القيرواني باليونانية (tou kurhnaiou)، وهي مدينة في شمال أفريقيا كان يهود كثيرين يسكنونها(1). أمّا ياسون فهو يهودى سكندرى من شتات القيروان، وضع كتبه الخمسة في زمن قريب من الأحداث، أي بعد سنة 160 ق.م. بقليل، وهو مطَلع بشكل جيد على الأحوال في أورشليم والدوائر الحكومية للسلوقيين وموظفيها وألقابهم، وإلى جانب كونه يهوديًا راسخ الإيمان فهو أيضًا ذو ثقافة يونانية كبيرة، ومن علامات تقواه تسجيله للصلوات التي ُرفعت قبل البدء في المعارك وبعدها.
أما الملخِّص نفسه فقد كان عمله مضنيًا، إذ لم يكن مناليسير وضع الكتب الخمسة في كتاب واحد، تسهل مطالعته والاستمتاع به، معفيًا القارئ من التفاصيل الرقمية ودقائق الأحداث، مركزًا على جهاد المكابيين ودورهم الروحي والليتورجى والقومى في التاريخ اليهودي خلال فترة ما بين العهدين.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
كثرة الأرقام:

ترد في بعض الترجمات "بحر من الكلمات" وفي أخرى "كم متدفق من الأعداد" كان العدد وحدة تتألف من حوالي 16 مقطعا من الكتابة، وهو المعيار القياسى للطول في الكتب اليونانية التي كتبت على هيئة نُظم (أبيات شعر) طولها حوالي 16 مقطع، وكان أقدمها قصائد هوميروس(1).
وهكذا جاء السفر ُممتعًا للقاريء العادي كعمل كتابي أدبي حتى لغير المؤمنين، ومادة سهلة غير مركبة لمن يودّ الاحتفاظ بمحتوياته في ذاكرته، وفي كلتا الحالتين وبالنسبة للنوعين فهو عمل مفيد مع كافة مستويات المطالعين للسفر. هذا وقد كلفه ذلك جهدًا كبيرًا إذ قد يكون التأليف من جديد أسهل في بعض الأحيان من إعادة الصياغة والتشكيل(2)، لا سيّما وأن أمام الملخص عدة اعتبارات كل منها أهم من الأخرى مثل الحفاظ على خط الوحي طوال السفر، ثم الاهتمام بإيراد جميع الأحداث الهامة في مساحة محسوبة، وهو الأمر الذي يحتاج إلى عدة محاولات على مدار فترة زمنية كبيرة، ذلك بالطبع دون المساس بالوحى وإنما الصياغة فقط، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الكتاب المقدس كلمة الله، تظهر في ثلاث أشكال أو تحتوى على ثلاثة مستويات:
*اللوغوس:وهو الكلمات التي تعبر عن الله نفسه وحضوره مثل "أنا هو" (إيجو إيمي)
*الريما: وهي كلمة الله إلى البشر: مثل هكذا قال الرب: افعل.. اذهب.. لا تخف.. أنا معك...
*أحداث: مثل أن يورد الوحي أحداثًا بعينها جرت، ومنها أحداث قتل أو سرقة أو خطايا، وهو لا يوافق عليها بالطبع وإنما يؤكد فقط على أنها حدثت بالفعل.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
لقد التزم الملخِّص جيدًا بقواعد التلخيص (آية 28) بحيث لا يكون هناك عيبًا (من جهة التقصير المخلّ أو التطويل المملّ) وذلك عن طيب خاطر مبتغيًا منفعة الأكثرين وتاركًا التفاصيل التاريخية للمتخصّصين لكي يطّلعوا على المصادر التاريخية وهي كثيرة في ذلك الوقت. وكما أن التلخيص له قواعده، فإن التصرّف له قواعده أيضًا، ويورد الكاتب هنا عدة أمثلة ليدللّ بها على فكرة مشروعه:
وفى الآية 29: يقصد الكاتب أنه قام بمجمل البيت أي المضمون، وجاءت الكلمة في اليونانية (kataBolh = وضع الأساس)بينما ترك التفاصيل للمهندس المعمارى، الذي يهتم بتفاصيل الألوان وتناسقها وتركيب الألوان والديكورات والزخارف وغيرها، جاءت عبارة التزيين في اليونانية: (egkainein = وضع النقش)، وجاءت في العبرية بنفس المعنى. لقد كان عمل ياسون القيرينى وهو الكاتب الأصلي، مثل البنّاء الذي ينجز عمله في (أبعاد ثلاثة) أما المختصِر فهو مثل مسئول الطلاء الذي يتعامل مع (بعدين فقط)(1) ويشبّه المؤرخ اليوناني تيمايوس Timaeus التاريخ ب "ذلك الفن ثلاثي الأبعاد" بينما الخطيب: " ثنائى الأبعاد" وهكذا تُترك تفاصيل الأحداث والتواريخ والقصص الجانبية للمؤرخين في حين مسموح للملخص بالالتزام بصلب الموضوع.
وفي النهايةيختتم الكاتب ديباجة المقدمة بضرورة الإسراع في مباشرة السفر، إذ أنه من غير المفيد الإسهاب في المقدمة مما قد يؤثر على الموضوع ذاته.

(1) Jonathan Goldsten II Macc /P.182

(1) في بعض الترجمات اللاتينية ُيذكر اسم إرميا بأكثر وضوح هكذا (Invemtur autem in descriptionibus iussit Jeremiate prophetae quod...) وجاءت في النسخ الآرامية هكذا: (مشتكَح دين بِختافاه دِه إرميا نافيا دِه فقد).

(2) الجنيزا هي المكان الذي كانت ُتدفن فيه الأسفار التي أصابها تلف، إذ لم يكن من الممكن اعدامها.

(1) مخطوطات البحر الميت، التوراه / ُكتب ما بين العهدين. الجزء الثالث.ص 606، 706 - تحقيق جان ريو، اصدار دار الطليعة الجديدة.

(1) كتاب غير قانوني: المرجع السابق ص 383.

(1) حدث مثل ذلك عندما اختفت مغارة كل من القديس ابانفر السائح والقديس مرقس الترمقى، وذلك عقب نياحتهم، فلم يجدها الاباء.

(1) يقول جماعة الأخوة: أنه بعد اختطاف الكنيسة إلى السماء سينتهي تدبير عصر النعمة وسيرجع الله يعامل شعبه الأرضي القديم بموجب شرائعه من خلال الهيكل مرة أخرى والذبيحة.... وهي نفس الدعاية الصهيونية التي يروجها الأخوة في مطبوعاتهم. إذ يرون أن المقصود بشجرة التين التي قال عنها المسيح (متى رأيتم شجرة التين أخرجت أوراقها تعلمون أن الصيف قريب) هو إسرائيل وإخراج الأوراق هو ظهورها كأمة في أرضها.

(1) ورسائل الملوك في التقادم: جاءت في اليونانية (peri (anaqematwn.  جمع نحميا رسائل ملوك الفرس الخاصة بهيكل أورشليم (عزرا 7: 11- 26).

(2) هذه الأسفار مثل آدم وحواء، الآباء الاثنى عشر، رؤيا أخنوخ، باروخ، مراثى إرميا، الحروب، وغيرها كثير جدًا، حيث عثر على أكثرها في مغارات قمران بجوار البحر الميت.

(1) أو الأرض المسلوبة (إشعياء 49: 8 و ارميا 3:19 و 12: 15) قارن مع (زكريا 8:12 و مراثي 5: 2 و 1مكا 15: 33، 34).

(1) لا شك أنه كانت هناك هياكلا رائعة مثل أبوللو وأرطاميس، وفي مصر هيكل حورس. ولكنه بالإضافة لجمال هيكل أورشليم إلا أن شهرته التي طبقت الآفاق ترجع لاختلافه عن بقية المعابد الأخرى إذ لا تماثيل فيه ويقبل اليهود بإستماتة الموت عنه الأمر الذي جعل الكثيرين يفكرون ما عسى هذا

(1) أنظر: (تاريخ اليهود في القيروان لفريدمان (k.Friedman, Le foati per la storia degli ebrei L. Cirenaica nell

(1) Jonathan A. Goldsten, II Macc. في التعليق على هذه الفقرة من الأصحاح

(2) يقول كاليماخوس Callimachus الشاعر السكندرى الذي عاش في القرن الثالث ق.م. في قصيدته المختتمة بفكرة بارعة رقم 29 إن مهمة الاختصار تتطلب سهر الليالي (المرجع السابق).


(1) يقصد في الآية 29 ب الرسوم المدهونة رسوم بألوان شمعية مثبتة بالحرارة، وهو أسلوب يوناني للطلاء يستخدم فيه الشمع الملون الساخن انظر: Jonathan A. Goldsten, II Macc
  رد مع اقتباس
قديم 01 - 04 - 2014, 02:29 PM   رقم المشاركة : ( 4 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,577

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني

المكابيين الثاني 3 - تفسير سفر المكابيين الثاني
لأن الذي يسكن السماء هو يسهر على هذا المكان

مع أن هليودورس وزير الملك سلوقس الرابع كان مكلفًا بشكل رسمي بنقل كنوز الهيكل إلى خزينة المملكة، إلاّ أن الله دافع عن الهيكل وعاقب هليودورس على نحو غير مسبوق، مما حدا به إلى تقديم ذبيحة سلامة لله في الهيكل ذاته، كما راح يشهد لإله السماء أمام الكل. وهي قصة ممتعة غنية بالصور المتعددة للتقوى والتوبة، وإن كان أجمل ما فيها هو أن الدموع والانسحاق يستدران عطف الله وحنوّه.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
حالة من الأستقرار


1 حين كانت المدينة المقدسة عامرة آمنة، والشرائع محفوظة غاية الحفظ، لما كان عليه أونيا عظيم الكهنة من الورع والبُغض للشر، 2 كان الملوك أنفسهم يعظمون المكان المقدس ويكرمون الهيكل بأفخر العطايا، 3 حتى إن سلوقس، ملك آسية، كان يؤدى من دخله الخاص جميع النفقات المختصة بخدمة الذبائح.
يعود بنا السفر هنا إلى ما قبل عصر أنطيوخس أبيفانيوس (وهو الشخصية الوثنية المحورية في كلا السفرين) في تلك المرحلة السابقة عليه كانت اليهودية تنعم بالحرية النسبية، وذلك نظرًا لرغبة كل من السلوقيين والبطالمة في استمالة اليهود إلى جانبهم، وهكذا فإن السلوقيين والذين آلت إليهم اليهودية على يد أنطيوخس الكبير سنة 200 ق.م. أظهروا تعاطفًا مع اليهود مانحين إياهم مزيدًا من الحريات.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني

شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
سلوقس فيلوباتير الرابع (187-175 ق.م.):

<SPAN lang=ar-sa>
هو الابن الأكبر لأنطيوخس الثالث الكبير، وشقيق أنطيوخس الرابع أبيفانيوس والذي خلفه على العرش، وأبو ديمتريوس الأول (1مكا 7: 2 و2 مكا 14: 1) وفي بداية حكمه شرع بطليموس أبيفانيوس المصري في محاربته، ولكنه قُتل بالسم على أيدي رجاله.
ويدعى سلوقس (في الآية 3) هنا: ملك آسية، وهو اللقب الذي أحبّ الملوك السلوقيين دومًا خلعه على أنفسهم، ذلك على الرغم من كثرة هزائمهم، والتي لم تترك لهم المساحة التي يطلق عليها آسيا كلها. هذا وقد حاول كل من أنطيوخس الكبير وسلوقس ابنه هذا، التصالح مع الحزب اليهودي المؤيّد للبطالمة، وهو الحزب الذي كان يرأسه أسرة أونيا رئيس الكهنة والذي يسمىّ اصطلاحًا "بيت أونيا" أو "أسرة أونيا" في حين كان الحزب المنافس له هو حزب طوبيا "بيت طوبيا" والذي يمثل الفكر الهيليني (الحضارة الهيلينية) وهو الحزب الذي سعى رجاله دومًا في شق الطريق إلى السلطة وذلك بكسب ودّ السلطات السلوقية، حتى وان كان في ذلك خيانة للشريعة والتقاليد والقيم اليهودية.
وكان من بين علامات الودّ بين سلوقس واليهود، تقديره لهيكلهم وشعائرهم، فقد كان يتكفّل بنفقات الذبائح والاحتفالات لاسيما في الأعياد الثلاثة الرئيسية، وكان مثل هذا المسلك بلا شك يشعر اليهود بالامتنان، فقد كانت كافة الشعوب وما تزال ُتولي اهتمامًا خاصًا بالجانب الديني، وبالتالي يمكن كسب ودها من خلال ذلك، فالوطن والدين ُيعدان من أقدس ما يخصّ الشعب. وكان أنطيوخس أبيه قد سبقه في هذا المسلك (1مكا 10: 39). إذ أغدق الكثير من الامتيازات على اليهودية وأورشليم إزاء تعاون اليهود معه.
كما قام كل من بطليموس الثاني الملك المصري ومن بعده بطليموس الثالث بتكريم الهيكل من عطاياهم وأموالهم، حيث احتاجت العبادة في الهيكل كميات كبيرة من الحيوانات والحبوب والخمر والزيت والبخور، وهي باهظة التكلفة لولا كرم أولئك الملوك.
ومن جهة أخرى كان هؤلاء الملوك يسرون بزيادة شعبيتهم من خلال إظهار كرمهم للمعابد، سواء اليونانية منها أو غير اليونانية، كلّما سمحت مواردهم بذلك، وأما سلوقس الرابع فربما يكون قد واصل ممارسات ملوك إسرائيل ويهوذا في القيام بنفقات الذبائح (حزقيال 45: 17) والملوك الفرس (عزرا 6: 9، 10 و 7: 20-23) أما في أيام نحميا فقد قرّر اليهود أن يتحمّلوا النفقات الخاصة بتقديم الذبائح (نحميا 10: 33-34). ربما بسبب أن الملك قد توقّف عن تمويلها. وتشير بعض النصوص الربانية إلى أن الربيين أصروا على قيام الشعب بتحمل نفقات الذبائح، بينما رأى الصدوقيين أن يتحمل هذه النفقات بعض الأثرياء، ولكن وجهة النظر الفريسية هي التي سادت، وقد أشار يوسيفوس إلى ذلك (1).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني

أونيا: المقصود هناهو أونيا الثالث Onias III ابن سمعان الثاني وحفيد أونيا الثاني (وليس ابنه) كان رئيسًا للكهنة في عهد سلوقس الرابع المذكور هنا، وهو ينتمي إلى ذرية صادوق (2صم 8: 17 و 1أخ 5: 27) بل يرجع أصل هذه العائلة إلى أيام يشوع نفسه (نحميا 12: 10) وقد امتدحه يشوع بن سيراخ في سفره (50: 1) كما أثنى عليه السفر هنا كثيرًا (4: 5-6 و 15: 12) ومن الصفات التي تُنسب إليه: الرجل الصالح / المحب لأمته / المحب للفضيلة / عديم الغش / الساعى في خير أمته، وسوف تكتسب هذه الصفات بعدًا هامًا ومعنىً جليلا، إذا ما ُقورن أونيا ب
  رد مع اقتباس
قديم 01 - 04 - 2014, 02:35 PM   رقم المشاركة : ( 5 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,577

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني

المكابيين الثاني 4 - تفسير سفر المكابيين الثاني
محاولة أغرقه اليهود



جاء أنطيوخس أبيفانيوس إلى الحكم ليجد أن شقاقًا قد حدث للتوّ في اليهودية بين اليهود أنفسهم، وقد استطاع هو استثمار هذا الشقاق في محاولته نشر الثقافة الهيلينية هناك، مستغلًا في ذلك منصب رئيس الكهنة كعامل مؤثر هناك.

شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
سمعان الخائن يواصل مساعيه

1وكان سمعان المذكور، الذي وشى في أمر الأموال والوطن، يفترى الكذب على أونيا كأنه هو هاجم هليودورس وصنع له ذلك الشر. 2 وبلغ من جرائه أنه وصف المحسن إلى المدينة وحامى أهل وطنه والغيور على الشريعة بأنه صاحب دسيسة. 3فاشتدت العداوة حتى إن أحد خواص سمعان قام بأعمال القتل. 4 فلما رأى اونيا ما في تلك المنافسة من الخطر، وأن أبلونيوس بن منستاوس، قائد بقاع سورية وفنيقية، كان يزيد سمان خبثًا، 5 قصد الملك، لا متهمًا أهل وطنه، بل ابتغاء لمصالح الشعب العامة والخاصة، 6 لأنه رأى أنه بغير تدخل الملك لا يمكن أن تكون الأحوال في سلام، ولا أن يُقلع سمعان عن رُعوته.
فشل سمعان في مسعاه الأول لتحويل خزائن الهيكل إلى الملك (3: 4-6) غير أنه لم يخجل أو يكتفي بما تعرضت له البلاد من نتائج وخيمة، كما أنه لم يتّعظ مما حدث ولم يتخشّع قلبه، بل واصل وشاياته في اتجاه آخر، مدعيًا أن أونيا هو الذي دبر حيلة لإيقاع الرعب في هليودورس حتى يثنيه عن تنفيذ خطته. مفتريًا في ذلك على الرجل الذي حمل له اليهود في ذلك الزمان وفيما بعد ذلك أجمل المشاعر والتقدير.

شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
المحسن.. الحامى.. الغيور على الشريعة (آية 2):

في مملكة جيدة التنظيم في العالم الهلليني كان يتم تكريم فاعل الخير (يورجيتيس) والحامى (كيدينوس) بكتابة اسمه على نصب تذكاري عام مصحوبًا بصفتى الثناء المشار إليهما، أما اليهود فقد اعتبروا أن الإنسان لا يستحق الثناء ما لم يُضف إلى اسمه صفة " الحامى الغيور للشريعة" (1مكا 2: 26-27 و 50 و 58) ولكنه وبدلًا من أن يَلقى أونيّا التكريم اللائق به افترى عليه سمعان كمتآمر على مؤسسات المجتمع(1).
ويبدو لنا من (الآيتين 3، 4) أنه قد جرت مشاحنات ما بين أتباع أونيا وأتباع سمعان أدت إلى وقوع صدام ما بين الطرفين سقط فيه قتلى وجرحى. وهنا شعر أونيا بأن هناك خطرًا على الأمة أشد من نهب الهيكل، وذلك من خلالها انقسامها من الداخل، فإن من شأن ذلك الإضرار بها أكثر من جيوش الأعداء. ويبدو أن أبولونيوس بن مسنتاؤس وهو الشخص المذكور في
(3: 5) على أنه ابن ترساوس، كانت له صداقة ومنافع مع سمعان، وأن خطة نهب خزينة الهيكل كانت من تدبيرهما معًا، فلما فشلت لجأ إلى إذكاء الاضطرابات الداخلية في البلاد لعلّهما بذلك يجدان فرصة لتدخل الملك.

شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
أبولونيوس بن مسنتاؤس:

ليس من المؤكد أن أبولونيوس هذا هو نفسه المذكور فى(3: 5) أو المذكور في (5: 24) يذكر بوليبيوس المؤرخ أن أبولونيوس هذا كان محبوبًا في فترة حكم سلوقس، الرابع وكان له ثلاثة أبناء هم: " أبولونيوس ومليجروس ومنستيوس] وكان اليونانيين غالبًا ما يسمون الإنسان باسم جده، فمن الممكن أن يكون أبولونيوس الذي ذكره بوليبيوس هو نفسه المذكور هنا.
يذكر بوليبيوس في ذات الموضع أن أبولونيوس انسحب إلى (مليتس) Miletus عندما اعتلى أنطيوخس العرش، وأن أولاده الثلاثة تبنّوا قضية ديمتريوس الابن الباقي على قيد الحياة لسلوقس الرابع، فإذا كان بوليبيوس محقًا فإن أبولونيوس الحاكم في عهد أنطيوخس الرابع، من غير الممكن أن يكون هو ذاته أبولونيوس المقصود في تاريخ بوليبيوس، إذ أن أسرة كبيرة ذات نفوذ من الممكن أن تضم عددًا من الأفراد يحملون اسم أبولونيوس ومسنتيوس، ويؤيد أحد فروعها نسل سلوقس بينما يتقبل الفرع الآخر أنطيوخس الرابع.
خدم أبولونيوس الذي نحن بصدده أنطيوخس الرابع كسفير (عدد21) وبذلك من الممكن جدًا أن يكون هو ذاته أبولونيوس السفير عظيم الشأن الذي حثّ الرومانيين سنة 173ق.م. في روما على أن يجددوا لأنطيوخس الرابع علاقات الصداقة التي سبقت مع والده.
وبالتالي فإن مبادرة أونيا إلى الملك كانت من أجل وضع حد لتلك المشاحنات حتى يعود السلام والأمن إلى البلاد، لا لكي يشكو الفريق المناهض، وإنما ليقطع عليه الطريق فلا يشكو إلى الملك.
وقد كان اتهام سمعان بتهمة مثل التسبب في الاضطرابات، تعد تهمة خطيرة لا سيّما بالنسبة لمساحة ضيقة كاليهودية القابلة للاشتعال في أي وقت، وبذلك يمكن أن يكون خطرًا على المملكة(1). ويؤكد لنا تحرُّك أونيا هنا من جديد، البُعد الدبلوماسى الناجح في شخصيته، قدر نجاحه في البعد الروحي.
ولا نسمع شيئًا بعد ذلك عن سمعان حتى في التاريخ المدني، وبالتالي فلا نعرف شيئًا عن المرحلة التالية للصراع بين أونيا وسمعان، وأما أونيا فيبدو أنه بقى في أنطاكية عندما رأى أن الوضع السياسي في أورشليم قد أصبح خطيرًا، فبقى هناك حتى قبل أن يستولى شقيقه على رئاسة الكهنوت، ويذكر في (الآية 33) أنه في إنطاكية ومن المرجح أنه بقى هناك إلى النهاية.

شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
ياسون يستولى على رئاسة الكهنوت

7 وكان أنه بعد أن فارق سلوقس الحياة، وحصل أنطيوخس الملقب بأبيفانس على الملك، حصل ياسون، أخو أونيا، على الكهنوت الأعظم بالتدليس، 8بعد أن قابل الملك ووعده بثلاث مئة وستين قنطار فضة وبثمانين قنطارًا من دخل آخر. 9 وما عدا ذلك ضمن له مئة وخمسين قنطارًا غيرها، إن رخص له الملك في أن يقيم بسلطته مؤسسة للرياضة البدنية ومؤسسة للمراهقين، وبأن يحصى أنطاكيو أورشليم.

كيف مات سلوقس:

تذكر القائمة البابلية للملوك السلوقيين أن سلوقس مات في 6 أيلول من سنة 137 بالتقوىم السلوقس البابلى (3 سبتمبر 175 ق.م.) وربما أشير في (دانيال 11: 20) إلى اغتيال سلوقس من خلال مؤامرة.
وإذا كان أنطيوخس قد أخفق في معاقبة هليودورس قاتل أخيه، فلربما آثر أن يخفى واقع أن سلوقس مات مقتولًا، ومع كل ذلك فقد يكون سلوقس قد مات ميتة طبيعية، ويكون تصريح ابيان المؤرخ Appian غير صحيح.
ويُلاحظ أن سلوقس لم يأمر بمصادرة أموال الهيكل إلاّ من خلال وشاية غير صحيحة لسمعان الوكيل الخائن، وبالتالي فالتعبير عن وفاته جاء لطيفًا "رحل" وقد استخدم هذا التعبير مع الأبطال الذين كانوا ُيعبدون بعد وفاتهم، وما كان يمكن أن يقال عنهم أنهم توفّوا بل (رحلوا) أو (تغيروا) إلى وجود آخر (حياة أخرى) ومع الوقت أصبح تعبير (رحل) مرادف ل (توفى).
بينما كان أونيا يسعى في المثول قدام الملك في أنطاكية، كان أنطيوخس أبيفانيوس قد استولى على العرش، حيث قام هليودورس وهو الصديق الحميم للملك سلوقس الرابع ورئيس وزراءه باغتياله عن طريق الحيلة آملًا أن يؤول إليه العرش، ولكن أنطيوخس وهو شقيق سلوقس استطاع بالتحالف مع بعض الملوك المجاورين له، مثل أومنيس الثاني ملك برغامس، طرد هليودورس والفوز بالعرش سنة 175ق.م.(راجع التعليق على 1مكا1: 10).
ولكن "ياسون" سبق أونيا إلى الملك واعدًا إياه إن هو مكّنه من رئاسة الكهنوت أن يحقق رغبته في جعل أورشليم مركزًا هيلينيا، حيث كانت رغبة الملك هي توحيد المملكة، وذلك من خلال اللغة، ثم العقيدة كإحدى الوسائل شديدة الفعالية. كما وعد "ياسون" الملك أيضًا بمبلغ ضخم (رشوة) يدفع سنويًا لقاء ذلك، وقد سال لُعاب أنطيوخس للعرض، فلم يتردد في تعيينه رئيسًا للكهنة بدلًا من أونيا، حاسمًا بذلك أيضًا الخلاف الذي نشب بين فريق أونيا الموالي للبطالمة، وفريق سمعان وياسون الموالي للسلوقيين.
ويلاحظ أن ما ورد هنا هو ذاته الوارد في (1مكا 1: 11-13) حيث لم تذكر هوية أولئك اليهود الذين قدموا الالتماس إلى أنطيوخس الرابع بشأن الرغبة في أغرقة اليهودية (1).
كما حصل على إذن الملك بإنشاء مؤسسة رياضية في أورشليم وإقامة المباريات والدورات الرياضية. وكان تعيين ياسون (واسمه الأصلي يشوع أو يسوع، بينما اتّخذ هذا الاسم اليوناني إشارة لموالاته للثقافة اليونانية) في رئاسة الكهنوت، بداية انحدار لتلك الرتبة الجليلة.

شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
المؤسسة الرياضية: كانت تلك المؤسسة أشبه بنادى رياضي لتدريب نخبة من المراهقين وأكثرهم من أرستقراطيي اليهود تبلغ أعمارهم ما بين الثامنة عشر والعشرين، يتدربون هناك على حمل السلاح وبعض الرياضيات الأخرى مع دراسة للثقافة اليونانية، متمثلين في ذلك بأمثالهم من اليونانيين المولعين بأمثال هذه الأنشطة، وكان في ذلك تعزيز لبرنامج أنطيوخس أبيفانيوس لأغرقة البلاد.

شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
وأما أنطاكيّو أورشليم: فالمقصود بهم هنا مَن يدخل مِن سكان أورشليم اليهود ضمن الرعوية الأنطاكية (مثل اكتساب جنسية دولة ما في الوقت الحاضر) أو جعل أورشليم كلها كمدينة رعوية سلوقية، أي تابعة رسميًا للمملكة السلوقية، يتمتع سكانها بحقوق المواطنة السلوقية، وقد حدث في ذلك الوقت أو بعده بقليل، أن كان البعض يشترون رعوية (جنسية) بلد ما آخر بالمال، حتى يتمتع بمزاياها، يذكّرنا ذلك بالحديث الذي دار بين القديس بولس وأحد القادة الرومانيين الذي معاملته " فجاء الأمير وقال له قل لى. أنت روماني. فقال نعم. فأجاب الأمير: أما أنا فبمبلغ كبير اقتنيت هذه الرعوية. فقال بولس أما أنا فقد ُولدت فيها" (أعمال 22: 27، 28).
هكذا خيّب موت سلوقس الرابع (187 175 ق.م.) والتطورات التي تلت ذلك، آمال أونيا ومسعاه في إعادة الاستقرار للبلاد، الأمر الذي جرّ على البلاد ويلات لا حصر لها، ولكن الله وهو سيد التاريخ والعامل فيه: حوّل كل ذلك إلى خير الأمة.. وقد كان من نتائج تدهور الأوضاع الدينية والأدبية: حتميّة قيام الثورة المكابية.

شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
قيمة الرشوة: تبلغ قيمة الرشوة التي وعد بها ياسون: 360 قنطار فضة، وهو ما يساوى 9450 كجم، ثم 80 قنطار، وهو ما يوزاى 2100 كجم، ثم 150 قنطارا أخرى تساوي 3937 كجم، وهو ما يعادل في مجموعه 15.487 طن أي ما يصل سعره الآن 19.350 مليون جنيه مصري، وهو مبلغ سيتحمّله الشعب المسكين بالتأكيد.
ولا شك أن 360 قنطار هي الدخل العادي أي المنتظم، وهو الجزية والتي يجرى جمعها من إنتاج اليهودية الزراعي، وأما الإضافي فلا يعرف على وجه الدقة مصدره، ولا شك أن التضخم المالى الذي ساد في ذلك الوقت جعل الأرقام المذكورة ضئيلة، ولكنها مع ذلك ثقيلة على الشعب كما مر بنا.

شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
ياسون وبرنامجه الهيلينى

<SPAN lang=ar-sa> 10 فأجاب الملك إلى طلبه، فأستولى ياسون على الرئاسة، وما لبث أن صرف أبناء جنسه إلى نمط حياة اليونانيين. 11وألقى الإعفاءات التي أنعم بها الملوك عن إنسانية على اليهود، عن يد يوحنا، أبى أوبولمس الذي قلد السفارة إلى الرومانيين في عقد المصادقة والتحالف. وأبطل المؤسسات المشروعة، وأدخل سننًا تخالف الشريعة. 12 وكان جد القلعة، وساق نخبة المراهقين فجعلهم تحت القبعة. 13 وتمكن الميل إلى نمط حياة اليونانيين والتخلق بأخلاق الغرباء، بشدة فجور ياسون الذي هو كافر لا عظيم كهنة.
  رد مع اقتباس
قديم 01 - 04 - 2014, 02:44 PM   رقم المشاركة : ( 6 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,577

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني

المكابيين الثاني 6 - تفسير سفر المكابيين الثاني
الاضطهاد الديني وبكور شهداء المكابين
  رد مع اقتباس
قديم 01 - 04 - 2014, 02:50 PM   رقم المشاركة : ( 7 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,577

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني

المكابيين الثاني 7 - تفسير سفر المكابيين الثاني
استشهاد السبعة المكابيين مع أمهم

كان ذلك خلال مأدبة طقسية أقامها الملك أنطيوخس ابيفانيوس، حيث جئ قدامه بمن ُوشي بهم أنهم يرفضون الهيلينية متمسّكين بشرائعهم (راجع آية 41) وتعد هذه القصة من أروع قصص الاستشهاد في العهد القديم، فلم يكن الأولاد بأقل شجاعة من أمهم في الإقدام على الاستشهاد، كما لم تشفق الأم عليهم بسبب رابطة الأمومة والدم، إذ كانت تؤمن بأن ذلك سيحملهم رأسًا إلى الفردوس.
وبينما يرى بعض الشرّاح أن أحداث الاستشهاد هذه قد وقعت في أورشليم، ومن ثمّ يكون أنطيوخس أبيفانيوس قد عاد إلى هناك سنة 169 ق.م.بعد نهب الهيكل(1). ولكنه من الواضح أن استشهاد آلام وأبناءها قد تمّ في أنطاكية، وأن لغتهم كانت اليونانية بينما لغة أسلافها هي العبرية (آيات 8، 21، 27).
وتحتفل بهم الليتورجية السريانية تحت اسم "السبعة المكابيين مع أمهم"، أما بقية الليتورجيات فتدعوها "أم المكابيين" و "أم شهداء المكابيين". وفي أيام القديس جيروم كان قبرهم معروف ويتم تكريمه(2) ونقلت عظامهم لروما، وهم الآن موجودون في كنيسة القديس بطرس في بينكولي(3). وقد إعتقد كلكمان خطأ أن هذه القبور تخص متتيا الحشموني وبنيه في روما، وكان في كولونيا في ألمانيا كنيسة على اسمهم، كانت هناك واستمرت قائمة حتى 100 سنة مضت، وتدعى: "Makkabaer Kirche".
إننا لا نعرف أسماء الأبناء السبعة، ولكن هناك شواهد كثيرة تقول أن الأم إسمها "حنة " كما دعتها احدى المصادر اليهودية القديمة ب "مريم بنت تنحوم" (1) ويقول التلمود عنها في باب الطلاق (جِطين 2:57) أنها غير معروفة(2).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
استشهاد الأبن الأول

1 وقبض أيضًا على سبعة إخوة مع أمهم، فكان الملك يريد أن يُكرههم على أكل الخنزير المُحرم، ويعذبهم بالسياط وأطناب الثيران. 2 وجعل أحدهم نفسه لسان حالهم فقال: "ماذا تبتغى أن تسألنا وأن تعرف عنا؟ إننا مستعدون لأن نموت ولا نخالف شرائع آبائنا". 3 فنحنق الملك وأمر بإحماء المقالى والقدور. 4ولما أُحميت، أمر لساعته بأن يُقطع لسان الذي جعل نفسه لسان حالهم، وأن يُسلخ جلد رأسه وتُجدع أطرافه على عُيون إخوته وأمه. 5 ولما أصبح عاجزًا تمامًا، أمر بأن يُدنى من النار، وفيه رمق من الحياة، ويُقْلى. وفيما كان البخار منتشرًا من المِقْلاة، كان الآخرون هم وأمهم يَحُثُّ بَعضُهم بعضًا أن يُقدِموا على الموت بشجاعة، قائلين: 6"إن الرب الإله ناظر، وهو يرأف بنا حقًا، كما صرح موسى في النشيد الذي يشهد أمام الجميع بقوله: وبعبيده يرأف".


شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
لاشك أن الذي حمل أنطيوخس على السلوك مع هؤلاء الأبرار بهذه القسوة هو كبرياؤه، إذ أنكر على الرعايا مخالفة أوامره، وكان يخشى من تفشّي الظاهرة وانفلات زمام الأمور منه، كما رأى أنطيوخس أنه لا ملك أو إله غيره هو. هذا وبينما أنقذ الله أبرارًا آخرين من الموت على يد مضطهديهم من أجل إيمان وخلاص أولئك المضطَهدين، فإن أنطيوخس ِدين وعوِقب بسبب موتهم على يديه، وفي هذا يقول القديس أغسطينوس:
" لايظن أحد أنه كان ينبغي أن ينقذ الله الشهداء من أيدي مضطهديهم كما حدث مع الفتية الئلاثة ودانيال النبي، فإن هؤلاء قد ُانقذوا من أجل أن يؤمن الملوك الذين يضطهدونهم بأن الذي يعبده هؤلاء هو الإله الحقيقي، لأنه في رحمة الله العجيبة ومشورته التي لا ندركها يدبر لخلاص هؤلاء الملوك، أما في حالة أنطيوخس الملك والذي عذّب المكابيين بقسوة حتى الموت، صارت آلامهم وموتهم عقوبة أكبر له، وقد صرّح الشهيد السادس له بأنه وبرغم أنهم يُعاقبوا بسبب خطاياهم فإنه هو ذاته لن يفلت من العقاب (آية 18، 19) وأنك لترى أيضًا كيف كان هؤلاء حكماء، فإنهم وهم داخل الذلّ والآلام يعترفون بإخلاص بأنهم يعاقَبون بسبب خطاياهم من قبل الرب الذي ُكتب عنه " لآنه الذي يحبه الرب يؤدبه" (أمثال 12:3). (1)
ولم يكن أكل لحم الخنزير في ذاته هو ما يصرّ عليه المضطهدون (وفي المقابل يصر على إنكاره الشهداء) وإنما لأنه كان بمثابة ُكفر باليهودية كلها وتقويض لركن هام فيها، ألا وهو الطهارة والركن الأهم هو الأمانة للوصايا.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
سلخ جلد الرأس وجدع الأطراف:

بحسب ما ورد في تاريخ هيرودت Herodotus، فقد كان سلخ جلد الرأس يتم "بالأسلوب المنجلى" وذلك بجز جلد الرأس دائريًا عند مستوى الأذنين ثمّ سلخه بالشدّ والهزّ (1) وأما بتر الأطراف فقد كان يتضمن بتر الأطراف أو النهايات، أما فيما يتعلق بالوجه فقد كان البتر يعنى جدع الأنف والأذنين، ولكن (الآية 5) هنا تشير إلى العجز التام الناتج عن قطع اليدين ربما الذراعين والقدمين والساقين، ومثل هذه الطريقة استخدمها الملوك الأشوريون مع المتمردين(2). وربما الأذنين والشفة والأنف(3) وهكذا عمل أيضًا أنطيوخس الثالث قبل حوالي 50 سنة من هذا التاريخ، لأخياس قريبه الذي ثار ضده.
هذا وقد وردت (الآية 4) في الأصل العبري هكذا: (سَلخ جلد رأسه على طريقة الإسكيثيين) إذ يحدد النص العبري طريقة السلخ وهو الطريقة التي كانت معتادة للاسكيثيين.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
على طريقة الإسكيثيين: وباليونانية (periscuqiasantaV): كان الاسكيثيين مشهورين جدًا بقسوتهم في الشرق القديم، ويبدو أن الأنطاكيين اقتبسوا من طرق تعذيبهم: سلخ أعدائهم وتقوير الرأس، إذ كانوا يصنعون بعض الأدوات من جلد فروة الرأس(4).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
أطناب الثيران:

كانت تلك الأطناب(الأمعاء) تستخدم في صنع السياط، كما كانت تستخدم كأوتار في شد الخيام ونصبها " أوسعى مكان خيمتك ولتبسط شقق مساكنك، لا تمسكى أطيلى أطنابك وشددى أوتارك" (إشعياء2:54) ويقول التقليد اليهودي بأن السياط التي كانت تستخدم في جلد المحكوم عليهم كانت تصنع من أمعاء ثور وحمار معًا، حيث يقال للمجرم عند الجلد: " الثور يعرف قانيه والحمار معلف صاحبه أما إسرائيل فلا يعرف. شعبي لا يفهم" (إشعياء3:1).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
المقالى والقدور:

ربما كانت المقالى هي تلك الأواني الضخمة التي كان يوضع داخلها المحكوم عليه ثم توقد تحتها النار، بينما القدور هي الأواني التي تشبه الغلايات والتي ُتملأ بالماء أو الزيت أوالقار ثم تغلى ليلقى فيها المحكوم عليه، وهي طرق ُعرفت فيما بعد على نطاق واسع إبان فترات الاضطهاد للمسيحيين إذ ُتذكر كثيرًا خلال سيرهم، فنقرأ عن القديسة الشهيدة التي حكم عليها بأن تلقى عارية في قدر كهذا به قار يغلي، إذ طلبت من مضطهديها أن يتركوها بملابسها مقابل أن ينزلوها ببطء في ذلك الإناء الرهيب، وذلك بسبب محبتها للعفة لآخر لحظات حياتها.
كانت مثل تلك الطرق الوحشية في التعذيب معروفة في العالم القديم، ولعل الأشوريين كانوا أول من استنبط هذه الطرق المريعة وعنهم أخذ اليونانيين(1)، فمع أن الإسكندر الأكبر كان ُيعد من أعظم الملوك الفاتحين في التاريخ، إلاّ أنه لم يتورع عن إلحاق العذابات المريرة بالذين عصوا عليه، مثلما فعل مع أهل صور ومع حاكم غزة والذي أمر بربطه من عرقوبه في زيل حصان ثم سحله في شوارع المدينة .!
ونعود الآن إلى الشهداء السبعة، فقد تضايق أنطيوخس من شجاعة الفتى الأول الذي رغم عجزه نتيجة التعذيب تكلّم بشجاعة نيابة عنهم(2)، وأراد من ثم أن يرعبه ويرعب به الأم وبقية الأخوة، ويذكّرنا ما فعله معه بما لاقاه القديس يعقوب المقطع وهو من الشهداء الفارسيين وكان جنديًا ضمن جنود الملك سكراد بن صافور ملك الفرس، فبعد أن ضربوه بدأوا في تقطيع أصابع يديه ورجليه ثم ساعديه ورجليه وفخذيه حتى لم يبق منه سوى الرأس والجذع فقط، وأخيرًا قطعوا رأسه فنال إكليل الشهادة في سنة 420 م.
وكان لسان حال ذلك الفتى البار هو ما قاله القديس يعقوب هذا: " ليس لي رجلان لكي أقف أمامك ولا يدان أبسطهما قدامك، وهوذا أعضائى مطروحة حولى فأقبل نفسي إليك".
وهكذا بدلًا من ينجح المضطهد في ترويع الباقين، إذا بهم يحثون بعضهم بعضًا على التقدم للاستشهاد بفرح وثبات، متذكرين قول الرب على فم نبيّه موسى: "لأن الرب يدين شعبه وعلى عبيده يشفق حين يرى أن اليد قد مضت ولم يبق محجوز ولا مطلق" (تثنية 32: 36).
هذا وقد أرسى هذا الفتى المبدأ الذي سيعمل به بقية أخوته ومضمونه أن الموت هو أفضل من المساس بالشريعة، وبأن الخالق سوف يقيمهم من الموت بحسب الوعد المذكور في (تثنية 32: 39) والذي ذكرتهم أمهم به، والحقيقة أن الأصحاح 32 من سفر التثنية به الكثير من الرسائل والوعود لتعزية أولئك الشهداء، مصائب إسرائيل قد تكون عقاب على خطاياه هو وليست علامة تخلى الله عنه (32: 15 - 30) وأن الله سوف ينتقم من العدو (32: 35، 41 - 43) الذي ليس له مخلص من يده (32: 39) وسوف ُيحي وُيشفي الشهداء الذين ُشوهوا (32: 39).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
استشهاد الأخ الثاني

7 ولما فارق الأول الحياة على هذا الوجه، ساقوا الثاني إلى التعذيب، ونزعوا جلد رأسه مع شعره، ثم سألوه: "هل تأكل لحم الخنزير قبل أن تُعاقب في جسدك عضوًا عضوًا؟". 8 فأجاب بلغة آبائه وقال: لا، ولذلك ذاق هو أيضًا بقية العذاب كالأول. 9 وفيما كان على آخر رَمَق قال: "إنك أيها المجرم تسلبنا الحياة الدنيا، ولكن ملك العالم، إذا متنا في سبيل شرائعه، سيقيمنا لحياة أبدية".
كان الأخ الثاني مستعدًا لاجتياز الآلام ذاتها ولم يستطيعوا أن يثنوه عن عزمه هذا، ولكنه لم يتراجع حتى بعد أن قطع شوطًا من الآلام المريعة، هذا ويفيد تعبير نزعوا جلد رأسه مع شعره، أن نزع الجلد تم عن طريق شد الشعر بقسوة، وذلك بخلاف الأخ الأول كما مرّ بنا، وفيما هو مشرف على الموت صرّح للملك بأنه وإن كانت له سلطة فهي فإنما على الأجساد المرتبطة بهذه الدنيا، ولكن الله وهو ملك الملوك ورب الأرباب سيكافئه بحياة لا تفنى.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
الحياة الأبدية:

هذه واحدة من المرات القليلة التي يرد فيها تصريح مباشر عن الحياة الأبدية، راجع أيضًا (دانيال12: 2، 3) حيث يشير إلى اضطهاد أنطيوخس في (دانيال 11) راجع أيضًا (2مكا 12: 38-46 و 14: 46) بينما وردت إشارة أخرى في العهد القديم مثل (إشعياء 26: 19 و أيوب 19: 26، 27)، كما وردت إشارات أخرى في السفر هنا تؤكد هذه العقيدة، حيث سيقوم الشهداء بقدرة الخلاّق (آية 23) ويقومون هم للحياة (آية14 قابل يوحنا 5: 29) يقومون لحياة أبدية (آية 9، 36) هذا وقد ُنوقشت هذه العقيدة مرة أخرى عندما أرسل يهوذا يقدّم ذبيحة عن الأموات (12: 38-46).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
لغة آبائه:

جاءت في العبرية (بلسان الآباء) وفي اليونانية (patriw fwnh = باللغة الأم) وُيقصد بها العبرية ويعتبرها اليهود "اللغة المقدسة" و "لغة السماء" و"لغة الوحي"، غير أنهم اضطروا إلى تعلّم الأرامية والتكلم بها جنبًا إلى جنب مع العبرية إبان السبى، غير أن الجيل الثاني لجيل السبي ضعفت معرفته باللغة العبرية، ونلاحظ أنه عقب العودة من السبي وعند قراءة عزرا لسفر الشريعة على مسامع الشعب اضطر إلى ترجمة ما يقال إلى اللغة الأرامية حتى يفهم الشعب، إلا أن الأرامية كانت معروفة لدى اليهود قبل السبى كلغة للاتصالات الدبلوماسية مع الشمال مثل آشور وبابل، ولعلّ أول إشارة إلى ذلك جاءت في (2مل 18: 36 و إشعياء 36: 10) عندما طلب مندوبو حزقيا الملك إلى ربشاقى قائد جيوش سنحاريب التكلم بالأرامية حتى لا يعرف الشعب ما يدور من نقاش، من هنا نشأ ما يسمى ب "الترجوم" وهو كتاب من نهرين للأسفار المقدسة، أحدهما عبري والآخر أرامي، مثلما هو الحال الآن في الكنيسة القبطية في جميع كتب الليتورجية، أي عبارة عن نهرين قبطى وعربي.
هذا وقد استخدم كل من الأم وابنها بعض التعبيرات العبرية (آية 21، 27) وهو ما يتضح في موضع آخر (12: 37 و 15: 29) وقد تكون نصوص محفوظة، وربما كانت لغتها الأساسية مع أولادها هي العبرية، هذا ويتضح لنا من النص أن الطاغية كان يكلمهم باليونانية..
هكذا رقد الثاني شهيدًا عن طيب خاطر بعد تقطيع أعضاءه.
وقد كان الهدف من التعذيب بشكل عام قديمًا وحديثًا، إمّا الحصول على المعلومات، أو العقاب على جرائم خطيرة مثل الخيانة. ولكن التعذيب إذا أفضى إلى نتائج لا علاج لها (مثل البتر) فيكون الهدف منه قطعًا هو أن يصبح الشخص عبرة للآخرين، ولذلك فإننا نجد أنه من الغريب هنا أن ُيمنح الثاني فرصة للتراجع عن أفكاره وعناده.
يقول كاتب سيرة الشهيد يعقوب المقطع: "حُرم من قدميه لكن نفسه كانت تسير بخطوات واسعة نحو الفردوس.. وُبترت يداه لكن أعماقه كانت تتسلم غنى نعمة الله الفائقة وشُوّه جسمه في هذا العالم، فكان بهيًا للغاية في عيني الله وأعين السمائيين.. أخذ الملك منه موقفًا مضادًا، فظهر له ملك الملوك السيد المسيح وعزّاه وقواه فابتهجت نفسه(1).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
استشهاد الأخ الثالث

10 وبعده عذبوا الثالث، وأمروه فدلع لسانه لساعته وبسط يديه بقلب جليد، 11 وقال بشجاعة: "إنى من السماء أُوتيتُ هذه الأعضاء، وفي سبيل شرائعها أستهينُ بها، ومنها أرجو أن أستردها". 12 فبُهتَ الملك نفسه والذين معه من بسالة ذلك الفتى الذي يبال بالعذاب شيئًا.
إستمر الملك في تعذيب هؤلاء الأبطال بنفس البشاعة، فلمّا جاء دور الإبن الثالث نظر إلى جلاديه مشيرًا إلى أعضاء جسمه معلنًا أنها هبة من الله، فليستردها الله بالكيفية التي يسمح بها، وهي لا تعني شيئًا سوى أنها وديعة لا يملكها، ولكن الله سيعيدها إليه في شكل آخر لجسد نوراني ممجد، لا يجوع ولا يتألم ولا يفنى، ثم بسط (دلع) لسانه ويديه بقلب جليد (صابر) ففعلوا به كما حدث مع السابق وسط ذهول الملك وحاشيته من تلك الشجاعة النادرة، تمامًا كما كان يحدث مع مضطهدي المسيحيين.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
استشهاد الأخ الرابع

13ولما فارق هذا الحياة، عذبوا الرابع ونَكَّلوا به بِمِثْل ذلك. 14 ولما أشرف على الموت، قال: "خير أن يموت الإنسان بأيدي الناس ويرجو أن يقيمه الله، فلك أنت لن تكون قيامة للحياة".
المقصود بأن يموت الإنسان بأيدي الناس، أن الأمر متعلق بهذا الجسد وهذه الحياة الفانية، أما من كان موته من قِبل الله فسيكون هلاكه أبديًا " لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها بل خافوا بالحرى من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم" (متى10: 28)، بل أن الله قادر أن يحوّل اضطهاد الناس إلى بركة، وعوض الجسد الترابي سيرث الملكوت بآخر نوراني ممجد.
ورغم توبيخ الفتى لأنطيوخس إلاّ أن الأخير تمادى في تجبره وشروره إذ لحقت عذاباته ببقية الأخوة وأمهم. ولكن الله كان عجيبًا في محبته لهم فسواء الذين خلصوا من العذاب ولم يحرقوا مثل دانيال والفتية الثلاثة وغيرهم، أو هؤلاء الذين تركهم ليبذلوا حياتهم حبًا به.. فالمهمّ هو المكافأة الأبدية.
يقول القديس أغسطينوس " لا تخف.. فقط إعمل ما يأمرك به وإذا لم يخلصك جسديًا فهو سيخلصك روحيًا، فهو الذي أخرج من النار الفتية الثلاثة، هل أخرج المكابيين من النار؟ ألم يُنشد الأولون (الفتية الثلاثة) الألحان في وسط اللهيب بينما هلك المكابيون في اللهيب؟ ألم يكن إله الفتية هو إله المكابيين؟، الواحد خلّصه والآخر لم يخلّصه؟ كلاّ لقد أنقذ كليهما !! لكن الفتية الثلاثة أنقذهم هكذا حتى تحيّر الجسدانيون لكن المكابيين لم ينقذهم هكذا، لأن هؤلاء الذين اضطهدوهم سوف يجوزوا عذابًا أعظم، إذ بينما اعتقدوا أنهم قد تغلبوا على شهداء الله: تغلب الشهداء عليهم !، لقد خلُص بطرس عندما أتاه الملاك في السجن وقال انهض عاجلًا وانقذه الله، فهل فقد بطرس برّه عندما لم ينقذه الله من الصليب؟ ألم ينقذه آنذاك؟ لقد خلص وقتها، هل صار أثيمًا فلم يسمعه كما في الأول..؟ لقد أرسله الله أخيرًا إلى هناك (الأبدية) حيث لا يمكنه أن يعانى من أي شر. (3)
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
استشهاد الخامس

15 ثم ساقوا الخامس وعذبوه. 16 فحدق إلى الملك وقال: "إنك بما لك من السلطان على البشر، مع أنك قابل الفساد، تفعل ما تشاء. ولكن لا تظن الله قد خذل ذريتنا. 17 إصبر قليلًا فترى قدرته العظيمة، كيف يعذبك أنت ونسلك".
إن للملك سلطان على الأجساد ليس من قبل الله بالطبع، لأن الله وهبه السلطان ليفعل الخير وينشر العدل في مملكته لا لكي يذلّ أولاد الله، ومع ذلك فهو لن يستطيع القضاء على الأمة، بل لقد أسهم الاستشهاد في جميع عصوره في ازدهار الأمة، وتزايد عدد المسيحيين وحملهم على التمسك أكثر بالله، وصرف أذهان الناس عن الاهتمامات الرديئة جاذبًا أنظارهم نحو السماء، إن الملك قابل للموت والفساد ولكن الله سرمدي، سمح للملك بتبكيت الشعب من جهة ومن جهة أخرى أسهم في منحهم الأكاليل.
وقد مات أنطيوخس بالفعل شر ميتة (راجع تفاصيل ذلك في 1مكا6: 12، 13 و 2مكا 1: 11-17) وكذلك حدث مع كل ملك من العائلة السلوقية خلفاؤه، فلكل منهم قصّة مؤلمة في نهايته، وقد طارد أحدهم الآخر وقتلوا بعضهم بعضًا، ونفى البعض وهرب البعض الآخر، حتى آلت دولتهم إلى الرومان في النصف الثاني من القرن الأول قبل الميلاد.
يقول القديس أمبروسيوس: "لقد فضّل الشهداء الموت على العبودية والخزى، ماذا أقول عن آلامهم؟ دعنا لا نذهب بعيدًا، ألم ُيحرز أبناء المكابيين انتصارات على الملك أنطيوخس المتكبّر، في مثل عظمة انتصارات آبائهم؟ لقد كان هذا الملك مسلحًا ولكنهم قهروه بدون أسلحة جماعة الأخوة السبعة وقفت غير مقهورة مع أنهم محاطون بجحافل الملك، إلاّ أن التعذيبات فشلت، والمعذبون توقّفوا، ولكن الشهداء لم يفشلوا، إن أحدهم إذ دعوه يخرج لسانه لكي يقطعوه، أجاب "إن الرب لا يسمع أولئك الذين يتكلمون فهو سمع لموسى عندما كان صامتًا، أنه يسمع الأفكار الصامتة لخواصه، أفضل من أصوات الآخرين كلهم، أتخشى سوط لساني ألا تخشى صوت الدم المسفوك على الأرض؟ الدم أيضًا له صوت به يصرخ جهرًا إلى الله كما حدث في موت هابيل".
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
استشهاد الأبن السادس

18 وبعده ساقوا السادس، فلما أشرف على الموت قال: "لا تَغتَرَّ بالباطل، فإننا نحن جلبنا على أنفسنا هذا العذاب، لأننا خطئنا إلى إلهنا، ولذلك جرى لنا ما يقضى بالعجب. 19 وأما أنت فلا تحسب أنك تبقى بلا عقاب، بعد أن أقدمت على محاربة الله".
لعل الشهيد السادس هو أكثر من نطق الله على لسانه بالكثير من الُدرر في هذا السياق، إنه يؤكد إن هذا الاضطهاد ليس نصرة لأنطيوخس لئلا يغتر وإنما هو تأديب من الله بسبب خطايا الأمةهذا وقد لاقى اليهود على مدار تاريخهم الكثير من الاضطهادات ولكن أكثر تلك الاضطهادات كان قومي أو سياسي، مثلما لاقوا من الأشوريين والبابليين وفي مصر أيضًا، ولكنها المرة الأولى التي يتعرّضون فيها للتعذيب على هذا النحو بسبب العقيدة مما يعنى أن الاضطهاد ديني بالدرجة الأولى، وكان الملوك السابقين الذين احتلّوا أورشليم أو الذين سبوا سكانها إلى بلادهم، يفسحون لهم المجال ليعبدوا إلههم ويقيموا شرائعهم، حتى أن التلمود البابلى فاق في أهميته نظيره الذي ُكتب في أورشليم .!
ولقد اعتبر هذا الشهيد أن أنطيوخس إنما يحارب الله وليس اليهود، لأن اليهود في إصرارهم هذا يتمسكون بوصايا إلههم، ولذلك فإن الله وإن سمح لهم بالموت إلاّ أنه لن يترك أنطيوخس دون عقاب"... فيا بنى لا تحاربوا الرب إله آبائكم لأنكم لا تفلحون" (2أخ 13: 12) هكذا يقول أيضًا غمالائيل معلم الناموس:".. وإن كان مِن الله فلا تقدرون أن تنقضوه لئلا ُتوجدوا محاربين لله أيضًا" (أعمال 5: 39). وقد كانت أقوال الفتى السادس هنا بمثابة نبوءة عما سيجرى لأنطيوخس، فعند موت الأخير قال "الآن أتذكّر المساوئ التي صنعتها في أورشليم وكيف أخذت آنية الذهب والفضة التي كانت فيها وأرسلت لإبادة سكان اليهودية بغير سبب. فأنا أعلم بأنى لأجل ذلك أصابتنى هذه البلايا. وها أنا أموت بغمّ شديد في أرض غريبة (1مكا 6: 12، 13 راجع أيضًا (2مكا 1: 11-17).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
الأم تشجع أولادها وتعبر عن فرحها

20 وكانت أمهم أجدرهم جميعًا بالإعجاب والذكر الحميد، فإنها عاينت بنيها السبعة يهلكون في مدة يوم واحد، وصبرت على ذلك بشجاعة، بسبب رجائها للرب. 21 وكانت تُحَرَّضُ كلا منهم بلغة ىبائها، وهي ممتلئة من المشاعر الشريفة، وقد أضفت على كلامها الأنثوى بسالة رجولية، فكانت تقول لهم: 22"لست أعلم كيف نشأتم في أحشائى، ولا أناوهبتكم الروح والحياة، ولا أنا نظمت عناصر كل منكم. 23 ولذلك فإن خالق العالم، الذي جبل الجنس البشرى والذي هو أصل كل شئ، سيُعيدُ إليكم برحمته الروح والحياة، لأنكم تستهينون الآن بأنفسكم في سبيل شرائعه".

لم يتبق الآن سوى الأخ الأخير ولعله أصغرهم سنًا، وإنّا نتعجب كثيرًا كيف تجلّدت هذه الأم واحتملت كل ذلك على مرأى ومسمع منها، ويقول الكتاب أن ذلك بسبب رجاءها الشديد في الرب ولكونها ناظرة إلى لا ما يرى، بل كانت ترى في عذاب أولادها تمجيدًا لهم، وفي موتهم من أجل الله إكليل شهادة وحياة أبدية، لقد كانت تمتلك شجاعة تعوز الكثير من الرجال الذين يخرّون تحت أقل الضغوط، لقد كانت تشعر أنهم ليسوا ملكًا لها بل وهبها الله إياهم وكونهم في رحمها وليس لها فضل في حياتهم، بل أن خالق الجنس البشرى هو القادر أن يهبهم حياة من جديد وإنما حياة أبدية خالدة معه، راجع (أيوب 1: 8-12 و مزمور 139: 13-15 و جامعة 11 ؛ 5).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
الروح والحياة (آية 22):

من الملفت استخدام التعبيرين معًا، وهل هناك فرق بين كل منهما، فقد تكون الروح هي النسمة التي وهبها الله للإنسان حسبما ورد في (تكوين 2: 7) بينما الحياة صفة تشترك فيها جميع الخلائق، ومع ذلك فإن الحياة تأتى نتيجة للروح، ولكن الحيوانات والطيور والأسماك وغيرها لها نفس وليس روح، وبالتالي فهي تفنى بمجرد موتها (انفصال النفس عن الجسد) وهكذا ُتطلق صفة الروح على النفس البشرية العاملة المفكرة والمبدعة والتي على صورة الله.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
ولا أنا نظمت عناصر كل منكم: جاءت في الأصل العبري للآية هكذا (ومادة كل أحد لم أصورها أنا) وكلمة مادة الواردة في الأصل العبري هي كلمة (حومير) والتي تعني (مادة - عنصر - طين - قش - صلصال)، وربما تكون بذرة الجنين الأولى المعروفة بالزايجوت.وجاءت باليونانية هكذا kai thn...... stoiceiwsin ouc egw dieruqmisa = ومادة.... لم أشكلها بشكل مناسب). أي أن الأم ليست هي المسئولة عن خلق وتصوير وابداع الأعضاء البشرية بالكيفية الممتازة هذه، بل هي مجرد حاوية لما يعمله الله. وجاءت باللاتينية في الفولجاتا هكذا (membra non ego compegi) وتعني (والأعضاء لم أقسّمها أنا) وبالإجمال فإن الفكرة هنا مطابقة تماما لما ورد في: (مزامير 139: 13 - 17 و أيوب 10: 8 - 12).
هذا وقد أثنى الكثير من آباء الكنيسة العظام على هذه الأم العظيمة وخصّوها بالكثير من المديح والاطراء. فيقول القديس أغسطينوس في تناوله لأمثلة في الثبات:
" لكن بما أننا نتكلّم هنا عن احتمال الآلام والمعاناة الجسدية، أعبر من هذا الرجل (أيوب البار) العظيم دائمًا وغير المقهور أبدًا: هذه حالة رجل، لكن هذه الكتب المقدسة (المكابيين) تقدم لي امرأة لها ثبات ُمذهل، ويجب على أن أدخل حالًا إلى الحديث عنها، هذه المرأة وبصحبتها سبعة أبناء سمحت للمستبدّ الجلاد أن ينتزع أعضائها الحيوية من جسمها بدلًا من كلمة بذيئة من فمها، مشجعة أبناءها بحثهّا إياهم، مع أنها عانت من تعذيب أجسامهم، بل هي نفسها خضعت إلى ما دعتهم إلى احتماله، أيّ صبر يمكن أن يكون أعظم من هذا؟ وإلى الآن مالنا نندهش من ُحب الله المزروع في قلبها وتحملها ظلم المستبد والجلاد والألم، وطبيعتها كامرأة والعاطفة الطبيعية؟ ألم تسمع "عزيز في عيني الرب موت أتقيائه" (مزمور166: 15) ألم تسمع " البطئ الغضب خير من الجبار" (أمثال 16: 32) ألم تسمع "مهما نابك فاقبله و كن صابرا على صروف اتضاعك، فإن الذهب ُيمحّص في النار، والمرضيين من الناس يمحّصون في آتون الاتضاع" (سيراخ 2: 4، 5) كل هذا قد عرفَته (هى).
والكثير من النصائح الأخرى للثبات ُكتبت في هذه الكتب التي وحدها كانت موجودة في ذلك الوقت بنفس الروح القدس الذي يكتب ذلك في العهد الجديد (1). وفي موضع آخر عند الحديث عن الطاعة لله أولًا ثم الوالدين ثانيًا، يقول: لاحظ أم المكابيين تقول "يا أبنائى أنى لست أعلم كيف نشأتم في أحشائى (آية22) يمكنني أن أحبل بكم، أن ألدكم استطيعه، لكن أن اُنشئكم هذا لا أستطيعه، اسمعوا له (لله) إذًا، فضلّوه عنى لا تزعجوا أنفسكم بأنه ينبغي لي أن أبقى هنا بدونكم هكذا أمرتَهم وهم أطاعوها. ما علمته هنا الأم لأطفالها علَمه الرب يسوع المسيح لذاك الذي قال له "ابتعنى". (2)
أماّ القديس جيروم فيقول في الرسالة إلى كروماتيوس وجوفينوس ويوسابيوس:
" أحيي أمك وأمى بالتقدير الذي ُاكنه لها كما تعرف، مرتبطة معكم كما في حياة مقدسة، هي عندها بدايتكم يا أولادها القديسين إنها أمكم، أحي معها أخواتكن اللواتى يُرحّب بهن حيثما يذهبن، لأنهن قد انتصرن على طبيعتهن والعالم، وينتظرن مجيء المسيح العريس مصابيحهن مُلئت ثانية بالزيت. سعيدة هي الدار التي هي بيت الأرملة حّنة وبيت عذارى هنّ نبيات، وتوأم صموئيل الذي تربى في الهيكل! محظوظ السقف الذي يظلل الشهيدة أم المكابيين مع أبنائها حولها كلهم لابسون إكليل الشهادة! فعلى الرغم من أنكم تعترفون يوميًا بالمسيح بحفظ وصاياه، إلاّ أنكم أضفتم إلى مجدكم الخاص هذا مجدًا عامًا بالاعتراف العلني لأنه من خلالكم أبعد ُسم البدعة الأريوسية سابقًا من مدينتكم(1).
وأما القديس باسيليوس الكبير فيقول في الرسالة السادسة حيث يبدو من السياق أنها موجهة إلى أم فقدت ابنها:
" دعونا نقبل ما حدث لأنه من يقبل أن يقاوم إرادة الله، فالرب الآن يختبر حبك له، هناك الآن فرصة لك من خلال صبرك أن تأخذي نصيب الشهداء، فإن أم المكابيين رأت موت بنيها السبعة بدون تنهّد، بدون حتى أن تذرف دمعة بلا قيمة، وشكرت الله لأنها رأتهم يتحررون من قيود الجسد بالنار والحديد والضربات الشريرة، وربحت المديح من الله والشهرة وسط الرجال إن الخسارة كبيرة، كما يمكنني أنا نفسي أن أقول، ولكن عظيمة أيضًا المكافآت الممنوحة من الرب لمن يصبر(2).
ويطوّبها القديس أمبروسيوس قائلًا: "ماذا أقول عن الأم التي بالبهجة نظرت جثث أطفالها كأكاليل كثيرة كجوائز الانتصار، ووجدت لذة في أصوات أبنائها المحتضرين، كما في أغانى المغنيين، وكأنّ أولادها هم نغمات القيثارة المجيدة من داخل قلبها، وانسجام للحب أحلى من أي نغم يمكن أن يعطيه العود(3).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
الملك يحاول إغراء آخر الأخوة المكابيين

24 وظن أنطيوخس أنه يسخر به ورأى في هذا الكلام إهانة، فأخذ يحرض بالكلام أصغرهم الباقي، بل أكد له بالقسم أنه يغنيه ويسعده، إذا ترك سُنَنَ آبائه، ويتخذه صديقًا له ويُقَلدُه المناصب. 25 إلا أن الفتى لم يصغ لذلك البتة، فدعا الملك أمه وحثها أن تشير على الفتى بما يؤول إلى خلاصه. 26 فانحنت عليه واستهزأت بالطاغية العنيف، وقالت بلغة آبائها: "يا بنى أرحمنى أنا التي حملتك في أحشائها تسعة أشهر، وأرضعتك ثلاث سنوات، وعالتك وبلغتك إلى هذه السن وربتك. 28 أسألك يا ولدى أن أنظر إلى السماء والأرض، وإذا رأيت كل ما فيهما، فأعلم أن الله صنعهما من العدم، وان جنس البشر هو كذلك. 29 فلا تخف من هذا الجلاد، بل كن جديرًا بإخوتك وأقبل الموت لألقاك مع إخوتك بالرحمة".
يتحول الملك هنا من الوعيد إلى الوعد، ومن التهديد إلى الملاطفة والاغراء، فها هوذا بعد أن فشلت طرق التعذيب الرهيبة في التأثيرعلى الإخوة الستة ولا الباقين، وقد رفض الابن الصغير العروض السخيّة التي يسيل لها لعاب الكثيرون، والتي من أجل اليسير منها ترك آخرون إلههم سعياُ وراء مجد زائل. وهو النهج الذي انتهجه أيضًا مضطهدي المسيحيين في القرون الأولى حين كانوا يعرضون المناصب الرفيعة على الشهيد بينما يعدون الآخرين بالزواج والمال، وهوذا أنطيوخس هنا يعرض عليه ما هو أكبر إذ يتخذه "صديقًا للملك" وهي رتبة كبيرة كما أسلفنا مُنحت ل فيلبس ونكانور وهما من كبار ضباطه.
ولكن التعزية التي ملأت قلوب الشهداء، وكذلك المجد الذي انفتحت عليه أعينهم في السماء، وهم ما يزالون في الأرض وتحت وطأة التعذيب والإهانات.. كل ذلك جعلهم يستخفّون بمثل تلك العروض.
حينما حاول الملك توسيط الأم لدى ابنها (آية25) لكي يخلص، لم يكن يقصد خلاص نفسه بالطبع بل خلاصه من ذات المصير الذي آل إليه إخوته من التعذيب والموت، وفيما ظن الحاضرون أنها انصاعت لرغبة الملك وتوسلاته، إذ بها تشجعه على أن يحذو حذو إخوته الذين سبقوه ليلحق بهم ويفوز بالإكليل، بل أنها اعتبرت موته شهيدًا بفرح هو رحمة بها واكرامًا لها، وعليه أن ينظر لجميع ما حوله ليرى ويدرك أن الله هو خالق العالمين.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
فأعلم أن الله صنعهما من العدم (آية 28): جاءت في اليونانية (ex ouc ontwn) وجاءت في المخطوطات اليونانية والفولجاتا اللاتينية والآرامية بدلا من النسخة الشائعة هكذا: (ouc ex ontwn = من أين) وفي الفولجاتا(ex nihilo). والمقصود هنا سؤال بقصد الإستنكار وتوضيح "من أين جاء أصل العالم"؟! فتكون الإجابة الإعجازية: "من العدم". وهو الشيء الذي كثيرا ما ورد في حوارات الربيين مع الكفرة. قال أحد الفلاسفة للربي غمالائيل: " لقد كان إلهكم خالق عظيم لكنه وجد مادة عمل منها الأشياء... و أودع فيها الروح بقوة...." ونجد لدى بعض النتأغرقين من اليهود إيمانهم أن العالم ُكوّن من مادة أولية مثل قول فيلون: (إن العالم خُلِقَ ex amor fou ulhV من مادة هيولية).
ولعلّه في هذه الآية أول تأكيد صريح لخلق الله كل شيء من العدم، راجع (إشعياء24:44) ففي إشارة الأم إلى أن الله قد خلق كل شيء من العدم تأييد هام لفكرة خلق الله للمادة والتي منها خلق جميع الأشياء بعد ذلك، وعلى هذا يعلق العلامة أوريجانوس قائلًا: " هكذا تعلّمنا أم المكابيين الشهداء السبعة" (1).
هذا وقد ثار نقاش فلسفى كبير بين الفلاسفة الوثنيين قبل الميلاد، حول الخلق وهل تم من مادة موجودة أم من العدم، بحيث خلق الله المادة أولًا ومنها خلق كل شئ، ولكن الأمر ُيحسم هنا في مواجهة المتشككين من اليهود المهلّنين (المتأثّرين بالفلسفة اليونانية) وكذلك اليهود الذين بدأوا في اعتناق الفكر الصدوقى، ولذلك فإن عبارة ex duk onton والتي وردت في المخطوطات اللوسيانية تعني: "مما لم يكن" (آية 28) وكذلك العبارة اللاتينية ex nilulo تعنى: " من لا شيء". ومن ثم أصبحت عقيدة الخلق من العدم أساسية في الإيمان المسيحي، وهكذا وجد الشراح واللاهوتيون في سفري المكابيين تعليمًا عقائديًا وركيزة هامة.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
ويقول القديس أغسطينوس تعليقًا على أن المخلوقات خلقت من العدم:
" لذلك فإن الله قد صنع كل الأشياء لا من مادة موجودة سابقًا، لأنه لم يكن شيء موجود مطلقًا، بل من العدم يقول القديس بولس.. "الذي... يدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة" (رومية 4: 17) ولكنه وبأكثر وضوح ُكتب في سفر المكابيين: أنظر يا ولدى إلى السماء والأرض وإذا رأيت كل ما فيهما فأعلم أن الله صنع الجميع من العدم (آية 28) ومن هنا فقد ُكتب في المزمور "لأنه أمر فُخلقت" (مزمور 148: 5) وهكذا صنع كل الأشياء بكلمته وبأمره، يقول القديس بولس أيضًا " لأن منه وبه وله كل الأشياء" (رومية 11: 26) (1).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
الفتى يوبخ الملك

30 وما أن انتهت من كلامها حتى قال الفتى: "ماذا أنتم منتظرون؟ إني لا أطيع أمر الملك، وإنما أطيع أمر الشريعة التي ألقيت إلى آبائنا عن يد موسى. 31 وأنت أيها المخترع كل شر على العبرانيين، إنك لن تنجو من يدي الله. 32 فنحن إنما نتألم من أجل خطايانا. 33 وإن سخط علينا ربنا الحي حينًا قليًا لمعاقبتنا وتأديبنا، فسيصالح عبيده من بعد. 34 وأما أنت أيها الكافر، يا أقذر كل بشر، فلا تتشامخ باطلًا ولا تعلل النفس بالآمال الكاذبة وترفع يدك على عبيده، 35 لأنك لم تنج إلى اليوم من قضاء الله القدير الرقيب. 36ولقد صبر إخوتنا على ألم ساعة، سعيًا لحياة لا تزول، وسقطوا في سبيل عهد الله. وأما أنت فسيحل بك، بقضاء الله، العقاب الذي تستوجبه بكبريائك. 37 وأنا كإخوتي أبذل جسدي ونفسي في سبيل شرائع آبائنا، وأبتهل إلى الله أن لا يبطئ في توفيق أمتنا وأن يحملك، بالمحن والضربات، على الاعتراف بأنه هو الإله وحده. 38 عسى أن يحل علَىَّ وعلى إخوتي غضب القدير الذي ثار على أمتنا بالعدل!" 39فحنق الملك لمرارة الاستهزاء فزاده تعذيبًا على إخوته. 40وهكذا فارق الفتى الحياة غير مدنس، وقد وَكَلَ إلى الرب كل أمره. وفي آخر الأمر ماتت الأم بعد بنيها. 41 وكفى ما رويناه عن المَآدبِ الطقسية والتعذيبات المُبَرحَة.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
مخترع الشر: تعبير شائع في ذلك الوقت، ُاطلق أيضًا على الشيطان. وهكذا وبينما يدّعي أنطيوخس الألوهية، فإنه ُيوصف هنا بالشرير والمفكر بالشر والمتفنّن فيه " في قلبه أكاذيب يخترع الشر كل حين. يزرع خصوما" (أمثال 6: 14) وأيضًا " أما يضلّ مخترعوا الشر، أمّا الرحمة والحق فيهديان مخترع البر" (أمثال 14: 22) وأيضًا لا تخترع شرًا على صاحبك (أمثال 3: 29).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
عبرانيين: وأما هذا التعبير فقد استخدم للإشارة إلى اليهود في السفر أكثر من مرة (راجع أيضًا 11: 13 و 15: 37) كما استخدم في سفر يهوديت أكثر من مرة (يهوديت 10: 12 و 12: 11 و 14: 18) ولكن مصطلح عبرانيين استخدم بالأكثر للإشارة إلى اليهود خلال الفترة من إبراهيم حتى حلم يعقوب حين تحول اسمه إلى إسرائيل، ومن ثم أطلق تعبير بنى إسرائيل على الشعب منذ ذلك الحين وحتى سبى بابل. ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم ُيستخدم تعبير يهود نسبة إلى يهوذا السبط الأكبر والأكثر فعالية.
يشير الشهيد هنا إلى أنه وبالرغم من أن الله يعاقب الأمة على خطاياها، وهو في ذلك عادل (آية 38) إلاّ أنه سريعًا ما يفتقدها بالخير، كما أنه (أي الشهيد) لا يعدّ نفسه قديسًا لكونه سيموت لأجل الله، وإنما هو يرضى بتأديب الله بشكر! مثل إخوته الذين صبروا على الآلام الحاضرة من أجل المجد العتيد.
أماّ الآمال التي يشير إليها هنا ويتعلق بها أنطيوخس فهي القضاء على العقيدة اليهودية، وتحويل البلاد إلى مملكة هيلينية ثقافةً وعقيدةً ولغةً، غير أن ذلك لن يتم له يصرح الشهيد فإن الله سيعاقبه ويثأر لدم الشهداء الأبرار.
هذا ويلخص الشهيد الأخير جميع الأفكار والدروس المهمة في الأصحاح، لاسيما وأن الاضطهاد قد جاء على إسرائيل نتيجة خطاياه وهو ما ورد أيضًا في (6: 12 - 16). ويقول التلمود في أحد أبوابه (سنهدرين 27: 2) عن هؤلاء الشهداء: " لقد ماتوا بعد خطأ جمهور إسرائيل، إذن فإسرائيل كلها مسئولة عن هذا".
وكان من الطبيعي أن يستاء الملك من جرأة الفتى وتصريحاته مما جعله يزيده آلامًا أكثر من السابقين. وأمّا الأم وبعدما اطمأنت على الكل وأنهم قد ماتوا أمناء من أجل الله والوصية، فقد قبلت الموت بفرح وراحة(1) ولعلها تذكّرنا بالأم دولاجي والتي ُذبح أولادها على حجرها واحدًا بعد الآخر، وحينما كان المضطهِدون يظنّون أنهم بذلك يرعبونها حتى ترجع عن إيمانها، كانت هي في الحقيقة تسرّ لأنها كانت تخشى أن تضعف عزائهم إن ماتت هي قبلهم.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
بعض من أقوال الآباء عن الشهداء المكابيين

نظر الكثير من الآباء إلى هؤلاء الشهداء باعتبارهم شهداءً مسيحيين قبل المسيحية، لأسباب عدة، منها الأمانة إلى حد الموت في الشهادة لله وحفظ الوصية، ثم التشابه الكبير بين أساليب كل من الوعد والوعيد من قبل الحكام المضطهدين، ثم أساليب التعذيب ذاتها والتي اتصفت بالبشاعة والتمثيل بالأجساد قبل القتل، وفي المقابل البسالة والشجاعة التي لاقى بها الشهداء مثل ذلك الظلم، ثم التوبيخ الناتج عن تلك الشجاعة للمضطهدين، ولقد أثنى القديس بولس عليهم في فجر المسيحية قائلًا".. تقووّا من ضعف صاروا أشداء في الحرب هزموا جيوش غرباء. أخذت نساء أمواتهن بقيامة (استعادت أم المكابيين أولادها بالقيامة) وآخرون عذبوا ولم يقبلوا النجاة لكي ينالوا قيامة أفضل (السبعة الشهداء) وآخرون تجربوا في هزء وجلد ثم في قيود أيضًا وحبس. وُرجموا ُنشروا ُجرّبوا. ماتوا قتلًا بالسيف طافوا في جلود غنم وجلود معزى معتازين مكروبين مذلّين، وهم لم يكن العالم مستحقًا لهم تائهين في براري وجبال ومغاير وشقوق الأرض. فهؤلاء كلهم مشهودًا لهم بالإيمان لم ينالوا الموعد. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). إذ سبق الله فنظر لنا شيئًا أفضل لكي لا يكملوا بدوننا" (عبرانيين 11: 34-40).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
الكنيسة الجامعة من الختان والغرلة

هكذا يجمع القديس بولس بين شهداء اليهود الذين من الختان والآخرين الذين من الأمم (الغرلة) حيث سيكُمل الفريقان معًا بالله. يقول القديس أغسطينوس تعليقًا على الآية " اللهم إن الأمم قد دخلوا ميراثك نجسوا هيكل قدسك، جعلوا أورشليم أكوامًا دفعوا جثث عبيدك طعامًا لطيور السماء، لحم أتقيائك لوحوش الأرض، سفكوا دمهم كالماء حول أورشليم وليس من يدفن" (مزمور 79: 1-3) وهي الآية التي تعد بمثابة نبوءة عما سيحدث في العصر المكابى، يقول"..هذه الأشياء ُعملت من قبل الأعداء الآخرين، قبل أن يجئ السيد المسيح بالجسد، في ذلك الوقت كان الأنبياء القديسون عندما حدث السبي إلى بابل، وتلك الأمة قد تضررت بشكل كبير، وفي ذلك الوقت وتحت حكم أنطيوخس، أيضًا المكابيون بعدما تحمّلوا الآلام المروعة، تكللّوا بشكل مجيد، أو بالتأكيد بعد قيامة الرب وصعوده، وكذلك هؤلاء الذين تعذّبوا بأيدي عابدي الأصنام وأعداء السيد المسيح، وهكذا زخرت هذه الكنيسة بهذا الكم من الشهداء، إذا فهي ميراث الله، تجمّعت من الختان والغرلة، أي من شعب إسرائيل ومن بقية الأمم، بواسطة الحجر الذي رفضه البناؤون والذي أصبح رأس الزاوية (مزمور 118: 22) (1)
أما القديس يوحنا ذهبي الفم تعليقًا على الآية "ولما أكمل يسوع أمره لتلاميذه الاثنى عشر انصرف من هناك ليعلم ويكرز في مدنهم" (متى10: 1) فيقول: ماذا إذن هل كان الذين عاشوا قبل مجئ المسيح مخطئين؟ كما يظن البعض قد خلصوا، دون اعترافهم بالسيد المسيح لأن هذا لم يكن مطلوبًا منهم، وإنما طلب منهم فقط ألاَ يعبدوا الأصنام وأن يعرفوا الإله الحقيقي، لأن الرب إلهنا قد قيل عنه "رب واحد" (تثنية 6: 4) لذا فإننا نعجب بالمكابيين لأنه بسبب مراعاتهم للشريعة عانوا ما قد عانوا (2).
وفي حديثه عن معاملات الله مع شعب إسرائيل يقول: "حتى بعد السبي لم يتركك بل أعادك إلى حريتك وأعاد إليك الهيكل وشكّل حكومتك وكان هناك أيضًا أنبياء ثانية، بل حتى في زمان سبيك لم يتركك دون أنبياء فهوذا دانيال وحزقيال وفي مصر إرميا وموسى في الصحراء، ولكنك عدت إلى رزيلتك ثانية وانجذبت إلى النهج الإغريقي في حكم انطيوخس الأثيم (دانيال 8: 14 و 1مكا4: 54) ولمدة ثلاث سنوات ونصف كنت مُسلمًا إلى أنطيوخس ولكنه وبواسطة المكابيين رفعت تلك الكؤوس الساطعة البهية ثانية، وأما الآن فلا شيء من هذا.(1)
وفي حديث طويل عن الشهداء المكابيين، يقول الشهيد كبريانوس في مقالته إلى فرتوناتوس للحثّ على الاستشهاد:
"وهذه الأمور التي تواجه المسيحيين الآن ليست جديدة أو مفاجئة، حيث يتعرض الأبرار والأمناء على الدوام للضيقات والآلام الحادة من بدء العالم وحتى الآن. وها هم الأخوة السبعة رمز الكمال في عددهم، لقد برهنوا على إيمانهم قدام أنطيوخس، نعم لقد تمثّل في أنطيوخس هذا المسيح الدجّال (ضد المسيح) والذي طلب أن يلوّث أفواه الشهداء المجيدة غير المقهورة، عن طريق أكل حلم الخنزير، وإذ ضربهم بشدة بالسياط ولم يظفر بشيء أمر بأن تسخن أسياخ من حديد حتى توهّجت، وقد بدأ بالفتى الذي جعل من نفسه نائبًا ومتحدثًا عنهم، وأمر بقطع لسانه ثم شيّه بالنار، حيث أثار الملك بقوة إيمانه وثباته في الفضيلة، هذا الذي اعترف بالله فمجده الله، لأن اللسان الذي اعترف باسم الله أوجب على نفسه أن يمضى أولًا إلى الله. ثم فى الثاني أبتكر آلامًا أشدّ، حيث أنهم قبل أن يعذبوه في أطرافه الأخرى نُزع عنه جلد وشعر رأسه بدافع الغيظ بلا شك لأنه بما أن المسيح هو رأس الرجل والله هو رأس المسيح، فإن الذي قطع رأس الشهيد كان يضطهد الله نفسه والسيد المسيح في هذا الرأس، لكن الأخ الثاني هذا وإذ وثق بشهادته واعدًا نفسه بمكافأة الله بالقيامة، صاح قائلًا: " إنك أيها الفاجر تسلبنا الحياة الدنيا ولكن ملك العالمين، متى متنا في سبيل شريعته فسيقيمنا لحياة أبدية (آية9). وأما الثالث فإذ أوقفوه بادر ببسط لسانه إذ تعلم من أخيه أن يحتقر عذاب قطع اللسان، بل أنه قدّم يديه أيضًا لتُقطعا، وهو سعيد بهذا النمط من العقاب، إذ كانت قرعته أن يمد يديه على مثال الرب المصلوب، أما الرابع ففي فضيلة مماثلة احتقر التعذيب مجيبًا لكي يُفحم الملك صارخًا بصوت سمائي: "حبذا ما يتوقعه الذي يُقتل بأيدي الناس من رجاء أقامة الله له أما أنت فلا تكون لك قيامة الحياة" (آية14). أما الخامس فبجانب وطئه تحت أقدام المعذبين وعذاباته الحارة المتعددة بقوة الإيمان منتعشًا أيضًا بعلم الغيب ومعرفة الأحداث المستقبلية (التنبؤ) بروح إلهي تنبأ إلى الملك، بقضيب الله والثأر الذي يتحتم أن يلبيه بسرعة شديدة: " أنك بما لك من السلطان على البشر مع كونك فانيا تفعل ما تشاء، ولكن لا تظن أن الله قد خذل ذريتنا. أصبر قليلًا فترى بأسه الشديد كيف يعذبك أنت ونسلك (آية 16) فأية راحة يجدها الشهيد وأي تخفيف عنه عندما ينظر إلى عذابه الخاص، بل وتنبأ أيضًا بعقوبات ُمعذّبه.! وأما السادس فعلينا ألاَ نستعرض شجاعته فحسب وإنما أيضًا تواضعه، لأنه لم يدع فضلًا لنفسه ولا عمل اعتبار لشرف اعترافه الخاص بكلمات عزيزة، وإنما بالأحرى نسب الاضطهاد الذي كان يعانيه من الملك إلى خطاياه هو، في حين نسب إلى الله أنه سينتقم منه لاحقًا، وقد أثبت هذا الشهيد أن الشهداء متواضعون واثقون من انتقام الله نيابة عنهم، ولم يفتخر الشهداء بشيء في معاناتهم، فيقول في شهادته: لا تغترّ بالباطل فإن نحن قد جلبنا على أنفسنا هذا العذاب لأنا قد خطئنا إلى إلهنا، ولذلك وقع لنا ما يقضى بالعجب، وأما أنت فلا تحسب أنك تُترك هكذا بعد معاداتك لله.
وأماَ الأم الطوباوية والتي لم تهتز بسبب ضعف طبيعتها، ولا تزعزعت بسبب فداحة مصابها، وإنما نظرت إلى بنيها المحتضرون بابتهاج، ولم تحسب ما يحدث لهم عقابًا من الله بل أمجادًا، معطية نفسها كامرأة عظيمة شهادة لله بطهارتها مثل أولادها الذين أعطوا أنفسهم كشهود لله من خلال التعذيب وبتر الأعضاء.
فلما جاء دور الأخ الأخير، حاول الملك استمالته واسترضاؤه بالاغراءات بأمور هذا العالم، لعلّ رجوعه عن الاستشهاد يسكن غضب الملك نفسه! وتسكن قوته وشراسته باستمالته واحدًا فقط منهم، بل طلب الملك إلى الأم التوسّط لدى ابنها في هذا الأمر، ولكنها إذ أصبحت أم الشهداء متذكرة الشريعة والله ومحبة أبنائها، توسلت إلى ابنها بشجاعة ودون ضعف أن يعترف بالله! ساعية ألاّ ينفصل الأخ السابع عن إخوته في تحالف المجد والفرح، وأرادت أن تقدّم السبعة كاملين كهدية لله لا العالم، ولذلك فقد حثّته وشجعته متوسلة إليه أن يرحمها وُيقدم على الاعتراف بالله والشهادة، لقد كانت الأم عظيمة حين حثّت ابنها على الفضيلة ومخافة الله، وفي إيمانها الصادق لم تَعد نفسها ولا ابنها بشيء من شرف الشهداء الستة ولا اعتقدت بأن صلوات الأخوة تنفع لانقاذهما إذا أنكرا الإيمان بل أقنعته أن يصبح شريكًا في آلامهم حتى يوجد معهم في اليوم الأخير. وفي النهاية استشهدت تابعة أولادها، إذ لم يكن ممكنًا أن ترسلهم شهداء ولا تلحق بهم(1).
وقد استشهد الشهيد كبريانوس مرة أخرى باستشهاد ألعازر والأخوة السبعة وأمهم في الكتاب الثالث ضمن ثلاث كتب للرد على اليهود، في أن ما نعانيه في هذا العالم من آلام لا يقاس بالمكافآت التي وعد بها الرب (2).
ويقول القديس أغسطينوس أن تعب هؤلاء المكابيين الشهداء لم يكن هباءً، ودون فائدة، كلاّ، فقد تمسّكوا بالشريعة والتقليد.(1) وهو ما يردده أيضًا القديس جيروم في رسالته إلى القديس أغسطينوس(2).
وعن الأم يقول القديس أغسطينوس أيضًا: "لقد قرأ كلنا عن أم الفتية المكابيين، والتي كانت أكثر عثرًا حقًا في الفضائل عندما عانى أولادها أكثر من المعاناة في الولادة، هكذا حثتهم على الثبات متكلمة بحكمة (كيف أن الله هو الذي تولى تكوين أجسادهم ونفوسهم في رحمها، وهو خالق العالم وهو الذي سيعيد إليهم الحياة من جديد (آية 23) وكان القديس في هذا السياق الرد على بدعة نشأة بخصوص الروح ومنشأها والأعضاء كذلك، فهي من الله وليس من الوالدين(3).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
قصة شهيده يهودية من التاريخ

يتحفنا تاريخ الكنيسة بقصة رائعة لشهيدة يهودية ماتت أيضًا في سبيل محبتها لله وأمانتها للوصية، فقد اضطهدت كثيرًا بسبب عفتها، وكانت تدعى حسنة، إذ تركها زوجها في عهدة أخيه الصغير حتى يعود من تجارته فلما أراد ذلك الأخ أن يحملها على خيانة زوجها نهرته وأبت ذلك بشدة، ومن ثمّ أقام عليها شهود زور بأنها خاطئة فحكم عليها المجلس بالرجم، ولما ظنّوا أنها ماتت جرّوها من رجليها حتى المدافن حيث تركوها هناك دون دفن، غير أن أعرابيًا صالحًا أنقذها واعتنى بها في بيته، فلما طلب الزواج منها رفضت لكونها متزوجة، ولكن زوجة ذلك الأعرابى وبدافع الغيرة دبرت لها مكيدة إذ سعت في أن يتزوجها عبد كان يعمل لديهم فلما رفضت أيضًا، قام ذلك العبد بقتل ابن الإعرابى ثم اتهمها بذلك، وقبل أن يهمّ الأعرابى ذاته بقتلها انتقامًا، أدرك في الحال أنها مكيدة وأنها بريئة. ومن ثمّ فقد صرفها من عنده خوفًا على حياتها وأعطاها أربعين دينارًا. وبينما هي في طريقها رأت رجلًا ُيساق إلى الصلب بسبب دين كان عليه بلغ مقداره: مقدار ما معها هى، فأعطته إياه وأنقذته من الموت.
ومضت هي بلا مال أو مأوى إلى أن آوتها سيدة فاضلة في بيتها، وفي ذات يوم ُاصيبت السيدة بحمى فصلّت حسنة لأجلها فُشفيت، وجاء إليها قوم مرضى فصلت لأجلهم فنالوا الشفاء إلاّ واحدًا كان مصابًا بالبرص هذا اعترف أمام الجميع أنه صنع ذنبًا عظيمًا إذ أراد التزوج من زوجة أخيه فلما رفضت أقام عليها شهود زور وتسبب في قتلها رجمًا، وكان أخيه يقف إلى جواره باكيًا، فصلت لأجله إلى الله فشفى في الحال، ولكن المفاجئة الكبرى أنها رفعت عنها غطاء الرأس قائلة للأخ الكبير أنا حسنة زوجتك.. لا تحزن، فذهل الرجل من المفاجأة، وعاشت معه بعد ذلك خمسة
عشر عامًا(1).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
مابين المكابيين والثلاثة فتية

يظن البعض أن النجاة من الأخطار أو الموت، أو اجتراح الآيات هي شرط حتمى لتعزيز قداسة إنسان وعلامة قبوله لدى الله، ولكن الذين قاموا من الموت على يد السيد المسيح ومن بعده التلاميذ ومن بعدهم القديسين، ماتوا أيضًا بعد ذلك! والذين اجترحوا المعجزات وشفوا مرضى عديدين مرضوا وماتوا، وكثير من القديسين تغلبوا على الوحوش والحيات، ولكن قديسين آخرين قتلتهم الوحوش والأفاعى سواء في ساحات الاستشهاد، أو في مناسكهم في الغابات والجبال ولم ينتقص هذا من قداستهم في شئ، كذلك فإن بعض أجساد الراقدين مازالت سليمة لم تتحلل رغم مرور مئات السنين على رقادهم، في حين تحللت بقية الأجساد مع أنها أجساد شهداء وقديسين أيضًا، ولم يفصل هذا الأمر بين قوم وآخرين في مسألة القداسة.
هكذا فقد كانت هناك حاجة إلى تناول ما حدث للفتية الثلاثة ودانيال من جهة، وما حدث للمكابيين الشهداء من جهة أخرى، وهل تميز الفتية على المكابيين لأنهم نجوا من الموت على يد المضطهد.؟
يقول القديس أغسطينوس: "أليس هو الله نفسه، من كان إله المكابيين وإله الثلاثة فتية؟ فهؤلاء أنقذهم من النار بينما المكابيون فنيت أجسادهم في العذاب بالنار، ولكن إرادتهم بقيت صامدة في حفظ الناموس، الفتية ُانقذوا علانية، بينما المكابيون تكلّلوا سرًا؟ إنه لشيء عظيم أن تُنقذ من لهيب جهنم ذاك أفضل من النجاة من آتون الاضطهاد البشرى(1).
وفي موضع آخر يقول "إذا ماذا ؟ هل الشهداء الذين تعرّضوا للوحوش المفترسة لتتصارع معهم، وتمزقوا بأسنان الوحوش الضارية، ألم يكونوا خاضعين لله ؟ أو هل كان الفتية الثلاثة خدامًا لله بينما لم يكن المكابيون خدامًا لله ؟ هل تعرّفت النار على هؤلاء الرجال الثلاثة كخدام لله فلم تحرقهم ولا آذت ملابسهم، بينما لم تتعرّف على المكابيين ؟ كلاَ، لقد تعرفت عليهم يا اخوتى، ولكنه هناك حاجة إلى السوط بإذن من الرب، لقد قال في الكتاب المقدس "يجلد كل ابن يقبله" (عبرانيين 12: 6) اتظنون يا اخوتى أن الحديد كان سيثقب الأعضاء الحيوية من جسد الرب ما لم يسمح له الرب بذلك، أو أنه كان سيعلَق موثقًا في الشجرة (الصليب) ما لم تكن تلك إرادته، ألم يتعرف عليه مخلوق؟ أم أنه وُضع مثالًا للصبر للمخلصين له ؟ انظروا إذن فالله أنقذ البعض علانية، بينما أنقذ البعض خفية، ولكنه خلصهم جميعًا روحيًا (خلّص أرواحهم) ولم يتخلّ عن أحد قط "(1).
وفي تفسيره لسفر المزامير تعرض من جديد لهذا الأمر، حيث عَلق على الآية: " ُانظر إلى نفسي وبخّها من أجل أعدائي خلصني" (مزمور69: 18) قائلًا: يجب ألاّ نعبر سريعًا على هذه الآية، فهناك نوع من النجاة السريّة للرجال القديسين صُنعت لأجلهم خصيصًا، فإنه من الواضح أن هذا جُعل بسبب أعدائهم، إمّا لعقابهم أو لنجاتهم، لأن الله حقيقة لم ُينقذ الأخوة في كتاب المكابيين من نيران المضطهد.. في حين أن الفتية الثلاثة قد أنقذوا علنًا من آتون النار، لأن أجسادهم أيضًا قد ُانقذت، فكانت سلامتهم علانية، وفي حين أن (الأخوة المكابيين) تكللوا سرًا فإن الفتية ُانقذوا جهرًا، كلٍ على أية حال خلص.. هناك إذن نجاة سرية وهناك نجاة علنية، السرية تعود على الروح والعلنية تعود على الجسد أيضًا مع الروح، لأن الروح تخلص سرًا والجسد بشكل علني.. هكذا عندما قام الرب يسوع المسيح من الأموات وصعد إلى السموات آمن به أولئك الذين شكّوا عند موته... هكذا يقصد داود النبي
ب "من أجل أعدائي خلصني" لأن الأعداء لن يربحوا شيئًا إذا نجيت
روحي فقط " (2).
وتعليقًا على الآية "يدعوني فاستجيب له. معه أنا في الشدة " (مزمور 91: 15) يقول القديس أغسطينوس أيضًا: " بينما تظن أن الله تركك لأنه لا ينقذك عندما تشاء فإنه ينقذك، لقد أنقذ الفتية الثلاثة من النار؟ هل الذي عمل هذا، تخلّى عن المكابيين؟ حاشا لله! لقد خلص كليهما: الأولون جسديًا حتى يخزى الكافرون، والآخرون روحيًا لكي يحذوا المؤمنون حذوهم
" ُانقذه وأمجده " (1).
وفي النهاية يقول في ردَه على فستوس المانوي: إن الرجال الأبرار الأقدمون والذين رأوا في الأسرار التي كانت أيامهم وعند إعلان الإيمان في المستقبل، إذ مكنتهم تقواهم من أن يتبينوا في ضوء النبوة الخافت، والذي به عاشوا "لأن البار بالإيمان يحيا" (رومية 1: 17) إذًا فهؤلاء الأبرار كانوا مستعدين أن يعانوا، بل أن العديد منهم عانى في الحقيقة، كل محاكمات التعذيب القاحل لأجل تلك الأسرار الرمزية التي تنبأت عن أشياء في المستقبل.. أننا نشعر بالإعجاب الشديد تجاه المكابيين الذين رفضوا أن يمسّوا الطعام الذي يتناوله المسيحيون بشكل قانوني، هكذا أكثر بكثير يجب على المسيحي في أيامنا هذه أن يكون مستعدًا أن يعانى كل الآلام، لأجل معمودية السيد المسيح وافخارستيا المسيح وصليبه المقدس، إذ أنها براهين تحقيق ما أشارت إليه النبوات (الأسرار) القديمة أنه سيتحقق في المستقبل(2).

(1) يرد ذلك في كتاب المكابيين الرابع (4: 22 _ 5: 4) وهو كتاب غير قانوني، وكذلك كتاب جورجيوس كادرينوس Georgios Cadrenus وكتاب يوسيفون اليهوديYosefon (القرون الوسطى) الفصلين 18، 19 باعتبارها أحداث وقعت في أورشليم أو بالقرب منها، وكجزء من الاحداث المترتبة على نهب أورشليم، كما حاول بعض المفسرين استنتاج ذلك من (إرميا 15: 5_9).
(2) onomast.ed.Lagarde 140
(3) راجع Card Rampolla وفي جريدة Bessarione 1897 - تحرير Bevenot.
(1) راجع ملاحظة إينيليو في منوراة هماؤور - شمعدان النور - لألنقاف 337:2
(2) يوجد لهذه القصة إشارات كثيرة جدًا في الأجاداه اليهودية (راجع سونيس GVd 131 و أيضا في أعمال جاستر في الجزء الإنجليزي 196).
(1) Nicene and P.N.F, vol. IV, P. 357. الرسالة 111 إلى فيكتوريانوس
(1)تاريخ هيرودت (4 / 64).
(2)جدير بالملاحظة هنا أن هناك عدة تعبيرات في اللغة العربية خاصة بهذا النوع من العقاب والتعذيب، فيقال "بتر ذراعه" أو جدع أنفه أو صلم أذنيه أو خمس عينيه أو قطع أو حزّ رأسه...الخ.
(3) زينوفون 1، 9، 13 Anab.
(4) هيرودوت: (4: 64 - 65).
(1) هناك إشارة إلى مثل هذه العقوبة في (إرميا 29: 22) لاثنين من الأنبياء الكذبة صدقيا وآخاب (شخصيتان غير معروفتان) اللذين قلاهما ملك بابل بالنار، ومن المعروف أن عبادة النار كان يرافقها تقديم ضحايا بشرية.
(2) ولما أصبح عاجزًا تمامًا(آية5): جاءت في الأصل العبري (مُرُسَّق أفاريم = مسحوق الأعضاء - مقطوع الأعضاء) وجاءت في اليونانية (acrhston = بلا فائدة).
(1) قاموس آباء الكنيسة وقديسيها. القمص تادرس يعقوب (الجزء الخامس / ص 169 172).
(3) NPN F. S1 , voi v111, P. 77. تفسير مزمور 34
(1) NPN F, S1, Vol. V1, P. 53. مقال في مبادئ الكنيسة الجامعة (فصل 23، 43)
(2) NPN NPN F, S1, Vol. V1, P. 53. مقال في مبادئ الكنيسة الجامعة (فصل 23، 43)العظة 50 في دروس من العهد الجديد.
(1) NPNF, s1, voi. V1, P. 10 الرسائل
(2) V111, P. 115 رسائله
(3) Ibid S2, vol.X,p.34 واجبات الإكليروس
(1) ANF. Vol X, P. 307 الكتاب الأول / تفسير إنجيل يوحنا
(1) NPEF. S1, vol. Iv, P. 357.
(1) لم يذكر هنا شيء عن كيفية استشهاد الأم، ولكن تفاصيلًا كثيرة عن ذلك وردت في كتاب المكابيين الرابع، وكذلك كتاب (يوسيفون) والذي يرجع للعصور الوسطى.
(1) NPNF, s1, vol. V111, P. 301. تفسير سفر المزامير
(2) NPNF, S21, vol. X, P. 241.
(1) NPNF, S1, vol. X, P. 241.
(1) ANF, Vol. V, P. 502-505. الأطروحة الحادية عشر
(2) Ibid, P 539.
(1) NBN.F, S1, Vol. 1, P. 274. رسائل بين القديس أغسطينوس والقديس جيروم /رسالة 40
(2) Ibid, S1, Vol. 1 , P. 340. رسائل القديس أغسطينوس
(3) NPNF, S1, Vol. V, P. 324.
(1) قاموس آباء الكنيسة وقديسيها / القمص تادرس يعقوب / الجزء ح-ص / ص19-22.
(1) NP.NF. S1, Vol. V11, P. 80 عظات على إنجيل يوحنا (يو2: 23-25 ؛ 3: 1-5)
(1) NPNF, S1, Vol V11, P. 509. العظة الثامنة على (يوحنا الأول 4: 12-16)
(2) Ibid, Vol V111, P. 306.
(1) Ibid, P. 381.
(2) NPNF, S1, Vol. IV, P. 244
  رد مع اقتباس
قديم 01 - 04 - 2014, 02:56 PM   رقم المشاركة : ( 8 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,577

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني

بدايات الثوره المكابية
1مكا 3: 1 - 4: 26
إكتملت سلسلة الاضطهادات السلوقية من نشر الهيلينية بالقوة ونهب الهيكل إلى التعذيب والقتل من أجل الإيمان، وعند هذا الحد كان من الضروري أن يأخذ الغيوريين من اليهود على عاتقهم دفع تلك الشرور وقيادة الأمة لتصحيح المسار ومواصلة المسيرة. وعندما بدأ يهوذا المكابى وجد تعاطفًا وتجاوبًا كبيرًا مع دعوته. فاستطاع بعد عدة معارك خاطفة إيقاع الرعب في قلوب السلوقيين. وكانت تلك هي بداية الحقبة المكابية.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
يهوذا الماكبى والغيرة المقدسه



1وكان يهوذا المكابى ومن معه يتسللون إلى القرى ويدعون إليهم أبناء جنسهم ويضمون إليهم الذين ثبتوا على دين اليهود، حتى جمعوا نحو ستة آلاف. 2 وكانو يبتهلون إلى الرب أن ينظر إلى الشعب الذي أصبح يدوسه كل أحد، ويعطف على الهيكل الذي دنسه الكافرون، 3ويرحم المدينة المتهدمة والتي أشرفت على الزوال، ويُصغى إلى صوت الدماء الصارخة إليه، 4ويذكر إهلا الأطفال الأبرياء ظلمًا والتجاديف على أسمه، ويُظهر بُغضه للشر.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
أقربائهم: جاءت في اليونانية (suggeneiV: أي من أبناء اسرهم) ويؤكد هذا المعنى الكلمة الواردة في الترجمة اللاتينية الفولجاتا (Propinquos أو Cognatos) ونرى من سياق النص هنا أن الباقين في اليهودية كدين كانوا ستة آلاف شخص، وطبقا لما ورد في (1مكا6:4) نرى أن الذين اشتبكوا في القتال مع جرجياس من جيش يهوذا ثلاثة آلاف، مما يعني استعفاء نصف قوته بسبب الخوف.
بعد أن هرب يهوذا المكابي ومن معه إلى الجبال (5: 27) بدأوا في حشد الغيورين من الشعب من أجل تنسيق المقاومة ضد هذا الخطر الذي زحف على الأمة، وقد وجدوا مناصرين كثيرين كانوا فيما يبدو ينتظرون مَن يقودهم في تلك الحرب المقدسة (1)، حيث جعلوا هدفهم منذ البداية ودافعهم هو إنقاذ الشعب من الضلال وإعادة الكرامة والطقوس إلى الهيكل، وصيانة المدينة المقدسة أورشليم. ولذلك فهي حرب مقدسة في منشأها، وإن كانت قد انحرفت عن هذا الهدف بعد ذلك، حين برزت الأهداف
السياسية والتوسعية.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
الدماء الصارخة إليه:


إنها بالتأكيد دماء الشهداء المكابيين (ألعازر والأم وبنيها السبعة ثم استشهاد السيدتين مع ابنيهما اللذين ختناهما) والتي صعدت إلى قدام الله، فسمع لصراخهم ونزل وخلصهم كما سيجيئ لاحقًا ".. وتنهّد بنو إسرائيل من العبودية وصرخوا فصعد صراخهم إلى الله من أجل العبودية. فسمع الله أنينهم فتذكر الله ميثاقه مع إبراهيم وإسحق ويعقوب ونظر الله بنى إسرائيل وعلم الله" (خروج 2: 23، 24) ومرة أخرى سنقرأ في سفر الرؤيا كيف صرخ الشهداء من جديد إلى الله".. رأيت تحت المذبح نفوس الذين قتلوا من أجل كلمة الله ومن أجل الشهادة التي كانت عندهم وصرخوا بصوت عظيم قائلين حتى متى أيها السيد القدوس والحق لا تقضى وتنتقم لدمائنا من الساكنين على الأرض.. " (رؤيا 6: 9، 10). وفي حين انتقم الله للشهداء المكابيين في العصر المكابى ذاته، فإن أكبر انتقام أجراه الله لشهداء سفر الرؤيا هو أن بعض مضطهديهم قد استشهدوا مثلهم فجاءوا هم الآخرين واخذوا ثيابًا بيض مثلهم ورقدوا إلى جوارهم!! مثل لونجينوس وأريانوس وغيرهم (رؤيا 6: 11).
هذا ويلاحظ أن هذه الصلاة قد جاءت عقب صلاة الأخ السابع بين الشهداء المكابيين في الأصحاح السابق (7: 38) ولاحقًا سيدرك المحاربون كيف أسهمت دماء هؤلاء الشهداء في الانتصار (آية 28).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
وهكذا تحددت دوافع الثورة المكابية وتبلورت (آية 2-4):


1 الشعب الذي صار مدوسًا.
2 الهيكل الذي دنّسته الأمم.
3 أورشليم المدينة التي تهدّمت.
4 دماء الشهداء الذين ُقتلوا.
5 اهلاك الأطفال الأبرياء (الذين ُختنوا).
6 التجاديف على اسم الله.
7 الشر الذي استشرى بشكل عام. (راجع 1مكا 2).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
بواكير الثوره الماكبيه


1 مكا 3: 10 - 26
5 ولما أصبح المكابى على رأس جيش، لم تعد الأمم تثبت أمامه، إذ استحال سخط الرب إلى رحمة. 6 فجعل يفاجئ المدن والقرى ويحرقها، حتى إذا استولى على مواقع توافقه، هزم الأعداء الكثيرين. 7 وكان أكثر غاراته في جنح الليل، فذاع خبر شجاعته في كل مكان.
هنا عرض مختصر لأعمال يهوذا المكابى، ولعل الأصحاحات السبعة السابقة كانت تمهيدًا ضروريًا لإبراز حتميّة قيام المكابى بما هو آت، فها قد تبلورت الثورة المكابية وصار لها جيش، ومن ثم بدأ يهوذا في شن حملات خاطفة في عمل عسكري محلّى وفي مواقع منفصلة، كانت أشبه بغارات ليلية، حيث كان لعنصر المفاجآت العامل الفعّال في احراز الانتصارات، ويتضح لنا هنا بجلاء أن يهوذا كان يجيد التخطيط وأنه قائد موهوب وفذّ، وكما سبق في حديثنا عنه في (1مكا 3: 2-9) فهو يعد القائد العسكري الأشهر بعد داود النبي في التاريخ اليهودي كله، ومن بين أسباب نجاحه أيضًا أنه لم تكن له أية أهداف شخصية، غير أن السرّ الحقيقي لهذا النجاح الباهر هو أن:
سخط الرب تحول إلى رحمة (آية 5/ب): فالحرب للرب، وهو قادر أن يغلب بالكثير وبالقليل (1 صموئيل 4: 16) وكما سمح الله للأعداء بالاساءة إلى الشعب، فهوذا يعود من جديد ليرحم هذا الشعب. وكان هذا هو مفتاح الحل، أن يرحم الله هذا الشعب ومن ثم فلن تقدر عليه أية قوة.
وهكذا بدأ السلوقيون في الانتباه إلى أن هناك ثورة وجيش وهجمات وانتصارات، ومن ثم بدأت المواجهات العسكرية الحقيقية، بعد أن كانت مجرد اضطهادات عنيفة من قوم لهم اليد العليا في البلاد، ضد شعب مقهور ومفكك بلا قائد.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
حمله نكانور وجرجياس


8 فلما رأى فيلبس أن هذا الرجل آخذ في التقدم شيئًا فشيئًا وأن انتصاراته تتزايد، كتب إلى بطليمس، قائد بقاع سورية وفينيقية، يسأله النجدة لشؤون الملك. 9 فاختار الساعته نكانور بن بتركلس، من خواص أصدقاء الملك، وجعل تحت يده لا أقل من عشرين ألفًا من مختلف الأمم، ليستأصل ذرية اليهود عن آخرهم، وضم إليه جرجياس، وهو من القواد المحنكين في شؤون الحرب. 10 فعزم نكانور أن يؤخذ من مبيع اليهود المسبيين جزية ألفى القنطار التي كانت للرومانيين على الملك. 11وأرسل لوقته إلى مدن الساحل يدعو إلى شراء عبيد يهود، مُسعرًا كل تسعين عبدًا بقنطار، ولم يخطر له ما سيحل به من عقاب القدير.
فيلبس المذكور ههنا هو ممثل الملك في أورشليم (راجع التعليق على 5: 22، 23) وكان هو أول من أحسّ بتلك التحركات والهجمات المتلاحقة، وقد خشى من تفاقم المقاومة وانفلات زمام الأمور من يده وقد أفلت لاحقًا بالفعل وقام بطليموس قائد إقليم بقاع سورية وفينيقية (راجع 1مكا 3: 38 و 2مكا 4: 45 و 6: 8) ويشمل الإقليم أيضًا أورشليم: بتجهيز حملة عسكرية قوية أسند قيادتها إلى قائد محنك ُيدعى جرجياس، (راجع التعليق على 1مكا 3: 27-60).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
أماعن نكانور بتركلس، فقد كان الاسم نكانور شائعًا في الفترة التاريخية التي نحن بصددها، وقد يكون من الصعب تحديد شخصية نكانور هنا، ولكن النص هنا يوحى بأنه هو ذاته المذكور في (1: 12-15: 37). وقد جاء ومعه أكثر من عشرين ألف جندي(1).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
من خواص أصدقاء الملك: جاءت في الأصل العبري (ميه أَهَفايو هَريشونيم = من أحبائه الأوائل).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني

شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
جرجياس: ربما كان هو الشخص ذاته المذكور في (10: 14 و 12: 32-37) وقد شارك في حملة مهمة ثم حكم مواقع استراتيجية بعد ذلك، وإن كانت اخطاؤه التكتيكية (1مكا 4: 1-22) قد أسهمت في انتصار يهوذا المكابي هنا، ومع ذلك فقد واصل ليسياس ثقته به (ُانظر التعليق على 10: 14، 15).
في ذلك الوقت كان السلوقيون قد وثقوا بقوتهم أكثر من الضروري فلم يحتطوا، وهو شرك تقليدي يسقط فيه الأقوياء، إذ يجب على الإنسان مهما كان قويًا أو ناجحًا: التحسّب لكل شيء، وألا يفْرط في الثقة بنفسه وإمكانياته. وقد اعتمد السلوقيون على قوتهم وجنودهم وعتادهم، ولم يكونوا قد عرفوا أن الله قد حوّل سخطه إلى رحمه لشعبه (آية 5/ب) وأنه ليس بالكثرة ولا بالقوة "بل بروحي قال رب الجنود" (زكريا 6: 4).
بل ومن المؤسف أنهم قد نشروا إعلانًا بين سكان الشعوب الوثنية لاسيّما سكان الساحل مثل صور وصيدا وهم أغنياء يعملون في التجارة وفي الرقيق، بأن هناك أعدادًا ضخمة من الأسرى اليهود سيتم بيعهم، وأن كل تسعين منهم سيباعون بقنطار، أي أن العبد يساوى 67دراخمة أو12 جنيه مصري (إذا كان قنطار ذهب) وهو سعر منخفض جدًا، حتى إذا كان سعر الجملة ! أما إن كان المقصود قنطار فضة فسيكون أقل من ذلك بكثير جدًا. فإذا كان المطلوب تحصيل ألفى قنطار من بيع الأسرى فإنهم في هذه الحالة يحتاجون إلى بيع مئة وثمانين ألف يهودي (ما بين عبد وأمَة) راجع في ذلك (1مكا 3: 41).
إلى هذا الحد كان السلوقيون واثقون بأنفسهم، وهكذا "باع" نكانور وجرجياس اليهود قبل المُلتقى (آية 14) ولكن الله خذلهم إذ نفخ في تلك الفتيلة المدخنة..
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
الجزية المقررة:


فُرِضَت الجزية من الرومان على أنطيوخس الثالث بموجب معاهدة السلام الُمبرمة بين الطرفين في سنة 188 ق.م. وحتى ذلك الوقت كانت ما تزال بعض الأقساط واجبة السداد، ومع أن الغنائم التي حصل عليها أنطيوخس الرابع من مصر كانت كافية لسداد جميع الديون، إلاّ أنه كان ُمسرفًا بطبيعته، مما أرهق خزانته، كان على أنطيوخس أن يدفع مبلغ 12000 طالن على 12 قسطًا سنويًا متساويًا، مما حدا به إلى الاستيلاء على كنوز مصر ومحاولة نهب الهيكل وكذلك نهب هيكل برسابوليس.. ويقول المؤرخون أن أنطيوخس قام بدفع المبلغ المتبقي من التعويض للرومان بالكامل مصحوبًا بالاعتذار عن التأخير حيث كان يتوجّب سداد الأقساط بالكامل عند عام 177 أو 176 ق.م.
ويقول المؤرخ بوليبيوس أن فترة دفع الجزية كانت اثنتى عشر سنة (تبدأ سنة 188 أي تاريخ معاهدة أباميا) ونعرف من العالم ليفى Livy أن أبولونيوس كان في روما في سنة 173 ق.م. ليعتذر عن التأخير في الدفع(1)، رغم أن الوصف الذي يورده يوحى بأنه في تلك المناسبة كان يحضر معه آخر دفعة من المبلغ، ولهذا فمن المرجح أن الرومان قد وافقوا على تأجيل دفع الدين، كما أنه قد جاء بدفعة معدّلة الموعد.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
يهوذا يعظ جنوده التوجيه المعنونى


12 فبلغ يهوذا خبر قدوم نكانور، فأخبر الذين معه بمجئ الجيش، 13فهرب الخائفون وقليلو الإيمان ببر الله وهاجروا إلى أماكن أخرى. 14 وباع الآخرون كل ما كان باقيًا لهم، وكانوا يبتهلون إلى الرب أن يُنقذ من نكانور الكافر من باعهم قبل الملتقى، 15 وإن لم يكن ذلك من أجلهم، فمن أجل العهود المقطوعة مع آبائهم وحُرمِة اسمه العظيم الذي أطلق عليهم. 16 فحشد المكابى رجاله وهم ستة آلاف، وحرضهم أن لا يرتاعوا من الأعداء ولا يخافوا من كثرة الأمم المجتمعة عليهم ظلمًا، وأن يقاتلوا ببأس، 17 جاعلين نُصب عيونهم الإهانة الأثيمة التي ألحقوها بالمكان المقدس وما أنزلوه بالمدينة من سوء المعاملة والعار، مع القضاء على سُنن الآباء. 18 وقال إن هؤلاء إنما يتوكلون على سلاحهم وأعمالهم الجريئة، وأما نحن فنتوكل على الله القدير الذي يستطيع بإيماءة واحدة أن يصرع الزاحفين علينا، بل العالم بأسره. 19 ثم ذكر لهم النجدات التي أمد بها آباؤهم، وما كان من إبادة المئة والخمسة والثمانين ألفًا على عهد سنحاريب، 20 وما كان من المعركة التي شنوها على الغلاطيين في بابل، كيف برز اليهود للقتال وهم ثمانية آلاف رجل، ومعهم أربعة آلاف من المقدونيين، وكيف، حين أصبح المقدونيون في وضع حرج، أهلك أولئك الثمانية الآلاف مئة وعشرين ألفًا بالنجدة التي أتتهم من السماء، وعادوا بغنيمة وافرة.
كانت تلك نذير أول معركة حقيقية ما بين جيش يهودي والجيش السلوقى، إذ سيتحول الأمر من الآن فصاعدًا إلى مواجهات عسكرية منظمة وليس اضطهاد شعب من ِقبل الحكام، أو المناوشات المتفرقة. وكالعادة في كافة الحروب فقد تراجع البعض بسبب الخوف، وحتى وبعد سن القوانين التي تمنع الهروب من الخدمة العسكرية ما تزال هذه الظاهرة موجودة. وهنا يخشى بعض الجنود اليهود من عدم التكافؤ ما بين القوة السلوقية الكبيرة المدرّبة والمسلحة تسليحًا جيدًا، والجيش اليهودي الناشئ قليل العدد والعتاد.
ولا شك أن ذلك كان يعكس ضعف إيمان منهم، لأن الحرب مقدسة في حالتهم هذه ومع ذلك فنحن نقرأ في (1مكا 3: 56) أن يهوذا نفسه قد صرف البعض منهم عملًا بما ورد في (تثنية 20: 1-9) والذي يقضي بإعفاء كل خائف وحديث الزواج وصاحب البيت أو الكرم الجديد، من الخروج للحرب لئلا يضعف قلبه فيؤثر على الباقين. وفي المقابل فقد باع البعض الآخر جميع ما يملك ليتفرغ للحرب على الأرجح. حاسبين ذلك رسالتهم وجُلّ اهتمامهم وربما وضعوا مالهم تحت تصرف القادة اليهود.
وفي (1مكا 3: 40-54) ُيذكر أن الشعب اجتمع في المصفاه مع يهوذا ورجاله، مثلما اجتمع من قبل صموئيل النبي، ويتبع اليهود في ذلك ذات الخطوات التي سلكها حزقيا بعد ما واجه إنذار سنحاريب الأشورى.
وصلى اليهود إلى الله لكي يمد لهم يد العون، إن لم يكن لأجلهم لأنهم خطاة، فليكن من أجل العهود التي قطعها مع آبائهم(1)ومن أجل مدينته وهيكله ومن أجل:
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
إسمه الذي دعى عليهم (1مكا 7: 37):


وهو اصطلاح عبري ظهر للمرة الأولى في (تثنية 28: 10) راجع أيضًا (1مل 8: 43 و 2 أخ7: 14 و عاموس 9: 22 و أعمال 15: 17) هكذا يقول الرب "فإن تواضع شعبي الذين ُدعى اسمى عليهم وصلّوا وطلبوا وجهي ورجعوا عن طرقهم الرديئة فإننى أسمع من السماء وأغفر خطيتهم وأبرئ أرضهم" (2أخ7: 14). وفي الصلوات اليهودية ُوجدت هذه الصلاة " أبانا وملكنا تصرف من أجل اسمك القدير المرهوب الذي دعى علينا.. " (2)
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
التوجيه المعنوى:


وهو أمر شائع وضروري لاسيّما قبل البدء في المعارك، والهدف منه تذكير الجنود بالقضية التي سيحاربون لأجلها، ويظهر من حديث يهوذا أنه كان شخصية روحية وليس قائدًا عسكريًا فذًا فحسب، فهو مُطّلِع بشكل جيد على الأسفار وتاريخ الآباء وتراثهم، وهو الآن يرسّخ في أذهانهم المبدأ الهام بأن الرب ليس كثير عليه أن يغلب بالقليل.
فإن داود النبي قد سبق فأكّد هذه الحقيقة وترك هذه الخبرة ميراثًا لكل الآتين من بعده، إذ وقف أمام جليات الفلسطيني قائلًا "أنت تأتى إليَّ بسيف ورمح وأما أنا فآتى إليك باسم رب الجنود" وفي المزامير يقول "هؤلاء بالمركبات وهؤلاء بالخيل أما نحن فبإسم الرب إلهنا نذكر. هم جثوا وسقطوا أما نحن فقمنا وانتصبنا" (مزمور 20: 8) وهكذا يستطيع الله بنفخة فاه أن يبيد الأمم، بإيماءة واحدة.. أي بمجرد إرادته(1)، وهو ما حدث مع الأشوريين بقيادة سنحاريب إذ هلك منهم 185 ألف (2مل 19: 35 وإشعياء 37: 36).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
معركة الغلاطيين:


الغلاطيون هم الغاليون Galatians: وُيعرف عنهم قوة أبدانهم وبطشهم في الحروب وهم قبائل سلفية شرسة غزت العالم الناطق باليونانية في النصف الأول من القرن الثالث ق.م. وقد استقرت أعداد كبيرة منهم في منطقة وسط آسيا الصغرى، وسببوا ضيقًا شديدًا لسكان المنطقة على مدار سنين طويلة. وقد خاضوا حروبًا كثيرة مع الرومان قبل أن يخضعوا لهم في سنة 189/188 ق.م. بعد حملة ناجحة بقيادة جنايوس مانليوس، ومع ذلك فقد منحهم الرومان مزيدًا من الحريات (راجع التعليق على1مكا 8: 2) كما قام أومنيس ملك برغامس بإخماد ثورة كبيرة لهم فيما بعد خلال عامى 168-166 ق.م.
أما عن معركتهم مع اليهود المذكورة هنا فالأرجح أنها دارت في سنة 220 ق.م. عندما تحالف اليهود مع أنطيوخس الثالث الكبير لمحاربة المرتزقة الغلاطيين التابعين للقائد الثائر (مولون) وهو حاكم ولاية متمرد في ميديا، وكان معه قوة كبيرة من الغلاطيين في جيشه، حسبما أورد المؤرخ بوليبيوس(1) ومن المحتمل أن يكون اليهود وقتها يعملون كمرتزقة في جيش أنطيوخس هذا، حيث يوجد في التاريخ أكثر من دليل على أن اليهود كثيرًا ما عملوا كمرتزقة مع ملوك يونانيين.
وقد انضم إلى اليهود في تلك المعركة أربعة آلاف جندي مقدوني ما لبثوا أن انسحبوا متخلّين عنهم تاركين اليهود يجيشهم الُمؤلّف من ثمانية آلاف مقاتل فقط. يواجهون هذا العدد الضخم من جنود الغلاطيين. ولا غرابة في الاعتماد على اليهود في حماية المملكة المقدونية، إذ شكّل اليهود نسبة كبيرة في التعداد البابلي، كما كانوا مفضّلين عن غيرهم بسبب إخلاصهم ومهارتهم العسكرية. وبالرغم من تشكيك العالم " ليفى" في هذا العدد الضخم من الغلاطيين (120 ألفا) حيث يظن أنهم (20 فقط) إلاّ أن العشرين في حد ذاتهم كثيرين أيضا، ونحن نعلم أن الحرب لها مفاجآتها وقوانينها وثغراتها أيضًا، يضاف إلى ذلك التدخل المباشر لله، فإن النجدة أتتهم من السماء وعادوا بغنيمة وافرة (آية 20).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
الهجمة الأولى على نكانور


21 و بعدما شددهم بهذا الكلام حتى أصبحوا مستعدين للموت في سبيل الشريعة والوطن، قسمهم إلى أربع فرق. 22 و أقام كل واحد من إخوته، سمعان و يوسف و يوناثان، قائدًا على فرقة، و جعل تحت يده ألفًا وخمس مئة. 23 ثم أمر عزرا أن يتلو عليهم الكتاب المقدس، وجعل لهم كلمة السر نجدة الله، ثم اتخذ قيادة الكتيبة الأولى وحمل على نكانور. 24 فأيدهم القدير، فقتلوا من الأعداء ما يزيد على تسعة آلاف، وجرحوا وجدعوا أعضاء معظم جيش نكانور، وألجأوا الجميع جميع جنوده إلى الهرب. 25 و غنموا أموال الذين جاءوا لشرائهم ثم تعقبوهم مسافة غير قصيرة، إلى أن استعجلتهم الساعة، فأمسكوا وعادوا.
كان تقسيم الجيش إلى فرق وأقسام، يعد تكتيكًا عسكريًا قديمًا وضروريًا وناجحًا، حيث يمكن ارباك العدو من خلال مهاجمته من أكثر من جهة، أو محاصرته من كل جانب، كما أن ذلك يتم خوفًا من تمكن العدو من كسر الجيش، فلا يخور الجيش كله ويهلك جميع الجنود. كما استخدمت في هذا الإطار أيضًا طرقًا أخرى مثل الكمائن والتربصّ وغيرها..
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
الفرق العسكرية:


الكلمة اليونانية المستخدمة هنا هي Speira بمعنى فرقة وتضم حوالي 1500 رجل، وبنهاية القرن الثاني ق.م. ونتيجة لجهود جريويس ماريو Grius Mariu الإصلاحية تحولت الكتيبة أو الفرقة من مجرد شرذمة من الجنود، فأصبحت تضم من 500 إلى 1000 رجل، وهكذا يكون يهوذا المكابى قد حاكى التكتيكات الرومانية مقابل المقدونية.
وأما القادة الذين جعلهم يهوذا رؤساءً للفرق ومنهم سمعان (وهو شقيقه الأكبر) ويوناثان وهو شقيقه أيضًا، وأماَ يوسف المذكور هنا فهو نفسه المذكور في (1مكا 5: 55-62) وهو الذي أضرّ بالجيش حين رغب في كسب نصر باسمه، وأما ذكره هنا باعتباره أخو يهوذا المكابى فهو من قبيل الأخوية في الأهداف والود، وإن كان البعض يخمّن أن يوسف هذا هو: يوحنا "الأخ الخامس للمكابيين" (مع يهوذا / سمعان / ألعازر / يوناثان) وفي اتجاه آخر يرى البعض أن يهوذا اختار ثلاثة قادة منهم اثنان من إخوته والثالث وهو يوسف ليس من اخوته، إذ أن ألعازر أخوه والمذكور لاحقًا هنا لم يعمل كقائد عسكري (إذ لم تكن له هذه الموهبة) بل كمرشد ديني، مثل يوحنا أيضًا وهو الأخ الخامس والذي كانت تنقصه الحكمة إلى جوار شجاعته.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
الكتاب المقدس: لعلها المرة الأولى التي يذكر فيها مصطلح "الكتاب المقدس" كتعبير عن الكتب الإلهية، وهو التعبير المستخدم الآن للدلالة على العهدين القديم والجديد، بل أن كلمة "ال كتاب" وحدها مع "ال التعريف" تعني على الفور الكتاب المقدس، ولكنه للتأكيد يقال الكتاب المقدس، وهو الصفحات التي تقدست بأنفاس الله من خلال ما أوحى به إلى رجال الله القديسون الذين دونوه. هذا وقد وردت تعبيرات مشابهة لذلك في (رومية 1: 2 وتيموثاؤس الثانية 3: 15 "الكتب").
ويؤكد لنا من جديد هذا السلوك قبل الحرب من حيث التقوى والتسلّح بكلمة الله، أن الحرب ليست استعمارية وليست مبنية على مخططات توسعية، بل هي من أجل الرب والوصية والعبادة(1).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
كلمة السرّ Watch word: وهي عادة حربية متبعة منذ القديم، فقد ُوجدت في التراث اليوناني والروماني، كما وردت في كتاب " قاعدة الحرب" في خرائب قمران، والهدف منها هو التمييز بين الجندي الوطنى وجنود الأعداء، وكذلك على سبيل الحذر من اندساس الأعداء، وإن كان البعض يرى في هذه الكلمة: الهتاف الذي يطلقه الجنود عند الهجوم، مثل صيحة الهجوم في المباريات والمعارك أيضًا.
أبقى يهوذا المكابى معه عدد ألف وخمسمائة جندي فقط، في حين جعل بقية الآلاف الستة مع القادة الثلاثة الآخرين، وهذا يفسر لنا ما ورد في (1مكا4: 6) حين هاجم جرجياس ومعه ثلاثة آلاف فقط، فلعله هناك استعان ببعض مما لدى القادة الآخرين في تلك الهجمة، فقتلوا كثيرين وجرحوا مثلهم، وأما عن "جدع الأعضاء" الُمشار إليه هنا فهو لا يعنى التمثيل بالجثث وإنما يعنى المصابين والجرحى، بينما هرب الجنود المتبقين أحياء.. ويذكر هنا أنه في بعض الحروب كان الجنود يحملون أعضاء قتلاهم مثل الأيادي أو الآذان كدليل على النصر ولإحصاء عدد القتلى أمام القائد.
وأما الذين استعدوا لشراء اليهود! حسبما بشّرهم نكانور وجعلهم برفقة جيشه، فقد لاذوا بالفرار حالما رأوا أن اليهود قد ألحقوا الهزيمة بأعدائهم، ولكن اليهود طاردوهم واستولوا على أموالهم. ثم توقّفوا عن مطاردة جنود نكانور إذ كان اليوم هو الجمعة وقد قارب السبت على المجئ. فكان من اللائق أن يستريحوا محتفلين بالسبت. وفي حين يذكر 1مكا 3: 38 الخ و 4: 1-25) دورًا أكبر ل جرجياس وليسياس في المعركة في حين لا يشار إلى دور نكانور، فإنه هنا يركز على دوره.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
الأحتفال بالسبت وتقسيم الغنائم


26 وكان ذلك اليوم عشية السبت، ولذلك لم يُطيلوا تعقبهم. 27 وجمعوا أسلحة الأعداء وأخذوا أسلابهم، ثم حفظوا السبت، وهم يباركون الرب كثيرًا ويحمدونه لأنه حفظ لهم إلى ذلك اليوم أولى قطرات ندى رحمته. 28 ولما أنقضى السبت، وزعوا على المعذبين والأرامل واليتامى قسمًا من الغنائم، واقتسموا الباقي بينهم وبين أولادهم. 29 وبعدما انتهوا من ذلك، أقاموا صلاة عامة، سائلين الرب الرحيم أن يعود فيصالح عبيده مُصالحة تامة.

كان الهجوم على قوات نكانور في فجر الجمعة، وقد ُقهرت قوات جرجياس ولاذت بالفرار، وهكذا تدخّلت العناية الإلهية لتعفي اليهود من الدفاع عن أنفسهم في السبت، ورغم أن ذلك قد أصبح مقبولًا بعد الفتوى الحشمونية بجواز القتال الدفاعى في السبوت، إلاّ أن يهوذا ورجاله توقّفوا عن متابعة الأعداء لقرب دخول السبت.
أما تسابيح الانتصار اليهودية، فقد كان لها صيغة مناسبة هي "مبارك هو الرب الذى... " راجع (خروج 18: 1 و صموئيل أول 25: 39 و مزمور 106: 1 - 107: 1 و أرميا 33: 11) وفي الاستخدام الحالي لدى اليهود، يرد: " مبارك أنت أيها الرب إلهنا ملك الكون الذي أحيانا وحفظنا وأتى بنا إلى هذه الساعة.. "
كانت أول باكورات المكابيين، وأول ما اهتموا أن يفعلوه بعد أول فوز ونصر حقيقي، هو الاحتفال بالسبت والوصية والطقس الذي حاربوا لأجله، حيث كان ذلك أول ما اهتم بتأكيده، حين قدّموا الشكر للرب الذي حفظهم إلى اليوم الذي ينعمون فيه بأولى قطرات (ندى) رحمة الله كمقدمة لسيل فياض من تلك الرحمة.
ولكن هل هناك علاقة أو تشابه ما بين هذه العبارة "قطرات الندى" وتلك الواقعة الواردة في (صموئيل الثاني 21: 10) حيث قدم الشعب سبعة من أبناء شاول ُعلقوا على خشب وحرستهم رصفة (أم اثنين منهم) ابتداءًا من يوم الحصاد و حتى نزل المطر؟ ففي النسخة اليونانية لسفر صموئيل الثاني ُترجمت الآية (21: 10) بنفس الكلمات الواردة هنا، إذا فهناك تواز ما بين دماء الشهداء السبعة وأمهم والتي استدرت مراحم الله. ودماء السبعة في أيام داود النبي والتي استدرت أيضًا مراحمه..
وأما الغنائم فقد وزّعوها فيما بين ُاسرهم هم والطبقات المحرومة من الشعب مثل المعوزين المُعدمين (المُعذّبين) والأيتام والأرامل، هذا وقد اتبعوا تقليدًا قد يعدّ جديدًا، وذلك بتوزيع قسم من الغنائم على ُاسر الشهداء باعتبارهم جنودًا، راجع في ذلك أيضًا صموئيل الأول (30: 24، 25 وسفر العدد 31: 26، 27). وهو الأمر الذي فعلوه من جديد بعد المعركة الثانية الناجحة (آية 30) ولا ُيعرف بالضبط المقصود ب الصلاة العامة هنا: هل هي بديل لذبيحة الشكر والسلامة والتي كانت ُتقدم في مثل تلك الحالات بعد النصر، حيث الطقوس في الهيكل متوقفة، هل صلى الجنود معًا، أم أن القادة نادوا بصلاة عامة في الشعب، ولكنها على أية حال بادرة على عودة الأمة للتماسك روحيًا. ومما لا شك فيه أن للاستعمار وللحروب آثارها السلبية سواء على العبادة أو الاقتصاد أو الثقافة والأدب والفن وغيرها.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
ملاحظة حول الجزء (2مكا 8: 30 - 10: 9)


يلاحظ القاريء أن الأحداث الواردة في هذا الجزء من السفر غير مرتبة ترتيبًا تاريخيا. ولكنه يجب أن ُتفهم من جهة المضمون وعلاقتها بما قبلها وبما بعدها.
فمن جهة المضمون: نرى من خلال (1مكا 3: 38 - 4: 25) أن هذه الحرب مع ليسياس كانت مع جيش واحد كبير وكان حلفاؤه - طبقا ل (1مكا) هما: نكانور و جرجياس، ولا يوجد ذكر لطيموتاوس وبكيديس هناك. ونعرف أنه من خلال عدد القتلى الذين كانوا من جيش تيموثاوس وبكيديس عشرين ألف، أي أنهم كانوا مساويين لجميع جيش نكانور (2مكا 9:8)، ومن هذا نرى أن جيش طيموتاوس وبكيديس كان كبيرًا جدًا وأكبر من جيش نكانور وجرجياس. ومن خلال هذا أيضًا نرى أنه لا علاقة بهذه القطعة بالحرب الأولى مع ليسياس.
وأمّا من ناحية المكان: فإنه لا توجد أية علاقة بما قبلها أو بعدها، إذ أن الفقرة كلها تتحدث عن نكانور فقط، ونرى أنها جاءت فاصلة وقاطعة للموضوع من خلال (2مكا 8: 29، 34-36) كما أنه لا علاقة ل (2مكا 8: 30-33) بحرب ليسياس الأولى. لكنها ترتبط بحرب ليسياس الثانية وليس الأولى.
ونجد خبر حرب ليسياس الثانية في (1مكا 4: 1- 38) أنه في السنة التالية خرج على يهوذا بستين ألف راجل و خمسة ألاف فارس، وهنا نرى أن عدد جيشه الثاني كان أكثر ب 20 عشرين ألف من عدد جيشه في السنة الأولى. وأكبر دليل على ذلك أن السفر في (2مكا 33:8) يتكلم عن احتفالية الانتصار في أورشليم التي لم تكن قد ُاخِذت بعد - وفي الانتصار الأول على نكانور الوارد ذكره في (1مكا 4: 24-25) لم يأخذوا أورشليم، وهذا أكبر دليل على أن هذه القطعة (2مكا 8: 30 - 33) تتعلق بخبر هجوم يهوذا على ليسياس في المرة الثانية. هذا بالإضافة لعدم ذكر أسماء طيموتاوس وبكيديس رؤساء جيش ليسياس في الحرب الأولى الواردة في 1مك 4: 25... إلخ.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
· من كل ما تقدم يمكننا ترتيب الأصحاحات (8-10) بناءً على رؤيتها التاريخية على النحو التالي:
1- (ص 1:8-29) سقوط نكانور وجرجياس في عماوس.
2- (ص 8: 34 -36) هروب نكانور.
3- (ص 8: 30 - 33) سقوط (نكانور؟) وتيموثاوس وبكيديس (رؤساء جيش ليسياس) في ملحمة بيت صور وصعود يهوذا لأورشليم ومعاقبة كليستانيس وأصدقاؤه.
4- (ص 10: 1-8) تطهير الهيكل وتدشينه والاحتفال بعيد المظال.
5- (ص 9: 1- 29) عودة أنطيوخس أبيفانيوس من فارس ومرضه. في الطريق وموته.
6- (ص 10: 9) آية عن موت أبيفانيوس.
7- (ص 10: 10) أنطيوخس أوباطور وليسياس وصيّه والقيم العام.
ولكن اهتمام الروح القدس بالطبع هنا كان جمع الانتصارات في قطعة واحدة، ثم التفرغ لخبر موت الأثيم ضد المسيح أنطيوخس أبيفانيوس، ثم التفرغ لخبر تطهير الهيكل، وهذا لا يخلّ بالسفر مطلقا لأن ترتيبه إلهي، وهو أمر شائع في سائر الأسفار تبعًا للهدف العام من السفر.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
هزيمة طيمو تاوس و بكيديس



عرض سريع لعقاب المضطهدين


30 وبارزوا رجال طيموثاوس وبكيديس، فقتلوا منهم ما يزيد على عشرين ألفًا واستولوا على حصون شامخة، واقتسموا كثيرًا من الأسلاب جعلوها حصصًا متساوية لهم وللمُعذبين واليتامى والأرامل والشيوخ. 31 وجمعوا أسلحة الأعداء واهتموا بوضعها في أماكن مناسبة، وحملوا ما بقى من الغنائم إلى أورشليم. 32وقتلوا رئيس سبط من أصحاب طيموثاوس، وكان رجلًا شديد الكفر، ألحق باليهود أضرارًا كثيرة. 33 وبينما هم يحتفلون بالظفر في وطنهم، أحرقوا الذين أضرموا النار في الأبواب المقدسة، كما أحرقوا كلستانيس الذين كان قد فر إلى بيت صغير. فنال الجزاء الذي استوجبه بكفره.

أعطى توقف المكابيين عن مطارة فلول الأعداء بعد الانتصار، الفرصة للأعداء لإعادة الكرّة ومهاجمتهم، فقد تمكن نكانور قائد قوات العدو من الفرار. وعاد الجيشان إلى الالتحام من جديد، وأحرز اليهود نصرًا جديدًا غنموا من ورائه الكثير من العتاد والمؤن والأسلحة.
إلى جوار الغنائم استولى المكابيين على الأسلحة وبعض الحصون، وأغلب الظن أن أسلحتهم هم كانت من صنع محلّى أو مستوردة من ذلك النوع العادي، بل كانو يحتاجون إلى الأسلحة بشكل عام، أنظر (1مكا 3: 6) ذلك مقارنة بما لدى السلوقيين من أسلحة متطورة وحديثة، وها هم قد استولوا على كميات ضخمة منها، الأمر الذي احتاجوا معه إلى البحث عن كيفية تخزينها، حيث يشير تعبير "أماكن مناسبة" هنا إلى أنه قد صار لهم ترسانة من الأسلحة!!
وقد قضت الشريعة في (سفر العدد 31: 12 و 21-54) بأن ُيؤتى بالغنائم إلى المحلة، حيث يقدم منها أولًا نصيب الرب، قبل تقسيمها بين الشعب، وفيما بعد الانتصار على نكانور في هذا الأصحاح كان السؤال الذي يطرح نفسه أين المحلة.؟ هل أورشليم وهي التي لم يستردّوها إلاّ فيما بعد (10: 1)؟ وكيف يأخذ الرب نصيبه في حين ما يزال الهيكل ليس في أيدي اليهود؟
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
طيموتاوس وبكيديس:


طيموتاؤس المذكور هنا هو ذاته المذكور في (1مكا 5: 11-44) وفي (2مكا 12: 2 و 10-26) وأما بكيديس فهو أحد رجال طيموتاوس، مع أنه لم ُيذكر سواء في (1مكا 5: 11-44 أو 2مكا 12: 10-26) وإذا كان بكيديس قد نجا من الموت، فسيكون هو ذاته القائد الذي عمل تحت إمرة ديمتريوس الأول والذي هزم يهوذا المكابى في النهاية (1مكا 7: 8-20 و 9: 1-18).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
رئيس السبط: جاءت في اليونانية (fularchn = رئيس الفيلة) من (fulh)، وجاءت في اللاتينية (الفولجاتا) بأكثر وضوحًا: (فيلارخوس من جيش تيموثاوس). والمقصود به هنا هو رئيس قبيلة عربية، تحالف مع طيموتاوس العموني ضد اليهود، وقد ُهزم في بدايات الحملة المكابية كما هو واضح هنا راجع (12: 10 وما يليها) ولفظة سبط هنا تعني قبيلة. أما عن الرجل نفسه فإنه يوصف بأنه شرير أضرّ باليهود كثيرًا.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
كلستانيس Callistanece: هو أحد الضباط السلوقيين المعاونين لنكانور، يبدو أن الأخير كلّفه بإحراق أبواب الهيكل، غير أن المكابيين قبضوا عليه هو ورجاله حيث قتلوهم وأما هو فقد هرب إلى أحد أزقة الهيكل، ولكنهم أمسكوا به وقاموا بحرقه بالنار التي أراد هو اضرامها في المكان المقدس.
ولاشك أن الذين اضرموا النار في الموضع المقدس هم من اليهود المرتدين والذين عملوا كمعاونين ومرشدين للقادة السلوقيين مثل نكانور وجرجياس ونقرأ في (1مكا 4: 38) عن احراق الأبواب كما قام ياسون رئيس الكهنة بإحراق أحد الأبواب، أنظرأيضًا، 2مكا 5: 5-16) ومع أن الدمار قد شمل أكثر من جانب من الهيكل، إلاّ أن البوابة كان لها مدلول خاص لدى المهتمّين اليهود، إذ ربطوا بينها وبين بعض النبوات كدليل على عقاب الله، راجع (إرميا 17: 27 و وقارنها ب 1مكا 1: 43، 45، 52 ثم حزقيال 44: 1، 2 مع 2 مكا 1: 8).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
نكانور يهرب ويشهد لإله إسرائيل


34 وأما نكانور الشديد الفجور، الذي كان قد استصحب ألف تاجر لبيع اليهود، 35 فلما رأى الذين كان يحتقرهم قد أذلوه بعون الرب، خلع ما عليه من الثياب الفاخرة، واعتزل عن الآخرين جميعًا وفر كالعبد الآبق في الحقول، حتى وصل إلى أنطاكية، محفوظًا فوق كل شئ، بعد أن انقرض جيشه. 36 وبعدما كان قد وعد الرومانيين بأن يؤدى لهم الجزية من ثمن مسبيى أورشليم، عاد يعلن أن اليهود لهم من يحارب عنهم، وأنهم لذلك لا يُغلبون، لأنهم يتبعون ما رسم لهم من الشرائع.

يحمل اليهود لهذا الرجل ذكريات مؤلمة ويحتفظون له بكراهية كبيرة، إذ جدّف كثيرًا على الموضع المقدس، وأقسم أن يفنى اليهود عن بِكرة أبيهم، حتى أنهم بعدما قتلوه في احدى معاركهم لاحقًا قاموا بتعليق جثته على سور أورشليم، ومن بين بوابات الهيكل كانت هناك "بوابة نكانور" سُميت تذكارًا لانتصارهم عليه. (1) ومن المحتمل أن يكون موضعها باتجاه الموضع الذي علقوا جسده عليه. ويستخدم كاتب السفر التعبير اليوناني Trisaliteuos والوارد أيضًا فى(1: 3) ويعنى " شديد الفجور" أو "خاطئ ثلاثة أضعاف ! !" (2).
وُيضيف السفر هنا بعض التفاصيل، لما ورد في (1مكا 3 و7: 33-50) إذ يُذكر أنه تخفى في شكل شخص فقير حتى لا يُقبض عليه ويقتل، واتخذ الحقول والجبال طرقًا حتى وصل إلى أنطاكية، متحسرًا على جيشه الذي انكسر وحلمه الذي تبدد بجمع المال من بيع اليهود ! .! وبدلًا من رغبته في بيع اليهود كعبيد بأبخس الأثمان، ها هو يهرب مثل عبد فقير(3).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
إعترافه: وأكثر ما يهمنا في الأمر أن نكانور يعترف بأن اليهود لهم من يحارب عنهم، والمقصود من (الآية 36) هنا هو أنهم لن يُغلبوا ماداموا يتبعون وصايا إلههم والذي سيتولى حيئذ الدفاع عنهم. ويذكرنا ذلك باعتراف هليودورس رئيس وزراء سلوقس الرابع الذي حاول نهب كنوز الهيكل ولم يستطع، راجع (3: 36-39).

(1) بينما يرد هنا أن عدد الذين تجمعوا حول يهوذا المكابى هو ستة آلاف جندي، فإنه يرد في (1مكا 4: 6) أن عددهم ثلاثة آلاف، وقد يبدو أن هناك تناقضًا ولكن الثلاثة آلاف كانوا قوة أساسية بينما البقية التي انضمت مع الوقت كانت احتياطية راجع أيضًا (1مكا 7: 40 ؛ 9: 5).
(1) ورد في (1مكا 3: 39) أنهم كانوا أربعين ألفا وليس عشرين. وربما كان عشرين ألفا كانوا تحت إمرة نكانور فقط، وفي كتاب المكابيين الثالث "كتاب غير قانوني" (38:3) فنرى أن القوات كلها كانت أربعين ألفا، نصفهم خاضعين لإمرة نكانور (العشرين ألف).أما الرابي كوهين فيقول: رئيس الجيش الموكل ببقاع سوريا و فينيقية أرسل 20 ألف رجل، وانضم هؤلاء للجيش الذي جاء مع القواد الآخرين، فكان التعداد الإجمالي 40 ألفا.
(1) بوليبيوس (21: 17) و Livy (42: 6).
(1) كما ورد في (لاويين 26: 42-45 و تثنية 28: 10 و صموئيل أول 12: 22 و أشعياء 43: 7 و ارميا 14: 7 و حزقيال 36: 22 و دانيال 9: 19 و 2 أخ 7: 14).
(2) وتسمى صلاة (أبينو ملكينو (Abinu malkenu ُانظر:Jonathan A. Goldsten, II Macc.
(1) بإيماءة واحدة: جاءت في اليونانية (eni neumiati) وجاءت في الآرامية: (بروح فيه)، كما ُقرئت في بعض المخطوطات اليونانية: (بروحه = pneumati).
(1) بوليبيوس (5: 40-43)
(1) ويقول الرابي كوهين ما يلي: قرأوا الكتاب المقدس لأنه كان عيد الأسابيع كما جاء في (1مكا 5:3) إذ قرأوا الجزء المخصص لليوم (البراشا = القطمارس katameooc) وهذا يدل على نجاح البعض في إخفاء الكتاب المقدس بطريقة ما أثناء الاضطهاد السلوقي.
(1) راجع كتاب الهيكل / للناشر الباب الثاني.
(2) جاءت في الأصل العبري: (رِشَع همروشاع)، وفي اليونانية: (مثلث الإثم = trisalithrioV) وهكذا جاءت في (3:15).
(3) جاءت الآية 13 في الأصل العبري: (ذُلّ بمعونة الرب على أيدي الرجال الذي كان يعتقد في قلبه أنهم لا شيء ]إِفِس = صفر، لا قيمة له [ بعدما خلع ثياب مجده، هرب وحيدا في الأرض كعبد هارب، وجاء لأنطاكية مُحطّما على فقدان الجيش).
  رد مع اقتباس
قديم 01 - 04 - 2014, 02:58 PM   رقم المشاركة : ( 9 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,577

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني

المكابيين الثاني 9 - تفسير سفر المكابيين الثاني
نهاية أنطيوخس أبيفانيوس


لم تكن وفاة أنطيوخس الرابع قبل تطهير الهيكل وإنما بعده (1مكا 6: 1-17) حيث مات بعد تطهير الهيكل وتدشينه (10: 9) ولكن تفاصيل هلاكه والتي تحتل هذا الأصحاح بالكامل، تأتى في هذا المكان ضمن سلسلة أعمال يهوذا المكابى ونجاحاته البطولية.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
أنطيوخس ينفق في نهب هيكل برسابوليس


1 وأتفق في ذلك الزمان أن أنطيوخس عاد من بلاد فارس في حالة يرثى لها. 2 وكان قد زحف على مدينة أسمها برسابوليس، وشرع ينهب هيكلها ويضيق الخناق على المدينة. فثارت الجموع ولجأت إلى السلاح وهزمته، فكان من أنطيوخس أنه تراجع مخجلًا. 3 ولما كان عند أحمتا بلغه ما جرى لنكانور ورجال طيموتاوس. 4 فغضب غضبًا شديدًا وأزمع أن يحيل على اليهود ما ألحقه به الذين هزموه من الشر، فأمر سائق مركبته بأن يجد في السير بغير توقف حتى نهاية السفر. ولكن قضاء السماء كان توقف حتى نهاية السفر. ولكن قضاء السماء كان يرافقه، فإنه قال في كبرياء: "لأجعلن من أورشليم مدفنًا لليهود، عند وصولى إليها"


قلنا فيما سبق أن الديون الباهظة التي تركها أنطيوخس الثالث الكبير لابنيه سلوقس الرابع ومن بعده أنطيوخس الرابع، كانت تثقّل كاهل المملكة والتي لم يكن الفائض من موارد البلاد بكافٍ لمواجهة هذا العبء، ومن ثم اتجه الحكام السلوقيين بفكرهم إلى وسائل متعددة للحصول على المال، مثل نهب كنوز مصر في حملة أنطيوخس الرابع الثانية على مصر، ونهب هيكل أورشليم بالتواطأ مع منلاوس رئيس الكهنة، وذلك بعد فشل محاولة هليودورس (أصحاح 3) ثم محاولة بيع اليهود كعبيد، الخطة التي فشلت بهزيمة نكانور (الأصحاح الثامن) إضافة إلى محاولة أنطيوخس الكبير ذاته نهب هيكل النناية "أرطاميس" (1: 11-17).

شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
وهنا يحاول أنطيوخس أبيفانيوس من جديد نهب هيكل أرطاميس في بلاد فارس، وذلك خلال حملته على الشرق لقمع بعض حركات التمرد في بعض من نواحي فارس حيث أبى الرعايا هناك إرسال الجزية المقررة عليهم للعرش في أنطاكية، حيث كانت تلك المناطق الواقعة شرقًا تابعة حينئذ للملكة السلوقية. وكان مصطلح بلاد فارس في ذلك الوقت له أكثر من معنى، فالمعنى الضيّق هو المناطق التابعة للفرس في جنوب غرب إيران، وهو إقليم فارس الحديث، والمعنى المتوسط يشمل مناطق ألمايس (عيلام) وميديا المجاورة بكثافتهما السكانية الإيرانية، والمعنى العام كان كامل إقليم إمبراطورية فارس القديمة أو "المملكة البرثية".
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
وأماَ برسابوليس: فهي كلمة تعني حرفيًا: مدينة فارس (بِرِس بوليس = مدينة فارس)، وهي المذكورة تحت اسم ألمايس Elymais أو "عيلام" أو "مدينة العيلاميين" أو "المائيداى" راجع (1مكا 6: 1-16).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
أحمتا Agbatana: وفي الفارسية القديمة: Agmatana وفي البابلية: Agmadana وفي العيلامية: Hamadan، وهو اسمها الحالي وتكتب أحيانا Ekbatana. وتقع على مسافة 700 كم شمال شرق برسابوليس المذكورة توًا، وتسمى الآن "همدان" (1)وهى المنطقة التي توقّف عندها أنطيوخس في طريق عودته خائبًا من ذلك المعبد بعد أن نجا بالكاد من القتل هناك (1). هناك تقابل مع الرسل الآتين من مملكته يخبرونه بالهزيمة النكراء التي حاقت بنكانور وجيوشه وطيموتاوس كذلك وجيوشه، الأمر الذي زاده ثورة وهياجًا، ليقرر صب جام غضبه على اليهود.
والمقصود بجعل أورشليم مدفنًا لهم، هو جعلها مدينة أموات، إذ يعود في (الآية 15) ليذكر كيف أنهم لن يدفنوا بل يصيرون مأكلًا للطيور والوحوش هم وبنوهم، وإن كان التعبير ذاته شائع الاستخدام للدلالة على الهلاك يجدر هنا أيضًا ملاحظة أن كل من هزيمة نكانور، ثم حملة طيموتاوس العموني والتي تمت بعد تطهير جبل الهيكل ثم تطهير الهيكل نفسه وتدشينه كل ذلك سمع به أنطيوخس وهو في الطريق عائدًا إلى أنطاكية عاصمة ملكة. ولذلك فالكتاب هنا يوردها معًا دون التقيد بزمان وقوعها، وذلك في سياق عرض إنجازات يهوذا المكابى.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
تأديب الرب لأنطيوخس

5 لكن الرب البصير بكل شئ، إله إسرائيل، ضربه ضربة معضلة غير منظورة. فإنه ما إن انتهى من كلامه ذاك حتى أخذه ألم في أحشائه لا دواء له وعذابات أليمة في جوفه، 6 وكان ذلك عين العدل في حقه، لأن عذب أحشاء كثيرين بالآلام المتنوعة الغريبة. 7لكنه لم يكف عن عجرفته، وإنما بقى ممتلئًا من الكبرياء، ينفث نار الغضب على اليهود، ويأمر بالجد في السير، فأتفق أنه سقط من المركبة الجارية بصخب، فأنجرت بتلك السقطة الهائلة جميع أعضاء جسمه وترضضت. 8فأصبح، بعد ما خيل له، بزهوه الذي لم يبلغ إليه إنسان، أنه يحكم على أمواج البحر ويجعل قمم الجبال في كفة الميزان، أصبح مصروعًا على الأرض، محمولًا في محفة، ليكون شهادة للجميع بقدرة الله الجلية، 9 حتى كانت الديدان تنبع من جسد ذلك الكافر، ولحمه يتساقط، وهو حي، بالآلام والأوجاع، وصار الجيش كله يَتَكَرَّهُ نَتنَ رائحته. 10 فبعد ما كان، قبيل ذلك، يخيل له أنه يمس كواكب السماء، لم يكن أحد يستطيع حمله لشدة رائحته التي لا تطاق.



يُقصد بالضربة غير المنظورة هنا، تلك الأمراض التي لم تكن معروفة، سواء من حيث التشخيص أو العلاج وما أكثرها سواء في أيامهم، فما تزال هناك أمراض لا دواء لها رغم التقدم العلمى الهائل، حتى ليقال أنه سيظل دائمًا من الأمراض في كل عصر ما لا يمكن شفاؤه، وما أقسى الموت عندما يأتي بطيئًا !! وقد نظر الأقدمون إلى مثل تلك الأمراض باعتبارها قصاصًا من الله رأسًا، يأتي نتيجة أخطاء شنيعة ارتكبها المريض، والتاريخ مليء بأمثال تلك القصص المحزنة، ومن جهة أخرى فقد مات جميع الذين اضطهدوا أولاد الله ميتات غير تقليدية، وفي القرن الرابع كتب أحد المؤرخين كتابًا أسماه نهاية المضطدين، يتناول فيه ظروف موت كل من أولئك الأشخاص الذين تفننوا في إيلام الشهداء.
غير أن تلك الآلام المفاجئة لم تردع أنطيوخس ربما لاعتباره أنها مجرد آلام عابرة (مجرد مغص قوى فحسب) ولكن الله لكي يؤكد له أن الأمر صادر منه وأنه لن ينجو من العقاب، فقد أسفرت الاهتزازات الشديدة للمركبة التي يستقلها والتي أمر قائدها بالإسراع بكل قوته وكأنه متعطَش وجائع لهلاك اليهود ودماءهم إلى سقوطه من المركبة، فتهشّمت أضلاعه نتيجة ارتطامه بالقوة في الأرض.
ويورد بوليبيوس المؤرخ تقارير البعض والتي تفيد بأن أنطيوخس قد توفى فاقد الصواب "تملكته الشياطين" وقد استشهد القديس جيروم بتقارير بوليبيوس هذه وذلك في تفسيره (دانيال 11: 36) فيقول أن أنطيوخس فقد صوابه بعد هلوسة مخيفة ثم توفى بمرض ما.. وأما أبيون Appion فيقول عن نهاية أنطيوخس أنه سلب المعبد ثم مات متأثرًا بداء السلّ.. (1)
ويمكننا من خلال ما ورد في (1مكا 6: 8-16) وما ورد هنا ثم ما ورد في مدخل هذا السفر، استنتاج أن أنطيوخس قد مات بما يعرف الآن بالمرض النفس جسمى "سيكو سوماتيك" وكان تطور معاناته الجسدية والنفسية مؤلمًا للغاية، ولعل اليهود قد رأوا في موته على ذلك النحو تحقيقًا للنبوات في (إشعياء 14 ويوئيل 2: 20 وزكريا 14: 12 ودانيال 11: 44، 45). ونقرأ في سفر أخبار الأيام الثاني كيف لاقى يهورام ملك يهوذا وهو الذي أضل أورشليم. مصيرًا مماثلًا حيث مرض بمرض ليس له شفاء (أخبار الأيام الثاني 21: 18).
وفي وصف يوسيفوس لموت هيرودس الكبير ما يشبه الكيفية التي قضى بها أنطيوخس، فقد عانى آلامًا مبرحة في أحشائه ونوبات من التشنج المؤلم والغنغرينا والرائحة الكريهة التي لم يفلح معها علاج، حيث رأى اليهود في ذلك عقابًا على ما فعله هيرودس بالغير.
كان أنطيوخس قد تشامخ في قلبه، فلقد اعتبر نفسه إلهًا كما أشرنا سلفًا إذ ظن أنه إحدى ظهورات أو تجسد الإله زيوس على الأرض ولذلك فقد أطلق على نفسه ألقاب أنطيوخس أبيفانيوس زيوس أي "أنطيوخس الإله الظاهر" والصفات المذكورة هنا والتي ينسبها لذاته هي صفات تخصّ الله وحده عظم شأنه وبالتالي فقد صارت هذه الصفات ذاتها ديّانة له فالكرامة تهين من هو غير أهل لها، لقد نسب مجد الله إلى نفسه فغار الله على مجده. ففي سفر أشعياء يرد عن الله: "من كال بكفة الماء وقاس السموات بالشبر وكال بالكيل تراب الأرض ووزن الجبال بالقبّان والآكام بالميزان" (40: 12) ويقول داود النبي: "المهديء عجيج البحار عجيج أمواجها و ضجيج الأمم و تخاف سكان الأقاصى من آياتك تجعل مطالع الصباح و المساء تبتهج" (مزمور 65: 7، 8) راجع أيضًا (أيوب 38: 8-11 و إشعياء 51: 15).
وكثيرًا ما يقع الحكام والملوك والرؤساء في مثل السقطة الخطيرة، حين يستبقون مجد الله لأنفسهم، فكل عطية وكل موهبة هي من عند الله ويجب ألاَ يفتخر أحد بأنها ليست من الله "لماذا تفتختر كأنك لم تأخذ؟" (كورنثوس الأولى 4: 7). لقد تشامخ هيردرس في قلبه حين تملقّه الشعب فضربه الرب: " ففي يوم معيّن لبس هيردرس الحلة الملوكية وجلس على كرسي المُلك وجعل يخاطبهم، فصرخ الشعب: هذا صوت إله لا صوت إنسان، ففي الحال ضربه ملاك الرب لأنه لم يعطِ المجد لله فصار يأكله الدود ومات" (أعمال 12: 22، 23) من هنا يجب على الإنسان عندما يمتدحه الآخرون أو يثنون عليه أن يعطى المجد لله على الفور، فالشكر والمديح مرسل في الواقع إلى الله مرورًا بهذا الشخص.!
وكثيرًا ما يتحوّل الخدام إلى آلهة صغيرة أو أنصاف آلهة.. يسرقون مجد الله، ويحبون تمجيد الناس لهم ويدافعون عن كرامتهم بكل ما ُاوتوا من قوة.. إن كل مجد وكرامة تليق بالثالوث القدوس الآب والابن والروح القدس.
هكذا عاقب الله أنطيوخس وأثقلَ عليه الضربة حتى يفيق من غفلته ويرجع عن كبريائه وخيلائه "ُاهبط إلى الهاوية فخرك رنّة أعوادك. تحتك تُفرش الرمّة وغطاؤك الدود. كيف سقطت من السماء يا زهرة بنت الصبح كيف قطعت إلى الأرض يا قاهر الأمم" (إشعياء 14: 11، 12) ويقول الله في سفر يهوديت "الويل للأمم التي تقوم على نسلى فالرب القدير ينتقم منهم في يوم الدينونة يجعل النار والدود في لحومهم فيبكون ألمًا للأبد" (يهوديت 17:16). وهكذا تمت في أنطيوخس نبوءة الفتى الشهيد المكابى الخامس".. أصبر قليلًا فترى قدرته العظيمة كيف يعذبك أنت ونسلك" (2 مكا 7: 17).
وعن العقاب بالدود فهناك الكثير من المواضع في الكتاب المقدس والتي أشير فيها إلى ذلك، فالأشرار الذين يناصبون الله العداء، بل وفي التاريخ اليوناني أيضًا ذكر لكثير من الملوك المتغطرسين والذين خرج الدود منهم وهم بعد أحياء إلى جوار التعفن والروائح الكريهة. ويمكن اعتبار نبوءة دانيال (8: 25) وتنبؤات الشهداء المكابيين (7: 17، 19، 31، 35، 36) قد تحققت هنا بعقاب الملك الذي أسرف في تعذيبهم.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
انطيوخس يندم ويتعهد برد الأعتبار لليهود

11 وعندئذ، بعدما تحطم جسمه، أخذ ينزل عن غلواء كبريائه، ويدرك الحقيقة، إذ كانت الأوجاع تتنازعه في كل حين تحت وطأ الجلد الإلهي، 12 حتى إنه أمسى هو نفسه لا يطيق نتنه، فقال: "حق على الإنسان أن يخضع لله وأن لا يحسب نفسه، وهو فان، معادلًا لله". 13 وكان ذلك القذر يتضرع إلى السيد، لكن الرب لم يكن ليرحمه من بعد: 14وعد بأن يجعل المدينة المقدسة، التي كان يسرع في الذهاب إليها ليمحو آثارها ويجعلها مدفنًا، مدينة حرة، 15وأن يجعل اليهود الذين كان قد قضى عليهم بأن لا يدفنوا، بل يلقوا مع أطفالهم مأكلًا للطيور والوحوش، مساوين جميعًا للأثينيين، 16 وأن يزين بأفخر التحف ذلك الهيكل المقدس الذي كان قد نهبه، وأن يرد جميع الآنية المقدسة أضعافًا، ويؤدى النفقات المفروضة للذبائح من دخله الخاص، 17 ووعد فوق ذلك أن يصبح هو نفسه يهوديًا ويطوف كل معمور في الأرض ينادى بقدرة الله.



عند هذا الحد من الآلام المبرّحة ثاب أنطيوخس إلى رشده واتضعت نفسه فأقرّ بضعفه قدام الله كعبد مخلوق وفان، فكيف يجعل نفسه مساويًا لله في حين أنه لا يستطيع شفاء نفسه، إلاّ أن اعترافه بالله وسيادته مقابل ضعف الإنسان ومسكنته قد جاء متأخرًا جدا، إنه يذكرنا بعيسو الذي طلب التوبة بدموع ولم يجدها "حق على الإنسان أن يخضع لله وأن لا يحسب نفسه وهو فان معادلًا لله" (آية 12).
ولقد كان ذلك بمثابة قصاص عادل من الله نتيجة تطاول أنطيوخس على الله وعلى أورشليم والهيكل واليهود، والذين قد وضع في قلبه ما يصل إلى حد إبادة جنس اليهود كله. وربما لو رجع صحيحًا لعاد إلى سابق وعيده وعجرفته، ولذلك فإن توبة البعض قد لا تقبل وهم على فراش الموت، إذ قد لا تكون من قلب صادق نقى بل بسبب العجز العارض فقط، فبعض الذين تجاوزوا محنتهم عادوا إلى قديم سلوكهم بعد أن كانوا قد أفرطوا في الوعود، مثلما يعرض أنطيوخس في هذه الآيات، من حيث جعل اليهود متساوون مع الرعايا الأثينيين في الحقوق والحريات، وأن يكرم الهيكل ويعظمه ويحذو حذو أنطيوخس الكبير أبيه، وبطليموس الملك المصري من حيث القيام بنفقات الذبائح فيه (2مكا 1: 2، 3) وأن ينعم عليه بالتحف والهدايا، ذلك بالطبع مقابل وعيده السابق بتحطيمه.
وفى وعده بجعل أورشليم حرة (آية 14) يقصد اعفاءها من الجزية، ومنحها حرية الإدارة الذاتية، وأما عن مساواة اليهود بالأثينيين، فإن أثينا كانت تقع خارج الإمبراطورية السلوقية، ولكن يبدو أن مواطنيها كانوا يتمتعون بمزايا كثيرة حال مجيئهم إلى أنطيوخس، وذلك عرفانا منه بالجميل حيث مكث هناك بضعة أشهر عقب الإفراج عنه كرهينة في روما وقبل اعتلائه العرش، وقد أكرمه أهلها وربما شرّفوه بمنحه حق المواطنة، هكذا كانت معاملة أي شخص كأثينى تعتبرميزة في ذلك الوقت.
وأما عن دفن المعاقبين من اليهود، فقد كان الدفن في بلد المنشأ حقًا شرعيًا، يستثنى منه عتاة المجرمين والمحرومين من الحقوق الشرعية، ويأتي هذا الامتياز عقب التهديد بجعل كل أورشليم مدفنًا لليهود (آية 4، 15) أي "مقبرة جماعية".
بل أنه يتعهد بأن يتهوّد هو شخصيًا ويتحول إلى مبشّر باليهودية. ولا شك أن كل ذلك يأتي كردّ فعل لشعوره بأن ذلك الذي ألمَ به، لم يأت إلاّ كنتيجة لمعاداته اليهود واضطهاده لهم، لاسيما في إطار الضغط العقيدي.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
خطابه إلى اليهود

18 لكن آلامه لم تسكن، لأن قضاء الله البار كان قد حلّ عليه، فيئس وكتب إلى اليهود رسالة بلهجة التوسل، وهذه صورتها: 19 "من أنطيوخس الملك القائد، إلى الرعايا اليهود الأكارم، السلام والعافية والسعادة في كل شئ. 20 إذا كنتم في سلامة وكان أولادكم وكل شيء لكم على ما تحبون، فإني أشكر الله شكرًا جزيلًا. 21 أما أنا فإني طريح الفراش عديم القوة، وأحفظ ذكرًا طيبًا لإكرامكم وولائكم. في عودتى من بلاد فارس، أصابنى داء وخيم، فرأيت من الواجب أن أصرف العناية إلى سلامة الجميع، 22 لا لأني يئست من حالتي، فإن لي رجاء وثيقًا أن أتخلص من عتى، 23 بل أذكر أن أبى، حين قام بحملة على الأقاليم العليا، عين ولى عهده، 24 مخافة أن يقع أمر غير منتظر أو يذيع خبر مشؤوم، فيضطرب أهل البلاد لجهلهم لمن تركت إدارة الأمور. 25 وقد تبين لي أن من حولنا من ذوى السلطان ومجاورى المملكة يترضدون الفرص ويتوقعون حادثًا يحدث، فلذلك أقمت للمُلك أبنى أبنى أنطيوخس الذي سلمته غير مرة إلى إلى كثيرين منكم وأوصيتهم به، عندما كنت أصعد على عجل إلى الأقاليم العليا. وقد كتبت إليه الرسالة الواردة أدناه. 26 فأناشدكم وأرغب إليكم أن تذكروا ما أوليتكم من النعم العامة والخاصة، وأن يبقى كل منكم على ما كان عليه من الولاء لي ولأبنى. 27 وإنى لواثق بأنه سيواصل سياستى برفق وإنسانية ويكون على اتفاق معكم".



يعلن أنطيوخس هنا المنهج الذي سيتخذه بشأن علاقته باليهود، وهو بالطبع مُغاير لسلوكه تجاههم منذ توليه الحكم ولا سيّما في السنوات القليلة الأخيرة، وهو يتذكر أمانة اليهود للإسكندر وخلفاؤه، والخدمات التي قدموها للملكة من حيث تحالفهم مع السلوقيين واشتراكهم معهم في الحروب ضد أعدائهم، ثم استمرارهم في حمل الجزية سنويًا إلى خزينة المملكة، ولذلك فإن أنطيوخس يحفظ لهم ذكرًا طيبًا لإكرامهم وولائهم (آية 21) ويعد بتصحيح الأمور ووضعها في نصابها، متى تجاوز هذه الأزمة الصحية التي ألمّت به. وكان واثقًا من حدوث ذلك .!!
وقد حذا حذو أبيه أنطيوخس الكبير حين أوصى بالعرش لابنه سلوقس الرابع (شقيق أنطيوخس هذا) تحسّبًا لما قد يحدث في حالة وفاته بشكل مفاجئ، أو حتى مجرد إشاعة ذلك في البلاد، وقد مات بالفعل بشكل مفاجئ سنة 178 ق.م.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
نظام تعيين الوريث:

استخدمت كلمة ملك Basilius لتعنى ملكًا كامل الاختصاصات، وكلمة Coregent وتعني وريث، وتتحدد اختصاصات الأخير بحسب منطوق الملك في حفل التعيين، سواء من جهة الأقاليم التي يحكمها أو الشارات الملكية التي يرتديها أو عمله كوريث للعرش بصفة مؤقتة، وكان ذلك يتم في احتفال كبير، حيث يظهر الشخص على منضدة عالية أمام الجميع، وفي حالة أنطيوخس هنا وحيث لم يكن ابنه معه أو قريبًا منه فقد أعلن تعيينه أمام جيوشه التي معه، ويما أنه لم تحدد الاختصاصات فقد كان ذلك يعنى تعيينه ملكًا Basilins بكامل الصلاحيات. ويذكرهم أنطيوخس (في الآية 26) بالنعم والخيرات التي منحهم إياها لكي يكونوا أوفياء له من خلال مساندة ابنه الصغير.
ذلك أنه بعد إبرام معاهدة السلام بينه وبين الرومان سنة 188 ق.م. قام بحملة على الأقاليم التي ادّعى تبعيتها له في إيران، حيث ُقتل هناك في يوم 3 يوليو سنة 187 ق.م. عند محاولته سلب الهيكل هناك، وكان قد عين ابنه سلوقس خلفًا ووريثًا له.
ونقرأ أنه بعد وفاة الإسكندر الأكبر نشبت حروب كثيرة بين اتباعه بسبب الصراع على السلطة، وقد عانى الرعايا الكثير بسبب ذلك، ومن ثم فقد خشى أنطيوخس أبيفانيوس من نشوب حروب داخلية بسبب الخلافة على العرش، وكان أنطيوخس ذاته قد اغتصب العرش ُمستبعدًا أنطيوخس الصغير ابن شقيقه، في حين كان الأخ الأكبر لأنطيوخس الصغير هذا وهو ديمتريوس الأول ما يزال رهينة في روما. ومن هنا خشى أن تتحرك عائلتهم للحصول على العرش لديمتريوس.
كما خشى من أن يتحرك البطالمة في مصر لاسترداد أملاكهم التي خسروها في سوريا وفلسطين، منتقمين من أنطيوخس بسبب عدوانه على مصر وتدخله في شئونها.
وكان أنطيوخس أبيفانيوس قد عهد بابنه أنطيوخس الخامس أوباطور إلى ليسياس صديقه (1مكا 3: 32) للاهتمام به وإعداده للمُلك، وذلك في الأوقات التي كان يقوم فيها بحملات طويلة سواء في مصر أو بلاد الشرق. ولكن عند احتضاره هنا عين "فيلبس" نائبًا للملك ووصيًا في ذات الوقت على ابنه، بينما وجه رسالة إلى ابنه، على الأرجح أنها قرار توريثه العرش (آية25).
من المتوقع أن يكون فيلبس هو الذي حمل الرسالة غربًا، ولكنه ما أن اقترب من أنطاكية حتى كان ليسياس قد أعلن الصبى وريثًا للعرش فاستولى على كافة الأمور (1مكا 6: 17 و 2مكا 10: 11) وإذ لم يتمكن من دخول أنطاكية فرّ فيلبس إلى مصر (آية 29). ثم يشير أنطيوخس إلى ما كان هو عليه في السابق من الخير والمودة لرعيته، ويسألهم مواصلة الولاء له من خلال تعاونهم مع ابنه والذي يطمأنهم بأنه سوف يمضى في نفس سياسته.!!
وقد اتبع أنطيوخس هنا صيغة متواضعة ليست مألوفة لدى الحكام السلوقيون، إلاّ في حالات الانتخابات والتي كان يستعطف فيها المرشح عامة الشعب، ويعد أنطيوخس اليهود هنا بالعديد من المزايا ناسيًا آلامه متغلبا على يأسه، فهل ُتحسب مثل هذه دعاية انتخابية يقوم بها أنطيوخس أبيفانيوس لصالح ابنه؟! سواء أكان خطابه موجها إلى يهود أورشليم أو اليهود الأنطاكيين (اليهود المتأغرقين والذين صار لهم بموجب ذلك حقوق المواطنة الأنطاكية) ؟ (1).
هذا ومن المحتمل أن تكون رسالة أنطيوخس هذه ليست موجهة إلى اليهود فحسب، وإنما لجميع المدن الخاضعة للملكة، ففي بعض الوثائق الأخرى استبدلت كلمة "اليهود" ب "السوريين أو الفينيقيين" وبينما كان يأمل أن يكون ابنه على وفاق مع اليهود مداويًا الجرح الذي أحدثه هو باساءاته إليهم، خاب ظنه وفشل أنطيوخس الخامس في ذلك، كما سيجيئ.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
أنطيوخس يقضى نحبه

28 وهكذا فإن هذا السفاح المجدف الذي عانى آلامًا مبرحة شبيهة بالتى أنزلها بالآخرين قضى نَحبَه ومات أشقى ميتة على الجبال في أرض الغربة. 29فنقل جثته فيلبس، رفيق طفولته، ولكنه خاف من ابن أنطيوخس، فانتقل إلى مصر إلى بطليمس فيلوميتور.

في ربيع 163 ق.م. عندما خرج أبيفانيوس قاصدا أرض مادي، سلك الطريق الجنوبي بمحاذاة شوشان- أصفهان، وهناك بالقرب من أصفهان، كانت قلعة جبّي (1مكا 6:9) ومن ثم سلك طريق عيلام الجبلية. وعيلام هي برسابوليس ولكن برسابوليس هي صفة يونانية لمدينة فارس الشهيرة وهي تبعد 400 كيلومتر جنوب أصفهان، وكانت نهاية أبيفانيوس في هذه الرحلة، إذ أنه بسبب شهوته الجامحة أن يسرق هيكل عيلام الشهير(النناية - هيكل أرطاميس) وبسبب مرضه المفاجىء حاول الرجوع عن طريق أحمتا، ويقول المؤرخون أنه مات في قلعة "جبّي". ومما يؤكد هذا أن أبيفانيوس أراد أن يرجع عن طريق بابل (1مكا 4:6) جنوب سوريا، وهذا الطريق ليس في أحمتا، لذا كان يجب عليه أن يذهب في طريق دائري حول الجبال والمياه في فصل الشتاء. ويطابق هذا ما ورد في (1مكا1:6-16 و 2مكا 1: 12-16).
مات أنطيوخس عند قرية تاب (طاباى) أو الزابى (جاباى) بالقرب من أكبتانا (أحمتا) وتقع بين أحمتا و برسابوليس، ولم تشفع فيه هذه الرسالة وهذه الوعود والتي جاءت بلا شك متأخرة جدًا، وبدافع الضغط الشديد للمرض على كل من جسده ونفسه، والذي جاء كعقوبة له لقاء ما فعله بيهود أورشليم عامة وبالشهداء المكابيين على وجه الخصوص(1).
وأما جثته فقد نقلها "فيلبس" زميل دراسته وصديقه الحميم وأحد خواصه والذي تربّى معه(2)، حيث يذكر في (1مكا 6: 14) أن أنطيوخس هذا أرسل فاستدعى فيلبس ثم سلّمه التاج والشارات الملكية والخاتم الملكى ليصبح نائبًا للمك ووصيًا على أنطيوخس الصغير وأن يعدّه للمُلك، فقام فيلبس باصطحاب الجيش إلى أنطاكية، ومن المرجّح أنه اتجه لفوره إلى مصر بصحبة جثمان أنطيوخس ليدفن هناك، ربما بناءا على طلب كليوباترا بسبب صلة القرابة، فكما أشرنا سابقًا فإن أنطيوخس الثالث كان قد وهب ابنته كليوباترا زوجة لبطليموس أملًا في أن يصبح ولي العرش ابنها مواليًا للسلوقيين، وبالتالي فإن كليوباترا الثانية ابنة الأولى المشار إليها تعتبر ابنة اخت أنطيوخس أبيفانيوس. هناك أيضًا في مصر جرت المشاورات ما بين فيلبس وبطليموس بخصوص ترتيب شئون المملكة بعد موت الملك(1).
ولكن ليسياس والذي كان قد ُولّى في وقت سابق أمر الملك الصغير، سمع بما حدث في أنطاكية حين كان يحاصر اليهود بعد أن هزمهم في معركة بيت زكريا (1مكا 6: 55-63) ومن ثم رفع الحصار واتجه لفوره إلى أنطاكية حيث استرد العرش من فيلبس، والذي ُقتل لاحقًا بعد القبض عليه بأمر الملك الصغير. وكان موت أنطيوخس أبيفانيوس في سبتمبر / أكتوبر (أيلول / تشرين أول) لعام 164 ق.م.

شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
هذا وقد عمت الصراعات - إن لم يكن الحروب - بين أتباع فيلبس وأتباع ليسياس، خلال الفترة ما بين وفاة أنطيوخس أبيفانيوس في أواخر عام 164 ق.م. ووصول فيلبس إلى مصر في مارس 163 ق.م. ولعل ذلك يفسر لنا بسهولة كيف استطاع يهوذا المكابى ورجاله تحقيق المزيد من الانتصارات في تلك الحقبة، بينما كانت أنطاكية مشغولة في تلك الصراعات (1مكا 5 و 2مكا 10: 14-38 و 12: 2 - 37).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
وعلى مرضه وعذابه وموته يعلق الأب أفراهات السرياني قائلًا:
لأن دانيال قال "كنت متأملًا في القرون (التي على رأس الوحش) والقرون العشرة من هذه المملكة هي عشرة ملوك (دانيال 7: 8، 24) الذين قاموا في ذلك الوقت حتى أنطيوخس. وقد قال دانيال "وإذا بقرن آخر صغير طلع بينها وقُلعت ثلاث من القرون الأولى من قدامه" (دانيال 7: 8) لأنه عندما قام أنطيوخس في المملكة (أي تملّك) أذلّ ثلاثة ملوك، ورفع نفسه ضد قديس العلي وضد أورشليم، ودنّس المقدس، متسببًا بذلك في توقف الذبيحة والتقدمات لمدة أسبوع ونصف الأسبوع أي لمدة عشر سنوات ونصف، وجلب الزاني في بيت الرب، وتسبب في أن يتعطل العمل بالشريعة، وذبح رجالًا مستقيمين صديقين واسلمهم لطيور السماء ولوحوش الأرض
لأن في أيامه كمل قول داود النبي "اللهم إن الأمم قد دخلوا ميراثك نجسوا هيكل قدسك جعلوا أورشليم أكوامًا. دفعوا جثث عبيدك طعامًا لطيور السماء. لحم أتقيائك لوحوش الأرض. سفكوا دمهم كالماء حول أورشليم وليس من يدفن" (مزمور 79: 1-3) لأن هذا قد تم في ذلك الوقت عندما ذُبح الشيخ الوقور ألعازار، وأبناء سامونا المباركة (أم المكابيين الشهداء) وعددهم سبعة. وعندما كان يهوذا المكابى واخوته يكافحون نيابة عن شعبهم. عندما كانوا يسكنون المخابئ. في ذلك الوقت "القرن حارب القديسين" (دانيال 7: 25) وقوتهم سادت وأنطيوخس الشرير" يتكلم بكلام ضد العلى ُويبلى قديس العلى ويظن أنه يغيّر الأوقات والسنة" (دانيال 7: 25) وأبطل عهد إبراهيم وألغى سبت الراحة، إنه أمر اليهود بألاّ يختتنوا، لذا قال النبي بخصوصه ويظن أنه يغير الأوقات والسنة ويُسلمون ليده إلى زمان وأزمنة ونصف زمان (7: 25) الآن الزمان ونصف الزمان هو أسبوع ونصف، أي عشرة سنوات ونصف، وقال أيضًا: " فيجلس الدين و ينزعون عنه سلطانه ليفنوا و يبيدوا إلى المنتهى" (دانيال 7: 26) لأن القضاء وقع على أنطيوخس قضاء من السماء وأصبح مريضًا بمرض شديد وشرير، وبسبب رائحته لأن تعفّن، لم يمكن لإنسان أن يقترب منه، لأن الديدان كانت تزحف وتسقط منه وتأكل لحمه لأنه اضطهد دودة يعقوب (إشعياء 41:41) وتعفّن لحمه في حياته، لأنه جعل أجسام بنى أورشليم الميتة تعفّن دون دفن، وأصبح دنسًا في عيني نفسه، لأنه دنس مقدس الله. وصلى ولم يُستجب له، لأنه لم يُصغ إلى تأوهات المستقيمين الذين ذبحهم، وكتب رسالة وأرسلها لليهود ودعاهم "أصدقائى" لكن الله لم يرحمه، بل مات في عذابه. (1)

(1) يوجد من يعتقد مثل: (Kugler, p. 389) أن الكلمة كانت أصفهان Aspadana بدلا من أحمتا Agbatana ، لاحظ التشابه الشديد.

(1) ويقول المؤرخ بوليبيوس Polybiaus أن أنطيوخس قد أخفق في مشروعه لأن البربر الذين قطنوا المنطقة المحيطة بالموضع المقدس رفضوا الاستسلام.

(1) وفي تاريخ يوسابيوس، في نسخة أرمنية (صفحة 119 طبعة كارست 1911 - من حاشية موتزو Motzo) يرد: " ولما كان أنطيوخس أبيفانس حيٌ، ملك ابنه أوباطور الذي كان عمره حوالي 12 سنة، وكان يُكنى باسم أوباطور، وكان قد ملك لمدة سنة وستة شهور عندما كان أبوه مازال على قيد الحياة).

(1) فيما يتعلق برسالة أبيفانيوس المريض، والتي ينقصها التاريخ في مقدمتها يقول: (Bevan,House of Selucus , II 177,299): أن هذه الرسالة كانت لليهود المتأغرقين الذين ُيعتبرون في نظره مواطنين ورعايا، وقد وجه هذا الكلام إليهم لأنهم الوحيدين الذين يعتقد أنهم رعايا دولته الرسميين، وهو يحاول هنا أن يخبرهم بمرضه أثناء سفره لفارس ويتمنى أن يطيب، لذا يطلب منهم مساعدته في توريث ابنه العرش، وهو يسلك هنا تماما كأبيه، إذ لما قصد أبيه الأماكن العليا في مملكته أعلن عمن سيخلفه على العرش. كما يحاول أبيفانيوس هنا استمالة بقية اليهود بوعده ونذره الذي اتخذه كوسيلة للتقرب إليهم.

(1) أشقى ميتة (آية 28): تترجم أيضا: "ميتة شقاء" أو بموت رهيب، وجاءت في اليونانية (Morw = مصير سيء).

(2) الذي تربى معه: جاءت في اليونانية (o suntrofoV autou) وهي صفة تطلق على حبيب الملك وصديقه المقرب من صغره، وقد أورد (Corradi 269 sqq) بحثا في هذا اللقب. وهو يطابق (1مكا 12: 8).

(1) لم يكن هرب فيلبس خوفا من وجه ابن أنطيوخس نفسه، بل من أمام ليسياس (والذي يمثل آنئذ فترة حكم الملك الصغير) حيث أخذ في تدبير المملكة والشعب ورأى أنه لم ينل حظوة أمامه، ونرى من (1مكا 6) أن فيلبس عاد مع جيش الملك أنطيوخس من فارس واحتل أنطاكية، لكن ليسياس هزمه بعد ذلك وملّك أوباطور ابن أنطيوخس، وحينئذ هرب فيلبس لمصر، كما ذكر الخبر بالاختصار في يوسيفوس في (الآثار اليهودية كتاب 12: 7:9) إذ يقول: (أنه قُبِضَ عليه ومات) ربما قبض عليه بعد هروبه لمصر أو وهو في الطريق.

(1) NPNF, S2, Vol. X111, P. 359. الشروحات / الشرح الخامس عن الحروب
  رد مع اقتباس
قديم 01 - 04 - 2014, 03:00 PM   رقم المشاركة : ( 10 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,577

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني

المكابيين الثاني 10 - تفسير سفر المكابيين الثاني
تطهير الهيكل يعقبه سلسله من الأنتصارات


لم يسلك أنطيوخس أوباطور الخامس كما أمل أبيه أنطيوخس الرابع، بل سار في نفس طريقه، ومن ثم فقد واصل اليهود كفاحهم من أجل تأمين البلاد وتعضيد شرائعهم. فبعد الانجازات العسكرية الباهرة التي حققها المكابيون في بداية جهادهم أصبح الطريق ممهدًا لإزالة النجاسة وشناعة الخراب التي ألحقها السلوقيون بالهيكل. هذا ويمكن تقسيم هذا الأصحاح إلى قسمين:
القسم الأول: (1-9) تطهير الهيكل وتحديد عيد التجديد(1).
القسم الثاني: بقية أخبار أنطيوخس.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
تطهير الهيكل

(1مكا 4: 36 - 61)
1 أما المكابى والذين معه، فأستردوا الهيكل والمدينة بقيادة الرب، 2 وهدموا المذابح التي كان الأجانب قد بنوها في الساحة وخربوا أماكن العبادة. 3 وبعد أن طهروا الهيكل، صنعوا مذبحًا آخر، واقتروا حجارة اقتبسوا منها نارًا وقدموا ذبيحة بعد مدة سنتين، وهيأوا البخور والسرج وخبز التقدمة. 4 ولما أتموا ذلك، جثوا بصدورهم وابتهلوا إلى الرب أن لا يصابوا بمثل تلك الشرور، وأن يؤدبهم هو بحلم إن خطئوا، ولا يسلمهم إلى أمم مجدفة وحشية. وأتفق أنه في مثل اليوم الذي فيه نجس الغرباء الهيكل، في ذلك اليوم عينه تم تطهير الهيكل، وهو اليوم الخامس والعشرون من ذلك الشهر الذي هو شهر كسلو. 6فعبدوا ثمانية أيام بفرح، كما في عيد الأكواخ قبيل ذلك في الجبال والمغاور، مثل وحوش البرية. 7ولذلك رفعوا الأناشيد إلى الذي يسر تطهير مكانه المقدس، وفي أيديهم مزاريق وأغصان خضر وسعف. 8 وفرضوا فريضة عامة ومثبتة بالاقتراع أن تُعيد جميع أمة اليهود هذه الأيام في كل سنة.


شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني

St-Takla.org Image: Judas Machabeus
صورة: يهوذا المكابي
مثلما كانت الانتصارات من عند الرب، هكذا أيضًا يسترد اليهود الهيكل بقيادة الرب، لقد خرج الأمر من عنده، يسمح بتدنيس الهيكل ثم يقضي بتطهيره. الآن يهرب كهنة الوثن مع أتباعهم ممن نشروا الفساد والدعارة في الموضع المقدس، لقد أوقعت الانتصارات المدوّية الرعب في قلوبهم. ولم يتبقَّ في أورشليم من الوثنيين السلوقيين سوى سكان القلعة (عكرة) والذين لم يستطع المكابي طردهم من هناك، بل اكتفى بمشاغلتهم فقط أثناء عملية التدشين (1مكا 4: 41) وقد ظلوا هناك إلى أن طردهم سمعان المكابي (1مكا 13: 49-52).
ولم تكن هناك قوة كافية لمنع يهوذا المكابي ورجاله من الاستيلاء على أورشليم والهيكل، بعد انسحاب ليسياس على اثر معاهدة السلام مع اليهود، وحتى سكان قلعة عكرة أنفسهم لم يتصدّوا لليهود إلاّ بشكل متقطّع (1مكا 4: 41).
وقد تأخّر تطهير الهيكل لعدة أشهر، ربما بسبب انتظار اليهود التقاة "الموعد المحدد" الوارد ذكره في (دانيال 11: 24) وهو رأس السنة السبتية، وهو الموعد المتنبأ به لنهاية الاضطهاد، حيث تشير النبؤة إلى أن منلاوس رئيس الكهنة المرفوض يفقد سلطانه، وقد اعتمد أولئك التقاة على هذه النبوة في تجريد منلاوس من نفوذه وذلك في أواخر صيف 164 ق.م. أو أوائل خريف ذلك العام، ومن المؤكد أنهم استبعدوه من الهيكل حتى أنه في سنة 163 (13: 3) طلب من الحكومة في أنطاكية تأكيد سلطته.
أما المكابيين فإنهم بعد هدم مذابح "زيوس" قاموا بهدم المواضع التي كانت ُتقام فيها الولائم الطقسية والفجور، وكذلك مساكن كهنة الوثن وكل مكان لحقته النجاسة من خلال التواجد الوثني. هذا وتأتي أماكن العبادة (آية 2) في اليونانية (temenh) وفي الفولجاتا اللاتينية (delubra =الهياكل). والمقصود بالكلمة اليونانية في الأصل هو: (أيكة مقدسة أو شجرة مقدسة كانوا يسجدون هناك كمكان عبادة).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
اقتدحوا حجارة:

وُيقصد بها قدح حجر بآخر للحصول على النار، وهو أمر لا يتعارض مع ما ورد في بداية السفر عن اشتعال الذبيحة من خلال "ماء النفطار" الذي جلبوه من الجب حيث دفنت أدوات الخدمة الهيكلية، فإن ذلك تم بعد العودة من السبي، بينما ظلت النار المقدسة مستمرة إلى أن توقّفت الخدمة في الهيكل، ومن ثمّ حصلوا على النار بهذه الطريقة(1). ولكن يجب ألاّ ُيؤخذ القول أن ذلك تم بعد سنتين على نحو حرفي، لأن المدة كانت ثلاث سنوات(1).
وقد صلّى اليهود أن يؤدبهم هو برحمته فيما بينه وبينهم متى أخطأوا من جديد، دون أن يسلمهم لأيدي أعدائهم والذين ثقلت عليهم يدهم هكذا، فلقد أذلّهم السلوقيون وأذاقوهم من المر أشرّه"... قد ضاق بي الأمر جدًا. فلنسقط في يد الرب لأن مراحمه كثيرة ولا أسقط في يد إنسان" (2صموئيل أول 24: 14).
وهكذا تم تدشين الهيكل وسط مظاهر بهجة شائقة، وكان اليوم الذي تدنّس فيه الهيكل هو الخامس والعشرين من ديسمبر (كسلو) وهو نفس اليوم الشهري الذي كان يُحتفل فيه بعيد ميلاد أنطيوخس أبيفانيوس. وهو أيضًا نفس اليوم الذي ُاحتفل فيه بتدشين الهيكل. وكان ذلك بعد موت أنطيوخس أبيفانيوس ببضعة أسابيع فقط، بينما بدأت أعمال التطهير قبل ذلك بفترة أي في حياة أنطيوخس وبينما كان في رحلته إلى الشرق. راجع التعليق على تدشين الهيكل (1مكا 4: 36-61 و 2مكا 2: 16-18).
أما عن وجه الشبه بين يوم التدشين وعيد المظال (آية 6) حيث مدة الاحتفالات ثمانية أيام، فإن تدشين الهيكل أيام سليمان وافق عيد المظال، يضاف إلى ذلك أن يوم التدشين في عهد المكابيين قد جاء بعد ثلاث سنوات قضاها العديد من اليهود في المظال والأكواخ في الجبال بلا بيوت.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
المزاريق:

وهي عبارة عن غصن مصنوع من أي نوع من الأشجار، يغطي بأوراق اللبلاب والكروم وله مخروط من خشب الصنوبر عند قمته، كان ُيستخدم في احتفالات ديونيسيوس لدى اليونان، بينما كان الأريزيون Airesione وهو عبارة عن غصن من الزيتون أو الغار ملفوفًا بالصوف وتتدلّى منه ثمار الفاكهة قد استخدم في عبادة أبوللو، وأما اليهود فقد استخدموا أغصان النخيل والآس (نبات عطري) والصفصاف وفاكهة ال الهادار Hadar والتي كانوا ُيؤمرون بأخذها في عيد المظال (لاويين 23: 40) وأصبحت ُتسمّى في اليونانية ثيروسس Thyroses وإن كان الثيروس هنا مميز عن سعف النخل، ويخبرنا المؤرخ بلوتارك أن اليهود في أيام عيد المظال كانوا يأخذون الثيروس وأغصان الأشجار معًا(1).

هذا وتشير "الفريضة والاقتراع" (آية 8) إلى أن تحديد أيام عيد الحانوكاه كان على يد المحكمة اليهودية العليا المختصة بشؤون الدين، بمشاركة يهوذا المكابي. والآية تفرض على كل يهودي أن يعيد عيد الحانوكاة أي عيد التجديد.

شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
بين انطيوخس أوباطور ووصية لسياس

9 تلك كانت ظروف وفاة أنطيوخس الملقب بإبيفانيوس. 10ولنشرع الآن في خبر أنطيوخس أوباطور بن ذاك الكافر، موجزين الشرور الملازمة للحروب. 11 لما استولى هذا على الملك، فوض تدبير الأمور إلى أحد يدعى ليسياس، وكان قائد القواد في بقاع سورية وفينيقية. 12 وأما بطليمس المُسمى بمقرون، وهو أو من أنصف اليهود مما كانوا فيه من الظلم، فقد اجتهد أن يدبر شؤونهم تدبيرًا سلميًا. 13 فلذلك سعى به أدقاء الملك إلى أوباطور وكثر كلام الناس فيه بأنه خائن لأنه تخلى عن قُبُرسَ التي كان فيلوماطور قد ولاَّه عليها، وأنه أنصرف إلى أنطيوخس إبيفانيوس ولم يشرف كرامة منصبه، فسمم نفسه وفارق الحياة.

عند هذا الحد ينتهي القسم الأول من السفر، حيث تمّ شرح الظروف والملابسات التي أوجبت الاحتفال بعيد التدشين، والذي يجب بحسب الرسالة المرسلة ليهود مصر أن يصبح الاحتفال به فرضًا على جميع اليهود سواء داخل اليهودية أو في الشتات، لاسيما يهود مصر.

وبينما يبدو في الأصحاح الخامس من سفر المكابيين الأول أن حروب يهوذا ورجاله كانت موجهة بشكل مباشر إلى الأمم الوثنية المحيطة باليهودية، فإن السفر هنا يشير إلى تحركات عدائية من المسئولين السلوقيين أنفسهم، ولا تعارض في ذلك إذ ساند هؤلاء القادة أعداء اليهود من حولهم، في حين يقوم تيموثاؤس القائد الحكومي بأعمال معادية لليهودية مباشرة (1مكا 5: 11، 34، 37).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
ليسياس Lysias: بعد أن تملَّك أنطيوخس الخامس، أسماه ليسياس: أوباطور Eupator والذي يعنى "المشرّف أباه" (1مكا 6: 17) وكان صبيًا في ذلك الوقت لا يتجاوز عمره تسع سنوات وبالتالي فقد كان ليسياس هو الوصيّ عليه والملك الفعلي للبلاد، في حين كان قائدًا لإقليم البقاعولذلك فإن تعيينه (آية 11) هو تحصيل للحاصل وتصديق على الأمر الواقع إذ كان أنطيوخس أبيفانيوس قد عينه وصيًا على ابنه، وذلك قبل أن يقوم بحملته إلى الشرق سنة 165 ق.م. بل وعيّنه قائد قواد (رئيس وزراء) في النصف الغربي من الإمبراطورية السلوقية. وإن كان ذلك يُضاد ما قررّه أنطيوخس بتعيين فيلبس مكان ليسياس. ولكن الأخير اعتاد أن يأخذ بزمام المبادرة (1مكا 3: 38 إلخ.). كما قام ليسياس بحملة ضد المتمردين اليهود انتهت في أوائل عام 164 ق.م. قبل تطهير الهيكل بزمن طويل (1مكا 3: 32-36 و 4: 26-35).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
بطليموس مقرون (ماكرون):

هو حاكم إقليم بقاع سورية (قول سوريا) راجع (8:8) ربما بعد تولي ليسياس زمام الأمور في البلاد إذ كان هو ذاته حاكمًا لهذا الإقليم (آية 11) وهو ما جعل البعض يتعجّب كيف يكون حاكم البلاد عامة ثم حاكم إقليم البقاع. وهو واحد من اثنين وسبعين حاكمًا عيّنهم أنطيوخس أبيفانيوس الرابع في مملكته، وبالرغم من تصوّر البعض بأنه شخص غير "بطليموس بن دوريمانس" (1مكا 3: 38 و 2مكا 8:8) ورغم أنه قد حوّل قضيّة منلاوس رئيس الكهنة الخائن من اتهامه إلى اتهام الذين رفعوا الدعوى ضده في صور أمام الملك (4: 45، 46) إلاَ أنه هو هو الشخص ذاته، غير أنه وبعد تلك الإساءة إلى اليهود عاد ليتعاطف معهم ويتكلّم عنهم بالخير لدى الحكّام السلوقيين.
ويذكّرنا بطليموس مقرون بقائد المئة الروماني والذي شفع فيه اليهود لدى السيد المسيح لكي يشفي له غلامه إذ كان خيّرًا يسعى لما فيه خيرهم".. فلما جاءوا إلى يسوع طلبوا إليه باجتهاد قائلين أنه مستحق أن ُيفعل له هذا لأنه يحبّ أمتنا وهو بنى لنا المجمع. فذهب يسوع معهم" (لوقا 7: 5) ونذكر أيضًا قائد المئة الذي خلّص القديس بولس من الموت مع بقية الأسرى على السفينة (أعمال 27: 34) وغيره كثيرون ممن أعطى الله اليهود نعمة في أعينهم، وهكذا يهيّيء الله في أقسى الظروف من يدافع عن كنيسته "هيأت لي مائدة تجاه مضايقى" (مزمور 23: 5).
غير أن بعض الأشرار سعى فيه ووشى به لدى الملك (في الواقع لدى ليسياس) بحجة أنه أهمل شئون "قبرس" والتي ُعيّن عليها حاكمًا من قبل أنطيوخس الرابع (لحساب بطليموس فيلوميتور ملك مصر) وأنه منحاز إلى فكر أنطيوخس أبيفانيوس "انصرف إلى أنطيوخس أبيفانيوس" (آية 13) وبوصفه كان حاكمًا لقبرس فقد ظل على إخلاصه لبطليموس السادس فيلوميتور حتى بلغ الأخير سن الرشد في النصف الثاني من عام 170 ق.م. وفيما بعد وفي عام 170 / 169 شن وزراء بطليموس هذا غير الأكفاء حربًا غير مدروسة على أنطيوخس الرابع، وقد فسّرت هذه الواقعة على أنها خيانة من بطليموس مقرون. بل لقد اُتهم أيضًا بأنه تقاعس عن اتخاذ الإجراءات اللازمة حيال زحف يهوذا ورجاله وتحقيق الانتصارات السهلة، فيما اعتبر سياسة استرضائية منه تجاه اليهود.
ويبدو أن الأمر كان أعظم من أن يحتمله أو يسعى لتبرير موقفه، ومن ثم آثر الانتحار، فقد كانت عقوبة تهمة "الخيانة العظمة" هي الموت، وهو أمر شائع سواء الاتهامات الجزافية أو الأحكام الجائرة، وقد اختار العديد من الأشراف الانتحار على تسليم أنفسهم للقتل، بل كان الملوك كثيرًا ما ُيرسلون أوامرهم إلى أمثال هؤلاء ليقتلوا أنفسهم معتبرين في ذلك كرامة لهم، وفي العصر الروماني نقرأ كثيرًا كيف كان أولئك يحضرون طبيبهم الخاص والذي كان يقوم بقطع شريان اليد لينزف الشخص ببطء حتى يدخل في غيبوبة يلقى حتفه فيها(1).
هذا وكان بطليموس مقرون قد تحوّل إلى خدمة السلوقيين عقب احتلال أنطيوخس الرابع لقبرس سنة 166 ق.م. وقد عُثر على بعض النقوش وكذلك في تاريخ بوليبيوس على دلائل تشهد بوجود بطليموس حاكمًا لقبرس(2).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
الأنتصار على الأدوميين

14 ووُلَّىَ جرجياس قيادة البلاد، فشرع يجند من الأجانب، وينتهز كل فرصة لإلقام نار الحرب على اليهود. 15 وكذلك الأدوميون الذين كانت لهم حصون في مواقع ملائمة كانوا يضايقون اليهود ويقبلون المنفيين من أورشليم، ويحرضون على الحرب. 16 فابتهل الذين مع المكابى في صلاة عامةن وتضرعوا إلى الله أن يكون لهم حليفًا، ثم هجموا على حصون الأدوميين. 17 واندفعوا عليها بشدة، فاستولوا على تلك المواقع وردوا جميع الذين كانوا يقاتلون على السور وذبحوا كل من وقع في أيديهم، وأهلكوا لا أقل من عشرين ألفًا. 18 وفر تسعة آلاف منهم إلى برجين حصينين جدًا مجهزين بكل أسباب الثبات للحصار. 19 فترك المكابى سمعان ويوسف وزكا وعددًا من أصحابه كافيًا لمحاصرتهما، وانصرف إلى أماكن أخرى كانت أمس حاجة. 20 غير أن الذين كانوا مع سمعان استغواهم حب المال، فارتشوا من بعض الذين في البرجين، وخلوا سبيلهم، بعد أن أخذوا منهم سبعين ألف درهم. 21 فلما أخبر المكابى بما حدث، جمع رؤساء الشعب وشكا ما فعلوا من بيع إخوتهم بالمال، إذ أطلقوا أعداءهم عليهم. 22 ثم قتل أولئك الخونة، واستولى من فوره على البرجين. 23 وقرنت أسلحته بكل فوز، فأهلك في البرجين ما يزيد على عشرين ألفا.



جرجياس:

يعنى تعبير "قيادة البلاد": حاكم الأقاليم، وفي بعض الأحيان كان هذا اللقب يعنى المناطق التي لا تتمتّع بالامتيازات في المملكة مثل أدومية وغيرها، ومن خلال ما ورد في (1مكا 5: 29) حيث نقرأ عن جرجياس الذي حارب اليهود وكانت له قاعدة في يمنيا، ومن خلال (2مكا 12: 32-41) والتي ورد فيها دخول اليهود إلى يمنيا (12: 40) حيث يذكر أن العدد كان جرجياس أيضًا حاكم أدوم (12: 32) وأن هذه الأحداث كلها وقعت في حكم أنطيوخس الخامس، يمكن استنتاج وجود جرجياس واحد وهو حاكم أرض أدوم والمناطق الأخرى المحيطة باليهودية.
قام جرجياس بتجنيد عدد كبير من الأجانب (المرتزقة الفلسطينيين) ومن ثم فقد صار يتحرّش باليهود، لاسيما من خلال جيرانهم الوثنيين والذين تتسم علاقاتهم بهم بالعداء، والذي أصبح سمة تميّز العلاقة بينهم. فقد استعدى جرجياس الأدوميين على اليهود، ففي المدن المحصّنة (الحصون) والتي ُوجدت في المنطقة هناك مثل مستعمرات أدومية متفرقة، مارس هؤلاء أنواعًا مختلفة من الضغط على اليهود، فقد استقطبوا المعارضين للنظام في أورشليم ولا سيّما أولئك المتشيعين بالحضارة الهيلينية، ليس ذلك حبًا بالهيلينية بل رغبة منهم في اضعاف السلطة هناك، ومن ثم أصبحوا حجر عثرة لهم.
ولقد توسّل اليهود إلى الله أن يشهد على مضايقات الأعداء وظلمهم، وتبرئة أنفسهم من دمائهم. ذلك قبل أن يباغتوهم في شجاعة وُيلحقوا بهم هزيمة قاسية ويكبّدوهم خسارة جسيمة.
وقد حقق اليهود الانتصارات الكبيرة على الأدوميين ولاحقوا أولئك الذين هربوا محتمين بالحصون حتى لايعودوا إلى مهاجمة اليهود أو مضايقة السكان اليهود الذين يحيون بينهم، ويشجّعون المرتدين من اليهود على العيش بينهم والعمل ضد بني وطنهم، ثم ولّى يهوذا بعضًا من رجاله لحراسة المحاصرين في الحصون.. انظر التعليق على (1مكا 5: 1-8). ولا شك أن سمعان المذكور هنا هو سمعان شقيق يهوذا، في حين كان يوسف وزكا (زكريا) من القادة الموثوق بهم أنظر (1مكا 5: 17-18، 55-56).
أما الأمور العاجلة التي من أجلها ترك يهوذا الساحة لأولئك القادة، فالأرجح أنها مناوشات وتهديدات طيموتاوس القائد العموني، حيث لم يكن ممكنًا ليهوذا أن يعود لأسر القلاع المحاصرة قبل دحر قوات طيموتاوس (آية 24).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
في وسطك خيانة يا إسرائيل (19 23):

لم يخل الأمر مع ذلك من آثار الضعف البشرى والخيانة، ولابد أن يوجد بين الأمناء والثوّار بعض ممن يخونون القضية، ومن يسيل لعابهم أمام المال الوفير، وهو أمر شائع في مثل تلك الظروف. ولم يكن هناك الكثير من أمثلة هؤلاء حول يهوذا المكابي، ولكن ذلك أيضًا ُيظهر لنا بالمقارنة: حكمة يهوذا المكابى وشجاعته.
أما خطورة تلك الخيانة فهي احتمال أن يعود الناجون وعددهم سبعمائة شخص، من جديد لمحاربة اليهود انتقامًا منهم، راجع انتصارات يهوذا المكابي والتعليق عليها في (1مكا 5: 1-8).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
رؤساء الشعب والمحاكمات:

من المحتمل أن يكون هؤلاء الرؤساء الذين حاكموا الخونة، عبارة عن مجلس عسكري أو محكمة عسكرية، كبديل لنظام مجلس الشيوخ اليهودي، وقد كوّن أتباع المكابي أجهزة حكومية قومية لهم، وقد عاد الحكام السلوقيون إلى الاعتراف بسلطة مجلس الشيوخ بحلول مارس سنة 164 ق.م. ومن الواضح أن يهوذا لم يعطِ نفسه سلطة مطلقة للحكم بالإعدام على الخونة، رغم أنه كان من سلطته ذلك، لاسيّما في الظروف القتالية الخاصة والطواريء التي عثر بها البلاد.
ومن المؤكد أن سمعان لم يشترك معهم في الخيانة، وأن كان قد ذكر اسمه ضمن الذين تولّوا مراقبة الحصون، فإن سيرته وأعماله في سفر المكابيين الأول تؤكّد عكس ذلك. كما أن ظن البعض بأن "يوسف وزكا" هو تحريف للاسم يوسف بن زكريا المذكور في (5: 56) إلاّ أنهلا مانع من وجود واقعة أخرى غير تلك التي أساء فيها يوسف بن زكريّا إلى الجيش حين اشترك في عملية خطيرة بسبب عدم طاعته، وأمّا الثمن الذي تقاضوه مقابل هذه الخيانة (70 ألف درهم) فهو يعنى أن الُمفرَج عنهم كانوا سبعمائة شخص إذا اعتبرنا أنهم تقاضوا مئة درهم عن كل واحد من الذين نجوا.
أما ن عدد القتلى المذكور هنا (عشرين ألفًا آية 23) مقابل التسعة آلاف المذكورين في (آية 18) فلا تعارض بينهما إذ أنه من المحتمل أن يكون البرجان قد اُحتلاّ من قِبل حامية عسكرية قبل التجاء الفارين إليهما، وقد ُذكر في (1مكا 5: 5) أن يهوذا قد أضرم النار في البرجين حتى مات المجتعون بهما حرقًا.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
هزيمة طيماتاوس والأستيلاء على جازر




24 ثم إن طيموتاوس الذي كان اليهود قد هزموه من قبل حشد جيشًا عظيمًا من الغرباء وجمع من أفراس آسية عددًا غير قليل، وزحف كمن يريد الاستيلاء على اليهودية بالسلاح. 25 فلما اقترب، توجه رجال المكابى إلى الابتهال إلى الله، وقد حثوا التراب على رؤوسهم وشدوا أوساطهم بالمسوح. 26 وجثوا عند قاعدة املذبح وابتهلوا إلى الله أن يكون معهم ومعاديًا لأعدائهم ومضايقًا لمضايقيهم، كما ورد صراحة في الشريعة. 27 ولما فرغوا من الصلاة، أخذوا السلاح وتقدموا حتى صاروا عن المدينة بمسافة بعيدة، ولما قاربوا العدو وقفوا. 28 وعند انتشار نور الشمس في طلوعها، تلاحم الفريقان، هؤلاء متوكلون على الرب كفيلًا بالفوز والنصر وعلى بسالتهم، وأولئك متخذون اندفاعهم قائدًا في الحروب. 29 فلما اشتد القتال، تراءى للأعداء من السماء خمسة رجال رائعى المنظر، على خيل لها لجم من ذهب، وتقدموا اليهود، 30 وأحاطوا بالمكابى يحمونه بأسلحتهم ويقيانه الجراح. وكانوا يرمون الأعداء بالسهام والصواعق، حتى عميت أبصارهم وجعلوا يتفرقون لشدة اضطرابهم. 31 فذبح عشرون ألفًا وخمس مئة ومن الفرسان ست مئة. 32 وأما طيموتاوس فقد هرب إلى الحصن الذي يقال له جازر، وهو حصن منيع، وكان تحت إمرة خيراوس. 33 فتحمس رجال المكابى مسرورين وحاصروا المعقل أربعة أيام، 34وإن الذين في داخله، لثقتهم بمناعة المكان، تمادوا في التجديف وأفحشوا في الكلام. 35فلما طلع صباح اليوم الخامس، هجم عشرون فتى من رجال المكابى على السور، وهم متقدون غيظًا من التجاديف، وجعلوا يذبحون ببسالة رجولية وتنمر كل من عرض لهم. 36 وكذلك تسلق آخرون من خلف إلى الذين في الداخل، وأشعلوا البرين وأحرقوا أولئك المجدفين أحياء في المحارق. وكسر آخرون الأبواب وفتحوا ممرًا لبقية الجيش واستولوا على المدينة. 37 وكان طيموتاوس مختفيًا في جب، فذبحوه هو وخيراوس أخاه وأبلوفانيس. 38 وبعد ذلك، باركوا الرب بالأناشيد والتسابيح على إحسانه العظيم إلى إسرائيل ونصره إياهم.


بعد أن ذاق طيموتاوس مرارة الهزيمة على أيدي المكابيين، ولكنه استطاع الهروب ليعيد الكرّة من جديد وبصحبته جيش جرار معضد بعدد ضخم من الخيول جلبها من آسية(1). وقد آثار ذلك مخاوف اليهود، ليس الخوف من الدخول في المعركة فحسب بل استيلاء السلوقيين من جديد على اليهودية، وما قد يتبع ذلك من الإساءة إلى الهيكل والمقدسات من جديد.
وهكذا نجدهم يلجأون إلى الله بالصلاة مما يؤكد استمرار الدافع الديني خلف جميع الأعمال العسكرية الدفاعية، ولقد اعتاد اليهود أن يتوجّهوا بالصلاة إلى الله طالبين مراحمه كأول خط دفاع لهم (8: 2-4، 14-15 و 10: 16، 25 - 26) ولعلها أكثر مراحل جهاد اليهود تشبّعًا بالصلاة والإصرار على أن يكون الله شريكًا أساسيًا في قراراتهم، وهم هنا يذكّرونه بوعده:".. ولكن إن سمعت لصوته وفعلت كل ما أتكلم به أعادي أعداءك وأضايق مضايقيك. فإن ملاكى يسير أمامك.." (خروج 23: 22).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
وكان لدى اليهود في ذلك الوقت أربعة نبوات يتوقعون تحقيقها، وهى:

(1) أشعياء (30: 15-36): حيث يُعاتَب إسرائيل لاعتماده على القوة البشرية والخيل دون الاعتماد على الله، فيسمح الله لخمسة من الأعداء بإجبار شعبه على الفرار، ويطالب إسرائيل بطلب الرحمة من الله وطرح الأصنام، وحينئذ تأتى بركته ويأتي الله بغضب ليقضي على أعداء إسرائيل.
(2) زكريا (9: 9-16): حيث يجب على إسرائيل وقادته أن يتواضعوا ولا يكن لهم مركبات ولا فرسان ولا رماة، كما أن "دم العهد" والذي ُيفسّر ببساطة على أنه " دم الشهداء" ُيطلق الأسرى، كما ذكر اسم العدو في تلك النبوة على أنه لاوان أي اليونان (الإمبراطورية السلوقية) وسوف يظهر الرب من فوقهم ب "سهام مثل البرق" ويحميهم.
(3) يوئيل (2: 11-3: 21): ويذكر فيه أنه عندما يرجع اليهود المضطهَدون إلى الله بتوبة وصلاة سيمدّهم بالطعام ويبعد عدو الشمال (أنطيوخس الرابع) عنهم ليهلك بنتن بين البحرين، وُيهلك الأمم التي سارت ضد يهوذا وأورشليم.
(4) دانيال (11: 45 - 12: 1): حيث تنبأ أنه بعد موت ملك الشمال سيأتي زمان من المتاعب غير المسبوقة يخفّ خلاله الُمدافع الملائكي العظيم ميخائيل لنجدة إسرائيل، ويجتاز اليهود الأتقياء المخاطر.
وفي صلاة الحجاب التي يصليها رئيس الكهنة في يوم الكفارة، يَرِدْ: (.. نسألك "يا يهوه" ألاّ يأتي أي سبي علينا، سواء في هذا اليوم أو خلال هذه السنة، وحتى إذا ُاسرنا في هذا اليوم أو هذه السنة فياليته أن يكون إلى مكان تطبق فيه الشريعة) (1). هكذا كان العمل بالشريعة هو على رأس قائمة الأولويات في فكرهم وجهادهم. وهكذا يليق بكل إنسان أن يكون اهتمامه الأول ما يفيد خلاصه، بغض النظر عن المكان والعائد المالي أو الكرامة الشخصية فإن خلاص النفس هو أثمن الأهداف وأولها.

شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
رؤيا لتعزيتهم:


شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
شاع في القديم بين الوثنيين أن لليهود إله قوى يدافع عنهم وصفوه بأنه "إله السماء"، وقد كانو محقّين في ذلك، حيث وعد الله شعبه بأنهم حتى استقاموا بقلوبهم وطلبوه بثقة فهو يؤازرهم ولن يدع أمة ما تتسلط عليهم مهما كانت قوتها، بل "من طريق واحد يخرجون عليك وإلى سبع طرق يتفرقون أمامك" والعكس أيضًا صحيح في حالة مخالفتهم لقول الرب.
فى مقابل ذلك كان الأدوميين متكلين على ذراعهم البشرى وعددهم الحربية، في حين رأى المكابيون كفايتهم في الله (آية 29).
أما عن هذه الرؤيا فهي واحدة من أربع ُرؤى تُذكر في سفر المكابيين الثاني هذا، حيث كانت الأولى قد حدثت عند محاولة هليودورس الاستيلاء على أموال الهيكل (3: 24-26) بينما حدثت الثالثة عندما كان المكابيون يستعدون لهجوم نكانور، حين ظهر إرميا النبي ومعه أونيا الكاهن ليهوذا مشجعين إياه (15: 12-16) وأما الرابعة فكانت عند حصار ليسياس لبيت صور (11: 8). وفى هذه الرؤيا التي نحن بصددها أوقع المنظر الرعب في قلوب الأعداء، قدر ما أشاع الطمأنينة في قلوب المكابيين حيث كانوا في أمس الحاجة إلى تعزية مثل هذه، وقد حارب الرب عنهم من خلال أولئك الفرسان والذين كانوا يعادلون جيشًا جرارًا، وفي هذا يكمل قول الرب أن واحدًا يطرد ألفًا، متى اتكلوا هم عليه كما رأى اليهود أن في هذه الرؤيا تحقيق لما ورد فيشرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني اشعياء 31: 5).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
أفراس آسية (آية 24):

آسية بمعناها المحدود هي آسية الصغرى والتي ضاعت من الإمبراطورية السلوقية منذ عام 188 ولم تكن هناك خيول حربية في تلك الفترة تخدم في جيش طيموتاوس في سنة 164 أو 163 ق.م. أما آسية بالمعنى الواسع فكانت الإمبراطورية السلوقية، وبالتالي فربما كان المقصود هو أفراس من سلالة آسية، وفي الأزمنة القديمة كانت هناك سلالة مشهورة جدًا من خيول الحرب عرف باسم سلالة نيصاية Nisaia أو "السلالة النيصانية" نسبة إلى موطنها وهو السهل النيصاني في ميديا، وكان راكبوها من تلك المنطقة ُيعرفون باسم الفرسان النيصانيين، وبالتالي يمكن أن ُتعرّف أفراس (خيول) آسية على أنها الخيول التي كان يحتفظ بها الملوك السلوقيين(1).
والسؤال الهام: كيف أمكن لطيموتاوس أن يجمع مثل تلك الخيول النادرة، والعدد الكبير من الجنود المرتزقة والفرسان الذين يشكّلون أهم صفوف الجيوش، لعلّ الأسر الحاكمة في فيلادلفيا (الأردن) كانت من الثراء والنفوذ بحيث أمكنها تحقيق ذلك، وربما يكون الجنود المرتزقة والفرسان النيصانيين قد أجروا أنفسهم لمن يدفع أكثر، وذلك خلال الاضطرابات التي أعقبت موت أنطيوخس أبيفانيوس.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
المواجهة: ثمّ حدثت المواجهة وكانت حصيلة القتلى من الفرسان والجنود وكذلك الجرحى، تعد كبيرة جدًا، فلما حمي وطيس القتال وتكبّد الأدوميين هذه الخسائر الفادحة، هرب طيموتاوس نفسه إلى حصن جازر (13: 43) رغم الرأي القائل بأن الاستيلاء على هذا الحصن قد تم على عهد سمعان المكابي شقيق يهوذا وآخر المكابيين الخمسة، فإن المرجح أن يكون الحصن قد تماسك من جديد وسكنه الوثنيون مع مرور الوقت، حتى جاء سمعان ليحاصره وُيسقطه بعد توسّل سكّانه إليه طالبين الأمان، ثم طهّره من كل ما هو وثني ليجعله من ثمّ مقرًا للمكابيين (1مكا 13: 49-53).
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
حصن جازر: كتبت جازر بأكثر من طريقة مثل جازارا (جازاره) مثلما وردت في (ملوك ثان 5: 25) ويمكن أن ُتقرأ يازر Iazer مثل جازر Gazer مثلما وردت في (أخبار الأيام الأول 6: 66). وكانت جازر تقع غرب ربات عمون Rabbath-ammon (فيلادلفيا) وهي عمان الآن، وإن لم يكن قد تم تحديد موقعها بالضبط، ولكنه من المحتمل أن تكون خربة جازر. ويشير يوسيفوس في تاريخه إلى أن جازر قد ُاحرقت.
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
خيراوس Chaereas كيراوس: ربما جاء الاسم من كيريوس ومعناها "سيد أو رب" وهو شقيق طيموتاوس العموني المذكور هنا (آية 37) فلما ُهزمت الجيوش هرب مع أخيه وبرفقتهم ثالث هو أبلوفانيس (معناه: "قوة أبوللو أو ظهور أبوللو").
وهنا تشجّع رجال المكابي فحاصروا الحصن لمدة أربعة أيام، كان الأدوميون خلالها وبسبب ثقتهم الزائدة في قوة الحصن يجدّفون على إله إسرائيل ويشبعون الجنود إهانات، مما دفع بالمكابيين إلى المبادرة باقتحام الحصن من الخلف ليمهّدوا سبيلًا للدخول، في حين اشتبك آخرون مع الذين على الأسوار، وقد أحرق المهاجمين برجين عملاقين للحصن كان يستخدما لأغراض هجومية ودفاعية معًا، وبذلك ارتفع عدد القتلى جدًا. ويجب ألاّ ننظر إلى الرقم باعتباره مبالغ فيه، فإن طيموتاوس بجيشه العملاق قد احتمى داخل هذا الحصن وبرجيه. وتبقّى بعد ذلك أن يعاقب اليهود القادة الثلاثة المختبئين داخل الجب أسفل الحصن حيث قاموا بذبحهم. وعند ذلك قاموا بخدمة التسبيح لله الذي ينسب إليه هذا النصر أولًا.
هذا ويتنبأ أشعياء النبي أنه بعد الهجوم الناري على الوثنيين (30: 27، 28) فرحٌ للرب على جبل الهيكل.

(1) تعتبر الآية الأولى تكملة ل (2 مكا 8: 30 - 33) عن موضوع تطهير الهيكل وتحديد عيد التجديد.

(1) قدح حجارة: أخرجوا نارا من حك حجرين بعضهما البعض، واعتبروها نارا مقدسة وليست غريبة (لاويين 10: 1...إلخ) وعملوا كآدم إذ جهّز له الله حجران ملتهبان ليحكّهما أحدهما بالاخر ويخرج النار (التلمود - باب بساحيم (الفصح) في مشنا 2:54): ] أحضر له الله تبارك اسمه حجران ليحكهما بعضهما البعض فخرج النور [ وأيضا راجع (بريشيت ربا 11 - وهو أكبر كتاب تفسيري أبائي يهودي للتكوين).

(1) السنتان هنا بدءا من بداية أعمال يهوذا المكابي وليس من بداية تدنيس الهيكل. وطبقا ل (1مكا 54:1 و 54، 52:4) ويوسيفوس في "الآثار اليهودية" أنه عبرت ثلاث سنين، وطبقا ل (دانيال 27:9) ويوسيفوس في الحروب اليهودية" (كتاب 1 فصل 1 فقرة 1): أنه عبرت ثلاث سنين ونصف.

(1) جاءت في اليونانية: (qursouV = بغصون من شجر اللبلاب أو من الجفنة مغطاة باللبلاب) التي كانت شعار الإله ديونيسيوس في كأس. و(kai kladouV wraiouV = بأغصان جميلة، بأغصان مزخرفة). كما جاءت الكلمة "سعوف نخيل" في اليونانية (foinikaV)، وهذا يطابق ما جاء في: (1مكا 5:13، Baiwn = سعف). والكلمة العبرية هَدَر Hadar المشار إليها هنا يقصد بها "التعلق بفاكهة الموسم" وتعني أيضا: جلال، مجد، جمال، زخرفة..) فالمعنى في اللغتين واحد. ويرى يوسيفوس وغيره أنه يقصد بها "الموالح".ومما لا شك فيه أنهم اقتبسوا ما جاء في (لاويين 23: 40).

(1) أشهر من قتل نفسه بشرب السم في التاريخ اليوناني سقراط بعد محاكمته في القرن الخامس قبل الميلاد، و شيشرون معلم نيرون قيصر.

(2) هذا وقد ذكر بوليبيوس خدمة بطليموس مقرون هذه وتَركِه لقبرص (بولوبيوس الجزء 18 فصل 55:6 و 27: 13).

(1) وآسيا هنا لا تعني قارة آسيا بالضرورة، بل تعني سلوقية أو أنطاكية حيث التاج والعرش السلوقى، والذي كان ُيسمى أيضًا "عرش آسيا".

(1) راجع كتاب الهيكل للمؤلف / فصل 16.

(1) Jonathan A. Goldsten, II Macc.
  رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
كتاب تقديس الحاضر - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام -تفسير سفر المكابيين الأول
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر يهوديت
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر طوبيت
كتاب القديس القوي الأنبا موسى الأسود - الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا


الساعة الآن 01:27 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024