31 - 03 - 2014, 04:43 PM | رقم المشاركة : ( 11 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر يهوديت
يهوديت 10 - تفسير سفر يهوديت يهوديت تترك مخدعها وتتجه إلى معسكر الأشوريينوكانَ، لَمَّا كفَّت مِن صُراخِها إِلى إِلهِ إِسْرائيل وآنتَهَت مِن هذا الكَلامِ كُلِّه2 أنَّها قامَت من سُجودِها ودَعَت وصيفَتَها ونَزَلَت إِلى البَيتِ الَّذي كانَت تقضي فيه أَيَّامَ السَبتِ والأَعْياد.3 وأَلقَت عنها المِسْحَ الَّذي كانَت تَرتَديه وخَلَعَت ثِيابَ إِرْمالِها وآستَحَمَّت واَدَّهَنَت بِطيبٍ مُشبَعٍ بِالزَّيت وسَرَّحَت شَعرَ رَأْسِها وجَعَلَت عَليه عِصابةً ولَبِسَت ثِيابَ فَرَحِها الَّتي كانَت تَتَزَيَّنُ بِها في أَيَّامِ مَنَسَّى زَوجِها،4 وأَخَذَت حِذاءً لِرِجلَيها ولَبِسَتِ القَلائِدَ والأساوِرَ والخَواتِمَ والحَلَقَ وكُلَّ زينَتِها وتَجَمَّلَت جِدًّا لِإِغْراءِ عَيونِ الرِّجالِ الَّذينَ يَنظرِونَ إِلَيها.5 وأَعطَت وَصيفَتَها زِقَّ خَمْرٍ وإِبْريق زَيت، ومَلأَت خُرْجًا مِن فَطائِرِ دَقيقِ الشَّعيرِ والفَواكِه اليابِسَة والأَرغِفَةِ الطَّاهِرَة، وصَرَّت كُلَّ زادِها وَسَلَّمَته إِلى وَصيفتِها يهوديت هنا تشبه بعض النساك قديمًا الذين كانوا يتركون مغاراتهم وينزلون ليشاركوا الكنيسة جهادها في أيام الهرطقات والاضطهادات، ولم يكتفوا فقط بالصلاة في كهوفهم، فالكنيسة هي جسد واحد باعضاء كثيرة، والراهب قبل أن يغلق باب قلايته على نفسه، يفتح قلبه على العالم. كان الساميون عمومًا ينطرحون على وجوههم (طوليًا) أثناء الصلاة، وقد تركت يهوديت مخدعها ونزلت إلى مسكنها حيث نزعت عنها كل مظاهر الترمل والنسك من ثياب ومسوح ورماد وبدلت مظهرها استعدادًا لدورها. و طريقة التزين هذه، هي الطريقة المتبعة عند القدماء ومازالت، وقد كان يتبعها الرجال والسيدات معًا غير أنها صارت مع الوقت قاصرة على النساء وقد نهى معلمنا بولس الرسول وكذلك معلمنا بطرس عن المغالاة في المظهر والإهتمام بالثياب والحلى (1 تى 2: 8، 9، 1 بط 3: 3، 4) راجع أيضًا (أش 3: 16 - 23). أما فيما يختص بالطقس وأحكام الشريعة فقد إلتزمت يهوديت بالناموس، وعلى الرغم من مظهرها وزينتها إلا أنها احتفظت بحياتها الداخلية، فكان خبزها من دقيق الشعير (طعام الفقراء) وأما زق الخمر فهو ليس للسكر إذ أنه كان مشروبًا عاديًا لجميع طبقات الشعب (مثل الشاى مثلًا الآن) إضافة إلى أنه يشير إلى الفرح، وأما إبريق الزيت فهو لصنع الخبز إذا نفذ قبل المهمة (و يرد في الترجمة اللاتينية أن يهوديت أخذت معها دقيقًا وأما الفواكه اليابسة، فهي مثل التين والزبيب، وتضيف الترجمة اللاتينية أنها أخذت معها أيضًا بعض الجبن، وتبدو يهوديت هنا أكثر تشددًا مما أوحت به الشريعة (راجع 11: 17، 12: 6 - 9) ويحرص كاتب السفر هنا على التركيز على ورع وتقوى يهوديت لاسيما وهي في كامل زينتها في طريقها إلى معسكر الأشوريين. 6 وخَرَجَتا إِلى بابِ مَدينةِ بَيتَ فَلْوى، فوجَدَتا علَيه عُزَيَّا وشَيخَيِ المدينةِ كَرْبي وكَرْمىِ.7 فلَمَّا رَأَوها ورَأَوا وَجهَها وقد تَبَدَّلَ وثَوبَها وقد تَغَيَّر، أُعجِبوا جِدًّا جِدًّا بِجَمالِها وقالوا لها: 8 إِلهُ آبائِنا يَهَبُ لَكِ أَن تَنالي حُظوَةً وأَن تُحقِّقي مَساعِيَكِ لِآفتِخارِ بَني إِسْرائيل ورَفعِ شأنِ أُورَشليم(( 9 فسَجَدَت يهوديت لِلهِ وقالَت لَهم: ((مُروا أَن يُفتَحَ لي بابُ المَدينة فأَخرُجَ لِلقِيامِ بِما قُلتُموه لي)). فأَمَروا الشُّبَّانَ أَن يَفتَحوا لَها كَما قالَت،. 10 ففَعَلوا. وخَرَجَت يَهوديتُ مع وَصيفَتِها. ونَظَرَ إِلَيها رِجالُ المَدينةِ تَنزِلُ مِنَ الجَبَل وتَجتازُ الوَهدَة، حتَّى تَوارَت عن بَصَرِهم لم يعجب شيوخ المدينة بجمال يهوديت الجسدي قدر إعجابهم بتلك النعمة التي أضفاها الله عليها مثل نبية تحمل رسالة الله وسيف الحق وأداة عدالة الله، ومثل قاض أيده الله بحكمته ومثل قائد وهبه الله الشجاعة. و بينما كانت يهوديت ميلة الصورة كانت ذكية عاقلة، متصوّفة من الطراز الممتاز، وعفيفة شهد لها ترملها وتقواها في جميع إسرائيل ومكانتها بينهم. كان باب المدينة - مثل كل مدن اليهودية - لا يفتح في الأيام العادية، مابين غروب الشمس وشروقها سوى في الحالات القصوى، وأما في أيام الحروب والحصار فلم يكن يفتح مطلقًا، وكانت أبواب المدن عادة ما تصنع من الخشب السميك يبطن أحيانًا بالحديد (الصاج) وكان يقام فوق الباب برج للمراقبة، وقد احتاجت يهوديت هنا إلى إذن خاص، وخرجت وعيون الشعب كله معلقة بها، حيث وضعوا رجاءهم على الله فيها. القسم الرابع عمل يهوديت التاريخى من ص 10: 11 إلى ص 13: 10 11 وكانَتا تَسيرانِ تَوًّا في الوَهدَة، فلَقِيَتها طَلائعُ الأَشُّورِيِّين، 12 فأَمْسَكوها قائلين: ((مِن أَيَّةِ جِهَةٍ أَنتِ؟ ومِن أَينَ جِئتِ؟ وإِلى أَينَ تَذهَبين)).؟ قالَت: ((إِنِّي بِنْتٌ لِلعِبرانِيِّينَ وقَد هَرَبتُ مِن وَجهِهم، لِأَنَّهم أَوشَكوا أَن يُسلَموا إِلَيكم غَنيمةً. 13 أَمَّا أَنا فإِنِّي ذاهِبةٌ إِلى أَمام أَليفانا رَئيسِ قُوَّادِ جَيشِكم لِأُخبِرَه بِكَلِماتَ حَقّ وأَدُلَّه أَمامَه على الطَّريق الَّذي يَسلُكُه لِلآستيلاءِ على النَّاحِيةِ الجَبَلِيَّةِ كُلًّها، فلا يَفقِدَ أَحَدًا مِن رِجالِه ولا نَفْسًا حَيَّة)). 14 ولَمَّا سَمِعَ الرِّجالُ كَلامَها وتأَمَّلوا وَجهَها- وقد بَدا لَهم رائِعَ الجَمَال- 15 قالوا لَها: ((لقَد خلَّصتِ نَفسَكِ بالإِسْراعِ في النُّزولِ إِلى سَيِّدِنا. والآن فتَعالَي إِلى خَيمَتِه وسيُرافِقُكِ أُناسٌ مِنَّا إِلى أَن يُسَلِّموكِ بَينَ يَدَيه. 16 وإِذا وَقَفتِ بِحَضرَته، فلا يَضطَرِبْ قَلبُكِ، بل أَعيدي كَلامَكِ فيُحسِنَ إِلَيكِ)). 17 فآختاروا مِن بَينهم مِائةَ رَجُلٍ آنضَمُّوا إِلَيها وإِلى وَصيفَتِها وذَهبوا بِهِما إِلى خَيمةِ أَليفانا أعطى الله يهوديت نعمة في أعين جنود الأشوريين، الذين بدلًا من أن يستجوبوها ويسيئوا إليها، فإن الدورية العسكرية فرحوا بها وبالأخبار التي حملتها لهم، واعتبروها مثل أي جاسوس في مثل تلك الأحوال، فقد كان من المألوف أن يهرب الكثير من المحاصرين لينجوا بحياتهم فيأتون إلى الأعداء يطلبون الأمن والسلام مقابل أن يمدونهم بالأسرار والأخبار الهامة عن مدينتهم، وقد تظاهر يوسف الصديق باتهام إخوته بالتجسس (تك 42: 9 - 14) بينما أرسل موسى بالفعل جواسيسًا إلى أرض كنعان (عد 13: 17 - 20). بِنْتٌ لِلعِبرانِيِّينَ: عرف اليهود بالعبرانيين منذ إبراهيم، ربما بسبب أن إبراهيم من نسل عابر وربما بسبب ارتحال اليهود كثيرًا وعبورهم من مكان لآخر (تك 10: 21 - 24) فعندما عثرت الجارية الرية على الصفط الذي فيه موسى وكان طفلًا جميلًا أيضًا قالت (هذا من أولاد العبرانيين خر 2: 6). وظل جيران إسرائيل يلقبونهم بالعبرانيين ثم بعد ذلك ببنى إسرائيل ومنذ السبي بدأ يطلق على العبرانيين لقب اليهود نسبة ط يهوذا في المملكة الجنوبية، ولكن مع ذلك يكتب بولس الرسول إلى اليهود معنونًا الرسالة إلى العبرانيين وربما تكون للغة دور في استمرار تلقيب اليهود بالعبرانيين. و قد شجع الجنود يهوديت وأرسلوا معها مائة من الجنود لتقديمها إلى سيدهم، إن هذا يذكرنا بقول داود النبي (هيأت لي مائدة تجاه مضايقى مز 12) وهكذا أصبح الأعداء حراسًا لها. 18 وحَدَثَ تَجَمهُرٌ في المُعَسكَرِ كُلِّه على أَثَرِ إِذاعةِ خَبَرِ حُضورِها في جَميعِ الخِيَم، وكانوا يأتونَ ويُحيطونَ بِها، وهي واقِفةُ خارِجَ خَيمةِ أَليفانا، إِلى أَن يُخبِروه بِأَمرِها. 19 وكانوا يُعجَبونَ بِجَمالِها وُيعجَبونَ بِبَني إِسْرائيلَ مِن أَجلِها، فيَقولُ كُلُّ واحِدٍ لِقَريبِه: ((مَن يَحتَقِرُ هذا الشَّعبَ الَّذي فيه مِثلُ هذه النِّساء؟ لا يَحسُنُ الإِبْقاءُ على أَيِّ رَجُلٍ مِنهُم، فبإمكانِ الباقينَ أَن يَخدَعوا الأَرض كُلَّها. 20 وخَرَجَ النَّائمونَ عِندَ اليفانا وجَميعُ ضُبَّاطِه وأَدخَلوا يَهوديتَ إِلى الخَيمة. 21 وكانَ أَليفانا يَستَريحُ على سَريرِه تَحتَ ناموسِيَّةٍ مِن أُرجُوانٍ وذَهَبٍ وزُمُرّدٍ تُرَصِّعُها حِجارَة كَريمة. 22 فأَخبَروه بِأَمرِها، فخَرَجَ الى مَدخَلِ الخَيمة تتَقَدَّمُه مَشاعِلُ فِضَّة. 23 فلَمَّا وَصَلَت يَهوديتُ أَمامَه وأَمامَ ضُبَّاطِه، أُعجِبوا جَميعًا بجَمَالِ وَجهِها. فآرتَمَت أمامَه وسَجَدَت لَه فَأَنهَضَها خُدَّامُه. أعطى الجنود - الذين يعرفون ضعف سيدهم - يهوديت أول إشارة إلى نجاح مهمتها، ومن هذه الفقرة يتضح أن الحرب لدى الوثنيين لم تكن حربًا مقدسة بدوافع وطنية وأخلاقية ولكنها بدافع الأطماع الشخصية والدوافع غير الشريفة، لقد كان القادة منهم يمنون أنفسهم وجنودهم بالسبايا والهدايا. أما خيمة أليفانا، فلم تكن مجرد خيمة عادية، بل كانت أشبه ما يكون قاعة ضخمة، تحتوى على سرسر مبالغ في وصفه، على أنه لم يكن مجرد سرير للنوم ولكنه كان عرشًا للقائد، يجلس فيه ليدبر شئون جيشه ومنها جاء تعبير (سرير الملك). أُرجُوانٍ: لون أحمر قانى وبنفسجى يستخرج من رخويات مائية استخدمه الملوك والأغنياء، ويستعمل في صباغة الملابس. و قد سجدت يهوديت له، أما على سبيل الأكرام والتوقير لقائد كبير، وأما كان ذلك ضمن خطتها لتنفيذ غرضها في القضاء عليه. فبإمكانِ الباقينَ أَن يَخدَعوا الأَرض كُلَّها: أي أننا يجب أن نقتل جميع الرجال لئلا يتمكنوا من خداع العالم كله والإستيلاء عليه من خلال زوجاتهن وبناتهن. |
||||
31 - 03 - 2014, 04:45 PM | رقم المشاركة : ( 12 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر يهوديت
يهوديت 11 - تفسير سفر يهوديت يهوديت تبهر أليفانا بحكمتها وأليفانا يمنى ذاته بنصر سهل أكيدفقالَ لَها أَليفانا: ((تشَجَّعي، يا آمرَأَة، ولا يَضطَرِبْ قَلبُكِ، لِأَنِّي لم أُسِئْ قطّ إِلى إِنْسان آختارَ أَن يَعمَلَ لِنَبوكَدْنَصَّر، مَلِكِ الأَرضِ كُلِّها.2 وأَمَّا شَعبُكِ المُقيمُ في النَّاحِيةِ الجَبَلِيَّة، فلَو لم يَستَهِنْ بي، لَما رَفعتُ رُمْحي علَيهِم. ولكِنَّه هو الَّذي فَعَلَ ذلك بِنَفسِه.3 والآن قولي لي لِمَاذا هَرَبتِ مِن عِندِه وأَتَيتِ إِلَينا، فلَقَد أَتَيتِ لِلخَلاص. تشَجَّعي، ففي هذه اللَّيلةِ ستَحيَينَ، وكذلك في ما بَعد.4 فلَن يُضِرَّكِ أَحد، بل يُحسِنونَ إِليكِ شأَنَ عَبيدِ سَيِّدي نَبوكَدْنَصَّرَ المَلِك إن أشد ما ضايق أليفانا هو شعوره باحتقار اليهود له، على العكس من جميع البلاد الأخرى التي إلتمست منه السلام، ولم يكن أليفانا صادقًا قال أنه لم يسىء إلى إنسان اختار أن يعمل لنبوخذنصر (في اللاتينية: اثر أن يخضع لنبوخذنصر) فبالرجوع إلى (3: 7) نجد أنه على الرغم من إستقبال المستسلمين له بالدفوف والرايات والحفاوة، إلا أنه أساء إليهم ودمر مدنهم ومعابدهم. في هذه الليلة تحيين: ربما يقصد أليفانا أنه سيهلك بنى إسرائيل في تلك الليلة وتنجو هي منذ الآن، وربما قصد أن يهوديت ستصير من بين نسائه وبالتالي فإن جنوده لن يضرّوها بل يحسنون إليها شأن جميع الجوارى والاماء. هكذا يظن هذا المسكين (الذي يمثل الشيطان) أنه بسهولة يمكنه أسر هذه النفس وإذلالها وضمها إلى مملكته، ولم يعلم أنه سيصبح هو غنيمتها. و ظن أليفانا أن يهوديت ربما تحمل رسالة حاصة من رؤساء مدينتها، وربما كانت متشبسة بالحياة ولذتها فخشيت من أن تهلك متى إقتحم الأشوريين ديارهم، وقد تكون (لاجئًا سياسيا!) 5 فقالَت لَه يَهوديت: ((تَقَبَّلْ كَلامَ أَمَتِكَ، ولْتَتَكَّلَمْ خادِمَتُكَ في حَضرَتِكَ، ولا أُخبِرُ سَيِّدي بِالكَذِبِ في هذه اللَّيلة.6 وإِنِ آتَّبَعتَ كَلامَ خادِمتِكَ، يُتِمُّ اللهُ عَمَلَه مَعَكَ ولا يُخفِقُ سَيِّدي في مَساعيه.7 لِيَحْيَ نَبوكَدْنَصَّر، مَلِكُ الأَرضِ كُلِّها، ولتحْيَ قُدرَتُه، فهُو الَّذي أَرسَلَكَ لِتُؤَدِّبَ كُلَّ نَفْس، لِأَنَّه لَيسَ النَّاسُ وَحدَهم يَعمَلونَ لَه عن يَدِكَ، بل وُحوشُ البَرِّ والقُطْعانُ وطُيورُ السَّماءِ تَحْيا بِكَ لِنَبوكَدْنَصَّرَ ولكُلِّ بَيتِه 8 فلَقَد سَمِعْنا بِحِكمَتِكَ وبِحِيَلِ نَفسِكَ، ويُخبَرُ في الأَرضِ كُلِّها بأَنَّكَ وَحدَكَ صالِحٌ في المَملَكَةِ كُلِّها ومُقتَدِرٌ في العِلْم وعَجيبٌ في قِيادة الحَرْب. يأتي خطاب يهوديت هنا، مشابهًا إلى حد ما، لخطاب أبيجايل زوجة نابال الكرملي لداود لتهدئة ثورة غضبه، حين كان ماضيًا ليدمر بيتها بسبب حماقة زوجها (1 صم 25) وقد جاء كلام وطريقة تصرف كلتاهما، في الإطار الأدبي والأخلاقي السائد في عصر الآباء (راجع خداع يعقوب لأبيه اسحق تك 27: 1 - 25، وخداع أبناء يعقوب له تك 37: 32 - 34، وكذلك واقعة شكيم (تك 34: 13 - 20) وفي زمن الحروب على وجه الخصوص استخدمت كل السبل المتاحة (راجع إرسال يشوع للجواسوسين يش 2: 1 - 7، وكذلك خداع ياعيل لسيسرا قض 4: 17 - 22). و قد وجدت كل من ابيجايل ويهوديت أن تلك هي الطريقة المتاحة للخلاص من الخطر لاسيما وأن الأمر لا يتعلق بكل منهما كفرد وإنما يخص حياة جماعة كبيرة، مع الفارق الكلى والجوهري بين أليفانا وداود. هذا وقد امتدحت يهوديت بعض الصفات والتي يمكن أن تكون موجود بالفعل في أليفانا مثل الذكاء والحنكة السياسية والقيادة الناجحة في الحرب. و يرد هنا التعبير عن جبروت نبوخذنصر، بالطريقة ذاتها التي تصف سطوته وسلطانه في (أر 27: 6، 28: 14، با 3: 16 - 18 - دا 2: 38). و مرة أخرى يركز السفر هنا على شعور نبوخذنصر بأنه إله الآلهة.. ورب الأرباب.. وسيد الأرض كلها.. وتخضع له الوحوش والطيور وجميع الخلائق تمامًا مثلما يخضع الناس لسلطانه، إن أليفانا وكما هو واضح هنا، سوف يؤخذ بكبريائه وتشامخ قلبه، والوحى هنا يركز على السبب في حتمية هلاك الأشوريين لأنهم استهانوا بالله، فكل آلة صورت ضد الكنيسة لم تنجح. 9 والخِطابُ الَّذي فاهَ بِه أَحْيورُ في مَجلِسِكَ قد سَمِعْنا كَلِماتِه، لِأَنَّ رِجالَ بَيتَ فَلْوى قد أَبقَوا علَيه، فأَخبَرَهم بِكُلِّ ما تكَلَّمَ بِه لَدَيكَ. 10 فيا أَيُّها السَّيِّد، لا تُهمِلْ خِطابَه، بلِ آحفَظْه في قَلبِكَ، لِأَنَّه حقّ. فلا يُعاقَبُ نَسلُنا ولا يَقْوى سَيفٌ علَيهِم، إِن لم يَخطأوا إِلى إِلهِهِم. 11 والآن، فلِئَلاَّ يَكونَ سَيِّدي مَنْبوذًا وفاشِلًا، فالمَوتُ يَنقَضُّ علَيهِم وقَدِ آستَولَت علَيهِمِ الخَطيئَة، تِلكَ الخطيئةُ الَّتي يُثيرونَ بِها غَضَبَ اللهِ كلَما آرتَكَبوا مُخالَفة. 12 وبِما أًنَّ الطَّعامَ قد أَعوَزَهم وأَنَّ كُلَّ ماءٍ قد شحَّ، فقَد عَزَموا على تَعْويضِ أَنْفُسِهم مِنها بِقُطْعانِهم وقرَّروا آستِعْمالَ كُلِّ ما نَهاهمُ اللهُ في شَرائِعِه عن أَكْلِه. 13 وأَمَّا بَواكيرُ الحِنطَةِ وعُشورُ الخَمرِ والزَّيتِ الَّتي حافَظوا علَيها لِأَنَّهم كَرَّسوها لِلكَهَنَةِ القائمينَ في أُورَشَليمَ أَمامَ وَجهِ إِلهِنا، فقَد حكَموا بِتَناوُلِها، مع أَنَّه لا يَحِلُّ لِأَحَدٍ مِنَ الشَّعبِ أَن يَلمُسَها بِيَدَيه. 14 وأرسَلوا إِلى أُورَشليم- لِأَنَّ السُّكَّانَ هُناكَ أَيضًا قد فَعَلوا مِثلَ ذلك- أُناسًا يَنقُلونَ إِلَيهِمِ الإِعْفاءَ مِن قِبَلِ مَجلِسِ الشُّيوخ. 15 ويكونُ، إِذا ما بَلَغَهم هذا الإِعْفاءُ وعَمِلوا بِه، أَنَّهم في ذلك اليَومِ يُسلَمونَ إِلَيكَ لِهَلاكِهِم. تكلم أحيور بالحق، لم يكذب في روايته، هكذا شهدت يهوديت أمام أليفانا، فإن الله لم يسلم بنى إسرائيل إلى أعدائهم ما لم يخطئوا إليه، ولأن خطاياهم الآن قد بلغت مداها (هكذا قالت) ومن ثم فعلى أليفانا ألا يبادر بالاقتحام، فإن بنى إسرائيل يحتضرون الآن بسبب العطش، فإن بادر أليفانا الآن باقتحام المدينة فقد يفشل فيصير بذلك عارًا وأضحوكة بعد أن أخضع بلادًا ومدنًا هذا عددها، والحقيقة أن يهوديت أرادت فقط أن تؤجل هجومه حتى يتم الله على يدها، ما صار بعد ذلك. خطية إسرائيل: أما الخطية التي قالت يهوديت، أنه بسببها سينكسر اليهود فهي الأستعاضة عن الماء - الذي نفذ - بقطعان الماشية، ويرد في الترجمة اللاتينية أن ذلك كان بشربهم دم تلك المواشى، وهو أمر حرمته الشريعة تمامًا، حيث أمرت بسفك الدم على الأرض وعدم تناوله (راجع تث 15 23) وكذلك سلبهم للبكور المستحقة عليهم للهيكل والكهنة (راجع تك 14: 20، لا 23: 9 - 11، عد 18: 12، لا 2: 14، لا 23: 17). أما أن يرسل اليهود في بيت فلوى ليستصدروا أمرًا بإعفائهم من إرسال هذه البكور والعطايا، فهو أمر جائز جدًا لاسيما في الظروف الخاصة مثل الحروب، بينما يمكن تأجيل استيفاءها بالنسبة ليهود الشتات 1، غير أن ذلك لم يحدث لا شرب دم الحيوانات ولا إعفائهم من البكور ولكن ذلك يدخل ضمن سيناريو خطة يهوديت، وقد طلبت من أليفانا أن يصبر حتى يصل السماح بإعفائهم من ذلك من قبل رئيس الكهنة وعندئذ ينكسرون في ذلك اليوم، ويرد في الترجمة اللاتينية قولها أن الله قد أرسلها إلى أليفانا لتخبره بهذا السر الخطير.!! 16 وكذلك أَنا أَمَتَكَ، لَمَّا عَملِتُ بِكُلِّ ذلك، هَرَبتُ مِن وَجهِهِم، وأَرسَلَني اللهُ لِأَعمَلَ مَعَكَ أَعْمَالًا تَدهَشُ لَها الأَرضُ كُلُّها، إِذا سَمِعَت بِها. 17 فإِنَّ أَمَتَكَ تَقِيَّةٌ تَخدُمُ لَيلَ نهارَ إِلهَ السَّماء. والآن سَأُقيمُ عِندَكَ، يا سَيِّدي، وستَخرُجُ أَمتُكَ لَيلًا إِلى الوادي وأُصَلِّي إِلى الله، فيَقولُ لي متى يَرتَكِبونَ خَطاياهم، 18 فأَجيءُ وأُخبِرُكَ، فتَخرُجُ بِجَيشِكَ كُلِّه، وما مِن أَحَدٍ مِنهم يَقِفُ أَمامَكَ. 19 وأَقودُكَ في وَسَطِ اليَهوديَّة، إِلى أَن تَصِلَ أَمامَ أُورَشَليم، وأَجعَلُ عَرشَكَ في وَسَطِها، فتَسوقُهم كَخِرافٍ لا راعِيَ لَها، ولا يَنبِحُ أَمامَكَ كَلْبٌ بِلِسانِه. قِيلَ لي كُلُّ ذلك بِحَسَبِ سابِقِ عِلْمي وأُعلِنَ لي وأُرسِلتُ لِأُخبِرَكَ بِه. تظهر يهوديت نفسها هنا أمام أليفانا مثل نبية وكاهنة وثن، وهو أمر مألوف أيضًا لدى الوثنيين الذين يترددون على معابدهم يلتمسون المشورة في بعض أمورهم، وكانوا يجلون كهنتهم وكاهناتهم إلى أبعد حد.. ويهوديت تشير أيضًا إلى الإله الذي تنتمي إليه إله السماء وتشرح عبادتها (تخدم ليل نهار إله السماء.. تخرج إلى الوادى لتصلى.. تتقى الله) وبينما يظن أليفانا أن يهوديت ستعمل لحسابه، تقصد يهوديت أن الله سيعمل بها لخلاص شعبه، وقد ظن أليفانا أن يهوديت شأن كاهنات الوثن الفاجرات اللائى كن يسلكن بغير عفة في هياكل آلهتهن، ولذلك فقد أفسح لها المجال وتدخل كيفما شاءت، وبهذا ضمنت يهوديت أن تخرج من معسكر الأشوريين بعد تمام مهمتها دون مقاومة. كَخِرافٍ لا راعِيَ لَها: تعبير شائع في أزمنة الكتاب المقدس للدلالة على غياب الحاكم وإنفىت زمام الأمور (راجع ما جاء في سفر العدد عند تعيين قائد على الشعب من قبل الرب: ليوكل الرب إله أرواح جميع البشر رجلًا على الجماعة يخرج أمامهم ويدخل أمامهم ويخرجهم ويدخلهم لكيلا تكون جماعة الرب كالغنم التي لا راعي لها (عد 27: 17) ونقرأ أيضًا وصف ميخا بن يملة لبنى إسرائيل في أيام آخاب: رأيت كل إسرائيل مشتتين على الجبال كخراف لا راعي لها (1 مل 22: 17) راجع أيضًا (مت 9: 36). ولا يَنبِحُ أَمامَكَ كَلْبٌ: عبارة سامية تستخدم للدلالة على انعدام المقاومة وغياب المعارضة وتدل أيضًا على شدة الهدوء (راجع خر 11: 7، يش 10: 21). )). 20 وحَسُنَ هذا الكَلامُ لَدى أَليفانا ولَدى جَميعِ ضُبَّاطِه، وأُعجِبوا بحِكمَتِها وقالوا: 21 ((لا مَثيلَ لِهذه المرأَةِ مِن أَقْصى الأَرضِ إِلى أَقْصاها في حُسْنِ الطَّلعَةِ وحِكمةِ الكَلام)). 22 وقالَ لَها أَليفانا: ((أَحسَنَ اللهُ في إِرسالِكِ أَمامَ الشَّعب، لِتكونَ القُدرَةُ في أَيدينا ويكونَ الهَلاكُ في الَّذينَ آستَهانوا بِسَيِّدي. 23 والآن فأَنتِ حَسْناءُ في طَلعَتِكِ حاذِقَةٌ في كَلامِكِ. فإِن عَمِلتِ بِما قُلتِ، يكونُ إِلهُكِ إِلهي، وأَمَّا أَنتِ فتُقيمينَ في بَيتِ نَبوكَدْنصَّرَ المَلِك وتكونينَ مَشْهورةً في أَنْحاءِ الأَرضِ كُلِّها)). حُسْنِ الطَّلعَةِ وحِكمةِ الكَلام: نفس الوصف الذي وصفت به ابيجايل (جيدة الفهم وجميلة الصورة 1 صم 25: 3) بقدر ما بهرهم جمالها أعجبتهم حكمتها ومنطقها في الكلام، وهكذا أعطى الله نعمة ليهوديت في أعين أولئك المتربعين بشعبها ومدينتها، ومرة أخرى تظهر المقارنة بين داود وابيجايل من جهة، وأليفانا ويهوديت من جهة أخرى، فيرى أليفاناأن الله قد أرسل يهوديت لرسالة كبيرة، كما يقول داود لأبيجايل أيضًا مبارك الرب إله إسرائيل الذي أرسلك اليوم (1 صم 25: 33) ولكن إرسالية يهوديت كانت لخلاص إسرائيل وهلاك أليفانا بينما كانت إرسالية أبيجايل لخلاص داود من سفك الدماء، وبينما كان داود شخصًا روحيًا إستجاب الله في ابيجايل، كان أليفانا شخصًا متعجرفًا شهوانيًا وثنيًا احتاجت معه يهوديت إلى الحيلة. بين أليفانا ونابال: الإسم أليفانا هو تعريب للإسم HOLOFERNES وهو اسم فارسى بمعنى (مخادع ماهر) و(ماهر في الخداع) بينما يعنى الإسم نابالNABAL (غبى) ويعنى أيضًا (مولع) و(فلاح) ويجمع الكبرياء بين الشخصيتين، ولكن وبينما أساء نابال معاملة أبيجايل وهي زوجته أحسن أليفانا إلى يهوديت وهي غريبة عن جنسه، وبينما يمثل أليفانا الشيطان، وخلصت اليهودية بهلاكه، هكذا استراحت أبيجايل بموت نابال ووجدت راحتها مع داود (الذي كان قلبه حسب قلب الله) وكما أن أليفانا مات بسبب سكره، هكذا مات نابال وهو في شدة سكره، وقد جمع بين موت أثنيهما، أن موتهما حدث أمام عيني إثننتيهما. (أي موت نابال أمام أبيجايل وموت أليفانا أمام يهوديت). يكونُ إِلهُكِ إِلهي: آمن أحيور العمونى بإله إسرائيل، فوعده بنو إسرائيل بقبوله في شركتهم، بينما اعتبر أليفانا إله إسرائيل مثل آلهة آشور، ولا مانع عنده من استبدال الإله نسروخ بالإله مردوخ، فقد ظن - كما قلنا - أن يهوديت هي كاهنة وثن تعمل في معبد لأحد الآلهة وإحدى الآلهات، ومن ثم فإنه متى تحقق له النصر وتزوج يهوديت سيعبد هو الآخر ذلك الإله، وبالطبع لم يكن يقصد الله إله إسرائيل وإلا فلماذا يحاربهم ويحارب ذلك الإله... لقد خلص أحيور وعائلته بينما هلك أليفانا وجيشه. |
||||
31 - 03 - 2014, 04:46 PM | رقم المشاركة : ( 13 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر يهوديت
يهوديت 12 - تفسير سفر يهوديت يهوديت تكرس ثلاثة أيام صوم مقرون بالصلاة حتى يتمجد الله بها ويخلص شعبهاثُمَّ امَرَ بإِدخالِها إِلى حَيث وُضِعَت آنِيَته الفِضّة، وأَوصى بِأَن تُطعَمَ مِن مأكولاتِه وتَشرَبَ مِن خَمرِه.2 فقالَت يهوديت: ((لا آكُلُ مِنها، لِئَلاَّ يكونَ في ذلك سَببُ عَثرَة، بل يَكفيني ما أَتَيتُ بِه)).3 قالَ لَها أَليفانا: ((إِذا فَرَغَ الَّذي مَعكِ، مِن أَينَ نأتيكِ بِمِثلِ ذلك لِنُقدِّمَه لَكِ؟ فلَيسَ عِندَنا أَحَدٌ مِن نَسلِكِ)).4 قالَت لَه يهوديت: ((تحيا نَفْسُكَ، سَيِّدي، إِنَّ أَمتَكَ لا تَستَنفِدُ ما معي حَتَّى يَصنَعَ الرَّبّ بِيَدي ما أَرادَه منح أليفانا يهوديت امتيازات خاصة وإن كانت تحت حراسة مشددة، وأمر أن يقدم لها من طعامه الخاص بل وعلى مائدته الرسمية. آنِيَته الفِضّة: وتأتى في جميع الترجمات بمعنى المائدة التي فيها أدواته الفضية وهو امتياز كبير أن تأكل على مائدته وتتناول الطعام بأدواته الذهبية والفضية. و يرينا هنا تمسك يهوديت بالطقس والصوم، كيف أنه يجب علينا التمسك بطقسنا وبالوصايا في أي ظروف، فقد كانت ظروف يهوديت تمنحها المرونة في السلوك ولكنها غلتزمت بجهادها مادامت قادرة على ذلك.. لقد اضطرت أن تعمل بخلاف رغبتها ولكن ذلك جاء حيث لا يوجد بديل مثل لجوئها إلى الحيلة مثلًا، وقد امتنعت هنا عن تناول الطعام غير الطقسي (عز 4: 17، دا 1: 8) مع أن السيد المسيح نصح تلاميذه بتجاوز هذه المسألة عند التبشير بين الوثنيين (لو 10: 8). تحيا نَفْسُكَ، سَيِّدي:عبارة استخدمت في أزمنة الكتاب المقدس - على نحو ما - كقسم مثل عبارة حيّ هو الرب.... حيَّة هي نفسك (2 مل 2: 2) وقد استخدمتها يهوديت هنا ليس على سبيل التحية والدعاء (مع أنها تحمل هذا المعنى) وإنما على سبيل قسم، بأنه لن تنفذ خبزاتها الطقسية القليلة، قبل أن يحقق لها الله ما خرجت من أجله تطلب وجه الله. 5 وقادَها ضُبَّاطُ أَليفانا إِلِى الخَيمة، فنامَت حَتَّى نِصفِ اللَّيل. ثُمَّ نهَضَت عِندَ هَجيعِ الفَجْر،6 وأَرسَلَت إِلى أَليفانا تَقول: ((لِيأمُرْ سَيِّدي بِأَن يُؤذَنَ إِلى أَمَتِه في الخروجِ لِلصَّلاة)).7 فأَوصى أَليفانا حُرَّاسَه بعَدَمِ التَّصَدِّي لَها. وبَقِيَت في المُعَسكَرِ ثَلاثَةَ أَيَّام. وكانَت تَخرُجُ لَيلًا إِلى وادي بَيتَ فَلْوى وتَغْتَسِلُ في المُعَسكَرِ في عَينِ الماء.8 وبَعدَ صُعودِها كانَت تتَضَرَّعُ إِلى الرَّبِّ إِلهِ إِسْرائيلَ أَن يُرشِدَ طَريقَها لِلنُّهوضِ بِبَني شَعبِها.9 واذا عادَت طاهِرة، كانَت تُقيمُ في الخَيمة، إِلى أَن يُقَدَّمَ لَها طَعامُها عِندَ المَساء. نامت يهوديت حتى منتصف الليل، وقضت من ساعتين إلى ثلاثة في الصلاة والتسبيح وعند الفجر أرسلت إلى أليفانا عن طريق أحد حراس خيمتها تطلب تصريحًا بالخروج عند الفجر يوميًا للصلاة في الوادى وقد صرح لها بذلك وأمر جنوده بعدم التعرض لها، وقد ضمنت بذلك العودة إلى شعبها في مثل ذلك الوقت من الصباح الباكر، حتى إذا حقق الله لها النصر عادت إلى شعبها دون مانع إذ سيعتاد الجنود الآشوريون على رؤيتها يوميًا وهي تخرج في نفس الموعد و الأرجح أن يهوديت حصلت على تصريح في شكل علامة و(كلمة سر) إذ أن جنود الأشوريين كانوا يملأون الوادى وحتى مدينتها بعشرات المئات. و ما أجمل أن تبدأ يهوديت يومها عند الفجر والهزيع الرابع، بحيث تقدم لله بكور يومها وأجمل ساعات اليوم، تقضيها في الصلاة والتسبيح (في نفس الموعد الذي اختارته الكنيسة لتسبحة نصف الليل حتى الآن) وقد قسم اليهود الليل إلى أربعة هزع، الهزيع الأول، الهزيع الأول يبدأ في الساعة السادسة مساءا لينتهي في التاسعة، والثاني من التاسعة وحتى الثانية عشر (منتصف الليل) والثالث من الثانية عشر وحتى الثالثة فجرًا والرابع من الثالثة حتى السادسة صباحًا. وكان الهزيع الرابع يسمى هزيع الصبح (خر 14: 22) ولكنه سمى بالهزيع الرابع (في مت 14: 25، م. ر 6: 28). كما كانت يهوديت تبدأ يومها بالاغتسال والتطهر بعيدًا عن معسكر الوثنيين الذين اضطرت للسكنى معهم، واختارت أن تغتسل بمياه يهودية!! عند سفح الجبل المقامة فوقه مدينتها، ثم تعود ثانية عند الصباح لكي تقضى يومها في خيمتها التي حولتها إلى قلاية أيضًا حتى المساء، وعندئذ تقدم لها خادمتها طعامها الخاص الذي تتناوله على جزز الصوف فوق الأرض (عدد 15). هكذا بإمكان المجاهد أن يحتفظ بطقسه وقانونه في أي مكان، وبإمكانه كذلك أن يحول حجرته إلى أقدس مكان من خلال ما يقدمه فيها من جهاد وما يرفعه فيها من صلاة وتسبيح. راجع بخصوص الصلاة المقرونة بالسهر والصوم (مز 63: 7، 119: 62، مز 147، مز 148، حك 16: 28). 10 وكانَ في اليَومَ الرَّابِعَ أَنَّ اليفانا أقامَ مأدُبةً لِضُبَّاطِه وَحدَهم، ولم يَدْعُ اليها أَحدًا مِن مُوَظَّفيه. 11 وقالَ لِبوغا خَصِيِّه القائمِ على جَميعِ أَعْمالِه: ((إِذهَبْ وأقنِعِ المرأَةَ العِبرانِيَّةَ الَّتي عِندَكَ بِالَمجيءَ إِلَينا والأَكلِ والشُّربِ معَنا. 12 فإِنَّه عارٌ عِندَنا أَن نُخلِيَ سَبيلَ مِثلِ هذِه المرأَةِ دُونَ أن نُعاشِرَها. وإن لم نَستَمِلْها سَخِرَت بِنا)). 13 فخَرَجَ بوغا مِن وَجهِ أَليفانا ودَخَلَ إِلَيها فقال: ((لا تتردَّدْ هذه الخادِمةُ الحَسْناءُ في المَجيءَ إِلى سَيِّدي لِتُكَرَّمَ أَمامَ وَجهِه وتَشْرَبَ مَعَنا خَمرًا بِفَرَح فتُصبِحَ في هذا اليَومِ كاَبنَةٍ مِن بَناتِ بَني أً شُّورَ اللَّواتي يُقِمنَ في بَيتِ نَبوكَدْنَصَّر)). 14 قالَت لَه يَهوديت: ((ومَن أَنا حتَّى أُخالِفَ سَيِّدي؟ كُلُّ ما حَسُنَ في عَينَيه أَصنَعُه مُسرِعةً، ويكونُ ذلك فرَحًا لي حتَّى أَيَّامَ مَوتي استمرت عبادة يهوديت لمدة ثلاثة أيام وهي المدة التقليدية، وفي التكريس والانقطاع للعبادة والتوسل إلى الله عند الأخطار والضيقات، وعند الأمور التي نحتاج فيها إلى مشورة الله وسماع صوته، ومازالت مدة تقليدية حتى اليوم في مثل هذه الحالات. و في اليوم الرابع وكان موعد مأدبة عشاء أقامها أليفانا لكبار ضباطه شعرت يهوديت أن كل شيء قد أعد وأن الله يهيئ لها الفرصة لكي تتم خطتها، فقبلت الدعوة فرحة. و قد ظن أليفانا أنه يشرفها بأن يجعلها ضمن جواريه، ولم يعلم أنه قدمت نفسها عروسًا لله ولم تعد تقبل غيره، فله كل اشتياقاتها، وكل حبها وعواطفها، وشتان بين فرح يهوديت هنا وفرح أليفانا، فقد فرحت يهوديت لأن الخلاص قارب التمام. بينما استقرت شهوة أليفانا الرديئة فيه، لقد كانت عفة يهوديت أثمن من أشور بكل كنوزها، ولقد كانت هذه العفة هي الحصن الذي سيتحطم به قرن أليفانا ويدميه ويسحقه سحقًا.. لقد هزم أليفانا من شهوته ومن عفة يهوديت مع ً! بوغا: BOGAS وكيل أعمال أليفانا، وهو الشخص الذي كلفه أليفانا بالأهتمام باحتياجات يهوديت، وهو كذلك الذي اكتشف مقتل أليفانا 1.(13: 3، 14: 4). 15 ثُمَّ قامَت وتزَيَّنَت بِمَلابِسِها وبِجَميع زبنَتِها النِّسائيّة، ودَخَلَت وَصيفَتُها وفَرَشَت لَها على الأَرضِ تُجاهَ أَليفانا الجُزَزَ الَّتي حَصَلَت علَيها مِن بوغا لِآستِعمالِها اليَومِيِّ في الأَكلِ وهي مُتَّكِئةٌ علَيها. 16 ثُمَّ دَخَلَت يَهوديتُ وآتَكأَت، فشُغِفَ بِها قَلبُ أَليفانا وآضطَرَبَت نَفسُه وآشتَدَّت شَهوَتُه لِمُضاجَعَتِها. وكانَ يتَرَقَّبُ الفُرصةَ لِإِغوائِها مِن يومِ رآها. 17 فقالَ لَها أَليفانا: ((اِشرَبي وشارِكينا في الفَرَح)). 18 فقالَت يَهوديت: ((أَشرَبُ، يا سَيِّدي، فقَد كَرُمَت عِندي الحَياةُ في هذا اليَومِ أَكثَرَ مِنها في جَميعِ أَيَّامِ حَياتي)). 19 وتَناوَلَت ما كانَت قد هيَّأَته وَصيَفَتُها، فأَكَلَت وشَرِبَت بِحَضرَتِه. 20 ففَرِحَ أَليفانا بِها وشَرِبَ مِنَ الخَمرِ شَيئًا كثيرًا جِدًّا، أَكثَرَ مِمَّا شَرِبَ مِنها في يَوم واحِدٍ مُنذُ مَولدِه. أليفانا الثمل بنشوة الخمر والخطية، شرب حتى الثمالة.. حتى ثقل من الخمر ونام.. فلم يشرب في يوم من حياته مقدار ما شرب َ في ذلك اليوم، وشتان ما بين الفرح الذي ملأ قلب يهوديت، وذاك الفرح الكاذب الذي انتاب أليفانا، لقد درج اكتاب المقدس والاباء على الإشارة إلى أن ذلك النوع من السرور يعقبه خزي ومرارة، بينما فرحت يهوديت فرحًا روحيًا شمل كل كيانها، فهوذا بشائر الخلاص بدأت في الظهور. إننا نتذكر هنا أمنون الذي اضطرمت فيه شهوته، فدنس جسده وأساء إلى هيكله وإلى ثامار وصار عارًا في إسرائيل وجلب على نفسه الموت والهلاك (2 صم 13) وفي الوقت ذاته نتذكر تلك العذراء العفيفة التي خدعت الجندي وجعلته يطيح برأسها بسيفه لتنجو بعفتها من الدنس 1. إن أليفانا الذي تأثر بجمال يهوديت، فقد رأسه قبل أن تطيح يهوديت بها!!! |
||||
31 - 03 - 2014, 04:47 PM | رقم المشاركة : ( 14 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر يهوديت
يهوديت 13 - تفسير سفر يهوديت يهوديت تقتل أليفانا بنفس سيفه هزيمة الشيطان في عقر دارهولَمَّا كانَ المَساء، أَسرَعَ ضُبَّاطُه في الاِنصِراف. وأَغلَقَ بوغا الخَيمَةَ مِنَ الخارِج، وصَرَفَ الحاضِرينَ مِن وَجهِ سَيِّدِه فذَهَبوا إِلى مضاجِعِهم، لِأَنَّهم كانوا جَميعًا مُثقَلينَ مِنَ الإِفراطِ في الشُّرْب.2 وتُرِكَت يَهوديتُ وَحدَها في الخَيمة، وكانَ أَليفانا مُستَلْقِيًا على سَريرِه لِأَنَّه كانَ سابِحًا في الخَمْر.3 فكانت يَهوديتُ قد أَمَرَت وصيفَتَها أَن تَقِفَ خارِجَ المُخدَع وتُراقِبَ خُروجَها، كما تَفعَلُ كُلَّ يَوم، قائلةً إِنَّها ستَخرُجُ لِلصَّلاة، وكانَت قد قالَت لِبوغا أَيضًا هذا الكلام. استمرت تلك المأدبة التي أقامها أليفانا لكبار ضباطه حتى ساعة متأخرة من الليل، تقترب من موعد الخروج اليومى ليهوديت مع جاريتها للصلاة عند عيون الماء أسفل بيت فلوى، وأما أليفانا الذي إرتمى في سريره مثل القتيل بسبب إفراطه في شرب الخمر، فقد تهالك هناك وكإنه يستعد للموت.! لقد هيأ الله ليهوديت كل الظروف حتى تنتقم لشعبها من ذلك الجبار، وقد إهتمت يهوديت بأن تسد كل ثغرة وتحتاط لكل طارىء وتقضى على أي احتمال لاكتشاف أمرها فتفشل خطتها، وها هي تضع اللمسات الأخيرة للخطة فتؤكد على بوغا بأنها ستخرج للصلاة كعادتها في الأيام الثلاثة الماضية. 4 إِنصَرَفوا جَميعًا مِن وَجهِه، ولم يُترَكْ أَحَدٌ في المُخدَعِ مِن صَغيرِهم إِلى كَبيرِهم. فوَقَفَت يَهوديت عِندَ سَريرِه وقالَت في نَفسِها: ((يا رَب، يا إِلهَ كُلَ قُوَّة اُنظُرْ في هذِه السَّاعةِ إلى أَعْمالِ يَدَيَّ لِرَفَعِ شأنَ أُورَشليم 5 فقَد حانَت ساعةُ العِنايَةِ بِميراثِكَ وتَحقيقِ ماعَزَمتُ علَيه لِسَحقِ الأَعداءَ الَّذينَ قاموا علَينا. لاشك في أن تلك اللحظات، كانت الأشد حرجًا بالنسبة ليهوديت، في سياق الخطة جميعها، إنها ذات اللحظات التي اختبرها إهود عندما أقدم على قتل عجلون ملك موآب (قض 3: 20 - 22) ومن بعده ياعيل امرأة جابر القينى عندما أقدمت على قتل سيسرا (قض 4: 17 - 22) غير أن الأمر يختلف عند يهوديت بالنسبة لإهود، بسبب أن الأخير كان رجلًا بل ورجل حرب، وهو أشد بأسًا وشجاعة من المرأة، وهي تختلف كذلك في ظروفها هذه عن (باعيل) فإن باعيل اقدمت على قتل شخص هارب موجود بمفرده في خيمتها، في حين أن يهوديت موجودة هنا في معسكر الأعداء يحيط بها الخطر من كل جهة. وبالتالي فهي تحتاج إلى معونة خاصة. اُنظُرْ في هذِه السَّاعةِ إلى أَعْمالِ يَدَيَّ: و(ثبت عمل يدى) وهي عبارة عبرية، يراد بها طلب المعونة والحصول على تأييد الرب للعمل من أجل البركة ونجاح العمل (و لتكن نعمة الرب إلهنا علينا ثبت علينا وعمل أيدينا ثبته مز 90: 17) وهكذا تصلى يهوديت إلى الله مصدر كل قوة وملهم كل شجاعة لكي يؤيدها، فهذه هي اللحظة الحاسمة، وكما شدد الله يد داود النبي وثبتها فوق أعدائه هو قادر أيضًا أن يثبت يد هذه الأرملة التي بادرت بتقديم نفسها عن الرجال والنساء معًا (الذي تثبت يدي معه، أيضًا ذراعي تشدده مز 89: 21). إرفع شأن أورشليم: هذا هو الشعار والطلبة التي جعلها ملوك وأنبياء إسرائيل، شعارًا وهدفًا لهم في حروبهم، إذ اعتبروها حروبًا مقدسة ليست من أجل الأطماع الشخصية وإنما من أجل الذود عن النساء والأطفال والأرض والممتلكات.. إرفع شأن شعبك.. ارفع اسم يعقوب.. بارك ميراثك.. (بإسم الرب إلهنا نرفع رايتنا مز 20: 5). 6 فدَنَت مِن عارِضَةِ السَّريرِ الَّتي عِندَ رَأسِ أَليفانا ونَزَعَت مِنها خَنجَرَه،7 وآقتَرَبَت مِنَ السرير وأَخَذَت بِشَعرِ رأسِه وقالَت: ((قَوِّني، يا رَبّ، يا إِلهَ إِسْرائيلَ، في هذا اليَوم)).8 ثُمَّ ضَرَبَت مَرَّتينِ عُنقَه بِكُلِّ قُوَّتِها فقَطَعَت رأسَه9 ودَحرَجَت جُثَّتَه عنِ السَّرير ونَزَعَتِ النَاموسِيَّةَ عنِ الأَعمِدة. وخَرَجَت بَعدَ هُنَيهةٍ وناوَلَت وصيفَتَها رأسَ أَليفانا، 10 فوَضَعَته في جُعبَتِها. وخَرَجَتا كِلْتاهما على عادَتِهما لِلصَّلاة، وآجتازَتا المُعَسكَر ودارَتا في الوَهدَة وصَعِدَتا جَبَلَ بَبتَ فَلْوى ووَصَلَتا إلى أَبْوابِها. هنا يصل المشهد إلى الذروة.. كانت عادة الملوك والقواد أن يحتفظوا بسلاح شخصي، يعلق في أحد أعمدة السرير، ربما كنوع من الزينة (الديكور) وربما تحسبًا لأي طارىء قد يهدد حياته، لاسيما من قبل رجال البلاط، كما كان كل منهم يحمل سلاحه أثناء الطريق، وقد اعتاد أكثرهم على تعيين شخص لحمل السلاح وهو المسمى اصطلاحًا (حامل سلاحه) راجع (1 صم 31: 4 - 6). ومن النص نفهم أن سلاح أليفانا لم يكن مجرد خنجر ولكنه أشبه ما يكون بسيف صغير. عندما وصلت يهوديت إلى اللحظة التاريخية، استمدت قوتها من الله، لتجتازها، وقد أخذت الرأس في ناموسية السرير، حتى تؤكد أنه قتل في عقر داره وأما أخذ الرأس نفسها فهي لإثبات مقتل صاحبها راجع (1 صم 17: 51) في مقتل جليات بيد داود. و يجدر بنا القول هنا، أن هناك نوعان من القتل، أشير إليهما في الكتاب المقدس، أولهما MURDER وهو جريمة لأنه يتم على خلفية جنائية، أما الثاني فهو KILLING وهو القتل المشروع في الحروب والدفاع عن النفس عمومًا مع مراعاة بعض التحفظات لعدم الخلط بين النوعين من القتل، فيهوديت عندما قتلت أليفانا لم تقتل شخصًا بذاته وإنما رمز للعدو الذي يهددها ويهدد شعبها، تقتل وتهزم شيطانًا يتربص بالأبرياء، وبالتالي فالخلفية الحربية هامة في حالات القتل هذه، ومن هنا فإن القتل الذي يقوم به الجنود على الجبهة لا يحسب خطية ماداموا في حالة حرب، يستثنى من ذلك من يطلب الاستسلام ومن يقع أسيرًا. يقول القديس كليمندس السكندرى: (يهوديت المطوبة لما حوصرت مدينتها إلتمست المواعيد القديمة (وعود الله بحمايتهم، لتذهب إلى معسكر الأعداء معرضة نفسها للخطر، ذهبت من أجل الحب الذي تحمله لبلدها وشعبها المحاصر فوضع الله أليفانا في يد امرأة) 1. و كتب القديس أمبروسيوس يمتدح عمل يهوديت البطولى قائلًا: (عندما تحملت يهوديت الكثير من المخاطر في سبيل عفتها وطهارتها ربحت فوائد عظيمة وكثيرة، لقد أظهرت أنها تستحق التقدير والإعجاب، تقربت من أليفانا الذي كان مخوفًا من الناس وكان يحيط به جماعة من الجنود الأقوياء من الأشوريين، في البداية أثرت عليه بحسن شكلها وجمال وجهها وبعد ذلك أسرته بكلامها المعسول، وكان أول انتصار لها أنها رجعت من خيمة الأعداء دون تلوث نقاوتها، وكان الانتصار الثاني على رجل، وحررت شعبها عن طريق خطة رسمتها، كان (الأشوريون) مرهوبين من قوتها وجسارتها ولذلك وكما أعجبنا ب (بيت أجوريانBYTH AGOREAN ) 2يجب أن نعجب بيهوديت، فهي لم تخف حتى من خطر الموت حيث أنها كانت دائمًا متضعة وهنا شيء عظيم يجب أن تنتبه إليه السيدات الصالحات وكانت لا تخاف اعتداء أي وغد ولا حتى أسلحة الجيش بأكمله، وهي امرأة وقفت بين خطوط المقاتلين وكانت يدًا منتصره RIGHT AMIDST ولم تبالي بالموت، عندما ينظر إليها أحد وهي تسحق وتقهر الخطر، يظن أنها خرجت لتموت، وعندما ينظر أحد إلى إيمانها سيقول أنها خرجت لتحارب. ثم يردف القديس أمبروسيوس ليواصل مديحه ليهوديت: تبعت يهوديت نداء الطهارة والعفة وعندما تبعت ذلك النداء، ربحت فوائد عظيمة فكان هذا فعالًا ليمنع شعب الله من أن يسلموا أنفسهم لعبادة الأوثان وليمنعهم من خيانة شريعتهم وفقد بتولية العذارى، ووقار الأرامل وأن تمنع العقلية من أن تتحول إلى عقلية بربرية ومن إنهاء الحصار بالتسليم وكانت ترحب بمواجهة الخطر بالنيابة عن الجميع لكي تخلص الجميع من الخطر.... كم كانت عظيمة هي قوة الطهارة والعفة حتى أنها وهي امرأة يجب أن تطلب إعطاء الدور القيادي لقادة الشعب (خوفًا على نفسها) ولكن ما أعظم قوة الطهارة التي تجعلها تتكل على الله لكي يساعدها، فما أعظم فضيلتها عندما تطلب معونة الله) 1. بعد ذلك وضعت رأس أليفانا في مذود الطعام، لتصير بعد قليل طعامًا للدود، وإذ كان ذلك الوقت يوافق الموعد الذي اعتادت يهوديت فيه الخروج للصلاة برفقة جاريتها، فإن الجنود الأشوريين لم يعيروا خروجهما إهتمامًا، ولم يعلموا أن في تلك الحقيبة يذخر لهم الهلاك، وامتدت رحلة الفتاتين قليلًا لتصل في هذه المرة إلى باب المدينة. القسم الخامس نصرة اليهود وإكرام يهوديت من ص 13: 11 إلى ص 16: 25 11 فنادَت يَهوديتُ عن بُعدٍ حُرَّاسَ الأَبْواب: ((اِفَتحوا آفتَحوا الباب، فإِنَّ اللهَ إِلهَنا مَعنا ليُعْمِلَ قُوَّتَه في إِسْرائيلَ وقُدرَتَه على الأعْداءَ، كما فَعَلَ اليَوم)). 12 فكانَ، لَمَّا سَمِعَ رِجالُ المَدينةِ صَوتَها، أَنَّهم أسرَعوا في النُّزولِ إِلى أَبوابِ مَدينَتِهم ودعَوا شُيوخَ المَدينة. 13 وبادَروا جَميعًا من صَغيرِهم إِلى كَبيرِهِم، لأَنَّ مَجيئَها كانَ يَبْدو لَهم امرًا غَيرَ مُتَوقَّع. وفَتَحوا الأَبْوابَ وآستَقبَلوهما وأَضرَموا نارًا لِلإِضاءَة وآجتَمَعوا حَولَهما. لا يقدر القلم هنا على التعبير عن فرحة يهوديت بهذا الخلاص العجيب، فقد خلصت بطهارتها، وخلصت شعبها وها هوذا عربون النصر في جعبتها (رأس أليفانا) فنادت على الحراس وفي صوتها رنين النصرة وفرحة المنتصر. و لا شك أن سكان بيت فلوى في تلك المدة قد اذعنوا لقادتهم بوجوب الصبر والاحتمال لاسيما وأن الأيام الخمسة مازال متبقيًا منهم يوم واحد متبقيًا منها يوم واحد، غير أنهم لم يكونوا ليتوقعوا عودة يهوديت بهذه النتيجة المذهلة، وفي أفضل الأحوال توقعوا أن تعود بلا جديد إذ ظنوا أنها قد حاولت التفاوض مع الأعداء. بل اعتبروها قد غامرت بنفسها في خطة غير محسوبة وغير مضمونة العواقب، لم ترد أن تطلعهم عليها، وربما ظنوا أن مكروهًا ما قد أصابها. و ها قد جاءت بشرى يهوديت لهم، عشية اليوم المحدد لاستسلامهم للأشوريين، ويتزامن ذلك أيضًا مع الحالة المزرية التي وصلوا إليها من العطش واليأس من جراء عدم ظهور أية دلالة على قرب خلاصهم من تلك الورطة! و لذلك فقد سرى نبأ عودتها ببشرى الخلاص، سرى النار في الهشيم، وذلك بين أفراد الشعب الساهرين اليائسين، بسبب العطش والخوف فأقبلوا جميعهم بما فيهم الأطفال والشيوخ حاملين مصابيحهم ومشاعلهم متلهفين إلى معرفة حقيقة ما جرى. 14 فقالَت لَهم بِأَعلى صَوتها: ((سَبِّحوا اللهَ سَبِّحوه، سَبِّحوا اللهَ فإِنَّه لم يُحوِّلْ رَحمَتَه عن بَيتِ إِسرْائيل، بل سَحَقَ أَعداءَنا بِيَدي في هذه اللَّيلَة)). 15 ثُمَّ أَخرَجَتِ الرأسَ مِنَ الجعْبَة وأَرَتْهم إِيَّاه وقالَت لَهم: ((هذا هو رأسُ أَليفانا رئيسُ قُوَّادِ جَيشِ أَشُّور، وهذه هي النَّاموسِيَّةُ الَّتي كانَ مُضطَجِعًا تَحتَها في سُكرِه. ضَرَبَه الرَّبُّ بِيَدِ آمرَأَة. 16 وحَيٌّ الربُّ الَّذي حَفِظَني في الطَّريقِ الَّذي سلَكتُه، لِأَنَّ وَجْهي قد أَغْوى ذلك الرَّجُلَ لِهَلاكِه، ولم يَرتَكِبْ خَطيئةً معي لِنَجاسَتي وعاري)). 17 فآستَولى على الشَّعبِ كُلِّه دَهَشٌ شَديد وجَثَوا فسَجَدوا ِللهِ وقالوا بِصَوتٍ واحِد: ((مُبارَكٌ أَنتَ، يا إِلهَنا، فإِنَّكَ أَفنَيتَ في هذا اليَومِ أَعْداءَ شَعبِكَ. لقد كان منظرًا مخوفًا رهيبًا، أن يروا الرأس الذي أمر بإذلالهم بالحصار والعطش وهدد سلامهم وأقلق هدوءهم، يرونه مضرجًا في دمائه بخيمة سريره، وقد سُفك دمه عوضًا عن دمائهم. ضربة الرب بيد امرأة: هذا يجعل من عمل يهوديت نصرًا أسطوريًا، فالمرأة اليهودية والتي كان دورها محدودًا وهامشيًا، لم يكن من المألوف أن تظهر في المجتمعات وكانت تتحرك بحذر وتحفظ، ولكن ذلك لم يعن أنها سلبية، ففي وقت الشدة أظهرت شجاعة قد يفتقر إليها العديد من جنود الرجال. و كان من العار على المرأة أن تقتل رجلًا، لاسيما إذا كان قائدًا عسكريًا، فإن المفارقة هنا كبيرة، فهنا قائد عسكري محنك بشهادة انتصاراته، وقدرته على قيادة ما يزيد عن المائة والخمسين ألفًا من الجنود والفرسان، وهنا في المقابل امرأة لا حول لها ولا قوة، وهو في معسكره وبين حراسه، بينما هي غريبة ووحيدة في وسطهم، كل ذلك يدل على أن نصرها لم يكن سوى هبة من الله الذي سحق الأعداء (عدد 14) والله يغلب بالكثير وبالقليل، وهكذا فقد ضرب الله أليفانا بيد امرأة.!! و قد طمأنت يهوديت الشعب، بأن هذا النصر لم يكلفها أي تنازلات بداية بطهارتها وانتهاءًا بالخبزات التي تناولتها، فلم يمسها أليفانا بسوء، كما لم تتناول من طعام الوثنيين، ويرد في الترجمة اللاتينية (حى هو الرب الذي حفظني ملاكه في مسيرى وإقامتى وإيابى 13: 20). و يرى بعض القديسين أن قوة يهوديت كانت في عفتها، وأن عفتها هي سلاحها، مثل القديس جيروم عن خدام الله الأرضيين 1، وفي موضع آخر يقول: إننا نقرأ عن امرأة أصيبت بالهزال من جراء الصوم ولبس ملابس الحداد الكئيبة التي كان مظهرها الخارجي السىء، لا يشير كثيرًا إلى اللوعة التي أحستها لوفاة زوجها، لأن المزاح الذي كانت عليه كما لو كانت تتطلع إلى مجيء العريس، أنا أرى يديها قابضة على السيف وملطخة بالدم وقد تعرفت على رأس أليفانا التي كانت تحملها بعيدًا عن معسكر الأعداء، هنا امرأة تقهر الرجال، والعفة تقطع رأس الشهوة) 2 و قد هتف الشعب هتاف النصر، فقد أيقنوا أن قطع رأس القائد لهو مقدمة لنصرهم على جيوش الأعداء، فسبحوا الله. 18 وقالَ لَها عُزَيَّا: ((باركَكِ، يا بُنَيَّة، الإِلهُ العَلِيّ فَوقَ جَميع النِّساءِ اللَّواتي على الأَرض. وتَبارَكَ الرَّبُّ الإِلهُ الَّذي خَلَقَ السَّمَواتِ والأَرض والَّذي هَداكِ لِضَربِ رأسِ قائِدِ أَعْدائِنا. 19 فإِنَّ رَجاءَكِ لن يُفارِقَ قُلوبَ النَّاسِ الَّذينَ يَذكُرونَ قوَّةَ اللهِ لِلأَبَد 20 عسى اللهُ أَن يُرفَعَ شأنُكِ لِلأَبَد. وأَن تُفتَقَدي بِإِحساناتِه لِأَنَّكِ لم تُشفِقي على نَفسِكِ مِن أَجلِ مَذَلَّةِ نَسلِنا بل تَداركتِ هَلاكَنا بِسَيرِكِ المُستَقيمِ أمامَ إِلهِنا)). فأَجابَ الشَّعبُ كُلُّه: ((آمين. آمين((. في هذه الفقرة من النص، ينظر إلى يهوديت كنموذج للكنيسة التي تقطع رأس الشيطان، وذلك بحسب القديس جيروم1، وكما بارك الملاك السيدة العذراء عند البشارة، بارك عزيا يهوديت بنفس البركة، وكما وعد الملاك السيدة العذراء بأن كل الأجيال سوف تطوبها، طلب عزيا ليهوديت ألا يبرح مدحها أفواه الناس، إنها البركة التي نالتها ياعيل امرأة جابر القينى بعدما قتلت سيسرا (تبارك على الناس لي النساء ياعيل امراة جابر القينى، على النساء في الخيام تبارك (قض 5: 24) ولأجيال كثيرة يذكر بنى إسرائيل: يا عيل ويهوديت وإستير، حيث كان لكل منهن دورًا بارزًا في خلاص بنى إسرائيل من هلاك يسعى إليهم. لقد كانت فرحة الشعب لا تقدر، بالخلاص الثمين الذي حققه الله لهم بيد امرأة!، سجدوا لله سجدوا الفرح الممزوج بالشكر (حسب الترجمة اللاتينية) فها قد نظر الله إلى مذلتهم وإفتقدهم برحمته (فامن الشعب ولما سمعوا أن الرب افتقد بني إسرائيل وانه نظر مذلتهم خروا وسجدوا خر 4: 31). و قد ظن البعض أن الآية (لِضَربِ رأسِ قائِدِ أَعْدائِنا) صحتها (ضرب قائد أعدائنا) باعتبار كلمة رأس وقائد في العبرية واحد، ولكن كلمة قائد في العبرية هى() بينما كلمة رأس هي ()، وتأتى في اليونانية: CUTTING OFF THE HEAD OF THE CHIEF OF ENEMIES يقول القديس جيروم في حديثه لأحد الأرامل: (أنت لديك أرامل مثلك جديرة بأن تكون نماذج لك، فيهوديت المشهورة في قصة العبرانيين، وحنة بنت فنوئيل المشهورة في الإنجيل، كلتاهما عاشتا ليلًا ونهارًا في المعبد وحفظتا كنز طهارتهما بالصلاة والصون واحدة كانت نموذج للكنيسة التي تقطع رأس الشيطان والأخرى إستقبلت على رأس ذراعيها مخلص العالم وأفضى إليها بالسر المقدس الذي جاء) 2. |
||||
31 - 03 - 2014, 04:49 PM | رقم المشاركة : ( 15 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر يهوديت
يهوديت 14 - تفسير سفر يهوديت جنود الآشوريين يفاجأون بخداع يهوديت ومقتل قائدهموقالَت لَهم يَهوديت: ((اِسمَعوا لي، يا إِخوَتي. خُذوا هذا الرَّأسَ وعَلِّقوه على شُرفَةِ أَسْوارِكم.2 ومتى بَزَغَ الفَجرُ وطَلَعَتِ الشَّمسُ على الأَرض، فلْيَأخُذْ كُلُّ واحِدٍ سِلاحَه ولْيَخرُجْ كُلُّ رَجُلٍ سَليم إلى خارِجِ المَدينة. وأَقيموا علَيهم قائدًا كأَنَّكم نازِلونَ إِلى السَّهلِ نَحوَ مَركَزِ بَني أَشُّورَ الأَماميّ، ولكن لا تَنزِلوا.3 فيأخُذُ أُولئِكَ مُعَدَّاتِهم ويَذهَبونَ إلى مُعَسكَرِهم ويوقِظونَ قُوَّادَ جَيشِ أَشُّور، فيُسرِعونَ إلى خَيمةِ أَليفانا فلا يَجِدونَه، فيَستَولي علَيهِمِ الخَوفُ ويَهرُبونَ من وَجهِكم.4 أَمَّا أنتُم وجَميعُ سُكَّانِ أَراضي إِسْرائيلَ كُلِّها، فطارِدوهم وآصرَعوهم في طُرُقِهم. عرف القدماء من العسكريين، عادة التمثيل بجثث قتلاهم، لاسيما القادة من قتلى الأعداء، ذلك في محاولة لتثبيط عزائم صفوف الأعداء ونشر الرعب بين الجنود، فقد علق سكان يابيش جلعاد جسد شاول الملك وبنيه على السور بالمسامير (31: 10 - 12) وكذلك علق اليهود رأس نكانور القائد السلوقى (السورى) وذراعه الأيمن على السور قبالة أورشليم (1 مكا 7: 47، 2 مكا 15: 35) ويرد في تاريخ الأسكندر الأكبر، كيف أنه مثل بقائد غزة الفارس، بعد فتح المدينة، وكذلك فعل بجنوده، كما فعل من قبل بعد محاصرة ومحاولة فتحها لمدة سبعة أشهر، وقد امتدت هذه العادة إلى الحكام المسلمين من تعليق على الأسوار وترك الضحايا يموتون فوق الخوازيق. و لعل يهوديت توقعت أن يحدث نفس الذعر الذي حدث بين الموآبيين بعد اكتشافهم مقتل عجلون ملكهم (قض 3: 25 - 30). و قد نبهت يهوديت سامعيها إلى ضرورة إحداث الجلبة مع شروق النهار، شريطة ألا ينزلوا بالفعل للإشتباك مع الجنود، وذلك خشية تعرضهم للخطر من الأشوريين الذين لديهم أوامر بالتعامل مع أي تحرك يهودي. 5 وقَبلَ أَن تَفعَلوا ذلك، آدْعوا إِلَيَّ أَحْيورَ الأَمُّونيَّ لِيَرى ويَعرِفَ الَّذي آستَهانَ بِبَيتِ إِسْرائيل وأَرسَلَه إِلَينا كما يُرسَلُ إِلى المَوت)).6 فدَعوا أَحْيورَ مِن بَيتِ عُزَّيَا. فأَتى ورأى رأسَ أَليفانا في يَدِ رَجُلٍ في جَماعَةِ الشَّعْب، فسَقَطَ على وَجهِه وخارَت روحُه.7 ولَمَّا أَنهَضوه آرتَمى عِندَ قَدَمَي يَهوديت وسَجَدَ أَمامَها وقال: ((مُباركةٌ أَنتِ في خِيمِ يَهوذا كُلِّها وفي جَميعَ الأُمَم فإِذا سَمِعَتِ آسمَكِ آرتَعَدَت. 8 والآن فأَخبِريني بِكُلِّ ما فَعَلتِ في هذِه الأَيَّام)). فأَخبَرَته يَهوديتُ في وَسْطِ الشَّعبِ كُلِّه بِكُلِّ ما فَعَلَت مِن يَومِ خُروجِها إِلى حينِ تَحَدُّثِها إِلَيهم.9 ولَمَّا آنتَهَت مِن كَلامِها، هَتَفَ الشَّعبُ بِصَوتٍ عَظيم ومَلأَ مَدينَتَه بِصَوتِ الاِبتِهاج. 10 ورأَى أَحْيورُ كُلَّ ما فَعَلَ إِلهُ إِسْرائيل فآمَنَ بِاللهِ إِيمانًا راسِخًا وخَتَنَ لَحْمَ قُلفَتِه فضُمَّ إِلى بَيتِ إِسْرائيلَ إِلى هذا اليَوم. في غمرة هذا الفرح، لم تنس يهوديت، ذلك الوثني التقى: أحيور، فقد كان من الواجب كمأنته بما حدث، فعرف أحيور كيف يكافئ الرب كل من يشهد له غير خائف من ظلم وقتل، وقد كان مبلغ تعجّب أحيور عظيمًا وهو الذي تعرض للموت بل أنهم أرسلوه إلى اليهود ليهلك معهم بحسب ثقتهم وكبرياءهم، (راجع الأصحاح الخامس). خِيمِ يَهوذا:وخيام يهوذا هو التعبير الذي يطلق على المنطقة التي يسكنها اليهود، بكاملها حتى في الأوقات التي صار فيها لليهود منازلٌ مصنوعه من الحجر والطوب، مستقرين في بلادهم (يخلص الرب خيام يهوذا زك 12: 7) راجع أيضًا (عد 24: 5، 1 مل 20: 12). أحيور يؤمن بالله: لاشك أن الفرق هنا مروّع، بين أليفانا وهو يتهدده بالهلاك منذ شهر واحد فقط، واليوم يرى رأسه مخصبة بالدم مغمض العينين وناموسيته ملوثة بالدماء، فإرتاع وسجد لله شكرًا، حيث يحمل السجود هنا الاعتراف بالله، وقد اتخذ مفهوم القوة مكانه كبيرة في مواصفات الآلهة في أزمنة العهد القديم بين الشعوب الوثنيين، فقد كان من الضروري أن يكون الإله هو إله حرب! يهلك الأعداء مهما كانت قوتهم، كان أحيور يعرف ذلك.. وشهد به أمام أليفانا، والآن وقد تأكد، فقد طلب أن يتبع ذلك الإله بأن يتهود ويختتن، حيث يعتبر الختان شرطًا رئيسيًا في سبيل التهود. و يعد قبول أحيور في الشركة اليهودية في ذلك الوقت حدثًا استثنائيًا، ولكنه بمعيار ما تغيرًا في العلاقة مع العمونيين، الذين كان ممنوعًا قبولهم في جماعة الرب بسبب مضايقتهم لبنى إسرائيل عند صعودهم من مصر (تث 23: 3، 4) كما كان هذا الإجراء لاتجاه اليهود نحو المرونة في تطبيق الشريعة حين يقتضى الأمر ذلك، لاسيما فيما يتعلق بالختان كشرط للتهود! و يروى يوسيفوس المؤرخ اليهودي، أن المللك إيزاتس 1،قد قبل التهود، غير أنه تراجع عندما فوجىء بمسألة الختان التي إستصعبها، ولكن أحد الربيين اليهود أفتى بإمكانية عدم ختانه، باعتبارها إجراء مادي يمكن تجاوزه إذا وجد ما يعوضها من عبادة بنقاوة وتقوى، غير أن ربيًا آخرًا، اعتبر الختان شريطة الإحصاد مع شعب الله، وفي النهاية قبل الملك الختان. هذا ويعتبر يهود الشتات عمومًا، أكثر تسامحًا فيما يتعلق بمسألة الختان، فأكدوا على قطع الشهوات واللذات من النفس مع الإيمان الداخلي بالله الواحد الخالق كل شيء 2 هذا وينظر إلى أحيور الذي شهد لإله اليهود وهو ما يزال وثنيًا، باعتباره الوثني الصالح، الذي انضم إلى اليهود مع أسرته وأحفاده ولأجيال عديدة. 11 وعِندَ طُلوعِ الفَجْرِ، علَّقوا رأسَ أَليفانا على الأَسْوار، وأَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ سِلاحَه وخَرَجوا زُمَرًا إِلى مُنحَدَراتِ الجَبَل. 12 فلَمَّا رَآهُم بَنو أَشُّور، أَرسَلوا رُسُلًا إِلى ضُبَّاطِهم، فجاءَ هؤُلاءِ إِلى قُوَّادِهم وقُوَّادِ أُلوفِهِم وجَميعِ رُؤَسائِهم. 13 فذَهَبوا إِلى خَيمةِ أَليفانا وقالوا لِلقَيِّمِ على جَميعِ أُمورِه: ((أَيقِظْ سَيِّدَنا، لِأَنَّ العَبيدَ آجتَرَأُوا على النُّزولِ إلَينا لِمُحارَبَتِنا ومُرادُهم أَن يُفنَوا الى آخِرِهم)). 14 فدَخَلَ بُوغا وقَرَعَ سِتارَ الخَيمَة، لِأَنَّه كانَ يَظُنُّ أَنَّه نائمٌ مع يَهوديت. 15 ولَمَّا لم يَسمع أحَدًا، أَزاحَ السِّتارَ ودَخَلَ المَضجعَ، فوَجَدَه مَطْروحًا على العَتَبَةِ مَيتًا ورأسَه مَفْصولًا عنه، 16 فصَرَخَ بِصَوتٍ عَظيمٍ ونحيبٍ وأَنينٍ وصُراخٍ شَديد ومَزَّقَ ثِيابَه. 17 ثُمَّ دَخَلَ الخَيمةَ الَّتي تُقيمُ فيها يَهوديت فلم يَجِدْها. فأَسرَعَ إلى الشَّعبِ وصَرَخَ: 18 ((لقد غدَرَ العَبيدُ غَدرًا، وآمرَأَةٌ واحِدةٌ مِنَ العِبرانِيِّينَ أَلقَتِ العارَ في بَيتِ نَبوكَدْنَصَّرَ المَلِك. فهُوَذا أَليفانا مَطْروحٌ على الأَرضِ ورأسُه لَيسَ علَيه)). 19 فلَمَّا سَمِعَ قُوَّادُ جَيشِ أَشُّورَ هذا الكَلامَ كُلَّه، مَزَّقوا قُمْصانَهم، وآضَطَرَبَت نُفوسُهمُ آضطِرابًا شَديدًا واَشتَّدَّ صِياحُهم وصُراخُهم كثيرًا في وَسَطِ المُعَسكَر. قام الشعب بحسب نصيحة يهوديت بحمل أسلحتهم وخرجوا أمام مدينتهم محدثين جلبة وصياحًا بما يشبه هتاف النصر، فأسرع المراقبون بإبلاغ القادة، الذين طلبوا إلى (بوغا) إبلاغ القائد الأعلى أليفانا، انتظارًا لأوامره، ويرد في الترجمة اللاتينية، أنهم سخروا من العبرانيين قائلين (أن الفئران قد خرجت من جحورها) وفي وسط جلبة الأشوريين وصياحهم اعتقادًا منهم بأن ذلك هو نذير الحرب، لم ينتبهوا إلى رأس أليفانا المعلق على السور في مواجهتهم. و قد استخدم اليهود هنا نفس الوسيلة التي استخدموها قديمًا في أيام جدعون قاضى إسرائيل، عندما بثوا الرعب في قلوب المديانين (قض 7: 19 - 23). و لاشك في أن لحظة اكتشاف مصرع أليفانا وهرب يهوديت، قد أوقع الرعب في قلوب القادة وجسّد أمامهم حجم المأساة والعار الذي لحق بهم، فقد صار الرجل الذي يرتعبون منه جثة هامدة بدون رأس، إن هذا هو نصيب كل من يشهر سيفًا على شعب الله ويرفع رمحًا. و ها قد فهم الأشوريون في لحظة، الخطة التي رسمتها ونفذتها فتاة عبرانية عزلاء، في غفلة من الكل، وهم الذين ظنوها كإحدى المستهترات.! إن ذلك يذكرنا بالمشهد المشابه الذي حدث في عصر القضاة عندما قتل عجلون ملك موآب بيد إهود: (فدخل اليه اهود وهو جالس في علية برود كانت له وحده، وقال اهود عندي كلام الله اليك فقام عن الكرسي، فمد اهود يده اليسرى واخذ السيف عن فخذه اليمنى وضربه في بطنه، فدخل القائم أيضًا وراء النصل وطبق الشحم وراء النصل لانه لم يجذب السيف من بطنه وخرج من الحتار، فخرج اهود من الرواق واغلق ابواب العلية وراءه واقفلها ولما خرج جاء عبيده ونظروا وإذا ابواب العلية مقفلة فقالوا أنه مغط رجليه في مخدع البرود فلبثوا حتى خجلوا وإذا هو لا يفتح ابواب العلية ، فاخذوا المفتاح وفتحوا وإذا سيدهم ساقط على الأرض ميتا،و أما اهود فنجا إذ هم مبهوتون وعبر المنحوتات ونجا إلى سعيرة. وكان عند مجيئه أنه ضرب بالبوق في جبل أفرايم فنزل معه بنو إسرائيل عن الجبل وهو قدامهم، وقال لهم اتبعوني لأن الرب قد دفع اعداءكم الموابيين ليدكم فنزلوا وراءه واخذوا مخاوض الاردن إلى مواب ولم يدعوا احدا يعبر، فضربوا من مواب في ذلك الوقت نحو عشرة آلاف رجل كل نشيط وكل ذي باس ولم ينج أحد، فذل الموابيون في ذلك اليوم تحت يد إسرائيل واستراحت الأرض ثمانين سنة. " قض 3: 20 - 30 ") هنا تصل القصة إلى الذروة! فعند هذه النقطة، وفي تلك الأثناء انهار الجيش وفقد القادة القدرة على اتخذ القرار، وإنحلت قوتهم وامتلكهم رعب شديد. الوصيفة: في غمرة هذه الأحداث علينا أي ننسى الوصيفة وشخصيتها والدور الذي قامت به، فهي الفتاة الحكيمة التي توخت فيها يهوديت الكفاءة لترافقها في هذه الرحلة الخطرة، فقد غامرت الوصيفة بحياتها، وأغلب الظن أنها علمت بالخطة من سيدتها، فهي أمينة السر وهي التي حملت أليفانا في الجعبة وحتى أخرجتها أمام الشعب في بيت فلوى، هذا وقد عاشت مع سيدتها بعد تلك الأحداث حتى شاخت يهوديت فأعتقتها قبيل موتها (16: 23). |
||||
31 - 03 - 2014, 04:51 PM | رقم المشاركة : ( 16 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر يهوديت
يهوديت 16 - تفسير سفر يهوديت نشيد الخلاصيحوى هذا الإصحاح (وهو الأخير في السفر) مزمورًا على غرار مزامير داود النبي، والتي أنشدها في مناسبات الانتصار على الأعداء، والتي يتغنى فيها (كما هو الحال) بقوة الله في الحروب وانتصاره لشعبه. و المزمور هنا، والذي قامت يهوديت بنظمه، ويتميز فيه أسلول النشيد هنا عن أسلوب القصة في الإصحاحات السابقة، حيث يستخدم الكاتب هذا القلم الأدبي الشعرى في حين صيغت القصة (نثرًا) ولكن هذا لا يمنع من أن يكون الكاتب واحدًا، حيث أن النشيد يحتاج إلى وقفات موسيقية، وهذا النشيد في كثير من مقاطعه، بعض من مقاطع المزامير وأناشيد الخلاص المذكوره في أكثر من موضع بالكتاب المقدس، مثل نشيد مريم أخت موسى (خر 15) ونشيد دبورة النبية (قض 5) ويرى العالم FRITZSCHE أن هذا النشيد هو أفضل المنتجات الشعرية للروح العبرية 1نشيد الخلاصويحتوى الإصحاح على: 1.نشيد " الرب المحارب (الأعداد 1، 2) - الخطر والخلاص (الأعداد 3 - 12) - أدوناي والديان (الأعداد 13 - 17". 2.خاتمة السفر الأعداد 18 - 25 ((أنشِدوا لِإِلهي بِالدُّفوف رَنِّموا لِلرَّبًّ على الصُّنوج إِنظِموا لَه المَزمورَ والنَّشيد أَشيدوا وآدعوا بِآسمِه 2 لِأَنَّ الرَّبَّ إِلهٌ يَمحَقُ الحُروب لِأَنَّه جَعَلَ مُعَسكَراتِه في وَسْطِ الشَّعْب فأَنقَذَني مِن يَدِ مُضطَهِدِيَّ. عرف اليهود القدماء معًا الرقص والموسيقى لاسيما في العبادة والاحتفالات، كتعبير عن الغبطة، وقد نظم كل من موسى وداود وسليمان عمل الموسيقيين وجعل لهم رواتب وفرق ودوريات، وقد عبر استخدام الموسيقى في العبادة، عن غبطة المصلين وأن الصلاة والتسبيح هما عمل مبهج للنفس يبعث على السرور، ومطلع المزمور يشبه إلى حد بعيد، مطلع بعض المزامير مثل (مز 81، 105، 135، 149) كما يشبه بعض آيات من مزامير أخرى مثل (33: 3، 68: 32، 147: 7، 150: 4، 5). لِأَنَّ الرَّبَّ إِلهٌ يَمحَقُ الحُروب: وردت مثل هذه الصيغة في (خر 15: 3) ويعتبر المرنمون سواء في نشيد الخلاص من المصريين (خر 15) وفي هذا النشيد، أن الله هو الذي انتصر لهم، ويجدر بالذكر أن قدماء الوثنيين اعتقدوا أن إله بنى إسرائيل هو إله حرب، على غرار آلهة الحرب في أساطيرهم 1،ويظهر الله كإله محارب عن شعبه في (مز 74: 13 - 15، 89: 10، 11) مُعَسكَراتِه في وَسْطِ الشَّعْب: أى أقام بينهم بطريقة سرية، فالله هو القائد غير المنظور، والذي وضع الجيش الروحي غير المنظور في وسطهم، الذي أراه إليشع النبي سابقًا لغلامه قائلًا (لا تخف لان الذين معنا أكثر من الذين معهم. هناك هزم الأراميين 2 مل 6: 14 - 18) وكما ضرب الله الأراميين بالعمى وكسرهم، فقد أسمع الله جيش الاراميين صوت مركبات وصوت خيل، صوت جيش عظيم. فتركوا أمتعتهم وهربوا (2 مل 7: 6، 7). إن الإيمان الحي الواثق من وجود الله في الوسط، يعطى الطمأنينة والشجاعة، كذلك فإن فقدان الأحساس بوجود الله، يجعل من الأعداء قوة مخيفة 3 أتى أَشُّورُ مِنَ الجِبالِ الشَّمالِيَّة أَتى بِرِبْواتِ جَيشِه. كَثرَتُهم سَدَّتِ الأَودِية وخيولُهم غَطَّتِ التِّلال. 4 قالَ إِنَّه سَيَحرُقُ بِلادي ويَقتُلُ بِالسَّيْفِ فِتْياني ويَطرَحُ إِلى الأَرضِ رُضَعائي ويَجعَلُ غَنيمةً مِن أَطْفالي وَيسْبي أَبْكاري. على الرغم من أن أليفانا لم يهدد اليهود بحرق تخومهم وقتل شبانهم وفتياتهم وسبى الأبكار (العذارى) إلا أنه بلاشك كان مزمعًا أن يفعل ذلك، ضمن تهديده للشعوب التي لم تخضع له (2: 7 - 12) راجع أيضًا (5: 23، 24). و استخدم تعبير حرق التخوم وقتل الشبان، في أزمنة العهد القديم، للتعبير عن الدمار الحادث والمزمع أن يحدث، ولا شك في أن أكثر أسباب الدفاع عن الوطن ضد الأعداء هو الأطفال والنساء والعذارى. 5 الرَّبُّ القَديرُ رَدَّهم بِيَدِ امرَأَة. 6 فإِنَّ بَطَلَهم لم يَسقطْ بِأَيدي الشُّبَّان ولم يَبْطُشْ بِه بَنو طيطان ولا جَبابِرَة طِوالٌ هَجَموا علَيه بل يَهوديتُ آبنَةُ مَراري بِجَمالٍ وَجهِها أَعجَزَته. 7 فقَد نَزعَت ثَوبَ إِرْمالِها لِإِنْهاضِ المَحْزونين في إِسْرائيل ودَهَنَت وَجهَها بِالطِّيب 8 وعَصَبَت شَعرَها بِعِصابة ولَبِسَت حُلَّةً مِن كتَان لِتَفتِنَه. 9 حِذاؤْها خَطَفَ بَصَرَه وجَمالُها أَسَرَ نَفْسَه والخَنجَرُ قَطَعَ عُنُقَه. 10 إِرتَعَدَ الفُرْس مِن جُرأَتِها وآضطَرَبَ الميدِيونَ مِن شَجاعَتِها. 11 حينَئذٍ صَرَخَ مُتواضِعِيَّ فَخافوا وصاح ضُعَفائي فآرتَعَدوا ورَفَعوا صَوتَهم فوَلَّوا هارِبين 12 بَنو نُسَيَّاتٍ طَعَنوهم وكأَولادٍ فارِّينَ إِلى العَدُوِّ جَرَحوهم فهَلَكوا في مَعرَكَةٍ لِرَبِّي. بَنو طيطان ولا جَبابِرَة طِوالٌ:TITAN إسم إغريقى كان يصارع الإله (زيوس) في الأساطير، وقد استخدمت الأسم هنا مع الجبابرة الطوال) ضمن الشخصيات الأسطورية، للدلالة على أن الذي حارب الجمع الأشورى الغفير، لم يكن جبابرة أسطوريين، وإنما فتاة يهودية مسكينة أيدتها يد الله العالية وذرتعه القوية، هذا وقد تسمى وادى الرفائيين والموجود إلى الجنوب الغربي من أورشليم، بوادى بنو طيطان VALLEY، SONS OF TITAN. ثم تقدم يهوديت عرضًا سريعًا لدورها في هذا النصر السريع الحاسم، وقد ورد هنا ذكر كل من الفرس والماديين، للتدليل على أن الرعب قد سيطر على جميع الجهات شرقًا (مملكة فارس) وغربًا (مملكة مادي) بعد سماعهم خبر كسرة الأشوريين. بنو نسيات: وترد في اللغات الأخرى بمعنى أبناء الجوارى SONS OF BONDMAID، ويقصد بهم مع المتواضعين والضعفاء، هزموا الأعداء وطاردوهم، يهوديت تتغنى بقوة الرب وضعف اليهود الذي شملته هذه القوة. 13 سأُرَنِّمُ لِإِلهي نَشيدًا جَديدًا. رَبِّي، عَظيمٌ أَنتَ ومُمَجَّد عَجيبٌ في القُوَّة ولا يَقْوى علَيكَ أَحَد. 14 إِيَّاكَ فلتَعبُدْ خَليقَتُكَ بِأَسرِها لِأَنَّكَ أَنتَ قُلتَ فكانت. أَرسَلتَ رُوحَكَ فكُوِّنَت ولَيسَ مَن يُقاوِمُ صَوتَكَ. 15 الجِبالُ تَهتَزُّ مِن أُسُسِها وتَختَلِطُ بِالمِياه والصُّخورُ كالشَّمعِ تَذوبُ أَمامَ وَجهِكَ والَّذينَ يَتَّقونَكَ تَكونُ عنهُم راضِيًا. 16 لِأَنَّ كُلَّ ذَبيحةٍ أَقَلُّ مِن أَن تَكونَ رائِحةً ذكِيَّة كلَّ دُهْن أَحقَرُ مِن أَن يَكونَ لَكَ مُحرَقَة. ولكِنَّ الَّذي يَتَّقي الرَّبَّ كَبيرٌ في كُلَ شَيء. 17 الوَيلُ لِلأُمَمِ الَّتي تَقومُ على نَسْلي! فالرَّبُّ القَديرُ يَنتَقِمُ مِنهُم في يَومَ الدَّينونة يَجعَلُ النَّارَ والدُّودَ في لُحومِهم فيَبْكونَ أَلَمًا لِلأَبَد. يقصد هنا بالنشيد الجديد، هو التسبيح الدائم بلا ملل والتمجيد باشتياق متجدد، وينشد الشعب هنا بعظمة الله، الذي يليق به المجد الذي فاقت قدرته الحدود والعقول، ولا يمكن أن تدخل في مقارنة مع أية قوى أخرى، فالله له السلطان المطلق، وجميع الخلائق هي صنعة يديه وهي تطيعه وتخضع له، لأنه بروحه خلقها وكونها وهي مدينة له بوجودها. كل جبل شلمخ وكل البحار.. وكل الصخور، جميعها تخضع لله وتنحل قوتها قدامه (راجع تك 1: 3، 6، مز 33: 9، 104: 30، 148: 5، أش 48: 13) وقد ورد تعبير ذوبان الجبال مثل الشمع أمام الله فى (ميخا 1: 4، مز 97: 5). أما الذين يتقون الرب يتمتعون بعناية الله، فالله يكرم الذين يكرمونه، غير أن تعبير التقوى، يناسب العهد القديم ولاهوته، غير، العهد الجديد، يستبدل المعنى بالفضيلة (فاضل بدلًا من تقى) حيث تكتسب العلاقة بين الله والإنسان بعدًا جديدًا وهو الحب الذي يحمل الإنسان على حب الصلاح ونبذ الشرور. ماذا نستطيع أن نقدم لله، وأي شيء يليق به وأيه تقدمة يمكن أن تحتسب كبيرة قدامه، سوى قلب محب وشفاه مسبحة وأفواة مصلية، وعاطفة توجه إليه، إن هذه هي الذبيحة التي يرضى عنها وتدخل إليه مثل رائحة سرور. و مثلما حذر الله شعبه من الخطية وتركه، لئلا يقعوا في أيدي أعدائهم، فقد توعد الأعداء كذلك بالانتقام إن هم ضايقوا أولاده النَّارَ والدُّودَ: استخدم تعبير الدود والنار في الكتاب المقدس للإشارة إلى العذاب وتصويره، وجاء نعبير جهنم (حيث نار لا تطفأ ودود لا يموت) من الوادى السحيق الواقع جنوب الهيكل والمسكى وادى هنوم (حيث وادى في العبرية: جه وهنوم هو اسم الوادى) فيكون الأسم (جه / هنوم) 1وجهنم، وسمى به العذاب ووصف، نظرًا لما يلقى فيه من بقايا الذبائح والتي تشعل فيها النار لإبادتها في حين يرعى الدود في أطرافها، فلا النار تطفأ (من كثرة البقايا) ولا الدود يموت للسبب ذاته. فيَبْكونَ أَلَمًا لِلأَبَد: بمعنى أن محنتهم لا تنتهي، والمقصود بهم، هم أولئك الذين يرفضون الرب ومن ثم يموتون في خطيتهم، فالآلام الأبدية ليست جسدية ولكنها نفسية، إذ لا يكون الجسد بمثل طبيعنه وهو على الأرض، فهم يحترقون دون أن يفنوا، راجع (دا 12: 2، أي 14: 22، أش 34: 8 - 12، يؤ 2: 1 - 11، مر 9: 48) هكذا بدل الله نوح اليهود إلى فرح (حينئذ تفرح العذراى بالرقص والشبان والشيوخ معا فاحول نوحهم إلى طرب واعزيهم وافرحهم من حزنهم أر 31: 14) فما أبهج الشعب بالنصر وما أبهج النصر عندما يأتي هبة من الله، لقد كان مشهدًا مفرحًا ومؤثرًا، إذ يحمل الكل الأغصان والورود والدفوف بأيديهم، والتسبيح في أفواههم، ومن خلقهم الأطفال يمرحون في حبور. 18 ولَمَّا وَصَلوا إِلى أَورَشَليم، سَجَدوا لِله. وبَعدَما آطَّهَرَ الشَّعْب، قَرَّبوا مُحرَقاتِهم وتَبَرُّعاتِهم وتقادِمَهم. 19 وقَرَّبَت يَهوديتُ أَيضًا جَميعَ أَمتِعَةِ أليفانا الَّتي أَعْطاها الشَّعْبُ إِيَّاها. وأمَّا النَّاموسِيَّةُ الَّتي نَزَعَتها مِن مَضجَعِه، فقَرَّبَتها لِلهِ تَحْريمًا. 20 وكانَ الشَّعبُ مَسْرورًا في أُورَشَليمَ أَمامَ المَكانِ المُقَدَّسِ مُدَّةَ ثَلاثةِ أَشْهُر، وبَقِيَت يَهوديتُ مَعَهم. بعد احتفالات شائقة استمرت حوالي الشهر، وفي موكب رائع اتجه فريق كبير من اليهود إلى هيكل أورشليم ليقدموا هناك ذبائح الشكر والسلامة ويوفوا هناك نذورهم وتقدماتهم. فيما يشبه (الحج). و قد قامت يهوديت بتسليم ما أخذته كهدية من مقتنيات أليفانا، إلى الهيكل تقدمه بدورها إلى الله، اعترافًا منها بأنه هو المستحق كل كرامة ومجد، حيث توضع هذه التذكارات في هيكل الله ضمن بقية هدايا الشعوب والملوك من نفائس وتحف ومشغولات ذهبية وهدايا تذكارية. و يجدر بالذكر أن هيكل أورشليم كان مكدسًا بمثل تلك الهدايا، مما جعله مطمعًا لكل ملك وثني وكل طامع، ولم يكن مسموحًا بالتصرف فيها مطلقًا. فقَرَّبَتها لِلهِ تَحْريمًا: يعنى التعبير: الوقف المؤبد، يحرم على الكهنة والحكام والملوك، التصرف فيها وبيعها وإهدائها، وقد ورد هذا التعبير في الترجمة اللاتينية إبسال نسيان وهو تعبير عبري قديم معناه (وقف مؤبد) VOTIVE OFFERRING TO GOD. 12وبعد تِلكَ الأَيَّام، رَجَعَ كُلُّ واحدٍ إِلى ميراثِه، وآنصَرَفَت يَهوديتُ إلى بَيتَ فَلْوى وأَقامَت في مِلكِها. وصارَت شَهيرةً في زَمَنِها في البَلَدِ كُلِّه. 22 اِشتهاها كَثيرٌ مِنَ الرِّجال، ولَم يَعرِفْها رَجُلٌ مِنَ الرِّجالِ جَميعَ أَيَّامِ حَياتِها مُنذ وَفاةِ زَوجِها مَنَسَّى وآنضِمامِه إِلى شَعبه. بعد انتهاء تلك الفترة بكل ما فيها من أحداث متتابعة ومثيرة، عادت الطمأنينة إلى الشعب وساد الهدوء ربوع اليهودية، ومن ثم عادت يهوديت إلى سابق نسكها وعبادتها وإزدادت كرامة في أعين الشعب وبقيت أرملة ولم تحملها هذه الشهرة على التخلي من ترملها وعبادتها شبه الرهبانية في عليتها، يعلق القديس جيروم على ذلك بقوله: وسريعًا تغير (يهوديت) ملابسها وترتدى من ساعة النصر ملبسها الخاص الحقير الذي هو أفضل من كل أزياء العالم الفخمة 1. 23 وكانَت تَزْدادُ عَظَمةً كُلَّما طَعَنَت في السِّنَّ، وشاخَت في بَيتِ زَوجِها فبَلَغَت مائةً وخَمسَ سِنين. وأَعتَقَت وصيفَتَها، وتُوُفِّيَت في بَيت فَلْوى، فدَفَنوها في مَغارَةِ زَوجها مَنسَّى. 24 وناحَ علَيها بَيتُ إِسْرائيلَ سَبعَةَ أَيَّام. وقَبلَ وَفاتِها وَزَّعَت أَمْوالَها على جَميعِ أَقارِبِ زَوجِها مَنَسَّى وأقارِبِ أُسرَتِها. 25 ولم يَعُدْ هُناكَ مَن يُرعِبُ بَني إِسْرائيلَ في أيَّامِ يَهوديت ولا بَعدَ مَوتها سِنينَ كَثيرة. صارت يهوديت ضمن نساء قليلات من اليهود، اكتسبن شهرة كبيرة واقترنت أسماؤهن بالقداسة، والعمل البطولى العظيم، مثل ياعيل امرأة جابر القينى، ودبورة النبية وراعوث الموآبية، وإستير الملكة، هذا وقد عاشت يهوديت مائة وخمس سنوات وهي مدة طويلة نسبيًا في ذلك العصر الذي كان فيه عمر الإنسان قد تناقص كثيرًا. سَبعَةَ أَيَّام:مدة طويلة نسبيًا، ولكنها دليل على إكرامها، حيث عدّها اليهود ضمن المشاهير في بنى إسرائيل، والنوح هنا بمعنى الحداد والامتناع عن الأفراح والأحتفالات خلال ذلك ا[سبوع، ويقرن في بعض الأحيان بالصوم (1 صم 31: 13) راجع أيضًا (سى 22: 12). و قبل وفاتها قامت بتحرير وصيفتها وتوزيع أموالها، وقد بلغت أنباء انتصارات اليهود، إلى جميع الأمم، فوقعت عليهم الرعبة، فلم يجسروا على مهاجمتهم لمدة طويلة، راجع (قض 3: 13، 30، 5: 31، 8: 28) وقد صار يوم انتصارهم على الأشوريين، عيدًا قوميًا لليهود، مثل الفوريم الذي احتفل فيه اليهود بفضل إستير (إس 9: 26 - 33) ويوم نكانور الذي احتفل فيه اليهود بانتصارهم على السلوقيين ومقتل نكانور قائدهم (2 مكا 15) والذي سمى بعيد الحانوكا ومازال اليهود يحتفلون به حتى اليوم حيث يقرأون فيه سفر يهوديت في 25 ديسمبر من كل عام وقد كتب القديس إيرونيموس في القرن الثالث من أيام أفراح اليهود. |
||||
|