منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 11 - 02 - 2014, 04:59 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,711

مزمور 77 - تفسير سفر المزامير
تذكر أعمال الله الخلاصية


وُضع هذا المزمور بمناسبة شدَّة عظيمة لحقت بالمرتل. إنه يعترف بأنه صار في اِرتباكٍ شديدٍ، إذ لم يقدر أن يدرك خطة الله، وأنه ليس من حلّ في مواجهة هذه الضيقة سوى الإيمان بالله ملجأ النفس! فإن كانت الضيقة مرة للغاية، لكن تذكر معاملات الله معنا، وارتفاع القلب إلى السماء يهب أعماقنا عربون الراحة السماوية، أو الاِحتفال بسبتٍ سماوي بهيج.
مزمور 77 - تفسير سفر المزامير - تذكر أعمال الله الخلاصية
مفتاح السفر

وردت كلمة "يتذكر" أو "يفكر" ٤ مرات (ع ٣، ٥، ٦، ١١). فيليق به وسط الضيق والاِرتباك أن يفكر في الله، ويتذكر معاملاته مع شعبه ومعه.
مزمور 77 - تفسير سفر المزامير - تذكر أعمال الله الخلاصية
أقسامه
١. أسئلة محيرة
١-١٠.
٢. راحة المرتل
١١-١٥.
٣. طريق الله في البحر
١٦-٢٠.
من وحي مزمور ٧٧
مزمور 77 - تفسير سفر المزامير - تذكر أعمال الله الخلاصية
العنوان

لإِمَامِ المُغَنِّينَ عَلَى يَدُوثُونَ. لآسَافَ. مَزْمُورٌ
جاء العنوان في الترجمة السبعينية: "إلى النهاية (التمام)، لأجل يدوثون. مزمور لآساف". ويعلق القديس أغسطينوس على هذا العنوان قائلًا بأن "يدوثون "معناها "يثب"، وآساف معناها "جماعة "، فهو يتحدث عن الجماعة التي تثب لتبلغ إلى النهاية الذي هو يسوع المسيح[1].
"على يدوثون": ورد هذا العنوان في المزمورين ٣٩ و٦٢، ومعناه: "مقدم تسبحة". فإن كانت مناسبته هي حلول ضيقة شديدة، فإنها لن تحرم المؤمن من تقديم تسبحة، فيها يتغنَّى بكل صراحة. في وسط ارتباكه الشديد يتهلل مسبحًا الله ملجأه وسرّ راحته وتعزيته.
يرى البابا أثناسيوس أن يدوثون هو أحد رؤساء المرتلين، عندما سمع ما كان مزمعًا أن يجرى على الشعب صار يئن ويتوجع جدًا، راثيًا لهم لبعدهم عن الله[2]. ويرى يوسابيوس أن داود ولآساف قد وضعا مزامير كثيرة لتعزية يدوثون، لكي يزيلوا عن قلبه الحزن والوهم، ولقوله إن الله لا يهتم بهذا العالم[3].
مزمور 77 - تفسير سفر المزامير - تذكر أعمال الله الخلاصية
١. أسئلة محيِّرة

يبدأ المرتل بصرخة يوجهها إلى الله، مظهرًا يقينه في الله السامع لصراخه وسط الضيق، وأنه يجيب على ما يجول في فكره من أسئلة محيِّرة. يسمع الله لصرخات القلب الصامتة، ويستجيب لنا، ليس من أجل الصراخ ذاته، وإنما من أجل إيماننا به وثقتنا فيه. قيل عن الرب نفسه إنه صلى بصرخات عالية ودموع، وسُمع له من أجل مخافته التقوية (عب ٥: ٧).
صارت أجفان عينيّ المرتل لا يمكن إغلاقها، إذ كان يتطلع إلى ما في أعماقه خلال ليالٍ لا تغمض له فيها جفن، وكانت النتيجة أنه تأثر جدًا ولم يجد كلامًا يعبر به عما في داخله، فالتزم الصمت. عاد إلى مشاعره في الماضي، وسجل ما سبق أن كان يترنم به. لعله بهذا تهدأ نفسه، وتستريح خلال ثقتها في الرب أنه لن ينساه. وإن كانت هذه الذكريات قد أثارت في نفسه تساؤلات عبّر عنها في هذا المزمور [٧-١٠]. هذه التساؤلات لها إجابات، لأن الله أمين في كلمته، ووعوده وعهوده لن تخيب.
صَوْتِي إِلَى اللهِ، فَأَصْرُخُ.
صَوْتِي إِلَى اللهِ، فَأَصْغَى إِلَيَّ [1].
إذ صرخ المرتل إلى الله بكل قلبه، بغيرة وفي إخلاص تحرك الله - إن صح التعبير - ليصغي إليه. الصرخات التي تحرك القلب تحرك الله نفسه الذي يسكن في القلب ويقيم منه هيكلًا .
المؤمن الذي يصرخ بقلبه لا يحرك شفتيه فحسب، إنما يتحرك كل كيانه الجسدي والنفسي والروحي.
إن كانت الخطية تجعل الإنسان بعيدًا عن الله، لذا يصرخ كمن يتحدث مع من هو بعيد عنه، لكنها ليست صرخات مسموعة بالأذنين، إنما صرخات قلب يطلب أن يتقدس، فيشعر أنه في حضن الله، أو يسترد وضعه في الأحضان الإلهية بالنقاوة والقداسة خلال غنى نعمة الله وعمل روحه القدوس.
يرى القديس چيروم أن الحوار مع الله يتحقق بالعمل، فصراخ المرتل هنا لله هو خلال العمل الصالح حسب وصية الله، واستجابة الله أيضًا بالعمل.
* "بصوتي إلى الرب أصرخ... فيصغي إليّ، في يوم ضيقي التمست الرب". اُنظروا كيف كان مضطربًا، فإنه يصرخ عاليًا ملتمسًا الله... الصرخة العالية ضرورية للغاية عندما يكون القلب المضطرب بعيدًا. هذا هو ما يقوله: هذا هو ما أقوله: "بسبب خطاياي صرت بعيدًا عنك، لهذا وجب عليّ أن أصرخ إليك لكي ما تحتملني في رحمتك المتحننة[4].
* عندما نكون في اضطراب نُرفض ولا نفكر في شيء إلاَّ في تعبنا، ولكن أفضل ما نعمله في وقت الضيق هو الصلاة بغيرة... إن وَجَدت الله، ففيه استرد كل شيء[5].
* لاحظوا أن أعمالنا الصالحة تصرخ إلى الرب، حتى ونحن صامتون. ولهذا السبب جاء في الكتاب المقدس: "كانت كلمة الرب عن يد حجِّي النبي" (حج ١: ١، ٣). لم تأت كلمة الله بالكلام، وإنما باليد - بالعمل.
بنفس الروح يقول إرميا: "ليته لا تكون راحة لعينيّ". اُنظروا فإنه حتى حدقة عيننا ليست صامتة. بالحقيقة نصرخ لله بأيادينا في دفعات كثيرة، كما نصرخ إليه بدموعنا[6].
القديس چيروم
* في أوقات شدتي صرخت متضرعًا إليه، وطالبًا منه الفرج. وبما أن صراخي كان مستحقًا الإجابة، استجاب لي، ونجاني من أحزاني. فإذًا اعلم يا يدوثون أن الله سميع وقريب لمن يسأله بما يليق.
الأب أنثيموس الأورشليمي
يرى القديس أغسطينوسأن المؤمن يصرخ إلى الرب وقت ضيقه، لا لكي يتخلص من الضيق، وإنما لكي يثب (يدوثون) فوق كل العالم وكل متاعبه، يقفز ليكون في حضن الرب، طالبًا الرب نفسه.
فالضيقة بالنسبة له لا تخص أمرًا معينًا بذاته، بل الحياة كلها بكل متاعبها، لتستقر النفس في موطنها السماوي.
كثيرًا ما أطال القديس أغسطينوس أحاديثه في ضرورة الوثب أو القفز فوق كل المتاعب لأجل اقتناء الرب نفسه والتمتع بأحضانه الإلهية.
* كثيرون يصرخون إلى الرب من أجل مثل هذه الأمور (الزمنية)، لكن نادرًا ما يصرخ أحد من أجل الرب نفسه. من السهل على الإنسان أن يطلب من الرب شيئًا، ولا يطلب الرب نفسه. كما لو كان بالحقيقة أن ما يهبه الرب أكثر عذوبة من أن يعطي الرب ذاته. لذلك من يصرخ إلى الرب لأجل شيء ما ليس بالشخص الذي يثب... إنه بالحق يسمع لك في الوقت الذي تطلبه هو، وليس من خلاله تطلب شيئًا ما. يقال عن قبل هذا : "يصرخون ولا مخلص. إلى الرب فلا يستجيب لهم" (مز 18: 41)[7].
* عندما تكون في ضيق ماذا تطلب؟ إن كان السجن هو سبب الضيق، تطلب أن تخرج منه. إن كانت الحمى هي سبب الضيق، تطلب الصحة. إن كان الجوع هو علة الضيق، تطلب الشبع. إن كانت الخسارة هي سبب الضيق، تطلب الربح... أتريد أن تكون إنسانًا يثب؟ في وقت ضيقك أطلب الله، ولا تطلب شيئًا خلال الله، فإنه لهذه الغاية ينزع الله عنك الضيق حتى ما تلتصق بالله دون قلق[8].
القديس أغسطينوس
في يَوْمِ ضِيقِي التَمَسْتُ الرَبَّ.
يَدِي فِي اللَيْلِ انْبَسَطَتْ، وَلَمْ تَخْدَرْ.
أَبَتْ نَفْسِي التَعْزِيَةَ [2].
في يوم الضيق لم يطلب المرتل مجرد إنقاذه من المتاعب، إنما يتلمس الله نفسه، إذ هو سرّ تعزيته وفرحه وتهليل نفسه. في وسط ليل هذا العالم يبسط يديه كمن يود أن يحتضن محبوبه، ومقدسه. بهذا لا يقدر عدو الخير أن يخدعه، ولا أن يفقده التعزيات الإلهية.
* جاء في مزمور آخر: "في ساعات الليل ارفعوا أياديكم نحو المقدس، وباركوا الرب". في ليل هذا العالم، وفي ظلمته، بينما يسرع الآخرون نحو رذائلهم، أقدم أعمالي إليك وحدك. "ولم أنخدع". لأنني هكذا أنا صرخت بأعمالي، فلم أنخدع. يوجد تفسيران هنا: إما أن صلاتي قد اُستجيبت، أو أنني لم أُخدع قط بالشباك التي يحاول الشيطان أن ينصبها لي.
جاء النص العبري: "بالليل أبسط يدي بدون تردد"، يدي مبسوطة دائمة للأعمال الفاضلة، لن ترد إلى الخطايا.
* "أبت نفسي التعزية". لقد انغمست نفسي في الخطية، فلا أستطيع أن أُعزي نفسي بأي رجاء. "عندما أتذكر الله، ترتفع نفسي". نفسي انغمست عميقًا في الخطية، لا أستطيع أن أجد أيَّة تعزية، لكنني أحوِّل أفكاري نحو الله، وينشغل قلبي مرة أخرى في حنو مراحمه...
جاء في العبرية: "عندما أتأمل فيُغشى على روحي" [٣]، إما باليأس أو بالاِشتياق إلى الله[9].
القديس چيروم
* كمثال، افترض أن شخصًا ما بيننا يفقد ابنه. أي شيء لا نفعله لكي نجده؟ أي أرض لا نجول فيها، أي بحر لا نعبره؟ أما نستخف بالمال والبيوت، ونحسب كل شيء ثانويًا لكي نجده. وإذ نجده نلتصق به، ونمسك به، ولا ندعه يتركنا. عندما نذهب للبحث عن شيءٍ ما، فإننا نستخدم كل وسيلةٍ لنجد ما نبحث عنه. كم بالأكثر يليق بنا أن نعمل من أجل الله، إذ نبحث عن من لا غنى لنا عنه؛ لا، ليس بنفس الطريقة، بل وما هو أعظم! لكن إذ نحن ضعفاء، فعلى الأقل تطلبون الله كما تطلبون أموالكم أو أولادكم.
ألم تترك بيتك قط من أجل المال؟ ألم تنشغل به بكل وسيلة؟ وإذ تجده، أما تصير مملوءًا ثقة بالنفس؟[10]
القديس يوحنا الذهبي الفم
* "في يوم ضيقي اِلتمست الرب" [٢]. لم أطلب الذهب ولا فضة العالم، بل الله وحده. لا يريد أحد أن يعاني من الضيق، ولهذا فعند حلول الضيق بالإنسان يلزم اِلتماس الله كأمر حسن... يرسل الله الضيقة ليس في غضبٍ بل بالحري في حنوٍ. الله لا يترك الإنسان، بل يطلب منه أن يلتمسه.
القديس أغسطينوس
* هكذا لأن الله ملجأ؛ علاوة على هذا إذ هو في السماء وفوق السماوات، بالتأكيد يلزمنا أن نهرب من هنا إلى هناك، حيث يوجد سلام وراحة من الأتعاب، وحيث يمكننا أن نعيِّد في السبت العظيم، كما يقول موسى: "وسبت الأرض هو طعام لكم". إنه وليمة، حيث يمتلئ الشخص بالبهجة والسكون، ليستريح في الله، ويتطلع إلى مسرته. نلجأ إلى الله، فهل نرجع إلى العالم؟ لقد متنا عن الخطية، فهل نعود نطلب الخطية؟ لقد جحدنا العالم، فهل نعود فنلتصق بوحله؟[11]
القديس أمبروسيوس
* كنت دائمًا أرفع يدي إليه، لا بالنهار فقط، بل وبالليل أيضًا. وصرت امتنع عن النوم جائزًا الليل كله في الصلاة في يوم حزني، ولم أضل، أي أصبت مطلوبي، ولم يخب أملي.
بقوله "يدي" معناه إني لست باللسان فقط كنت أطلب المعونة، بل بالعمل الصالح أيضًا، لأن شدتي قد جعلت نفسي بائسة.
الأب أنثيموس الأورشليمي
أذْكُرُ اللهَ فَأَئِنُّ.
أُنَاجِي نَفْسِي،
فَيُغْشَى عَلَى رُوحِي. سِلاَهْ [3].
جاءت الترجمة السبعينية: "تذكرت الله فابتهجت، سكبت شكواي فصغرت نفسي". وكأن المرتل إذ يتطلع إلى الله ويذكر معاملاته معه تتهلل أعماقه وتبتهج، لكن إذ ينشغل بمتاعبه وشكواه تذوب نفسه فيه ويدخل في صغر نفس.
* كل ساعة صلاة تقدم ذكرى خاصة ببركات الله علينا. يلزمنا أن نصلي في الصباح الباكر لكي تكون بدء ميول النفس والعقل مكرسة لله، وأننا لن نلمس شيئًا ما لم نبتهج أولًا بالتأمل في الله، كما يقول الكتاب: "تذكرت الرب فاِبتهجت" (مز 76: 3 LXX). ولن نبدأ أيّ عمل ما لم نتمم ما هو مكتوب: "إليك أصلى يا رب. بالغداة تسمع صوتي. في الصباح المبكر أوجه صلاتي إليك وأنتظر" (مز 5: 2-3).
القديس باسيليوس الكبير
* مجرد تذكر الله يريح النفس، كما قيل في المزمور: "تذكرت الله فصرت سعيدًا"[12].
الأب دوروثيؤس من غزة
* ما كان يقدر شيء ما أن يعزيني سوى ذكر الله، وتفطنت أنه قادر أن يحول الأحزان إلى أفراح. وأما عندما كنت أتداول بفكري المصائب التي حلت عليَّ فكانت نفسي تنزعج وتتضايق.
الأب أنثيموس الأورشليمي
* لم تعمل يدي باطلًا، فقد وجدتا معزيًا عظيمًا. فإذ لم أكن متراخيًا كنت منشغلًا بالله فابتهجت[13].
القديس أغسطينوس
أمْسَكْتَ أَجْفَانَ عَيْنَيَّ.
اِنْزَعَجْتُ، فَلَمْ أَتَكَلَّمْ [4].
في وسط متاعبه هذه بسبب إصرار الأعداء المستمر نهارًا وليلًا على مقاومته، يصير الإنسان كمن لا قوة له، حتى يعجز عن فتح شفتيه لينطق بكلمة، فيكتم في داخله تأوهات قلبه وتنهداته وشكواه.
* عندما فكرت متأملًا خطاياي، لم أجسر أن أرفع عينيَّ إلى السماء، لأن الله يقول للشرير: "ما لك تُحدث بفرائضي؟" (مز ٥٠: ١٦). لهذا صرت مفلوجًا، إنني خائف، لا أستطيع أن أنطق بكلمة[14].
القديس چيروم
* قبلما ينتبه حراس الليل إلى نوبتهم كنت أنا أسبقهم، وكانت عيناي مفتوحتين، ولا يأخذني نوم من كثرة الأفكار الشديدة التي كانت تقلقني، لكن لم أكن أبرزها من فمي.
الأب أنثيموس الأورشليمي
جاءت الترجمة السبعينية: "وضع جميع أعدائي حراسًا ضدي، قلقت ولم أتكلم" إذ وضع الأعداء حراسًا ضد المرتل لم يستطع أن ينم طوال الليل، فكانت عيناه مفتوحتين بسبب كثرة الأفكار التي كانت تزعجه، هذه التي لم يستطع أن ينطق بها.
* "وضع جميع أعدائي حراسًا ضدي". لقد تفوقوا في وضع حراسة ضدي، أسرعوا ووضعوا حراسة مسبِّقة ضدي. أي موضع لم يضعوا فيه مصائد ضدي؟ ألم يسبق ويضع أعدائي حراسًا؟ من هم هؤلاء الأعداء إلا الذين يقول عنهم الرسول: "فإن مصارعتنا ليست مع دمٍ ولحمٍ" (أف 4: 12)... إننا نحمل عداوة ضد إبليس وملائكته. يدعوهم "ولاة العالم"، لأنهم يحكمون الذين هم محبين للعالم. أنهم لا يحكمون العالم كما لو كانوا ولاة السماء والأرض، بل خطاة العالم... لا يوجد انسجام بيننا وبين إبليس وملائكته. إنهم يحقدون علينا من أجل ملكوت السماء. لا يمكن أن يرضوا علينا، لأن "جميع أعدائي يسبقون فيضعون حراسًا ضدي". إنهم يراقبونني لكي يخدعوني أكثر من حراستي أنا لنفسي[15].
القديس أغسطينوس
أمام هذا الموقف الخطير يقف في قلقٍ، ولا يعرف المرتل بماذا ينطق.
تَفَكَّرْتُ فِي أَيَّامِ القِدَمِ،
السِنِينَ الدَهْرِيَّةِ [5].
إذ يتطلع المرتل إلى مقاومة الأعداء له حتى في الليل، حيث يقيموا حراسًا ضده، تضطرب نفسه. لكن إذ يفكر في معاملات الله معه في الماضي، وخطته الأزلية لخلاصه تترنم نفسه وتتهلل.
سبق فكشف المرتل عن حاله، فقد كبت في داخله المرارة، وعجز لسانه عن الكلام، لكن تحول بتنهدات قلبه إلى صرخات داخلية إلى ذاك الذي يسمع لغة القلب، وانطلق فكره إلى معاملات الله السابقة، فتحول قلبه من المرارة المكبوتة وإلى بهجة لا يُعبر عنها، وتهليل لا يستطيع اللسان أن ينطق به.
يرىالقديس أغسطينوس أن المرتل صار كمن قد ضُرب خارج الأبواب، فالتجأ إلى أعماقه الداخلية لقلبه، ليهرب من المصائد التي نصبها له الأعداء في الخارج، وذلك بتفكير في أيام القدم. لقد صمت ولم يقدر أن ينطق بكلمة أمام هول مقاومة الأعداء، فالتجأ إلى التفكير في هدوء داخل قلبه. [لقد وثب إلى تلك السنوات (القديمة)، لا بثرثرة الكلام في الخارج، بل بالسكون في الفكر[16].]
ما هي أيام الأزل الأولى التي في ذهن المرتل، يفكر فيها على الدوام؟ يجيب العلامة أوريجينوس إنه الإنجيل الأزلي أو خطة الله الأزلية لخلاصنا. فالله مشغول بخلاصنا منذ الأزل. هذه هي البشارة الأزلية (رؤ 14: 6) التي يبشر بها ملاك الساكنين على الأرض. [هذا الإنجيل سيُعلن عندما يُبتلع الموت وتُرد الأبدية. يبدو أن هذه السنوات السرمدية التي تحدَّث عنها النبي تخص هذا الإنجيل الأبدي. "تفكرت في السنوات السرمدية" (مز 77: 5)[17].]
يرى الأب أنثيموس الأورشليمي أن المرتل يتذكر معاملات الله مع شعبه في الماضي، مثل خروج الشعب من مصر، ورعايته لهم في البرية، واهتمامه بهم في أرض الموعد. فإذ نذكر معاملاته نمتلئ رجاءً في رحمته ورأفته ورعايته.
أَذْكُرُ تَرَنُّمِي فِي اللَيْلِ.
مَعَ قَلْبِي أُنَاجِي وَرُوحِي تَبْحَثُ [6].
ليس من وجه للمقارنة بين مقاومة الأعداء له ليلًا ونهارًا وبين رعاية الله له واهتمامه به. فإن المرتل يتفرغ في فحص أعماقه والبحث عن عناية الله به.
تحولت أحزان المرتل ومراثيه إلى أغانٍ داخليةٍ وفرحٍ مجيدٍ، فقد أدرك لماذا سمح الله له بالضيق، واختبر حنو الله وسط الآلام، وامتلأت نفسه بالرجاء في خلاص الله المجيد.
يرى القديس چيروم أن المرتل لا ينشغل بأحدٍ أو بشيء ما في الليل سوى بالله ومعاملاته معه.
* لقد بدأ يثرثر في داخله وهو في أمان، حيث يوجد وحده في السرّ، إنه يفكر في السنوات الأزلية[18].
القديس أغسطينوس
* إنني لست أنشغل بغضبي على عدوي، فإن كل مسرتي هي في الله. الليل عادة هو وقت للراحة أو للشهوة، أما بالنسبة لي فهو وقت التأمل بعمقٍ على الفضيلة... إنني مثل من يحفر حقلًا ليغرس بذار تعاليم الرب[19].
القديس چيروم
* تصدر الأفكار من ذواتنا، إذ بطبيعتنا نتذكر ما نفعله أو فعلناه أو سمعناه. ويقول عن ذلك الطوباوي داود: "تفكرت في أيام القدم السنين الدهرية. أذكرُ ترنميْ في الليل. مع قلبي أناجي وروحي تبحث" (مز 77: 5-6). مرة أخرى يقول: "الرب يعرف أفكار الإنسان أنها باطلة" (مز 94: 11)، "أفكار الصدّيقين عدل..." (أم 12: 5). وفي الإنجيل يقول الرب للفريسيين: "لماذا تفكرون بالشرّ في قلوبكم؟!" (مت 9: 4) [20]
الأب موسى
هَلْ إِلَى الدُهُورِ يَرْفُضُ الرَبُّ،
وَلاَ يَعُودُ لِلرِضَا بَعْدُ؟ [7]
يظن الإنسان في وسط متاعبه كأن الله رفضه ولا يُسر به، لكن هل يبقى الله الكلي الحب والرحمة رافضًا إياه، ولا يعود يُسر به؟ مستحيل! فإنه ينتظره ليحتضنه، ويدخل به إلى الأمجاد السماوية.
* إذ ضاقت به هذه الحياة جدًا، فكر بالأكثر في حياة أخرى حيث لا توجد فيها محنة. متى يمكنه أن يبلغ إليها؟ لا يمكن بلوغها ما لم ندرك أن متاعبنا هنا هي من غضب الله. هذا ما يتحدث عنه بإشعياء: "لأني لا أخاصم إلى الأبد، ولا أغضب إلى الدهر" (إش 57: 16)... هل غضب الله يدوم هذا ما اكتشفه (المرتل) في صمته... "هل انقطعت رحمته إلى دورٍ فدور؟" (8 LXX)[21]
القديس أغسطينوس
هَلِ انْتَهَتْ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتُهُ؟
هَلِ انْقَطَعَتْ كَلِمَتُهُ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ؟ [8].
يليق بنا ألا يغطي اليأس أعيننا، فإن مراحم الله لانهائية، ووعوده تبقى من دور إلى دور، فهو أمين بالرغم من عدم أمانتنا.
هَلْ نَسِيَ اللهُ رَأْفَةً،
أَوْ قَفَصَ بِرِجْزِهِ مَرَاحِمَهُ؟ سِلاَهْ [9].
عدم أمانتنا لا تُنسي الله رأفته، فإنه وإن غضب بسبب خطايانا لن ينزع مراحمه عنه، فهو رحوم ومحب للبشر.
للقديس أمبروسيوستعليق رائع عن طبيعة الله المملوءة رحمة وحبًا، الأمر الذي يكشفه قوله: " فكل من يعترف بي قدام الناس... ولكن من ينكرني قدام الناس..." ، فبقوله "كل" للذين يمجدهم أبديًا وعدم ذكر هذه الكلمة في حديثه عن الذين يحرمون أنفسهم من المجد الأبدي، يكشف عن اشتياق الرب إلى تمجيد البشرية وحزنه على الساقطين منهم.
* إن كان حديثنا السابق يكشف عن ميل ربنا يسوع إلى الرحمة، فلنتركه أيضًا يحدِّثنا بنفسه، فإنَّه عندما قال: "فَكُلُّ مَنْ يَعْتَرِفُ بِي قدَّام الناس أعترفُ أَنَا أيضًا بِهِ قدَّام أَبِي الذي فِي السماوات" (مت ١٠: ٣٢-٣٣).
عندما تكلَّم عن المعترفين به قال: "كل من"، أمَّا عن حديثه عن حالة الإنكار فلم يذكر كلمة "كل"... ففي حالة المكافأة المفيدة وعد به جميع المعترفين به، أمَّا عند العقاب فلم يهدَّد الكل...
هذا لم يكتبه إنجيل الرب يسوع المسيح الذي سجَّله متَّى فقط، بل وما سجَّله لوقا أيضًا (١٢: ٨-٩) حتى نتأكَّد أن ما كتب لم يكن بمحض الصدفة.
لنتأمَّل الآن معنى قوله: "كل من يعترف بي قدَّام الناس". إنه يقصد من يعترف به أيَّا كان عمره، وأيًا كان حاله، دون أي استثناء. أمَّا في الإنكار فلم تذكر عبارة مشابهة.
يقول داود النبي: "هل إلى الدهور يرفض الرب؟! هل انتهت إلى الأبد رحمته؟! هل نسى الله رأفة أو قَفَصَ بِرِجْزِهِ مَرَاحِمَهُ؟!" (مز ٧٧: ٧-٩). هذا هو ما يعلنه لنا النبي بينما يصر أولئك على إنكار مراحم الله؟!
القديس أمبروسيوس
فَقُلْتُ: هَذَا مَا يُعِلنِّي:
تَغَيُّرُ يَمِينِ العَلِيِّ [10].
جاءت الترجمة السبعينية: "فقلت الآن ابتدأت. هذا هو تغير يمين العلي". بعد أن أدرك المرتل أن الله كلى الرحمة، وإن لم يُسر بالإنسان بسبب خطيته، لكنه لا ينسى وعوده الإلهية بالخلاص ورحمته اللانهائية ورأفته، لذا يترنم المرتل: "فقلت الآن ابتدأت". قد صار كمن له بداية جديدة، إذ أدرك أن كلمة الله أو يمين العلي يصير إنسانًا لأجله. ذاك الذي هو غير المتغير يتأنس ويأخذ شكل العبد ليخلصه.
لم يتغير كلمة الله من جهة لاهوته، لكنه نزل إلينا لكي يجدد طبيعتنا، ويقيمنا من فسادنا إلى عدم الفساد، ومن الهوان إلى الأمجاد الفائقة.
* "فقلت الآن ابتدأت. هذا هو تغيير يمين العلي" (الترجمة السبعينية وأيضًا القبطية). الآن يمين العلي بدأت تغيرني. الآن بدأت شيئًا فيه أكون في أمان. الآن أدخل قصر الأفراح الذي فيه لا يصير خوف من عدو. الآن ابتدأت أن أكون في تلك المنطقة التي لا يضع فيها جميع أعدائي حراسًا ضدي![22]
القديس أغسطينوس
* "تغيَّر يمين العليّ" [ع١٠]. ما لم تتغير يمين العليّ، أي الابن، ويأخذ ناسوت الإنسان، لا نستطيع أن نتقبل رحمته[23].
القديس چيروم
* يعلن النبي: "هذا هو تغيُّر يمين العليّ" (مز ٧٧: ١٠LXX )، مشيرًا إلى أنه بالرغم من أن الطبيعة الإلهية يمكن التأمل في عدم تغيرها، فإنه بتنازله إلى ضعف الطبيعة البشرية تغيرت إلى شكلنا.
عندما امتدت يد واهب الناموس من حضنه تغير إلى تغيير غير طبيعي؛ وعندما أعادها إلى حضنه عادت إلى جمال طبيعته الطبيعي.
مرة أخرى فإن ابن الله الوحيد الذي في حضن الآب هو يمين العلي[24].
القديس غريغوريوس النيسي
* يمين الله هذه غيرت الأمم أيضًا، ونقلتهم من الضلالة الخبيثة إلى ما هو أفضل. فلأجل هذا إذا رأينا تحويل الشأن من الشر إلى الخير. نقول هذا تغيير يمين العلي.
الأب أنثيموس الأورشليمي
مزمور 77 - تفسير سفر المزامير - تذكر أعمال الله الخلاصية
٢. راحة المرتل

يتطلع المرتل إلى ماضيه، فماذا يعني التاريخ بالنسبة له؟ إنه قصة رأفات الله وأمانته وقدرته وأبوته له.
الله قدوس، يسكن في نورٍ لا يُدنى منه. مُرهب لمن يدخل معه في عداوة، وعجيب في حنوّه مع من يدخل معه في صداقة. علاقته مع الشعب أعظم من أن تكون علاقة صداقة، إنه شعبه، يدخل معه في عهدٍ، ويحسبهم أقرباء له أو أسرته.
اُذْكُرُ أَعْمَالَ الرَبِّ،
إِذْ أَتَذَكَّرُ عَجَائِبَكَ مُنْذُ القِدَم [11].
يكمن عزاء المؤمنين وسط متاعبهم الكثيرة في تذكر أعمال الله عبر التاريخ وعجائبه منذ خلق الإنسان وتبقى إلى اللقاء معه على السحاب. سرّ عزائهم أعماله العجيبة ووعوده الفائقة.
* لنسمع الآن تلك الأعمال عينها ونتهلل. بل لنثب فوق ميولنا ولا نفرح بالأمور الزمنية... لماذا لا نفرح بأعمال الله؟ لنسمع مثل هذا النوع، ولنبتهج بذاك المتكلم (الله)، حتى متى رحلنا من هنا نمارس ما اعتدنا على ممارسته عندما كان يتكلم، وذلك فقط إن بدأنا هذا مع ذاك الذي يتكلم... أن تبتهج بأعمال الله هو أن تنسى حتى نفسك، مادمت تبتهج به وحده. فإنه أي شيء أفضل منه؟[25]
القديس أغسطينوس
* "اُذكر أعمال الرب": أعماله العجيبة مع موسى، الأعمال التي صنعها ما قديسيه... فإنه بالتأمل في حنو لطفك الذي تظهره لقديسيك لا أعود بعد بلا رجاء[26].
القديس چيروم
* تذكر النبي هنا قد الله أعمالًا وعجائب وصنائع. فالأعمال هي خلائقه التي اخترعها من العدم إلى الوجود. وأما عجائبه منها عامة ومنها خاصة. فالعامة مثل عمله الإنسان من التراب حيوانًا ناطقًا، والأعجب من هذا أنه صنعه على صورته ومثاله، أعنى أن يكون رئيسًا على ما دونه وما أ شبه ذلك.
وأما خاصته فهي العجائب التي صنعها في مصر وفي برية سيناء وما شاكلها. وأما صنائعه من الأنواع التي دبرها لأجل إصلاح الإنسان وخلاصه. وهي التأديبات التي أتى بها ليرجعه إلى التوبة باشتراعه عليه نواميس.
الأب أنثيموس الأورشليمي
وَأَلهَجُ بِجَمِيعِ أَفْعَالِكَ،
وَبِصَنَائِعِكَ أُنَاجِي [12].
اَللهُمَّ فِي الْقُدْسِ طَرِيقُكَ.
أَيُّ إِلَهٍ عَظِيمٌ مِثْلُ اللهِ! [13].
بعد أن لهج المرتل المتألم في مراحم الله الأزلية ورأفته التي لن تفرغ، انشغل بأعماله العجيبة مع الإنسان منذ خلقته، والآن يدخل إلى أعماق نفسه ليرى غاية هذا كله، وهو أن يقيم من أعماقه هيكلًا مقدسًَا له. تصير نفسه مقدسًا للرب، وطريقًا يعبر من الأرض إلى السماء. هذه هي أعظم أعجوبة، أن يقيم الله من قلوبنا سماءً أو ملكوتًا لله، ويشكلنا لنصير على شبه الملائكة. هذا ما تغنى به القديس يوحنا الذهبي الفم مرات ومرات، وكأنه ليس ما يشغله شيء في كل حياته سوى أن يرى بالمسيح يسوع تحولت الأرض إلى شبه سماء، والبشر إلى شبه ملائكة.
* ما هو طريق الله؟ "أنا هو الطريق والحق والحياة" إنه المخلص القائل بهذا. لهذا فإن الطريق هو ابن الله. طريق الله يوجد فقط في الإنسان المقدس. إن أردنا أن يسكن المسيح فينا، فلنكن قديسين، لأن طريق الله هو القداسة[27].
القديس چيروم
* قوله : "في القدس طريقك"، أي شريعتك التي أعطيتها لنا في قدسك، الذي هو جبل سيناء، وهناك عرفنا طريقك. أي الاستنارة بسننك وبما صنعته من العجائب.
الأب أنثيموس الأورشليمي
أَنْتَ الإِلَهُ الصَانِعُ العَجَائِبَ.
عَرَّفْتَ بَيْنَ الشُعُوبِ قُوَّتَكَ [14].
هذا العمل العجيب لا يخص شعبًا معينًا بل: "عرفت بين الشعوب قوتك " لقد دُعي كل الأمم لتتمتع بالعضوية الكنسية واختبار قوة خلاصه وعمل صليبه الفائق.
* يوجد آلهة بالنعمة، أما أنت فالله بالطبيعة. أنت هو الله الصانع العجائب. لم يقل المرتل: "الذي صنع"، بل "الصانع". ففي كل يوم يصنع الله عجائب...[28]
القديس چيروم
* عرف المصريون قوتك. لم يقل: "عرف الشعب قوتك" بل "الشعوب"، لأن عجائب الله في ذلك الحين قد عرفت قوة الله للمصريين والإسرائيليين. إن قوة كانت تخرج منه، وتشفي جميعهم، وذاق الموت عن الكل، وسكب دمه الكريم ليفدي كافة الشعوب من تصرفهم الباطل الذي تقلدوه من آبائهم كما كتب بطرس الرسول.
الأب أنثيموس الأورشليمي
* بالحق أنت هو الله العظيم، الصانع عجائب في الجسد وفي النفس، أنت وحدك الصانع هذه. الصم يسمعون والعميان يبصرون، والضعفاء يشفون، والأموات يقومون، والشُل يتقوون. لكن هذه العجائب كانت في ذلك الوقت تتم في الأجساد. هلم ننظر تلك التي تتم في النفس. صار الذين منذ قليل سكارى عقلاء. والذين كانوا منذ قليل عبدة أوثان صاروا مؤمنين. والذين كانوا قبلًا يسلبون الآخرين صاروا يعطون الفقراء[29]
القديس أغسطينوس
فَكَكْتَ بِذِرَاعِكَ شَعْبَكَ،
بَنِي يَعْقُوبَ وَيُوسُفَ. سِلاَهْ [15].
يرى بعض الآباء أن يعقوب هنا يشير إلى اليهود أو إسرائيل القديم، ويوسف يشير إلى الأمم، فقد وُهب ذراع الرب أو كلمة الله المتجسد الحرية أو الحل من رباطات الخطية، ليصير الكل في حرية مجد أولاد الله .
يرى القديس أغسطينوس أن بذراع الله أي بقوته تحرر اليهود والأمم، والتحم الاثنان معًا بواسطة حجر الزاوية (أف 2: 20) حيث ارتبط الحائطان معًا.
* أعتقت بقدرتك شعبك من عبودية مصر، أعنى بهم الذين ولدوا من سلالة يعقوب، وارتفع شأنهم من يوسف. وأيضًا نقول إن ابن الله الوحيد كما يدعى يمين الله كذلك يدعى ذراعه، وأما يوسف فمعناه "إضافة الله". فإذًا يكون قول النبي: "بذراعك" يا الله، أي بابنك أنقذت شعبك المتآلف من بني يعقوب، أي من أهل الختان، ومن بني يوسف، أي من الأمم الذين هم إضافة الله لشعب إسرائيل.
الأب أنثيموس الأورشليمي
مزمور 77 - تفسير سفر المزامير - تذكر أعمال الله الخلاصية
٣. طريق الله في البحر
الله القدير، خالق الطبيعة والمعتني بها، ضابط الكل، وطريقه في البحر.
أَبْصَرَتْكَ المِيَاهُ يَا اللهُ،
أَبْصَرَتْكَ المِيَاهُ فَفَزِعَتْ.
ارْتَعَدَتْ أَيْضًا اللُجَجُ [16].
إن كانت مياه بحر سوف وأيضًا مياه الأردن قد ارتعبت وفزعت أمام الله مخلص شعبه، فاستطاع الشعب قديمًا أن يعبر إلى برية سيناء ثم إلى كنعان، ففي العهد الجديد ترتعد مياه المعمودية أمام عمل السيد المسيح الذي يعبر بالبشرية من العبودية لإبليس إلى حرية مجد الله.
يرى القديس أغسطينوس أن المياه تشير إلى الشعوب كما جاء في سفر الرؤيا 17: 15، وإن إلى اللجج إلى ضمير الإنسان، الذي يرتعد حين يعترف الشخص.
* عندما عبر الشعب البحر الأحمر، ونهر الأردن، تعرفت المياه على خالقها، أما الشعب فلم يعرف...
"أبصرتك المياه يا الله" أيَّة مياه؟ العقول النقية والقلوب الطاهرة. "أبصرتك المياه ففزعت". لقد خافت، لا عن كراهية، بل خلال الإيمان. "اللجج (الأعماق عينها) ارتعدت"[30].
القديس چيروم
* مياه البحر الأحمر حين خروج بني إسرائيل من مصر، ومياه الأردن حين عبورهم إلى أرض الموعد وقت جريانها، لأنها بقدرة الله امتنعت وقد صورها النبي كأنها ذات حساسية، شعرت بالله لأنه كان مقدم جيوشهم، فقال: أبصرت المياه الله ففزعت. وكأنها جمدت من خوفها، واضطربت أيضًا لججها عندما هبّ ريح عاصف.
الأب أنثيموس الأورشليمي
سَكَبَتِ الغُيُومُ مِيَاهًا.
أَعْطَتِ السُحُبُ صَوْتًا.
أَيْضًا سِهَامُكَ طَارَتْ [17].
يرى الأب أنثيموس الأورشليمي أن السحب (الغيوم) هنا تشير إلى الرسل القديسين الذين أعطوا صوت مناداتهم بالإنجيل المقدس حتى خرج منطقهم في كل الأرض.
* كل هؤلاء الملائكة الذين يرافقوننا طوال حياتنا على الأرض، إما أنهم يفرحون لنا، أو ينوحون عندما نخطئ.
يقول إرميا إن الأرض تنوح بسبب الساكنين فيها: ويقصد بكلمة "أرض" أي الملاك الساكن فيها، فإنه أيضًا قيل: "أما الخشب المصنوع صنمًا فملعون هو وصانعه" (حك 14: 8)، ليس أن اللعنة تقع على الشيء الجامد نفسه، وإنما يقصد بكلمة "صنمًا" أي الشيطان الساكن فيه، والذي يتخذ من "الصنم" اسمًا له. وبنفس الطريقة أستطيع أن أقول إن "الأرض" يقصد بها الملاك المسئول عن الأرض، و"الماء" الملاك المسئول عن الماء، والذي كتب عنه: "أبصَرَتَك المياه يا الله، أبصرتك المياه ففزعت. ارتعدت أيضًا اللجج. سكبت الغيوم مياهًا، أعطت السحب صوتًا. أيضًا سهامك طارت" (مز 77: 16-17)[31].
العلامة أوريجينوس
* "أعطت السحب صوتها". السحب أو الأنبياء الذين كانوا صامتين بالنسبة لليهود صاروا متحدثين معنا. "أعطت السحب صوتها، أيضًا سهامك طارت". انتشرت الكرازة بكلمة المسيح في كل العالم.
"صوت رعدك في الزوبعة (العجلة)". الصوت ملوكي، لأن التعليم سامي.
لنتحدث الآن على وجه الخصوص عن الإنسان الداخلي. فإن العجلة كما تعرفون تستقر على الأرض بأساس بسيط للغاية، فهي تدور دومًا ولا تستقر. لا تقف إنما تلمس الأرض وتعبر.
من يسرع إلى الأمور العلوية يحمل في نفسه كلمتك.
القديس چيروم
صَوْتُ رَعْدِكَ فِي الزَوْبَعَةِ.
البُرُوقُ أَضَاءَتِ المَسْكُونَةَ.
ارْتَعَدَتْ وَرَجَفَتِ الأَرْضُ [18].
يرى المؤرخ اليهودي يوسيفوس أنه ما أن دخل جيش فرعون بحر سوف حتى اندفعت المياه عليهم، وانهارت سيول أمطار من السماء، وحدثت بروق ورعود، وحلت الظلمة عليهم.
صورة خطيرة أن يصير الموضع الذي للخلاص العجيب للمؤمنين هو بعينه موضع الدمار الرهيب للأشرار.
تحمل هذه الصورة رمزًا لما يحدث في المعمودية، حيث تتهلل الطغمات السمائية بالمعمدين حديثًا لتمتعهم بالبنوة لله، وتترضض رؤوس إبليس التنين، ويفقد سلطانه عليهم.
يرى القديس أغسطينوس أن صوت الرعد في الزوبعة يشير إلى صوت الوصية الإلهية التي ترعد في ضمير الإنسان، وأما البروق فهي تضيء كالبرق في أعماقنا.
فِي الْبَحْرِ طَرِيقُكَ،
وَسُبُلُكَ فِي الْمِيَاهِ الكَثِيرَةِ،
وَآثَارُكَ لَمْ تُعْرَفْ [19].
قاد الله شعبه في وسط البحر وسط المياه على الجانبين وفي طريق لم تعبر عليه قدم إنسان من قبل. خلاص الله على الدوام فريد وفائق لا يقدر الفكر أن يحصره أو يدركه.
يرى القديس أغسطينوس أن الأمم جميعًا تشبه البحر، مياهه مالحة ومرة، وعواصفه وتياراته لا تنقطع. طريق الله الذي في قدسه [13] هو في البحر، إذ نزل المسيا القدوس إلى العالم وبشرّ الأمم وصار طريقه وسط الشعوب، ومع هذا فإن اليهود لم يؤمنوا به، وكأنهم لم يعرفوا آثاره. يقولون إن المسيا لم يأتِ بعد، لأنهم لم يعرفوا أنه يمشي على البحر.
* كما لا يستطيع المرء أن يرى أثرًا على المياه لإنسانٍ أو لمركبٍ ولأولئك الذين يسبحون فيها، هكذا لا يستطيع أن يفهم المرء الطرق الإلهية فائقة الوصف[32].
القديس كيرلس الكبير
* من كان قادرًا أن يسير على البحر لو لم يكن خالق المسكونة؟ إنه بالحق تحدث عنه الروح القدس منذ زمن طويل خلال الطوباوي أيوب: "الباسط السماوات وحده، والماشي على أعالي البحار" (أي 9: 8). وتحدث عنه سليمان في شخص الحكمة: "سكنت في الأماكن العالية، وعرشه كان على عمود السحاب، وأسير في الجو السماوي وحدي، وأمشي على أمواج البحر" (سي 24: 4-5) بالمثل أعلن داود في مزموره: "في البحر طريقك وسبلك في المياه الكثيرة يا الله" (مز 77: 19 LXX)[33].
الأب خروماتوس
هَدَيْتَ شَعْبَكَ كَالْغَنَمِ بِيَدِ مُوسَى وَهَارُونَ [20].
في رعاية الغنم - خاصة في الشرق - يتقدم الراعي الغنم، حتى تسير وراءه في طمأنينة من أي ذئب أو وحش مفترس.
هو القائد الحقيقي الخفي، الذي لن يحرم الإنسان من التمتع بروح القيادة والرعاية، فقد وهب موسى وهارون أن يعملا وسط شعبه بقوته الخفية.
يرى القديس أغسطينوس أن الرب الذي أرسل موسى وهارون لرعاية اليهود وشق لهم البحر ليسيروا على اليابسة وسط البحر لم يؤمنوا بعد أنه جاء وجعل طريقه وسط الأمم الشعوب الكثيرة.
مزمور 77 - تفسير سفر المزامير - تذكر أعمال الله الخلاصية
من وحي مزمور ٧٧

دخول في ضيق أم تمتع براحة السماء!

* إذ تحل بي ضيقة شديدة للغاية،
تُغلق كل الأبواب أمام وجهي.
أحسب كأنه ليس من أحد في ضيقٍ مثلي،
أحسبك بعيدًا عني، تصب غضبك عليّ.
لكنني أعود فأذكر معاملاتك معي في الماضي، فأتساءل:
هل إلى الدهر ترفضني؟
هل انتهت إلى الأبد رحمتك؟
هل انقطعت كلمات حبك ووعودك إلى دهر الدهور؟
هل نسيتني كل النسيان؟
* سمحتَ لي بالضيق لأتعلم الصراخ إليك.
أصرخ إليك بكل كياني:
لساني وفمي وحنجرتي لا يكفُّون عن التعبير عما في داخلي.
أصرخ إليك بيدي حين تمارسان عملك الصالح.
أصرخ إليك بعينيَّ حيث تتكلمان بلغة الدموع.
أصرخ إليك بقلبي، فأنت وحدك تسمعه وتستجيب له!
* تسبحك نفسي في وسط الضيق.
لقد أبت أن تتعزى بأحدٍ سواك.
وسط الضيق يضيق العالم كله في عيني،
وينسحب قلبي إلى سماواتك ليلتقي بك، يا ملجأ البائسين!
هناك أشترك في بهجة السبت السماوي.
هناك أتمتع بوليمة علوية.
هناك أتعرف على قداستك.
أشتهي ألا أرجع بعد إلى العالم!
مع الرسول بطرس أتوسل: "جيد يا رب أن نكون ههنا!"
لن يكون للعالم بعد سلطان لإغرائي.
ولا للخطية قدرة أن تنصب الشباك لي في طريقي!
لأنك أنت أيها القدوس هو الطريق!
* أراك يا ابن الله الوحيد يمين الآب كأنك قد تغيرت،
مع أنك أنت هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد.
صرت من أجلي بالحقيقة إنسانًا،
لكنك تبقى واحدًا مساويًا مع أبيك!
تجسُّدك رفعني إليك،
فانعم بالشركة معك بروحك القدوس.
واتحد مع الآب أبيك، واستقر في أحضانه!
* أقف في عجبٍ أمام أعمالك الفائقة يا صانع العجائب.
كنت قائدًا لشعبك لينعموا بالحياة المقدسة.
وها قد أتيت إلينا الطريق والحق والحياة،
صرتَ لنا برًا وفداءً وقداسةً!
* عبرت بشعبك البحر الأحمر ونهر الأردن.
رأتك المياه ففزعت، واللجج فارتعدت.
الآن ارتعدت أمامك كل الشعوب وآمنت بك يا مخلص العالم.
في القديم أعطت السحب صوتًا،
والآن يسمع العالم أصوات السحب، أنبيائك!
هوذا صوت الكرازة بإنجيلك يرعد في كل المسكونة!
* إنجيلك فرَّح القلوب،
وحوّل العالم من وادٍ للدموع إلى رحلة سماوية مبهجة.
أعمالك حولت حياتنا إلى عربون السماء!
لم يعد للضيق أن يحطم نفوسنا،
إنما هو هبة رائعة خلالها نلتقي بك يا مخلص النفوس!
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
مزمور 77 | تذكر أعمال الله الخلاصية
مزمور 66 | تذكر أعماله الخلاصية
تفسير سفر المزامير - مزمور 4 -الله برّي
مزمور 62 - تفسير سفر المزامير - الاتكال على الله
مزمور 4 - تفسير سفر المزامير الله برّي


الساعة الآن 10:09 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024