حياة الفضيلة تتبرهن بالاختبارات
لابد من اختبارات يجتازها كل شخص لكي يثبت أنه فاضل بالحقيقة إن نجح في تلك الاختبارات التي تقيم بها شخصيته، وتتحد بها ابديته، ودرجته في تلك الأبدية.
قد تكون فترة الاختبار قصيرة بالنسبة إلي البعض:
يوحنا المعمدان مثلًا، ربما خدمته كانت حوالي سنة أو ربما أزيد قليلًا، ولكنه عبر فيها عن نجاح هائل في الخدمة، وتواضع وإنكار ذات، وشجاعة.. وقد إكتفي الله بقترة الاختبار القصيرة هذه، واخذه إليه وهو في سن الثانية والثلاثين تقريبًا.
نفس الوضع بالنسبة إلي فترة اختبار القديسين مكسيموس ودوماديوس، الذين انتقلا إلي الفردوس في شبابهما. وكذلك القديس ميصائيل السائح الذي وصل إلي درجة السياحة، وهو في حوالي الخامسة عشرة من عمره.
كانت فترة اختبار قصيرة، ولكنها كافية..
كافية للتعبير عن نوعية الشخصية، وروحانيتها، وجهادها، ومدي المحبة الكائنة في القلب من نحو الله..
أيتساءل أحد ويقول: لماذا يا رب تأخذ مثل هذه النفوس الطاهرة، في هذه السن المبكرة؟ فيجيب الرب: لقد نجحوا في اختبارهم، ويكفي هذه الجهاد..
بالمثل الاختبار الذي تم بالنسبة إلي بعض الشهداء والمعترفين.
لقد تم اختبار إيمانهم، وثباتهم فيه، واحتمالهم من أجله.. ربما في ايام أو شهور.. وكان ذلك يكفي، إنتقلوا بعده إلي الفردوس.
علي أنه بصفة عامة، نقول بالنسبة إلي اختبار الناس:
إنه تؤخذ الحياة كلها للاختبار، وليست مجرد فترة منها.
لأن البعض قد تمر عليه فترة ضعف مثلًا، ولكنها لا تدل علي طبيعة حياته كلها، وإنما هي فترة فتور أو سقوط، استقام بعدها ونما في النعمة. وربما تكون فترة البداية سيئة، مثل أوغسطينوس أو موسى الأسود أو مريم القبطية، ولكن تدخل التوبة وتغير مجرد الحياة كلها.. ذلك قال الرسول:
"أنظروا إلي نهاية سيرتهم، فتمثلوا بإيمانهم" (عب7:13).
إن الله يأخذ الحياة في جملتها، وبخاصة في نهايتها. لأنه في اختبار الإنسان يعطيه فرصة لتصحيح، أو فترة للنمو. ولا يأخذه فجأة في ساعة ضعف طارئة..!
وكل إنسان إجتاز الاختبار بما في تلك ذلك أبوانا الأولان.
اختبرهما الله بوصية تبدو بسيطة.. إنهما لا يأكلاون من ثمرة معينة. وهذه الوصية تبين مدي طاعة الإنسان، ومدي التزامه بالوصية، ونوعية القلب أمام الإغراءات والشهوة والحروب الخارجية..
المهم ليس في نوع الاختبار، غنما في موقف الإنسان منه.
آدم وحواء اختبر بالامتناع عن ثمرة، أمام أبونا إبراهيم فكان اختباره أصعب. أن يترك أهله وعشيرته وبين أبيه، ويخرج "وهو لا يعلم أين يذهب" (عب8:11). وكان الاختبار ألصعب من ذلك لطاعة أبينا إبراهيم هو تقديم ابنه محرقة للرب (تك22: 1، 2).
يوسف الصديق وداود اختبرا بالنساء.
واحد منهما كان أعزب، وضغطت عليه الحرب من الخارج بشدة، ومع ذلك نجح في الاختبار. والثاني كان متزوجًا وله عدد كبير من الزيجات، ومع ذلك فشل، وأضاف إلي خطيته مع المرأة خطايا أخري تبعت ذلك.
ولعل البعض يتساءل: لماذا سمح الله أن يدخل داود في اختبار يعرف مقدمًا أنه سوف يفشل فيه.
نقول إن هذا السقوط، كان سببًا لانسحاق داود واتضاعه.
حيث بكي طول عمره بسبب هذه السقطة، وبلل فراشه بدموعه (مز6) واتضع بسببها كثيرًا، وانتفع روحيًا.
ونقول أيضًا إن الله لم يجرب داود بذلك.
وكما يقول القديس يعقوب الرسول "لا يقل أحد إذا جرب: إني أجرب من قبل الله ولكن كل واحد يجرب إذا انجذب وانخدع من شهوته.." (يع14:13).
وكذلك بم يجرب الله يوسف بامرأة فوطيفار، إنما شر هذه المرأة كان اختبارًا له...
غن ظروفًا معينه تحدث في حياة إنسان، تكون اختبار له.
وقد يأتي الاختبار من حسد الشياطين وحيلهم.
وحدث ذلك في قصة أيوب الصديق، حينما اشتكي عليه الشيطان، وطلب أن يقع في بيديه، مدعيًا إن زالت نعمة الله عنه "فإنه في وجهه يجدف عليه" (أي11:1). وما أكثر الاختبارات التي يقع فيها الإنسان لحروب الشياطين ومؤامراتهم.
وقد يأتي الاختبار بسبب مضايقات من البشر.
برما تعيش امرأة مع زوج قاس متعب، وتصرخ إلي الله "يا رب لماذا تتركه يتعبني هكذا؟! وقد تكون إجابة الرب "مثل هذا الزوج هو اختبار لاحتمالك.. وإن نجحت في الاحتمال، أما تكسبين الزوج، أو علي الأقل تنالين أكاليل..
والأكاليل هي أحدي منافع الاختبارات..
وعلي راي أحد القديسين، الذي قال "لا يكلل إنسان إلا إذا انتصر. ولا ينتصر إلا الذي حارب"...
نفس الوضع نقوله بالنسبة للتلميذ أو طالب العلم، توضع له اختبارات. وهذه تبين نوع عقليته وذاكرته وجهده في تحصيل العلم. وبناء عليه يكافأ بالنجاح أو التفوق.. وفي كل نواحي الحياة ومجالات العمل، نجد اختبارات لكفاءة الإنسان ومقدرته...
وفي السماء يأخذ الإنسان الأكاليل المعدة للغالبين.
كما ورد ذلك في رسالة من رسائل الرب إلي الكنائس السبع. وقد سجل ذلك في سفر الرؤيا (رو3:2).
والاختبارات هي تقييم لحياة الإنسان وعمله وروحياته.
تبين صلابته أو ليونته، قوته أو ضعفه.. فإن فشل ينطبق عليه قول الوحي الإلهي "وزنت بالموازين فوجدت ناقصًا" (دا27:5). وهذا واضح في مثل البيتين..
البيت المبني علي الصخر، اختبرت صلابته الرياح والأمطار.
هبت كلها عليه فلم يتزعزع، وظل ثابتًا بعكس البيت المبني علي الرمل. لما صدمته الرياح وسقط عليه الأمطار، سقط وكان سقوطه عظيمًا.. هذه الرياح والأمطار كانت اختبار للبيت.. أظهرته علي حقيقته.
والله يعرف حقيقتنا دون أن يختبرنا...
فلماذا الاختبار إذن؟ وما حكمته؟
علي الأقل؟، بهذا الاختبار يعرف الإنسان ذاته، وأن سقط يعرف ضعفه. وإن عوقب لا يشتكي علي عدل الله. وإنما يقول مع اللص اليمين "نحن بعدل جوزينا" (لو41:23). وأيضًا إذا عرف ضعفه، يتضع ويحترس ويدقق فيما بعد...
وقد يكون اختبار الشخص الناجح درسًا لغيره.
إن الله كان يعرف قدرة أيوب احتمال الاختبار. فسمح بذلك لكي يعطي به درسًا للأجيال به نطوِّب الصابرين (يع11:5). وكان السيد المسيح يعرف تمامًا قدرة المرأة الكنعانية علي سماع كله صعبة (مت26:15). وأنها ستنجح في الاختبار، فسمح بذلك، وقال لها بعد إجابتها المنسحقة "عظيم هو إيمانك "وصارت بإجابتها درسًا لنا.
طرق للاختبار
1) قد يختبر الإنسان بنقطة ضعف فيه:
الشاب الغني كان يحفظ الوصايا منذ حداثته، وكان يشتاق إلي الحياة الأبدية ويسعي إليها،وعلي الرغم هم هذا، كانت فيه نقطة ضعف، وهي محبته للمال. وقد اختبر في هذه النقطة بالذات "اذهب وبع كل مالك وأعطه للفقراء" (مت21:19). فمضي حزينًا، وفضل في الاختبار...
ابحث إذن: ما هي نقطة الضعف التي فيك، التي تسقطك.
2) وقد يختبر الإنسان بأخذ شيء منه:
مثال ذلك أن يطالبك الرب بالعشور وبالبكور، ويري هل تدفع أم لا، وهل تتحايل علي الأمر؟ وهل تعتذر بأسباب؟ علي اقل هل تؤجل؟ وما هو مدي إلتزامك بالوصية.
وقد يختبرك بيوم الرب. هل تحفظه وتعطي وقتك للرب؟
3) وقد يختبر الإنسان بالأمراض:
كما حدث في تجربه ايوب (أي2). وكما حدث بالنسبة إلي بولس الرسول الذي قال "ولئلا أرتفع من فرط الإعلانات، أعطيت شوكة في الجسد، ملاك الشيطان ليلطمني لئلا أرتفع" (2كو7:12).
ويري الله هل الإنسان يحتمل أم لا؟ هل يقبل أم يتذمر؟
4) وقد يختبر الإنسان بعدم استجابة الصلاة.
كما صلي بولس الرسول من أجل أن يخلصه الله من هذه الشوكة التي في الجسد. وقال "إلي الله تضرعت ثلاث مرات "ومع ذلك استبقي الله الشوكة في القديس بولس وقال له "تكفيك نعمتي" (2كو12: 8، 9). ولم يتذمر هذا القديس.
5) وقد يختبر الإنسان بتأخر الله عليه!!
أقصد ما يظنه هذا الإنسان تأخرًا... ويختبر الله هذا الإنسان ماذا يفعل؟ هل يلجأ إلي الطرق البشرية، مثلما لجأت سارة إلي هاجر، لما تأخر حبلها (تك2:16). ومثلما لجأت رفقة إلي حيلة بشرية لخدع إسحق، حتى يمنح البكوريةليعقوب (تك27). أم أن الإنسان لا يتعبه التأخر، ويستمر في اللجاجة، مثلما فعل إيليا النبي، لما صلي من أجل سقوط المطر، فلم يستجيب الرب إلا في الصلاة السابعة (1مل44:18). إذ استمر في صلاته ولم ييأس...
6) وقد يكون الاختبار بالاضطهاد أو سوء المعاملة:
كما اختبرت الكنيسة الاستشهاد الذي استمر من عهد نيرون إلي حكم ديوقلديانوس، أكثر من 250 سنة، بأقصى ألوان التعذيب... وصمدت الكنيسة في هذا الاختبار، ونجحت، فكوفئت بمرسوم ميلان سنة 313.
أما عن سوء المعاملة، فهو اختبار يحدث في محيط المجتمع، أو الأسرة، أو العمل، في جو الرؤساء أو الزملاء. ويري به معدن الإنسان...
7) وقد يكون اختبار إنسان عن طريق العتاب أو الصراحة:
فهناك أشخاص لا يحتملون العقاب ويثورون وينفعلون. وأشخاص لا يحتملون الصراحة، ويعتبرونها اتهامًا أو إهانة. وتظهر طبيعتهم التي كانت تخفيها عبارات المجاملة أو المديح. ولذلك قال أحد أصحاب أيوب له "أن امتحن أحد كلمة معك، هل تستاء؟" (أي2:4).
8) والإغراءات هي اختبار آخر للإنسان:
سواء كانت إغراءات جسدية، أو مالية، أو خاصة بالمناصب والألقاب، أو أية شهوة آخري يتعرض لها الإنسان. والشهداء لم يحاربوا بالتعدي بالتعذيب فقط، وغنما بالإغراءات أيضًا،
9) كذلك فإن النجاح والعظمة هي اختبار للإنسان.
هل يرتفع قلبه إن نجح في حياته؟ وهل يتعالي علي غيره؟ وهل يفقد تواضعه ام يبقي كما هو.. كما قال أحد الأدباء عمن ينجح في هذا الاختبار إنه "يكبر دون أن يتكبر، ويحتفظ بثباته في وثباته.. "
وقد فشلت هاجر في هذا الاختبار. فلما صار لها ولد، بل مجرد حبلت، صغرت مولاتها في عينيها (تك4:16).
10) المواهب أيضًا أختبار للإنسان:
أولًا كيف يستخدمها: هل في الخير أم الشر؟ كالذكاء مثلًا، والجمال والفن.. وثانيًا هل يرتفع قلبه بها؟ كما حدث أن التلاميذ في بعثتهم التبشيرية الولي، فرحوا بإخراج الشياطين، وقالوا للرب "حتى الشياطين تخضع لنا بإسمك" فوبخهم قائلًا "لا تفرحوا بهذا" (لو10: 17، 20).
هل يستخدمونها لبنيان الكنيسة (1كو5:14). لتبشير الأمم الذين لسان آخر.. ام يرونها مجالًا للظهور والافتخار والمجد الباطل.
11) من الاختبارات التي تتعرض لها البشرية التمدي (الـModernism):
فهل في زحمة التهافت علي التجديد، يحتقرون كل ما هو قديم، من غرف وتقاليد، بل من تراث مجيد، ويريدون أن يجدوا كل شيء بتحطيم كل التخم القديمة (أم22: 28). ويدخل (التجديد) حتى في اللاهوتيات والعقائد.
12) يدخل الاختبار أيضًا في المحبة:
وكما اقل القديس يوحنا الرسول "لا نحب بالكلام ولا باللسان، بل بالعمل والحق" (1يو18:3). إن بطرس الرسول قال للسيد المسيح: إن شك فيك الجميع فأنا لا اشك...
ولو اضطررت أن أموت معك لا أنكرك.. (مت26: 33، 35). ولكن لما اختبرت محبته، أنكر وجدف، وقال "لا أعرف الرجل" (مت74:26).
وبنفس الوضع نختبر الطاعة، إذا تلقي الإنسان أمرًا لا يوافقه.
لأنك غن تلقيت أمرًا يوافق رغبتك وأطعته، وربما قد تكون نفذت رغبتك وليس المر الصادر إليك. أما إذا تلقيت أمرًا ضد رغبتك، فهنا تظهر الطاعة. وإذا غيرت رغبتك بسبب الأمر، ورأيت أن العكس هو النافع لك، تكون قد ارتفعت من مستوي الطاعة إلي التسليم..