أكاليل لمكافأة حياة الفضيلة والبر
حياة الفضيلة والبر، هي حياة جهاد مع النفس، وجهاد ضد المادة والعالم والشيطان.
والغالبون أو المنتصرون يكللون في الأبدية بأكاليل...
والسيد المسيح في رسائله إلى الكنائس السبع التي في آسيا، يقول لملاك كنيسة فيلادلفيا "تَمَسَّك بما عندك، لئلا يأخذ أحد إكليلك" (رؤ11:3). ونوم اليوم أن نتحدث عن هذه الأكاليل.. ليكما تسأل نفسك أي إكليل ستحصل عليه، أو أية كاملة...
أكليل البر
يقول القديس بولس الرسول "جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعي، حفظت الإيمان، وأخيرًا وضع لي إكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الديان العادل. وليس لي فقط بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضًا" (2تي8:4).
فما هو إكليل البر هذا؟ ما معني أن نتكلل بالبر؟
معناه أننا نحيا في البر الدائم. لا نعود نخطئ. تتكلل طبيعتنا البشرية بالبر، فتنتهي علاقتها تمامًا بالخطية. ونصير كالملائكة الذين جازوا فترة الاختبار وانتصروا، فتكللت طبيعتهم بالبر، وما عادت تخطئ، بعكس الشياطين الذين سقطوا ومازالوا يخطئون.
الأبرار في الأبدية، ليسو فقط لا يقعون في خطية، إنما حتى مجرد معرفة الخطية تزول من ذاكرتهم تمامًا.
كان آدم في الفردوس بارًا. وكان بسيطًا طاهرًا لا يعرف شرًا، وكذلك حواء ولكنهما لما أكلا من شجرة معرفة الخير والشر، تعكر صفو الطبيعة البشرية، وبدأت تعرف الشر، ثم تطورت إلي أن صارت تشتهي الشر، ودخلت محبة الخطية إلي النفس البشرية. فهل ستظل الخطية قائمة أو سائدة إلي الأبد؟ طبعًا لا.
الأبرار في الأبدية، ستنتهي علاقتهم بالخطية. سوف لا يعرفون سوي الخير فقط وتنتهي الخطية من معرفتهم ومن ذاكرتهم ومن عقولهم.
يعود المنتصرون إلي البساطة الأولي التي كانت للبشرية حينما كانت علي صورة الله ومثاله، قبل الخطية. بل يصيرون في بساطة ونقاوة أمس من حالة آدم وحواء.. وأبوانا الأولان كان في حالة بساطة كاملة ونقاوة كاملة. ولكن معها حرية قابلة للسقوط...
أم حرية الأبرار في الأبدية، فهي حرية غير قابلة للسقوط. إنها "حرية مجد أولاد الله" (ور21:8).
لأ، الخليقة "ستعتق من الفساد"، وتتكلل بالبر.
هذا العتق من الفساد، يشمل القلب والفكر والإرادة، يشمل الحياة كلها.. وبالبر نحيا في المتعة بالله باستمرار. هنا إكليل آخر وهو:
إكليل الحياة:
إنه الذي وعد به السيد المسيح ملاك كنيسة سميرنا، حينما قال له "كن أمينًا إلي الموت، فسأعطيك إكليل الحياة" (رو10:2).
إكليل الحياة يعني أن يحيا الإنسان إلي الأبد، ويحيا في الرب. ففي الأبدية تنتهي الخطية، وينتهي أيضًا الموت.
وكما قال الرسول في الإصحاح الخاص بالقيامة "آخر عدو يبطل هو الموت" (1كو26:15). وهذا طبيعي، لأنه مادامت "أجرة الخطية هي موت" (رو23:6). فحينما تبطل الخطية في الأبدية، يبطل معها الموت.
ولا يعني (إكليل الحياة) مجرد الخلود، أو الحياة الدائمة، التي يشتهيها الكل ولا يعني فقط مجرد انتهاء الموت، الذي يخافه كل إنسان مهما علا قدره في العالم.
إنما إكليل الحياة، يعني أيضًا الحياة في الله، ومعه. لأن "فيه كانت الحياة" (يو4:1). وهو الذي قال "أنا هو القيامة والحياة. من آمن بي لو مات فسيحيا" (يو25:11). حقا ما أجمل قول الرسول "لي الحياة هي المسيح" (في20:2).
حقًا، أن الحياة في الأبدية، حياة غير عادية، إنها إكليل.
كيف تكون هذا الحياة؟ هذا سر لم يعلن لنا بعد. إنها "ما لم تره عين، ولم تسمع به أذن، ولم يخطر علي بال إنسان، ما أعده الله للذين يحبونه" (1كو9:2).
أنها حياة اللذين تعبوا هنا واحتملوا. يقول في ذلك معلمنا يعقوب الرسول "طوبي للرجل الذي يحتمل التجربة. لأنه إن تزكي ينال إكليل الحياة الذي وعد به الرب الذين يحبونه" (يع12:2).
إذن إكليل الحياة، هو للذين يحيون الرب.
الذين كانوا من أجل محبته يسلمون دائما للموت، والموت يعمل فيهم (2كو4: 11،12). ولكنهم بالموت ههنا من اجله، يحيون معه إلي الأبد.. ولن تمح أسماؤهم من سفر الحياة (رؤ5:3). بل يأكلون من شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله (رؤ7:2).
إكليل المجد:
في الواقع إن الله حينما خلق الإنسان، إنما خلقه للمجد، فجعله علي صورته، وجعل له سلطانًا علي الطبيعة (تك26:1). وعن هذا قال المزمور "بالمجد والكرامة كللته، وعلي أعمال يديك أقمته، أخضعت كل شيء تحت قدميه" (عب2: 7،8)، (مز5:8). فكانت لآدم خشية علي كل الكائنات وهكذا كان نوح أيضًا في الفلك.
الإنسان فقد كرامته بالخطية. ولكن الله في الأبدية، سيرة إلي رتبته الأولي يعيد إليه الصورة الإلهية، ويكلله بالمجد.
قد يتعرض البعض ويقول "المجد لله وحده". ونحن نقول في صلواتنا "لأن لك المجد والقوة..(فنجيب: أن مجد الله شيء آخر، مجد غير محدود، ولا ينطق به. وعم ان الله له المجد، إلا أنه من محبته للإنسان، منحه أيضًا مجدًا: "الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم. وهؤلاء دعاهم أيضًا، وبررهم، ومجدهم أيضًا" (رو30:8). بل ما أروع وأجمل قول السيد المسيح لله الآب:
"وأنا أعطيهم المجد الذي أعطيتني" (يو22:17).
نعم، إن كنا نتألم معه، فلكي نتمجد أيضًا معه" (رو17:8). وفي ذلك يقول الرسول "إن الآم الزمان الحاضر، لا تقاس بالمجد العتيد أن يستعلن فينا" (رو18:8). "لأن خفة ضيقتنا الأرضية، تنشي لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبديًا" (2كو17:4).
كان عربون هذا المجد علي جبل التجلي (مر9: 3-5).
وهناك أيضًا مجد القيامة ومجد الابدية.
فعن القيامة يقول الرسول "نزرع في هوان، ونقام في مجد". ويشرح ذلك بأن الجسد سيقام جسدًا روحيًا، وجسدًا سماويًا (1كو15: 43، 50). "علي صورة جسد مجده" (في 21:3). ويقول القديس بطرس الرسول للرعاة "ومتي ظهر رئيس الرعاة، تنالون إكليل المجد الذي لا يبلي" (1بط4:5)،ويقول الكتاب أيضًا "الفاهمون يضيئون كضياء الجلد، والذين ردوا كثيرين إلي البر، كالكواكب المجد الذي لا يبلي" (1بط4:5). ويقول الكتاب أيضًا "الفاهمون يضيئون كضياء الجلد، والذين ردوا كثيرين إلي البر، كالكواكب إلي أبد الدهور" (دا3:12). ويشبه الأبرار في السماء بالنجوم ويقول "لأن نجمًا يمتاز عن نجم في المجد" (1كو41:15).
ومن المجد الذي يهبه الله لمحبيه، أنهم يجلسون علي عروش معه في مجده!
قال لرسله القديسين "متى جلس أبن الإنسان علي كرسي مجده، تجلسون انتم أيضًا علي أثني عشر كرسيًا تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر" (مت28:19). والقديس يوحنا في رؤيا، رأى عرش الله "وحول العرش أربعة وعشرين عرشًا، ورأى عليها أربعة وعشرين قسيسًا جالسين متسربلين بثياب بيض، وعلي رؤوسهم أكاليل من ذهب" (رؤ4:4). أي أكاليل مجد هذه؟! ولكن لئلا يظن البعض أن هذا المجد هو للرسل فقط ومن فم مستواهم، هوذا الرب يقول:
"من يغلب، فسأعطيه أن يجلس معي في عرش، كما غلبت أنا، وجلست مع أبي في عرشه (رؤ21:3).
وهذا المجد سيكون في المجئ الثاني حينما يأتي الرب "علي سحاب السماء بقوة ومجد كثير" (مت30:24)." وجميع الملائكة القديسين معه" (مت31:25). وليس مع هؤلاء فقط، بل سيأتي "في ربوات قديسيه" (يه14). والقديسون سيلبسون ثيابًا بيضًا (رؤ9:3). رمزًا لبرهم...
حقًا عن مجد الأبدية قال المرتل "وبعد مجد تأخذني" (مز24:73). وماذا غير إكليل المجد؟!
إكليل البهاء (الجمال)
الذين لم ينالوا جمالًا علي الأرض، سينالون في الأبدية.
ففي الأبدية كل شيء جميل.. جمال في الجسد الروحاني النوراني السماوي، وجمال في الروح أيضًا - وليس فقط في الأبدية، بل حتى علي الأرض. يقول الرب للخاطئة أورشليم في عمل نعمته معها "وضعت تاج جمال علي رأسك. فصلحت لمملكة. وخرج لك اسم لجمالك، لأنه كان كاملًا. ببهائي الذي جعلته عليك، يقول السيد المسيح" (خر16: 12، 13).
ما أعجب أن بهاء الله، يجعله علي إنسان.
وعل هذا يذكرنا بعبارة، عجيبة قالها أشعياء النبي "في ذلك اليوم يكون رب الجنود إكليل جمال، وتاج بهاء، لبقية شعبه" (أش5:28). ولعله يذكرنا بالثياب التي امر الرب بصنعها لهارون رئيس الكهنة، إذ قال لموسى النبي "اصنع ثيابًا مقدسة لهرون أخيك للمجد والبهاء" (خر2:28). وكذلك لبنيه "تصنع لهم قلانس للمجد والبهاء" (خر40:2). ماذا أيضًا غير إكليل المجد والبهاء..
أكاليل أخرى
لعل شخصًا كبولس الرسول قد تحلي بأكاليل: منها إكليل الرسولية، وإكليل الكهنوت، وإكليل البتولية، وإكليل الجهاد، وإكليل الشهادة، وبالإضافة إلي أكليل البر.
أن القديس بولس الرسول يعتبر خدمته إكليله.
فيقول لشعبه في فيلبي "يا سروري وإكليلي" (في1:4).
ولعل أول إكليل يناله الإنسان يكون في المعمودية،
حينما يخرج منها في بر، وقد لبس المسيح (غل27:3). وهكذا يلبس أكاليل فضه، وأكاليل حجر كريم، وضعها الرب علي المعمدين الأطهار...
أن أجمل إكليل قد لبس، هو أكليل الشوك الذي لبسه السيد المسيح له المجد (مز17:15).
وبهذا الإكليل في الألم والبذل، يمنحنا كل الأكاليل الأخرى.