ما هو الفارق بين معمودية يوحنا المعمدان والمعمودية المسيحية؟
عرف اليهود أنواعًا من المعموديات منها معمودية المتهودين الدخلاء Prosolytes. كان متى قَبِل وثني اليهودية يعتمد هو وأولاده بطقس يهودي معروف باسم "معمودية الدخلاء". في هذا الطقس يعلنون أنهم قد كرسوا حياتهم لحساب إسرائيل مع التزامهم بالوصايا والنواميس الإلهية. أما معمودية يوحنا فقد جاءت رمزًا للمعمودية المسيحية، يقبلونها للتوبة، تستمد قوتها في الغفران والتمتع بالخلاص من خلال المرموز إليه، وذلك كما حَملت الحية النحاسية قوة الشفاء خلال الصليب الذي ترمز إليه، وكما وهب عبور البحر الاحمر خلاصًا للشعب خلال المرموز إليه "المعمودية".
معمودية يوحنا كانت عاجزة عن أن تهب البنوة لله، الأمر الذي انفردت به المعمودية المسيحية لدخول السيد المسيح "الابن الوحيد" إليها.
يقول العلامة ترتليان [471] أن المعمودية التي أعلنها يوحنا أثارت سؤالًا في ذلك الحين هل هي من السماء أم من عند الناس؟ (مت 21: 25؛ مر 11: 30؛ لو 20: 4). ويجيب العلامة ترتليان أنها بلا شك إلهية، لأن يوحنا تمم ما قد أُمر به من الله، لكنها بشرية في نفس الوقت، لأنها كانت للتوبة لا تهب الروح القدس ولا غفران الخطايا (أع 19: 1-7). كانت معمودية أشبه بطالبة للمغفرة والتقديس إذ تهيئ الطريق للتبعية للسيد المسيح. معموديته كانت إعدادًا للطريق، فقد شهد يوحنا بنفسه أن معموديته لا تقدم ما هو سماوي، قائلًا: "الذي يأتي من فوق هو فوق الجميع، والذي من الأرض هو أرضيّ من الأرض يتكلَّم. الذي يأتي من السماء هو فوق الجميع" (يو 3: 31). لقد قال: "أنا أعمدّكم بماءٍ للتوبة. ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى مني... هو سيعمدّكم بالروح القدس ونارٍ" (مت 3: 11). هكذا إذ لم تكن في معموديته عطية الروح، بالتالي لم يكن لها غفران الخطايا.
يتساءل القديس يوحنا الذهبي الفم [472]: لماذا يقول لوقا: [فجاء إلى جميع الكورة المحيطة بالأردن يكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا مع أنها لم تكن تغفر الخطايا؟ يجيب بأنه وإن كانت معمودية يوحنا لم تقدم هذه العطية أي مغفرة الخطايا لكنها قدمتها خلال المعمودية التي جاءت بعدها، حيث فيها نُدفن مع المسيح، ويُصلب إنساننا العتيق، لقد عُرف اليهود في ذلك الوقت بعدم شعورهم بالخطايا، فجاء يوحنا المعمدان ليدخل بهم إلى الإحساس بالخطايا، وبهذا هيأهم للإيمان بالذي يأتي بعده فينالوا غفران الخطايا.]
ويرى القديس كيرلس الأورشليمي [473] أن معمودية يوحنا تغفر الخطايا وتخلص من العقاب الأبدي (ربما من أجل ما حملته من رمز لمعمودية السيد المسيح) إذ يقول: [كان هذا الرجل يعمد في الأردن فخرجت كل أورشليم" (مت 3: 5)، لتتمتع بباكورات العماد، إذ يوهب لأورشليم امتياز في كل عمل صالح. تعلموا يا سكان أورشليم كيف كان يُعمد الخارجين إليه، المعترفين بخطاياهم (مت 3: 6). لقد كانوا يكشفون له جراحاتهم، وهو يقدم لهم بعد ذلك العلاج، فيخلص الذين يؤمنون من النار الأبدية. وإن أردت فحص هذه النقطة، أي أن عماد يوحنا يخلصهم من التهديد بالنار اسمع ما يقوله: "يا أولاد الأفاعي مَنْ أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي" (مت 7:3).