أبصرت بابًا مفتوحًا في السماء
قال هذه العبارة وهو منفاه في جزيرة بطمس، وفي الرؤيا الذي يقول في أوله "أنا يوحنا أخوكم وشريككم في الضيقة، وفي ملكوت يسوع المسيح وصبره.." (رؤ 1: 9). وعلي الرغم من أنه كان بعيدًا عن كل التعزيات والمعونات البشرية، إلا أن التعزيات الإلهية لم تبتعد عنه. فرأي السيد في تلك الجزيرة، وتسلم منه رسائل. ثم يقول بعد تلك الرؤيا:
"بعد هذا أبصرت، وإذا باب مفتوح في السماء.. وإذا عرش موضوع في السماء.." (رؤ 4: 1، 2). إنها تعزية عجيبة لهذا الرسول العظيم، وهو في ضيقته وفي منفاه، تذكرنا بقول الرب لملاك كنيسة فيلادلفيا:
هأنذا قد جعلت أمامك بابًا مفتوحًا، ولا يستطيع أحد أن يغلقه" (رؤ 3: 8).
إنها كلمة من الله يفتح ولا أحد يغلق، ويغلق ولا احد يفتح" (رؤ 3: 7). كلمة عزاء، كلما نتذكرها نمتلئ بالرجاء، ونجد فرحًا بهذا الباب المفتوح في السماء.
حقًا حينما جميع الأبواب، يبقي باب الله مفتوحًا، ولا يستطيع أحد أن يغلقه..
وهكذا يطمئن الإنسان مهما كانت جميع الأبواب مغلقة في وجهه. فالله الحنون المحب بمكنه أن يفتح ولا أحد يغلق... من أجل هذا يعيش أولاد الله في فرح كامل، لا تهتز ثقتهم بأية ظروف خارجية ضاغطة..
ويقدم لنا الكتاب مثال داود النبي، وهو مطارد من شاول الملك:
شاول بكل سلطانه، وكل قسوته، وكل حيله، وكل كراهيته لداود، كان يطارده من برية إلي أخري، ومن مغارة إلي أخري، يريد قتله، ويحيك حوله المؤامرات ومع ذلك حفظ الرب داود، وبقي حيًا. ومات شاول الملك دون أن يؤذيه.
وكذلك لم يقدر علي إيذائه أبشالوم بكل خيانته..
ذلك لن الله كان قد جعل أمام داود بابًا مفتوحًا، دخل منه إلي المجد، متذكرًا خبراته الكثيرة في في قيام العداء ضده، حتى أنه قال ذات مرة "يا رب لماذا كثر الذين يحزنونني... كثيرون قاموا علي. كثيرون يقولون لنفسي: ليس له خلاص بإلهه (مز 3). بل أنه قال: "أكثر من شعر رأسي الذين يبغضونني بلا سبب" (مز 69: 4). ونحن نسأل "وماذا فعلت أمام كل أولئك يا داود؟ وهل حطموا حياتك؟! "يجيب "الرب هو ناصري. مجدي ورافع رأسي. بصوتي إلي الرب صرخت، فاستجاب لي من جبل قدسه" (مز 3) "نظرت، وإذا باب مفتوح في السماء". هؤلاء الكثيرون الذين قاموا علي داود، لم يستطيعوا أن يغلقوا هذا الباب المفتوح أمامه من الرب. ألست تستطيع أن تخرج من هذه القصة بقاعدة روحية وهي:
إن حياتك هي في يد الله. ولست في أيدي الناس..
لقد قال عيسو "أقوم وأقتل يعقوب أخي" (تك 27: 41). ولكنه لم يستطع لأن يعقوب أبصر، وإذا باب مفتوح في السماء. وقد رأي سلمًا بين الأرض والسماء، وملائكة الله صاعدة ونازلة عليها (تك 28: 12). من أجل هذا حدث أنه في رجوعه "ركض عيسو للقائه، ووقع علي عنقه، وبكيا" (تك 33: 4).
حقًا إن الله يستطيع أن يغير المواقف، وبغير القلوب.
وكما قال الكتاب "إذ أرضعت الرب طرق إنسان، جعل أعداءه أيضًا سالمونه" (أم 16: 7). وحتى إن لم سالموه، فلن يقدروا عليه، كما قال الرب لأرمياء النبي "يحاربونك ولا يقدرون عليك، لأني أنا معك، لأنقذك" (أر 1: 19).
ما أكثر الذين قاموا علي رسل المسيح وتلاميذه!
قام ضدهم الكتبة والفريسيون والصدوقيون، وكهنة اليهود ورؤساء كهنتهم وشيوخ الشعب وولاة الرومان وحكمهم.. وألقوهم في السجون، وجلدوهم. ولكن الله كان قد جعل أمامهم بابًا مفتوحًا، فانتشرت الكرازة في كل مكان. و" الذين ليس لهم صوت ولا كلام، إلي أقطار المسكونة بلغت أقوالهم" (مز 19: 3، 4)، حتى "الذين تشتتوا، جالوا مبشرين بالكلمة" (أع 8: 4). كانت كل الأبواب مغلقة أمامهم. ولكن الله كان مفتوحًا. وهذا يكفي لذلك نصيحتي أقولها لكل إنسان تواجهه متاعب وضيقات وتعقيدات.
لا تنظر إلي الأبواب المغلقة، إنما أنظر إلي المفتاح الذي في يد الله.
إنه يستطيع أن "يفتح ولا أحد يغلق".. هو القادر علي كل شيء، وهو الذي يحبك ويحب لك الخير. كل الذين يقومون ضدك، قوتهم محدودة كبشر. حتى الشيطان أيضًا، قوته محدودة كمخلوق. أما الله فغير محدود، وقوته غير محدودة.
لذلك فإن الله غير المحدود، قال لبولس الرسول "تكفيك نعمتي" (2 كو 12: 9). إنها نعمة الله القادرة أن تفتح لك في البحر طريقًا (خر 14) وتفجر لك من الصخرة ماء (خر 17: 6)، وتهدم أمامك جبالًا. كما قال الرب عن معونته لعبده زر بابل "من أنت أيها الجبل العظيم. أمام زربابل تصير سهلًا" (زك 4: 7).
يعوزنا الوقت أن تحدثنا عن قصص القديسين مع باب الله المفتوح: هل أتحدث عن القديس أثناسيوس الرسولي، الذي قيل له "العالم كله ضدك يا أثناسيوس "ومع ذلك وقف ضد العالم الهرطوقي وانتصر، لأن الرب جعل إمامه بابًا مفتوحًا. أم أتحدث عن لعازر الدمشقي، وكيف أرشده الرب إلي رفقه ليختارها زوجة لأسحق ابن سيده، بإرشاد إلهي عجيب!! حتى قال لا تعوقوني والرب قد انجح طريقي" (تك 24: 56).
كذلك ما أكثر الأبواب المفتوحة للتوبة.. من كان يظن أن سينفتح باب للتوبة أمام مريم القبطية التي أعثرت المئات وأسقطتهم. ولكن الله فتح أمامها بابًا بمعجزة، لمست فيها يد الرب وتابت.. ومن كان يظن أنه سينفتح باب أماما أوغسطينوس وبيلاجية وموسي الأسود، بعد أن وصلت حال كل منهم إلي وضع سيء للغاية في البعد عن الله.. وهكذا أيضًا شاول الطرسوسي مضطهد الكنيسة. من كان يظن أنه سيتحول إلي رسول وإناء مختار للرب، هذا الذي كان ينفث تهديدًا، ويجر رجالًا ونساء إلي السجن (أع 9: 1، 2). وإذا باب في السماء ينفتح أمامه وهو في الطريق إلي دمشق، برؤيا عجيبة، كلمة فيها الرب، فآمن وتحول إلي العكس، وتعب أكثر من جميع الرسل، ونال أكليل الشهادة..
كذلك الأمم فتح لهم الله بابًا للتوبة والقبول..
وكانوا معتبرين غرباء، أجانب عن رعوية الله، فصاروا هم الزيتونة الجديدة التي طعمت في الزيتونة العتيقة. وأصبحت الغالبية العظمي من المؤمنين نابعة من هؤلاء الأمم وانفتح الباب بمعجزة أمام كرنيليوس (أع 10: ثم أمام الكل (أع 15).
ماذا أقول أمثلة عجيبة امتدحها الكتاب:
أرملة صيدا التي أطعمت إيليا، والمرأة الكنعانية التي شفي السيد المسيح ابنتها راحاب الزانية، وراعوث، وملكة سبأ التي جاءت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان.. كل أولئك اللائي تسجلت أسماؤهن في التاريخ، وطوبهن الكتاب، لمجرد أن الله جعل أمام كل واحدة بابًا مفتوحًا.
بل ماذا أقول عن يونان النبي الذي ابتلعه حوت؟!
من كان يظن أن مثل هذا يمكنه أن يخرج من جوف الحوت، ويحيا، ويبشر نينوى وتؤمن علي يديه؟! ولكن الحل الوحيد أن الله قد جعل أمامه بابًا مفتوحًا، ففتح الحوت فاه، وألقاه إلي البر، ليؤدي رسالته!! حقًا كما يقول الكتاب:
"غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله" (لو 18: 27).
إن الله قادر علي كل شيء. وإن اعتمدت عليه تحيا في رجاء ثابت لا يتزعزع،هو قادر أن يفتح الأبواب المغلقة، ويحل كل المشاكل المعقدة. بيده كل المفاتيح،" يفتح ولا أحد يغلق "وهناك مثل عجيب لباب مغلق فتحه الله:
لقد فتح الرب باب الفردوس بعد آلاف السنين..
وهكذا أدخل فيه آدم وحواء، بعد أن طردا قديمًا من الجنة، وأدخل فيه كل الراقدين علي الرجاء، وجعل هذا الباب مفتوحًا أيضًا أمام اللص اليمين، وأمام جميع التائبين، لكي يصيروا جميعًا فرحين في الرجاء (رو 12: 12).
لكل هذا، أطلب من الرب أن يفتح أمامك الأبواب:
قبل أن تخرج من بيتك كل يوم، أطلب من الرب أن يفتح أمامك كل القلوب، وكل الآذان، وأن يفتح أمامك أبواب الرزق وأبواب الخير. وما أجمل تلك الصلاة التي يصليها الآب الكاهن أمام الهيكل ويقول:
"أجعل باب بيتك مفتوحًا أمانا في كل زمان.."
ويقول أيضًا "لا تغلق باب بيتك في وجوهنا". بل في كل يوم يصلي كل منا ويقول "افتح يا رب شفتي، فيخبر فمي بتسبيحك" (مز 50). ذلك لأننا لا نضمن إن فتحنا أفواهنا من ذواتنا، أي كلام سنقوله؟ وهل سيكون مرضيًا أمام الله أم لا يكون؟ وماذا ستكون نتائجه؟.. ولعل من الصلوات العجيبة التي صلاها أليشع النبي لأجل تلميذه جيحزي هي قوله:
"افتح يا رب عيني الغلام فيري".. (2 مل 6: 17).
فيري أن الذين معنا أكثر من الذين علينا، فيطمئن، ويؤمن. نعم نحن لن عيون ولكنها لا تبصر، وآذان ولكنها لا تسمع.. وتحتاج أن يفتح الرب عيوننا وآذاننا وقلوبنا أيضًا.. ألسنا نقول في صلواتنا "اكشف عن عيني فأري عجائب من ناموسك" (مز 119). وبعد، أترانا قلنا كل ما يفتحه الله أمامنا؟ كلا، بلا شك.. فالموضوع أطول من أن يسعه مقال، عن الله الذي قال:
افتح لكم كوي السماء، وأفيض عليكم بركة، حتى لا توسع".
باب الله مفتوح أمامنا علي الدوام، مهما أغلقت باقي الأبواب. يقول لنا كما قال لملاك كنيسة فيلادلفيا "هأنذا قد جعلت أمامك بابًا مفتوحًا، ولا يستطيع أحد أن يغلقه" (رؤ 3:8). هذا هو قلب الله الحنون، الذي أزال الحجاب الحاجز وفتح الطريق إلي قدس الأقداس، وفتح باب الفردوس أمام آدم وبنيه.
إنها عبارة معزية، نتذكرها في بدء العام الجديد.
مهما ضاقت الدنيا أمامك، ومهما تعقدت السبل، وأغلق الناس قلوبهم وأحشاءهم، ودعوت وليس من مجيب، وبحثت وليس من صديق، حينئذ تتعزي بقول القديس يوحنا الحبيب: "نظرت وإذا باب مفتوح في السماء".
يقولها لكل من في ضيقة، ولكل خاطئ أتعبته الخطية.
لكل خاطئ سيطرت الخطية عليه.. حاول أن يتخلص منها مرارًا ولم يستطيع وكاد ييأس.. طرق باب التداريب الروحية، وكل جهاد شخصي. وطرق أبواب الصوم وضبط النفس.. ولم يجد طريق التوبة مفتوحًا أمامه.. حينئذ يرفع هذا "الخاطئ نظره إلي فوق، ويقول "رأيت بابًا مفتوحًا في السماء"، "عوني من عند الرب الذي صنع السماء والأرض" (مز 121: 2).
المهم في مشاكلنا أن نرفع نظرنا إلي فوق، وإلي السماء لكي نري الباب المفتوح، فنتعزى..
مشكلنا أننا في كل ضيقتنا، نتجه إلي المعونة الأرضية! نتجه إلي ذكائنا وحيلنا وإلي الذراع البشري في مساعدة الناس لنا. نتجه إلي الظروف والإمكانيات وبسبب هذا نقع في الحيرة والقلق والاضطراب. ولكن كل هذا يزول، ونطمئن، أن رفعنا نظرنا إلي فوق، لنري الباب المفتوح في السماء، كما فعل القديس يوحنا الحبيب، شريكنا في الضيقة..
لاحظوا أنه رأي الباب بصلواته، إنما هو باب مفتوح بطبيعته مفتوح بالحب الإلهي.. لم يقل يوحنا "افتح لي بابًا في السماء، لآري عرشك وجندك. إنما أراه الله كل هذا من حنانه، لكي يعرف أن عطايا الله إنما تنبع من محبته ومن أنعامه.. حقًا إنه يقول بالنسبة إلي التعابى "اقرعوا يفتح لكم". لكنه يقول للذين يحيون في الإيمان "وكل هذه تزدادونها" (متي 6: 33). تأتيكم بدون طلب، من الآب السماوي الذي يحب أولاده ويعرف احتياجاتهم..
هذا الباب يفتحه الله، ولا يستطيع أحد أن يغلقه.
حسب وعده الأمين.. ذلك لأنه "يفتح ولا أحد يغلق" (رؤ 3: 7). فغن فتح أمامك بابًا، تجد كل أمورك بابًا، تجد كل أمورك ميسرة، "لا يقف أحد في وجهك" (يش 1: 5). ط ولا يقع بك أحد ليؤذيك" (أع 18: 10). وأبواب الجحيم لن تقوي عليك (متي 16: 18). إذن لا تضيع وقتك منقبًا في الأرض، تحفر لك أبارًا مشققة لا تضبط ماء (ار 2: 13). إنما يكفي أن تضمن المعونة الإلهية، تضمن الباب السماوي المفتوح، وحينئذ يصير لك كل شيء..
هذا الباب المفتوح رآه يوحنا وهو في ضيقة منفيًا في جزيرة بطمس، ومضطهدًا لأجل الكلمة.
في وقت لم يكن يجد فيه علي الأرض حنانًا ولا عدلًا، ولم يجد من البشر معونة ولا سندًا.. حينما بدا أن كل إنسان قد تخلي عنه، أو عجز عن معونته، فترك إلي أعدائه يحكمون عليه.. في هذا الوقت الذي أغلقت فيه أبواب الأرض، نظر وإذا باب مفتوح في السماء، وسمع، صوتًا يقول له "اصعد إلي ههنا فأريك.." وأراه عرش الله في الرؤيا، وقوات السماء..
عجيب هو الله حقًا في عمق عطاياه، الله المقيم المسكين من التراب (مز 113: 7).
ولعل القديس يوحنا كان يقول للرب: من أنا يا رب الذي تصنع معي كل هذا أنا البائس الملقي في هذه الجزيرة النائية، أنا غير المستحق أن أري عرش الأمبراطور تراجان، كيف استحق أن أرص عرش ملك الملوك ورب الأرباب؟! نعم تعال يا يوحنا واصعد لتري هذا العرش، لكي تعرف أن كل أباطرة الأرض هم حفنة من تراب..! ويقف أمانا سؤال:
كيف صعد يوحنا إلي السماء، ليري هذه الرؤيا؟
هنا تقف اللغة عاجزة.. نعم كيف صعد؟ أنا لست بمستطيع أن أجيب.. أفضل إجابة هي أن أقول: لا أعرف.. لست أجد ألفاظًا في اللغة العربية، ولا في أية لغة أخري تستطيع ان تعبر عن هذا المعني..لذلك اكتفي بأن أتركه إلي تأملاتكم الخاصة. "أصعد إلي هنا". هذا أمر. كيف نَفَّذَهُ يوحنا؟ أو كيف نُفِّذَ في يوحنا؟
كيف صعد إلي السماء؟ وكيف دخل من هذا الباب المفتوح؟ وكيف رأي؟ بالعين أم بالروح أو بعين روحية؟ وكيف؟ المهم أن الله حول ضيقته إلي فرح، وجهله إلي معرفة، ونفيه إلي ترقية، وأنعام عربونًا لحياة أخري ستكون بع القيامة، ومنحنا نحن رجاء في تلك الحياة..
كل هذا حدث ليوحنا، وهو في المنفي..
لم يحدث هذه الرؤيا وهو في أورشليم، مدينة الملك العظيم، ولا وهو في الهيكل ولا حتى في قدس الأقداس، ولا إلي جوار تابوت العهد ليس في كل تلك الأماكن العظيمة والمقدسة، حيث ينتظر الإنسان أن يري رؤى.. إنما في الضيقة، وفي النفي..
حقًا إن ملكوت الله لا يأتي بمراقبة (لو 17: 20)).
أننا لا نعرف متى ولا أين يفتقدنا الله بنعمته، بعمل روحه القدوس. لا نعرف متى تفتح السماء أبوابها؟ ومتى يأتينا الصوت كبوق، أو كريح عاصف، أو كصوت مياة كثيرة..؟ إنه يأتي بانتظارنا أو توقعنا، أو مراقبتنا.. لسنا نعرف متى يأتي الرب لمعونتنا ومتى يعلن لنا.
المهم أن نكون مستعدين لعمل الروح فينا.. نفتح نحن قلوبنا، فيفتح لنا الرب بابًا في السماء.
نصعد بأرواحنا إلي السماء، بينما أجسادنا لا تزال علي الأرض، حينئذ يصعدنا الرب إلي السماء، حتى لو بقينا ظاهريًا علي الأرض.." في الجسد أم خارج الجسد؟ لست أعلم. الله وحده يعلم" (2 كو 12: 3). هنا ونقول أن رؤيا يوحنا تحمل لنا أعظم رجاء مفرح وهو:
أن أبواب السماء صارت مفتوحة. وقد رآها القديس اسطفانوس الشماس من قبل: وذلك حينما حنق عليه اليهود ليقتلوه. يقول الكتاب: "أما هو فشخص إلي السماء، وهو ممتلئ من الروح القدس. فرأي مجد الله والرب يسوع عن يمين الله فقال: ها أنا أنظر السموات مفتوحة، وابن الإنسان قائمًا عن يمين الله" (أع 7: 55، 56).
هذه السماء المفتوحة أمامنا هي أملنا الكبير الذي نسعى إليه لكي نري فيها مجد الله ونبصر الرب يسوع.
رآها اسطفانوس أول الشمامة، ورآها يوحنا الحبيب، مفتوحة. وأبصرا شيئًا من المجد العتيد، كعربون للملكوت الأبدي.. والعجيب أن كلا منهما قد رآها وهو في ألم واضطهاد، مرذولًا من الناس، أحدهما في وقت رجمه، والآخر أثناء نفيه.. وذلك لكي نفهم أن طريق هذه السماء هو الصليب، وأنه بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله" (أع 14: 22).
وقبل اسطفانوس ويوحنا، أبصر السماء حزقيال النبي:
رأي عرش الله محمولًا علي الكاروبيم (حز 1). ورأي هذا المنظر حينما كان ضمن المسبيين، عند نهر خابور. وقال في ذلك "كان.. وأنا بين المسبيين عند نهر خابور أن السموات انفتحت. فرأيت رؤى الله.." وشرح ما رآه.. ثم فال "هذا منظر شبه مجد الرب. ولما رأيته خررت علي وجهي وسمعت صوت متكلم (خر 1: 28). عجيب أن يري هذه الرؤيا وهو في السبي... كيوحنا في النفي.
بنفس الوضع رأي دانيال النبي شبه المنظر وهو في السبي:
رأي ابن الإنسان وهو علي سحاب السماء، أمام الآب، وقد أعطي سلطانًا ومجدًا وملكوتًا، لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته مالا ينقرض (دا 7: 13، 14). ورأي رؤى أخري، وأرسل له الله الملاك جبرائيل ليفسرها له (دا 8: 16).
كل هذه الرؤى رآها أنبياء وقديسون في ضيقاتهم.
سماء الله وعرشه رآهما يوحنا في النفي، اسطفانوس قبل قبل رجمه. وحزقيال ودانيال وهما في سبي. ولا شك أن هذه المناظر التي يسمح الله لقديسيه أن يروها أثناء ضيقاتهم لأجل اسمه، إنما هي لون من العزاء الإلهي أثنا الآلام..
وأنتم أيها الأخوة، هل رأيتم هذه السموات المفتوحة؟ أما أن لكم عيونًا ولكنها لا تبصر؟
وإن كان كذلك، فمتى تنقشع تلك الغشاوة عن أعيننا، حتى نري ما يمكن أن يراه الروحانيون.. كأشخاص في الجسد، نحن لا نري، ولكن متى صرنا في الروح، مثلما كان يوحنا "في الروح في يوم الرب" (رؤ 1: 10)، حينئذ سنري.
طالما عيوننا مشغولة بالجسد وبالمادة وبالعالم، ومغلقة بالهيولانيات، فلا يمكن أن تري الروحيات.
السماء المفتوحة رآها القديسون في ضيقاتهم، أما المترفون الذين يعيشون في المتعة والفرح واللذة، فإنهم لا يشعرون بالحاجة إلي باب مفتوح في السماء! وإن طلبوا من الله، فسيقولون: افتح لنا أبوابًا علي الأرض. فالسماء لم يأت موعدها بع.. افتح لنا أبواب الكنوز والرزق والترقيات. هؤلاء المترفون، أخشي أنهم في السماء أيضًا سيسمعون تلك العبارة المخيفة "الحق أقول لكم إنكم قد استوفيتم أجركم" (متى 6: 5). ومثل المترفين، كذلك لا يطلب المنشغلون بابًا في السماء إن كل تفكيرهم مركز في العالم وفي الأرضيات. ليس لديهم وقت ولا رغبة لكي يرفعوا نظرهم إلي فوق. مثالهم ذلك الغني الغبي، الذي قال "أهدم مخازني وأبني أعظم منها، وجمع هناك جميع غلاتي وخيراتي، وأقول للنفسي: يا نفسي خيرات كثيرة موضوعة لسنين عديدة. فاستريحي وكلي واشربي وافرحي" (لو 12: 18، 19).
إذن علينا أن نرتفع فوق الأرضيات، لنري الباب السماوي المفتوح.. مثال ذلك:
فلك نوح الذي تغرب عن العالم، وارتفع فوق المياه التي غطت ككل شيء. وفتح أبونا نوح فيه طاقة، تشبه الباب المفتوح في السماء. وخرجت من الطاقة حمامة جاءت بغصن زيتون، رمزًا للسلام الإلهي في الأرض الجديدة التي باركها الرب..
إن لم تستطيع أن ترتفع فوق الأرضيات بصفة دائمة، فليكن ذلك علي الأقل في فترات، كيوم الرب.
لقد منحك الرب هذا اليوم، ليكون لك معه، تنحل فيه من الأرضيات، لكي ترتبط بالواحد الذي هو الله: تفكر فليه، تكلمه، تستمع إلي صوته في قلبك، وقد تطهر ذهنك -ولو مؤقتًا- من كل ما هو مادي.. حينئذ ستبصر الباب.