لم يعرفوا الخوف
في مسارات الحياة ، في طرقها ، في دروبها ، في شوارعها ، في ازقتها نشعر بالخوف . اذا غابت الشمس نخاف ، اذا اظلم الجو نخاف ، اذا علا صوت العاصفة نخاف . الخوف جزء ٌ من غريزة الدفاع عن النفس ، تتحفز العضلات ، ترتفع الاذرع لترد الاعتداء . قد يكون الاعتداء ظاهرا ً او خفيا ً ، صاخبا ً او صامتا ً ، حقيقة ً او خداعا ً . لكن الخوف طبيعي . ويرتعش الجسد ، يخفق القلب ، تتابع الانفاس . هل رأيت الخوف ؟ هل تستطيع ان تصف ملامحه ؟ هل تلامست معه ؟ لا طبعا ً ، لا ، الخوف لا يُرى ، الخوف يغزونا من حيث لا نعرف ، الخوف يخرج من داخلنا . البعض لا يرى الخوف ، الشجاع المطمئن القوي المؤمن بالله العظيم . بطرس في السجن والاغلال في يديه وقدميه ملقى " إِلَى أَرْبَعَةِ أَرَابعَ مِنَ الْعَسْكَرِ " ً وسط خشونة الارض ورطوبة الغربة ، وسط الظلام في انتظار الصباح . في الصباح حين يقدمه الملك هيرودس للشعب ليفتكوا به ويعتدوا عليه . نام ، غلب اطمئنانه الخوف فنام نوما ً هادئا ً عميقا ً . لم يعرف بطرس الخوف لأنه كان يعرف من يؤمن به ، من بيده مصيره ، من يملك زمام الامور . وفي الليل اضاء نور ٌ ودخل الغرفة ملاك . ايقظه وكسر سلاسله وخرجا معا ً . لم يكن بطرس شجاعا ً فقد انكر سيده لكن هذه هي شجاعة الايمان . بولس الرسول سافر في البحر اسيرا ً على سفينة تحمل جندا ً واسرى . هاج على السفينة ريح ٌ زوبعته عاتية ، تلاعب بالسفينة واحاط بها الموج . فقد الربان سيطرته على السفينة التي كانت تُحمل على الريح ، حل بهم الخوف . اختفت الشمس ولم تظهر النجوم ولم يعرفوا اين تحملهم العاصفة . وسط الزوبعة وخطر الغرق والموت نام بولس الرسول نوما ً عميقا ً ورأى رؤيا . وقف به ملاك الله الذي يعبده والذي هو له في كل وقت . قال " لا تَخَفْ يَا بُولُسُ . يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَقِفَ أَمَامَ قَيْصَرَ. وَهُوَذَا قَدْ وَهَبَكَ اللهُ جَمِيعَ الْمُسَافِرِينَ مَعَكَ. " (سفر أعمال الرسل 27: 24 ) آمن بولس بمن بيده حبال العواصف ، آمن بمن يهدئ البحر أو يحركه . نام مطمئنا ً ، ترك الخوف وتمسك بايمانه . هذه هي شجاعة الايمان . المسيحييون الاوائل واجهوا الاضطهاد ، القوا بهم للوحوش الكاسرة . طافوا في جلود غنم وجلود ماعز معتازين مكروبين مذلين . قابلوا الموت بهتاف ، احترقوا وسط النار وهم يرتلون . لم يعرفوا الخوف ، ماتوا في شجاعة ، شجاعة الايمان .