عمق قراءات أحاد شهر كيهك
الأحد الثاني(٢)
الراهب القس بطرس البراموسي
البولس (رو3: 1 - 4: 1-3)
"إذًا ما هو فضلُ اليَهودي، أو ما هو نَفعُ الخِتانِ؟ كثيرٌ علَى كُل وجهٍ! أمّا أوَّلاً فلأنَّهُمُ استؤمِنوا علَى أقوالِ اللهِ. فماذا إنْ كانَ قَوْمٌ لم يكونوا أُمَناءَ؟ أفَلَعَلَّ عَدَمَ أمانَتِهِمْ يُبطِلُ أمانَةَ اللهِ؟ حاشا! بل ليَكُنِ اللهُ صادِقًا وكُلُّ إنسانٍ كاذِبًا. كما هو مَكتوبٌ: "لكَيْ تتبَرَّرَ في كلامِكَ، وتغلِبَ مَتَى حوكِمتَ". ولكن إنْ كانَ إثمُنا يُبَينُ برَّ اللهِ، فماذا نَقولُ؟ ألَعَلَّ اللهَ الذي يَجلِبُ الغَضَبَ ظالِمٌ؟ أتكلَّمُ بحَسَبِ الإنسانِ. حاشا! فكيفَ يَدينُ اللهُ العالَمَ إذ ذاكَ؟ فإنَّهُ إنْ كانَ صِدقُ اللهِ قد ازدادَ بكَذِبي لمَجدِهِ، فلماذا أُدانُ أنا بَعدُ كخاطِئٍ؟ أما كما يُفتَرَى علَينا، وكما يَزعُمُ قَوْمٌ أنَّنا نَقولُ: "لنَفعَلِ السَّيآتِ لكَيْ تأتيَ الخَيراتُ"؟ الذينَ دَينونَتُهُمْ عادِلَةٌ. فماذا إذًا؟ أنَحنُ أفضَلُ؟ كلاَّ البَتَّةَ! لأنَّنا قد شَكَوْنا أنَّ اليَهودَ واليونانيينَ أجمَعينَ تحتَ الخَطيَّةِ، كما هو مَكتوبٌ: "أنَّهُ ليس بارٌّ ولا واحِدٌ. ليس مَنْ يَفهَمُ. ليس مَنْ يَطلُبُ اللهَ. الجميعُ زاغوا وفَسَدوا مَعًا. ليس مَنْ يَعمَلُ صَلاحًا ليس ولا واحِدٌ. حَنجَرَتُهُمْ قَبرٌ مَفتوحٌ. بألسِنَتِهِمْ قد مَكَروا. سِمُّ الأصلالِ تحتَ شِفاهِهِمْ. وفَمُهُمْ مَملوءٌ لَعنَةً ومَرارَةً. أرجُلُهُمْ سريعَةٌ إلَى سفكِ الدَّمِ. في طُرُقِهِمِ اغتِصابٌ وسُحقٌ. وطَريقُ السَّلامِ لم يَعرِفوهُ. ليس خَوْفُ اللهِ قُدّامَ عُيونِهِمْ". ونَحنُ نَعلَمُ أنَّ كُلَّ ما يقولُهُ النّاموسُ فهو يُكلمُ بهِ الذينَ في النّاموسِ، لكَيْ يَستَدَّ كُلُّ فمٍ، ويَصيرَ كُلُّ العالَمِ تحتَ قِصاصٍ مِنَ اللهِ. لأنَّهُ بأعمالِ النّاموسِ كُلُّ ذي جَسَدٍ لا يتبَرَّرُ أمامَهُ. لأنَّ بالنّاموسِ مَعرِفَةَ الخَطيَّةِ. وأمّا الآنَ فقد ظَهَرَ بِرُّ اللهِ بدونِ النّاموسِ، مَشهودًا لهُ مِنَ النّاموسِ والأنبياءِ، بِرُّ اللهِ بالإيمانِ بيَسوعَ المَسيحِ، إلَى كُل وعلَى كُل الذينَ يؤمِنونَ. لأنَّهُ لا فرقَ. إذ الجميعُ أخطأوا وأعوَزَهُمْ مَجدُ اللهِ، مُتَبَررينَ مَجّانًا بنِعمَتِهِ بالفِداءِ الذي بيَسوعَ المَسيحِ، الذي قَدَّمَهُ اللهُ كفّارَةً بالإيمانِ بدَمِهِ، لإظهارِ بِرهِ، مِنْ أجلِ الصَّفحِ عن الخطايا السّالِفَةِ بإمهالِ اللهِ، لإظهارِ بِرهِ في الزَّمانِ الحاضِرِ، ليكونَ بارًّا ويُبَررَ مَنْ هو مِنَ الإيمانِ بيَسوعَ. فأينَ الافتِخارُ؟ قد انتَفَى. بأي ناموسٍ؟ أبناموسِ الأعمالِ؟ كلاَّ. بل بناموسِ الإيمانِ. إذًا نَحسِبُ أنَّ الإنسانَ يتبَرَّرُ بالإيمانِ بدونِ أعمالِ النّاموسِ. أمِ اللهُ لليَهودِ فقط؟ أليس للأُمَمِ أيضًا؟ بَلَى، للأُمَمِ أيضًا لأنَّ اللهَ واحِدٌ، هو الذي سيُبَررُ الخِتانَ بالإيمانِ والغُرلَةَ بالإيمانِ. أفَنُبطِلُ النّاموسَ بالإيمانِ؟ حاشا! بل نُثَبتُ النّاموسَ. فماذا نَقولُ إنَّ أبانا إبراهيمَ قد وجَدَ حَسَبَ الجَسَدِ؟ لأنَّهُ إنْ كانَ إبراهيمُ قد تبَرَّرَ بالأعمالِ فلهُ فخرٌ، ولكن ليس لَدَى اللهِ. لأنَّهُ ماذا يقولُ الكِتابُ؟ "فآمَنَ إبراهيمُ باللهِ فحُسِبَ لهُ بِرًّا".
يتكلم مُعلمنا بولس الرسول في هذا الفصل أنه بأعمال الناموس لا يتبرر أحد أمام الله.. بل الكل يتبررون بالإيمان بيسوع المسيح، وذلك يبطل الإفخارستيا، ويثبت الناموس.. "لأنَّهُ بأعمالِ النّاموسِ كُلُّ ذي جَسَدٍ لا يتبَرَّرُ أمامَهُ. لأنَّ بالنّاموسِ مَعرِفَةَ الخَطيَّةِ. وأمّا الآنَ فقد ظَهَرَ بِرُّ اللهِ بدونِ النّاموسِ، مَشهودًا لهُ مِنَ النّاموسِ والأنبياءِ، بِرُّ اللهِ بالإيمانِ بيَسوعَ المَسيحِ" (رو3: 20-22).
"مُتَبَررينَ مَجّانًا بنِعمَتِهِ بالفِداءِ الذي بيَسوعَ المَسيحِ، الذي قَدَّمَهُ اللهُ كفّارَةً بالإيمانِ بدَمِهِ، لإظهارِ بِرهِ، مِنْ أجلِ الصَّفحِ عن الخطايا السّالِفَةِ بإمهالِ اللهِ، لإظهارِ بِرهِ في الزَّمانِ الحاضِرِ، ليكونَ بارًّا ويُبَررَ مَنْ هو مِنَ الإيمانِ بيَسوعَ" (رو3: 24-26).
ويظهر هذا الفصل.. إيمان السيدة العذراء ببشارة الملاك لها، عندما قال: "وأمّا الآنَ فقد ظَهَرَ بِرُّ اللهِ بدونِ النّاموسِ، مَشهودًا لهُ مِنَ النّاموسِ والأنبياءِ، بِرُّ اللهِ بالإيمانِ بيَسوعَ المَسيحِ، إلَى كُل وعلَى كُل الذينَ يؤمِنونَ".
الكاثوليكون (1يو1: 1-10 ، 2: 2)
"الذي كانَ مِنَ البَدءِ، الذي سمِعناهُ، الذي رأيناهُ بعُيونِنا، الذي شاهَدناهُ، ولَمَسَتهُ أيدينا، مِنْ جِهَةِ كلِمَةِ الحياةِ. فإنَّ الحياةَ أُظهِرَتْ، وقد رأينا ونَشهَدُ ونُخبِرُكُمْ بالحياةِ الأبديَّةِ التي كانَتْ عِندَ الآبِ وأُظهِرَتْ لنا. الذي رأيناهُ وسمِعناهُ نُخبِرُكُمْ بهِ، لكَيْ يكونَ لكُمْ أيضًا شَرِكَةٌ معنا. وأمّا شَرِكَتُنا نَحنُ فهي مع الآبِ ومع ابنِهِ يَسوعَ المَسيحِ. ونَكتُبُ إلَيكُمْ هذا لكَيْ يكونَ فرَحُكُمْ كامِلاً. وهذا هو الخَبَرُ الذي سمِعناهُ مِنهُ ونُخبِرُكُمْ بهِ: إنَّ اللهَ نورٌ وليس فيهِ ظُلمَةٌ البَتَّةَ. إنْ قُلنا: إنَّ لنا شَرِكَةً معهُ وسلكنا في الظُّلمَةِ، نَكذِبُ ولسنا نَعمَلُ الحَقَّ. ولكن إنْ سلكنا في النّورِ كما هو في النّورِ، فلنا شَرِكَةٌ بَعضِنا مع بَعضٍ، ودَمُ يَسوعَ المَسيحِ ابنِهِ يُطَهرُنا مِنْ كُل خَطيَّةٍ. إنْ قُلنا: إنَّهُ ليس لنا خَطيَّةٌ نُضِلُّ أنفُسَنا وليس الحَقُّ فينا. إنِ اعتَرَفنا بخطايانا فهو أمينٌ وعادِلٌ، حتَّى يَغفِرَ لنا خطايانا ويُطَهرَنا مِنْ كُل إثمٍ. إنْ قُلنا: إنَّنا لم نُخطِئْ نَجعَلهُ كاذِبًا، وكلِمَتُهُ ليستْ فينا".. "وهو كفّارَةٌ لخطايانا. ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا كُل العالَمِ أيضًا".
يتحدث هنا يوحنا الرسول عن ظهور السيد المسيح "الذي كانَ مِنَ البَدءِ، الذي سمِعناهُ، الذي رأيناهُ بعُيونِنا، الذي شاهَدناهُ، ولَمَسَتهُ أيدينا، مِنْ جِهَةِ كلِمَةِ الحياةِ. فإنَّ الحياةَ أُظهِرَتْ".
فهو هنا يعلن ظهور المخلص بدءًا بالبشارة بميلاده العجيب، الذي بشر به اليوم الملاك جبرائيل والدة الإله.. فهو يعلن أن "اللهَ نورٌ وليس فيهِ ظُلمَةٌ البَتَّةَ" (1يو1: 5).. وأنه يجب أن تكون شركتنا معه في النور فإن كانت "لنا شَرِكَةً معهُ وسلكنا في الظُّلمَةِ، نَكذِبُ ولسنا نَعمَلُ الحَقَّ. ولكن إنْ سلكنا في النّورِ كما هو في النّورِ، فلنا شَرِكَةٌ بَعضِنا مع بَعضٍ" (1يو1: 6-7).
وأخيرًا.. يعلن لنا أن الذي بُشر به اليوم هو شفيعنا عند الآب الذي هو المُخلص يسوع المسيح، وهو أيضًا كفارة لخطايانا وليس لخطايانا نحن فقط بل لخطايا كل العالم.
الإبركسيس (أع7: 30-34)
"ولَمّا كمِلَتْ أربَعونَ سنَةً، ظَهَرَ لهُ مَلاكُ الرَّب في بَريَّةِ جَبَلِ سيناءَ في لهيبِ نارِ عُلَّيقَةٍ. فلَمّا رأَى موسَى ذلكَ تعَجَّبَ مِنَ المَنظَرِ. وفيما هو يتقَدَّمُ ليَتَطَلَّعَ، صارَ إليهِ صوتُ الرَّب: أنا إلهُ آبائكَ، إلهُ إبراهيمَ وإلهُ إسحاقَ وإلهُ يعقوبَ. فارتَعَدَ موسَى ولم يَجسُرْ أنْ يتطَلَّعَ. فقالَ لهُ الرَّبُّ: اخلَعْ نَعلَ رِجلَيكَ، لأنَّ المَوْضِعَ الذي أنتَ واقِفٌ علَيهِ أرضٌ مُقَدَّسَةٌ. إني لقد رأيتُ مَشَقَّةَ شَعبي الذينَ في مِصرَ، وسمِعتُ أنينَهُمْ ونَزَلتُ لأُنقِذَهُمْ. فهَلُمَّ الآنَ أُرسِلُكَ إلَى مِصرَ".
يتحدث هنا سفر الأعمال.. عن ظهور الرب لموسى النبي في برية سيناء، في لهيب النار، في العليقة المضطرمة بالنار.. "ولَمّا كمِلَتْ أربَعونَ سنَةً، ظَهَرَ لهُ مَلاكُ الرَّب في بَريَّةِ جَبَلِ سيناءَ في لهيبِ نارِ عُلَّيقَةٍ. فلَمّا رأَى موسَى ذلكَ تعَجَّبَ مِنَ المَنظَرِ. وفيما هو يتقَدَّمُ ليَتَطَلَّعَ، صارَ إليهِ صوتُ الرَّب: أنا إلهُ آبائكَ، إلهُ إبراهيمَ وإلهُ إسحاقَ وإلهُ يعقوبَ. فارتَعَدَ موسَى ولم يَجسُرْ أنْ يتطَلَّعَ. فقالَ لهُ الرَّبُّ: اخلَعْ نَعلَ رِجلَيكَ، لأنَّ المَوْضِعَ الذي أنتَ واقِفٌ علَيهِ أرضٌ مُقَدَّسَةٌ" (أع7: 30-33).
وظهور الرب لموسى النبي في برية جبل سيناء في لهيب نار والعليقة يرمز إلى حَبَل السيدة العذراء بالسيد المسيح بدون رجل، أي بدون زرع بشر.. وهو إشارة واضحة لحلول اللاهوت في أحشاء السيدة العذراء، وخروج الإله المتجسد من بطنها الطاهرة، واتخاذ السيد المسيح جسدًا من جسدها الطاهر.. ثم يختم الفصل بقول الرب: "إني لقد رأيتُ مَشَقَّةَ شَعبي الذينَ في مِصرَ، وسمِعتُ أنينَهُمْ ونَزَلتُ لأُنقِذَهُمْ. فهَلُمَّ الآنَ أُرسِلُكَ إلَى مِصرَ" (أع7: 34).
فنزول الرب إلى مصر أرض العبودية لشعب الله هي مثلما نزل السيد المسيح إلى أرض الشقاء لكي يخلص البشر من سلطان الخطية وقبضة الشيطان.. ومصر هنا تشير إلى العبودية لشعب إسرائيل كما الأرض كلها تشير إلى عبودية الجنس البشري.
فنزل السيد المسيح إلى الأرض لكي يخلص كل من يؤمن به. فالفصل كله يحكى لنا مغزى روحي وهو نزول السيد المسيح إلى الأرض في بطن السيدة العذراء واتخاذه جسداً منها يولد به لكي يخلص جنس البشر من عبودية العدو الشيطان.