عمق قراءات أحاد شهر كيهك
الأحد الأول (٢)
الراهب القس بطرس البراموسي
إنجيل باكر (مر12: 41-44)
"وجَلَسَ يَسوعُ تُجاهَ الخِزانَةِ، ونَظَرَ كيفَ يُلقي الجَمعُ نُحاسًا في الخِزانَةِ. وكانَ أغنياءُ كثيرونَ يُلقونَ كثيرًا. فجاءَتْ أرمَلَةٌ فقيرَةٌ وألقَتْ فلسَينِ، قيمَتُهُما رُبعٌ. فدَعا تلاميذَهُ وقالَ لهُمُ: "الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنَّ هذِهِ الأرمَلَةَ الفَقيرَةَ قد ألقَتْ أكثَرَ مِنْ جميعِ الذينَ ألقَوْا في الخِزانَةِ، لأنَّ الجميعَ مِنْ فضلَتِهِمْ ألقَوْا، وأمّا هذِهِ فمِنْ إعوازِها ألقَتْ كُلَّ ما عِندَها، كُلَّ مَعيشَتِها".
يتحدث إنجيل باكر عن الأرملة التي ألقت فلسين في الخزانة، فبعدما أجاب السيد المسيح عن أسئلة رؤساء اليهود المختصة بالزواج بعد القيامة، وما هي الوصية العظمى في الناموس، ولمَنْ تُعطى الجزية... وغيرها من الأسئلة.. أخذ يحذر الناس من الكتبة والفريسيين ورياؤهم، ونطق عليهم بالويلات للمرة الثانية في (مت23: 13-26).
وبعد ذلك جلس السيد المسيح تجاه الخزانة لكي يعلّمهم درسًا لم يعوه ولم يدركوه.. فكثير من الأغنياء جاءوا وألقوا نقودًا كثيرة، ولكنها لم تكن من احتياجهم.. بل من فضلتهم، ولذلك فهم ليس لهم فضل فيما يعطونه لله، فهم يعطون من الزائد وليس من الاحتياج.
ولكن كان من بين الذين ألقوا في هذه الخزانة أرملة فقيرة جدًا.. جاءت لتقدم للرب من احتياجها، قدمت له فلسين قيمتها ربع (أي نصف مليم) (أي ما يعادل اليوم خمسة قروش).
فامتدح السيد المسيح هذه المرأة التي أعطت من احتياجها وليس من الفائض، كما ستفعل فيما بعد أم يوحنا المعمدان (أليصابات) العاقر.. فحينما فتح الرب رحمها، وأعطاها نسل لم تبخل به على الله، فهو وحيدها، ولكنها أعطته لله.. فتركها وذهب للبرية ليُعد طريق الرب.
الرسائل
الرسائل هنا تشير كلها إلى موضوع واحد، وهو: "طلبة أليصابات العاقر"، التي لم تكّل أن تطلب إلى الله أن يرزقها نسلاً، لكي ينزع عارها من بين الجميع.
البولس (رو1: 1-17)
"بولُسُ، عَبدٌ ليَسوعَ المَسيحِ، المَدعوُّ رَسولاً، المُفرَزُ لإنجيلِ اللهِ، الذي سبَقَ فوَعَدَ بهِ بأنبيائهِ في الكُتُبِ المُقَدَّسَةِ، عن ابنِهِ. الذي صارَ مِنْ نَسلِ داوُدَ مِنْ جِهَةِ الجَسَدِ، وتعَيَّنَ ابنَ اللهِ بقوَّةٍ مِنْ جِهَةِ روحِ القَداسَةِ، بالقيامَةِ مِنَ الأمواتِ: يَسوعَ المَسيحِ رَبنا. الذي بهِ، لأجلِ اسمِهِ، قَبِلنا نِعمَةً ورِسالَةً، لإطاعَةِ الإيمانِ في جميعِ الأُمَمِ، الذينَ بَينَهُمْ أنتُمْ أيضًا مَدعوّو يَسوعَ المَسيحِ. إلَى جميعِ المَوْجودينَ في روميَةَ، أحِبّاءَ اللهِ، مَدعوّينَ قِدّيسينَ: نِعمَةٌ لكُمْ وسلامٌ مِنَ اللهِ أبينا والرَّب يَسوعَ المَسيحِ. أوَّلاً، أشكُرُ إلهي بيَسوعَ المَسيحِ مِنْ جِهَةِ جميعِكُمْ، أنَّ إيمانَكُمْ يُنادَى بهِ في كُل العالَمِ. فإنَّ اللهَ الذي أعبُدُهُ بروحي، في إنجيلِ ابنِهِ، شاهِدٌ لي كيفَ بلا انقِطاعٍ أذكُرُكُمْ، مُتَضَرعًا دائمًا في صَلَواتي عَسَى الآنَ أنْ يتيَسَّرَ لي مَرَّةً بمَشيئَةِ اللهِ أنْ آتيَ إلَيكُمْ. لأني مُشتاقٌ أنْ أراكُمْ، لكَيْ أمنَحَكُمْ هِبَةً روحيَّةً لثَباتِكُمْ، أيْ لنتعَزَّى بَينَكُمْ بالإيمانِ الذي فينا جميعًا، إيمانِكُمْ وإيماني. ثُمَّ لستُ أُريدُ أنْ تجهَلوا أيُّها الإخوَةُ أنَّني مِرارًا كثيرَةً قَصَدتُ أنْ آتيَ إلَيكُمْ، ومُنِعتُ حتَّى الآنَ، ليكونَ لي ثَمَرٌ فيكُم أيضًا كما في سائرِ الأُمَمِ. إني مَديونٌ لليونانيينَ والبَرابِرَةِ، للحُكَماءِ والجُهَلاءِ. فهكذا ما هو لي مُستَعَدٌّ لتبشيرِكُمْ أنتُمُ الذينَ في روميَةَ أيضًا، لأني لستُ أستَحي بإنجيلِ المَسيحِ، لأنَّهُ قوَّةُ اللهِ للخَلاصِ لكُل مَنْ يؤمِنُ: لليَهودي أوَّلاً ثُمَّ لليوناني. لأنْ فيهِ مُعلَنٌ برُّ اللهِ بإيمانٍ لإيمانٍ، كما هو مَكتوبٌ: "أمّا البارُّ فبالإيمانِ يَحيا".
يوضح هنا إيمانها، فمُعلِّمنا بولس الرسول يُخاطب أهل رومية قائلاً: "أوَّلاً، أشكُرُ إلهي بيَسوعَ المَسيحِ مِنْ جِهَةِ جميعِكُمْ، أنَّ إيمانَكُمْ يُنادَى بهِ في كُل العالَمِ. فإنَّ اللهَ الذي أعبُدُهُ بروحي، في إنجيلِ ابنِهِ، شاهِدٌ لي كيفَ بلا انقِطاعٍ أذكُرُكُمْ، مُتَضَرعًا دائمًا في صَلَواتي عَسَى الآنَ أنْ يتيَسَّرَ لي مَرَّةً بمَشيئَةِ اللهِ أنْ آتيَ إلَيكُمْ. لأني مُشتاقٌ أنْ أراكُمْ، لكَيْ أمنَحَكُمْ هِبَةً روحيَّةً لثَباتِكُمْ، أيْ لنتعَزَّى بَينَكُمْ بالإيمانِ الذي فينا جميعًا، إيمانِكُمْ وإيماني" (رو1: 8-12).
مُعلِّمنا بولس الرسول يؤكد هنا على الإيمان.. موضحًا إيمان أليصابات في قوله: "لأنْ فيهِ مُعلَنٌ برُّ اللهِ بإيمانٍ لإيمانٍ، كما هو مَكتوبٌ: "أمّا البارُّ فبالإيمانِ يَحيا" (رو1: 17).
الكاثوليكون (يع1: 1-18)
"يعقوبُ، عَبدُ اللهِ والرَّب يَسوعَ المَسيحِ، يُهدي السَّلامَ إلَى الاِثنَيْ عشَرَ سِبطًا الذينَ في الشَّتاتِ. اِحسِبوهُ كُلَّ فرَحٍ يا إخوَتي حينَما تقَعونَ في تجارِبَ مُتَنَوّعَةٍ، عالِمينَ أنَّ امتِحانَ إيمانِكُمْ يُنشِئُ صَبرًا. وأمّا الصَّبرُ فليَكُنْ لهُ عَمَلٌ تامٌّ، لكَيْ تكونوا تامينَ وكامِلينَ غَيرَ ناقِصينَ في شَيءٍ. وإنَّما إنْ كانَ أحَدُكُمْ تُعوِزُهُ حِكمَةٌ، فليَطلُبْ مِنَ اللهِ الذي يُعطي الجميعَ بسَخاءٍ ولا يُعَيّرُ، فسَيُعطَى لهُ. ولكن ليَطلُبْ بإيمانٍ غَيرَ مُرتابٍ البَتَّةَ، لأنَّ المُرتابَ يُشبِهُ مَوْجًا مِنَ البحرِ تخبِطُهُ الريحُ وتدفَعُهُ. فلا يَظُنَّ ذلكَ الإنسانُ أنَّهُ يَنالُ شَيئًا مِنْ عِندِ الرَّب. رَجُلٌ ذو رأيَينِ هو مُتَقَلقِلٌ في جميعِ طُرُقِهِ. وليَفتَخِرِ الأخُ المُتَّضِعُ بارتِفاعِهِ، وأمّا الغَنيُّ فباتضاعِهِ، لأنَّهُ كزَهرِ العُشبِ يَزولُ. لأنَّ الشَّمسَ أشرَقَتْ بالحَر، فيَبَّسَتِ العُشبَ، فسَقَطَ زَهرُهُ وفَنيَ جَمالُ مَنظَرِهِ. هكذا يَذبُلُ الغَنيُّ أيضًا في طُرُقِهِ. طوبَى للرَّجُلِ الذي يَحتَمِلُ التَّجرِبَةَ، لأنَّهُ إذا تزَكَّى يَنالُ "إكليلَ الحياةِ" الذي وعَدَ بهِ الرَّبُّ للذينَ يُحِبّونَهُ. لا يَقُلْ أحَدٌ إذا جُرّبَ: "إني أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللهِ"، لأنَّ اللهَ غَيرُ مُجَرَّبٍ بالشُّرورِ، وهو لا يُجَرّبُ أحَدًا. ولكن كُلَّ واحِدٍ يُجَرَّبُ إذا انجَذَبَ وانخَدَعَ مِنْ شَهوتِهِ. ثُمَّ الشَّهوةُ إذا حَبِلَتْ تلِدُ خَطيَّةً، والخَطيَّةُ إذا كمَلَتْ تُنتِجُ موتًا. لا تضِلّوا يا إخوَتي الأحِبّاءَ. كُلُّ عَطيَّةٍ صالِحَةٍ وكُلُّ مَوْهِبَةٍ تامَّةٍ هي مِنْ فوقُ، نازِلَةٌ مِنْ عِندِ أبي الأنوارِ، الذي ليس عِندَهُ تغييرٌ ولا ظِلُّ دَوَرانٍ. شاءَ فوَلَدَنا بكلِمَةِ الحَق لكَيْ نَكونَ باكورَةً مِنْ خَلائقِهِ".
يوضح هنا صبرها في وصية مُعلِّمنا يعقوب الرسول للشعب أن يصبروا على كل ما يصيبهم من تجارب قائلاً: "عالِمينَ أنَّ امتِحانَ إيمانِكُمْ يُنشِئُ صَبرًا" (يع1: 3).
فالعُقر الذي كانت تعاني منه أليصابات كان امتحان لها، لتزكية إيمانها وصبرها.. "ليَنزِعَ عاري بَينَ الناسِ" (لو1: 25).
لذلك يطوّب الذين يحتملون التجربة فيقول: "طوبَى للرَّجُلِ الذي يَحتَمِلُ التَّجرِبَةَ، لأنَّهُ إذا تزَكَّى يَنالُ "إكليلَ الحياةِ" الذي وعَدَ بهِ الرَّبُّ للذينَ يُحِبّونَهُ" (يع1: 12).
الإبركسيس (أع1: 1-14)
"الكلامُ الأوَّلُ أنشأتُهُ يا ثاوُفيلُسُ، عن جميعِ ما ابتَدأَ يَسوعُ يَفعَلُهُ ويُعَلمُ بهِ، إلَى اليومِ الذي ارتَفَعَ فيهِ، بَعدَ ما أوصَى بالرّوحِ القُدُسِ الرُّسُلَ الذينَ اختارَهُمْ. الذينَ أراهُمْ أيضًا نَفسَهُ حَيًّا ببَراهينَ كثيرَةٍ، بَعدَ ما تألَّمَ، وهو يَظهَرُ لهُمْ أربَعينَ يومًا، ويتكلَّمُ عن الأُمورِ المُختَصَّةِ بملكوتِ اللهِ. وفيما هو مُجتَمِعٌ معهُمْ أوصاهُمْ أنْ لا يَبرَحوا مِنْ أورُشَليمَ، بل يَنتَظِروا "مَوْعِدَ الآبِ الذي سمِعتُموهُ مِني، لأنَّ يوحَنا عَمَّدَ بالماءِ، وأمّا أنتُمْ فسَتَتَعَمَّدونَ بالرّوحِ القُدُسِ، ليس بَعدَ هذِهِ الأيّامِ بكَثيرٍ". أمّا هُمُ المُجتَمِعونَ فسألوهُ قائلينَ: "يارَبُّ، هل في هذا الوقتِ ترُدُّ المُلكَ إلَى إسرائيلَ؟". فقالَ لهُمْ: "ليس لكُمْ أنْ تعرِفوا الأزمِنَةَ والأوقاتَ التي جَعَلها الآبُ في سُلطانِهِ، لكنكُمْ ستَنالونَ قوَّةً مَتَى حَلَّ الرّوحُ القُدُسُ علَيكُمْ، وتكونونَ لي شُهودًا في أورُشَليمَ وفي كُل اليَهوديَّةِ والسّامِرَةِ وإلَى أقصَى الأرضِ". ولَمّا قالَ هذا ارتَفَعَ وهُم يَنظُرونَ. وأخَذَتهُ سحابَةٌ عن أعيُنِهِمْ. وفيما كانوا يَشخَصونَ إلَى السماءِ وهو مُنطَلِقٌ، إذا رَجُلانِ قد وقَفا بهِمْ بلِباسٍ أبيَضَ، وقالا: "أيُّها الرجالُ الجليليّونَ، ما بالُكُمْ واقِفينَ تنظُرونَ إلَى السماءِ؟ إنَّ يَسوعَ هذا الذي ارتَفَعَ عنكُمْ إلَى السماءِ سيأتي هكذا كما رأيتُموهُ مُنطَلِقًا إلَى السماءِ". حينَئذٍ رَجَعوا إلَى أورُشَليمَ مِنَ الجَبَلِ الذي يُدعَى جَبَلَ الزَّيتونِ، الذي هو بالقُربِ مِنْ أورُشَليمَ علَى سفَرِ سبتٍ. ولَمّا دَخَلوا صَعِدوا إلَى العِلّيَّةِ التي كانوا يُقيمونَ فيها: بُطرُسُ ويعقوبُ ويوحَنا وأندَراوُسُ وفيلُبُّسُ وتوما وبَرثولَماوُسُ ومَتَّى ويعقوبُ بنُ حَلفَى وسِمعانُ الغَيورُ ويَهوذا أخو يعقوبَ. هؤُلاءِ كُلُّهُمْ كانوا يواظِبونَ بنَفسٍ واحِدَةٍ علَى الصَّلاةِ والطلبَةِ، مع النساءِ، ومَريَمَ أُم يَسوعَ، ومع إخوَتِهِ".
يتكلم عن انتظار الرسل في أورشليم، حتى يحل عليهم الروح القدس.. فهم "كانوا يواظِبونَ بنَفسٍ واحِدَةٍ علَى الصَّلاةِ والطلبَةِ، مع النساءِ، ومَريَمَ أُم يَسوعَ، ومع إخوَتِهِ" (أع1: 14).
فهو يشير هنا إلى مواظبة زكريا على الصلاة والطلبة من أجل أن يرزقه الله نسلاً.. وبالفعل حدث ذلك كما سنرى في الإنجيل.