رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
سمعان والجواب على سؤاله الخفي في عرف القوانين الوضيعة في كافة أنحاء العالم، أن الأفكار الداخلية للإنسان لا رقابة عليها، ولا تكون جريمة إذا كانت شرًا ما لم يفصح صاحبها عن مكنونها بتصرف عملي، ولا جواب عليها ما لم تخرج إلى مسرح الحياة بصورة ما، ولكن الأمر ليس هكذا مع المسيح، الذي يقرأ ما في داخل الإنساني، والذي يتجاوب مع الأفكار سلبًا أو إيجاباً، كما لو أنها تمت فعلاً على مسرح الحياة، والعبرة عنده بالفكر قبل العمل، وما العمل إلا ترجمة مكشوفة عما يكنه الفؤاد، وقصة سمعان كشفت عن صورتين : واحدة مخبؤة، والأخرى ظاهرة بينه، أما المخبؤة فقد كشف المسيح عما جرى في ذهن سمعان وأذهان الآخرين المدعوين، وقدكان يعوزها الشجاعة للظهور، والإنسان مرات كثيرة ما يقرر في سره من الأمور، ما يظن ألا حساب عليها، مادام الناس لا يدركونها أو يطلعون عليها، لكن المسيح يكشف المخبؤ والظاهر، ويري الاثنين، فلا ظاهر يخدعه عما يجري في السر، ولا سر يخفي عليه وراء الظاهر من الأعمال،وهو الذي قال عنه المرنم في المزمور المائة والتاسع والثلاثين : «فقلت إنما الظلمة تغشاني. فالليل يضي حولي. الظلمة أيضًا لا تظلم لديك والليل مثل النهار يضيء كالظلمة هكذا النور» (مز 139 : 11 و12)0 فإذا تطلعنا إلى الحقيقة نجد أن المسيح دائماً يبحث عما هو في الخفاء. فماذا رأى المسيح في سمعان والمرأة من الخفيات، لقد رأى المسيح في المرأة إيمانًا لا يعرفه سمعان، لقد عاش سمعان يحكم على الظاهر في المرأة أنها امرأة خاطئة كما تعرفها المدينة كلها، ولكن سمعان لم ير شيئاً آخر في المرأة، ولم يره المتكأ ون معه، ولم تره المدينة بأكملها، ولكن المسيح رآه، لقد ضاقت المرأة بحياة الفساد التي تعيشها، وتحول الضيق كراهية ودموعًا، ولم تجد في المدينة كلها من يستطع أن يفهم أعماقها وتوبتها عن الماضي الملوث، إلا ذلك الضيف الذي وفد على المدينة، وهو يبدو في حنانه وحبه وحدبه ورفقه، صديقًا لمن لا صديق له، ومحبًا لمن يبدو مكروهًا من جميع الناس، لاشك أن المرأة رأت في وجهه شيئًا يغاير جميع الوجوه، ولاشك أنها استمعت إلى كلمات الحنان والحب والرحمة التي تحولت ينبوعًا دفقًا لنفسها الظمأي، ولاشك - وقد رأته يساعد البائس والأبرص والتعس والملوث - في أنه يمكن أن يفتح لها الباب الذي أوصده الجميع في وجهها، ولذلك سعت إليه بشجاعة عجيبة قال المسيح لها «إيمانك قد خلصك. إذهبي بسلام» (لو 7 : 50) ولعله من أوجب الواجبات أن نذكر هنا أن المسيح تحدث عن إيمانها، كسبب خلاصها، والفرق بين هذا الإيمان وحبها، كالفرق بين السبب والنتيجة، وبين الأصل والثمر، فالإيمان والإيمان وحده، هو الذي خلصها، وليس قبله أو بعده أو إلى جواره شيء آخر، وهذا ظاهر من مثل المسيح عن المديونيين، أحدهما بخمسئة دينار والآخر بخمسين، وإذ لم يكن لهما ما يوفيان سامحهما جميعًا» وليس في القصة أكثر من الرحمة بالأثنين، مع إفلاسها، وحاجتهما إلى المسامحة، وجميعنا نبدو في الصورة على نفس المستوى، كثرت خطايانا أم قلت، وكلنا إلى الهلاك ذاهبون، لولا إحسانه ورحمته، ولولا إيماننا بهذا الإحسان والرحمة!! على أن هذا الإيمان يجد برهانه الصحيح في التصرف، والنتائج المترتبةعليه، وهنا لا يجوز لنا خلط السبب بالنتيجة فالمسيح وهو يتحدث عن الحب، إنما يتحدث عنه كبرهان على الإيمان وثمر ضروري له، وعلى قدر عمق الإيمان، يظهر الحب وينتج أثره، والإيمان هو الذي يكشف لنا عن حقيقة نفوسنا وخطايانا وبعدنا عن الله، وهو الذي يكشف لنا عن مدى الهوة التي وصلنا إليها، ويكشف لنا في الوقت ذاته عن غنى رحمة الله الواسعة التي تشمل حياتنا جميعًا، فإذا لم يحس الإنسان هذا أو أحس به إحساسًا ضعيفًا، فإن هذا مرجعه إلى عدم الإيمان أو ضعفه، أما الإيمان الصادق العميق، فهو الذي يحسب نفسه أسير حب الله وإحسانه ومراحمه، وهو أمام هذا الينبوع الدافق من الحب يفيض قلبه بالحب المتبادل مع إلهه!! |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
سؤاله عن الزواج والقيامة |
سؤاله عن الجزية |
سؤاله عن سرّ سلطانه |
جاوب بصراحة على سؤاله أتحبني؟؟ |
الجمل يخزن الماء في سنامه |