|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
زربابل والجبل العظيم لا تكاد تعرف المعنى الدقيق للأسم « زربابل » ، وإن كان من المرجح عند البعض أن الاسم يعنى « زرع بابل»، وعلى أية حال ، إن هذا الأسم يرتبط ببابل بمعنى مؤلم عميق ، ... ولعله يكشف أن زربابل ، الذى خرج من بابل على رأس العائدين إلى أورشليم ، لم تخرج ذكريات بابل من أعماق نفسه أو وجدانه ، ... لقد علق المسبيون فى بابل أعوادهم على الصفصاف ، وهم يبكون عند تذكر مدينتهم الحبيبة ، ويفضلون أن يلتصق لسانهم بحنكهم قبل أن يرنموا ترنيمة من ترنيمات صهيون !! .. ولعل زربابل كان يمد بصره إلى بعيد ، وكلما امتدت به الرحلة مقترباً من أورشليم كلما يتطلع بشغف إلى مدينة أحلامه وروأه ، ... وما أن وقف على مشارف المدينة ، ورأى خرابها الرهيب ، حتى أطلق لنفسه العنان فى البكاء والصراخ ، ... لقد رأى المدينة أكواماً من تراب ، ورأى بقايا أكثر رهبة وأشد هولاً ، ألا وهى بقايا هيكل اللّه الذى تحول أنقاضاً وركاماً ، تحكى قصة عز دارس ، ومجد هوى إلى الرماد والحضيض ، ولست أبالغ فى القول : إن عقدة نفسية - لابد - ملأت كيانه باليأس والعجز ، وهو يرى قصة بلاده المفجعة من بين الخرائب والأنقاض ، .. وهنا بدأ الجبل العظيم يلوح أمام عينيه من اللحظة الأولى ، ويتمكن فى وجدانه من أول دقيقة وطأت فيها قدماه أرض أورشليم ! ... أخذ يقارن بين حال المسبيين فى بابل ، وحالهم فى أورشليم ، ولعله رأى الفارق البعيد بين الحالين ، إذ كان المسبيون فى بابل أشبه بالتين الجيد أذا قورن بالباقين فى أورشليم الذين تحولوا تينا رديئاً عطنا لا يؤكل ، كانو قلة مبعثرة ولا قوة لهم ولا رجاء فيهم ، ومأساتهم البالغة أنهم تحولوا جماعات تسعى إلى صالحها الفردى أو البيتى ، وقد ضرب الهوان عليهم من كل جانب ، وهم وصوليون نفعيون ، لا هم لهم إلا أن يعيشوا ويأكلوا لأنهم غداً يموتون!! ... كانت حياتهم أدنى إلى حياة العبيد الذين خاض ابراهام لنكولن من أجلهم الحرب الأهلية الأمريكية ، وكتب لهم وثيقة التحرير ، وعندما أعلن ذلك لزعيمهم فردريك دوجلاس نهض الرجل على قدميه وقال فى تأثير عميق : لقد وهبتهم يا سيدى الحرية ولكنهم يحتاجون إلى سنوات طويلة ليتذوقوها ، لأنهم إذا كانوا قد خرجوا من العبودية ، فإن العبودية لم تخرج منهم بعد ، .. وهذه حقيقة مؤكدة بالنسبة للشعوب المغلوبة على أمرها ، والتى جعلت الإسرائيليين الخارجين من مصر يحنون إلى الكرات والثوم والجلوس عند قدور اللحم ، مفضلين إياها على الحرية التى كانوا فى الطريق إليها والأخذ بأسبابها !! كان زربابل فى أورشليم قائداً وحاكماً لشعب قليل فقير مبعثر ذليل ، ... وإلى جانب هذا كله ، كان محاطاً بأعداء أقوياء ، كل همهم القضاء على أية محاولة لإنهاض هذا الشعب أو إنها صورة العالم يحيط بالقطيع الصغير ، كما تحيط جماعة الذئاب بالحملان التى لاقوة لها أو سلاح تدافع به عن نفسها !! وقد ظهر هذا بوضوح فى قصة زربابل عند بناء الهيكل ، إذ أن زربابل بادر ببناء المذبح ليوقد الشعب عليه الذبائح ، وعندما شرع فى بناء الهيكل وجد أمامه شعباً ضائعاً لا يكاد يقوى على البناء ، ووجد أعداء أقوياء يمنعونه من البناء بالتآمر والسلاح ، ... وضع حجر الأساس ، ولم يستطع طوال عشرين عاماً أن يتمم البناء أو يبلغ حجر الزاوية ، ... وانصبت الصعاب أمامه كالجبل العظيم ، الذى يسد عليه السبيل إلى النجاح والصلاح . |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
الهيكل الجديد والختم الإلهي |
كالب والجبل المقدس |
مريم والحبل الإلهي |
خليج كوتور والجبل الأسود |
المخ والحبل الشوكي للإنسان |