منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 05 - 06 - 2013, 07:59 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,276,003

أيوب
" بسمع الأذن قد سمعت عنك والآن رأتك عين "
" أى 42 : 5 "
أيوب
مقدمة
عندما أفاقت الفتاة فرانسس من المخدر أثر عملية كبيرة ، قالت لها الطبيبة التى كانت تقف إلى جوارها : تشددى يا فتاتى إن هى إلا بضع ساعات تتحررين بعدها من الآلام ، وفى الغد لن تشعرى بآلام أقسى وأشد ..
وأجابت الفتاة الجميلة ، وعيناها تلتهبان بشواظ من الضيق والتمرد : إن الأمر لا يقتصر على وليس بى أدنى خوف من الغد ، فإن فى أعماقى شيئاً يقهر الألم القاسى،... لكن المشكلة التى تفزعنى هى فى آلاف الناس فى العالم الذين يطحنهم الألم، .. والكثيرون منهم ليس لهم قدرة على النضال ، والسؤال الذى ربما تضيقين به ، ولكنه يراودنى : كيف أحب إلهاً يسمح بهذه الآلام ؟ ولعلك تقولين ، إنه ليس مسئولا عن الآلام ، إذ هى خطية الناس التى تجلب عليهم آلامهم ، ومع ذلك فأنا أعلم أنه قادر على كل شئ فلم يسمح لهم بالآلام ؟ !! ... وقالت الطبيبة : أجل ، أنا أعلم أن بعض الآلام تأتى من خطايا الناس ، .. ولا أعلم لماذا يسمح اللّه بالكثير من الآلام التى قد لا تكون نتيجة مباشرة للخطية !! .. ومع ذلك أود أن أقول لك : إن هناك فتاة شابة فقيرة على مقربة منك ، وقد تعرضت هذه الفتاة لمرض خطير ، وكان من المستحيل أن تقاوم المرض ، ما لم يكن لها الروح المعنوية العالية التى تتغلب بها عليه ، .. وقد قصصت عليها شجاعتك فى تحمل الآلام ، إلى درجة أنها تود رؤياك وتشتاق أن تسمع كل شئ عنك !! ... وربما لا تعلمين أنه لولا قصتك لما اجتازت الفتاة محنة مرضها !! .. وإذ سمعت فرانسيس هذا امتلأت تأثراً وقالت للطبيبة : أنا لا أستحق أن أوصف بهذه الصورة التى رسمتيها لى ، وأود أن أرسل إليها باقة من الزهور !! .. وإذا بنوبة من الألم تسكتها .. وأكملت الطبيبة الكلام قائلة : وسأقول لها : إنكما تقفان معاً على خط النار !! ... وقصة أيوب فى كل التاريخ هى قصة الواقفين على خط النار فى أتون الآلام ، إذ هو الرجل الذى تتطلع إليه الأجيال كنموذج عظيم للانتصار على التجارب والمآسى : أو كما يذكر الرسول يعقوب : " ها نحن نطوب الصابرين ، قد سمعتم بصبر أيوب ورأيتم عاقبة الرب لأن الرب كثير الرحمة ورؤوف " يع 5 : 11 " . ولعلنا بعد هذا كله يمكن أن نرى القصة فيما يلى :
أيوب من هو :
يعتقد بعض المفسرين أن الاسم " أيوب " من الكلمة العبرية التى تناظر فى العربية " آب " أى رجع .. فهو " التائب " أو " الراجع " . ولعلهم قصدوا أن يصوروه فى قوله أمام اللّه : " لذلك أرفض وأندم فى التراب والرماد " " أيو 42 : 6 " .. وهناك من يعتقد أن الاسم يعنــــى " المضطهـــــــــد " أو " المتألم " ... وأياً كان الاسم ، فما من شك أن الرجل كان شخصية تاريخية ، وليس مجرد شخصية خيالية أو رمزية ، ... وحجة المنادين بأنه شخصية رمزية ، أن مقدمة السفر وخاتمته جاءت نثراً ، وأما البقية فقد كانت شعراً رائعاً وعظيماً ، .. ومثل هذا لا ينهض حجة ضد تاريخية الرجل ، فإن الشعر فى كل أقطار الأرض تناول أناساً تاريخيين دون أن يقدح هذا فى شخصياتهم التاريخية ، ... فإذا قيل إن الأرقام الواردة به وردت ابتداء وتضاعفت انتهاء فى البهائم والسائمة والماشية وأن أرقامها الدائرية ، لا تعطى حقيقة تاريخية ، كان الرد أن هذه أيضاً حجة واهية ، لأن كاتب السفر لم يقصد أن يسجل عددها ، بقدر ما أراد أن يسجل مضاعفة بركة اللّه للرجل الذي احتمل التجربة ، ... وأن الأولاد فقط هم الذين كان عددهم مماثلا فى النهاية للذين ذهبوا إلى اللّه فى الكارثة التى أحدثها الشيطان ، فهم لم يضيعوا ، بل حفظوا فى المجد إلى أن لحق بهم أبوهم وأخوتهم !! ..
وهناك حجة ثالثة تقول إن السفر قد ضم إلى الكتب التعليمية ، كسفر المزامير والأمثال والجامعة والمراثى ، ولم يضم إلى الكتب التاريخية، ... غير أن هذه الكتب نفسها تعد حجة مع أيوب كشخصية تاريخية ، وليست ضده ، لأن الكتب التعليمية كانت هى ذاتها ، والكثير مما تضمنته وقائع تاريخية ، لأشخاص تاريخيين !! .. وفى الواقع أن كتاب سفر أيوب ، هو كما وصفه فيكتور هوجو قائلا : ربما هو أعظم كتاب على الأرض واجه الذهن البشرى .
وكان أيوب شخصية تاريخية ، ذكره حزقيال النبى كشخصية تاريخية يقـــول عنهــــــا اللّه له : " ياابن آدم إن أخطأت إلى الأرض ... وكان فيها هؤلاء الرجال الثلاثة : نوح ، ودانيال وأيوب ... إن عبرت فى الأرض وحوشاً ... وفى وسطها هؤلاء الرجال الثلاثة ، فحى أنا يقول السيد الرب إنهم لا يخلصون بنين ولا بنات هم وحدهم يخلصون ... " " حز 14 : 13 - 20 " ... ويقول أيضاً يعقوب الرسول : وقد سمعتم بصبر أيوب ورأيتم عاقبة الرب لأن الرب كثير الرحمة ورؤوف " " يع 5 : 11" ويعتقد مارتن لوثر أن أيوب شخصية تاريخية ، وأن كاتب السفر رجل تقى عميق الفهم والدراية الكتابية !! .... ومن الواضح أن أيوب كان أعظم رجل شرقى فى عصره، وأنه من " عوص " التى يعتقد أنها كانت فى الطرف الشمالى للجزيرة العربية، وتقع بين فلسطين ونهر الفرات ، .. وربما كانت المدينة على اسم " عوص " من سلالة سام !! ..
فإذا تحولنا إلى أخلاق الرجل وصفاته ، نجد أنه وصف بأربعة أوصاف أساسية : " وكان هذا الرجل كاملا ، ومستقيما ، يتقى اللّه ، ويحيد عن الشر " " أيو 1 : 1 و 8 ، 2 : 3 ".. ولا يعنى الكمال أنه كان بلا خطية ، .. فهو قد تحدث عن خطاياه ، وأنه لا يمكن أن يظهر الإنسان كاملا أمام اللّه ، .. ولكن الكمال بالمعنى النسبى ، وهو التوازن الخلقى الذى يظهر فيه الإنسان " موزوناً " على حد التعبير الشائع ، بدون ازدواج أو انفصام فى الشخصية ، أو يعتبر ملوماً فى هذا أو ذاك من أوضاع الحياة،... وقد أوضح الرسول بولس هذا الكمال النسبى فى رسالة فيلبى عندمـــــــا قـال : " ليس أنى نلت أو صرت كاملا ولكنى أسعى ... فليفتكر هذا جميع الكاملين منا ... " " فى 3: 12 - 15 " ... إن الولد الصغير الذى ينال الدرجة النهائية فى الحساب مثلا درجة الكمال ، ليس معناه أنه أصبح عالماً فى الرياضيات لا يحتاج إلى نمو فى معرفته للحساب ، ... لكنه الكمال الذى ينمو ويتحول كمالا آخر مع تزايد المعرفة والإدراك،... ولعل هذا الكمال يتضح فى السلوك المستقيم الذى لا يعرف الالتواء ، بل يتبع الخط المستقيم طوال الطريق كلها ، والرجل لا يمكن أن يكون هذا إلا إذا توفر له أمران : أحدهما داخلى ، والآخر خارجى ، أحدهما مع اللّه والآخر مع الناس ، أحدهما فى السريرة ، والآخر فى السيرة ، ... فهو فى السريرة الداخلية " يتقى اللّه " أى يخاف اللّه ويخشاه ويجله ويحترمه ، .. وهو فى السيرة أمام الناس " يحيد عن الشر " أى يتباعد عنه ، ولا يرتبط به بأية صورة من الصور !! ..
أيوب والحوار غير المنظور :
إن النقطة التى يبدأ بها سفر أيوب ، وينتهى ، هى الحوار غير المنظور ، بين اللّه والشيطان ابتداء ، وبين اللّه وأيوب انتهاء ، ... ومن اللازم أن نشير إلى أن أهم ما فى الوجود ، ومن فى الوجود ، هو غير المنظور ، وأن مصائر الحياة ، تتعلق بغير المنظور دون أدنى شبهة أو شك ، ... وإن أقل ما فى الوجود هو المنظور ، ... وإن أقل ما يجرى بين الناس هو المنظور ، وأنه كان من الطبيعى إذا أردنا لقصة أيوب أن تتصور على حقيقتها ، أن نبدأ بغير المنظور ، أو أن نبدأ بالمنظر العلوى غير المكشوف للعين البشرية ، الذى يمثل فيه الشيطان فى حضرة اللّه ، ... والسؤال : كيف يمثل ، وهل يمثل برغبته ، أم يمثل بأمر أو سماح من اللّه ؟؟ إنها أسئلة عويصة ، ليس من السهل الإجابة عليها ، وإن كنا نعلم أنها حقيقة واقعة ، وأن ما يحدث على الأرض فى حياة الناس أو البيوت أو المجتمعات أو الممالك ، يحدث فى العادة لأن غير المنظور تحكم فى المنظور ، ... وأن الناس لا تعرف فى العادة من الحقيقة : إلا أقلها وأبسطها ، .. فهذا الشيطان الذى مثل أمام اللّه يطلب أيوب ، هو نفسه الذى مثل أمام السيد لنفس الشئ تلاميذ المسيح . وكما ادعى الشيطان أن أيوب لا يعبد اللّه مجاناً ، وأنه لو سلم فى يده لأثبت هذا ، هو نفسه الذى أراد أن يفتك بتلاميذ المسيح ، وهو يصورهم على استعداد أن يتركوا المسيح عند أقل بادرة : " هوذا الشيطان طلبكم لكى يغربلكم كالحنطة " .. ( لو 22 : 31 ) .. وهو الذى يشتكى على المؤمنين ليلا ونهاراً أمام اللّه ، " رؤ 12 : 10 " ..
ولو أننا تأملنا هذا الحوار المثير لأدركنا أنه تحد للّه ، أكثر من تحد لأيوب ، وكأنما الشيطان يريد أن يقول للّه إن نعمته ليست كافية قط لأن تحفظ الإنسان ، فى شتى التجارب والآلام ، وأن العلاقة بين الإنسان واللّه ، ليست هى نوعاً من الحب بين الإنسان واللّه ، الحب العميق المجرد الخالص ، بل هى نوع من المتاجرة ، يجزل اللّه العطاء ليكسب ولاء الإنسان وتعبده وصلاته ، ... وهذا الاتهام التعس الرخيص ، إذا كان يصيب الإنسان فى الصميم ، فإنه يجرح مشاعر اللّه ولا شك ، واللّه الآب السماوى لا يقبل أن تكون علاقته بابنه المؤمن ، مجرد علاقة وصولية نفعية ، يعطى فيه الابن مقابل ما يأخذ ، أو يقدم على أساس الانتفاع والمصلحة ، ... وقد أخذت قصة أيوب قوتها أمام الأجيال والتاريخ ، فى أن اللّه يريد أن يكشف الحقيقة الثابتة لديه ، والغائبة عن العالم والشيطان والتاريخ : إن نعمة اللّه الحافظة قوية منتصرة على طول الخط ، وأن علاقة المؤمن باللّه تضرب جذورها العميقة فى المحبة الإلهية - محبة المسيح لنا وليست محبتنا للمسيح - والتى جعلت بولس يتحدى الشيطان فى قوله العظيم: " من سيشتكى على مختارى اللّه ؟ اللّه هو الذى يبرر . من هو الذى يدين . المسيح هو الذى مات بل بالحرى قام أيضاً الذى هو أيضاً عن يمين اللّه الذى أيضاً يشفع فينا . من سيفصلنا عن محبة المسيح ؟ أشده أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عرى أم خطر أم سيف ؟ كما هو مكتوب اننا من أجلك نمات كل النهار قد حسبنا مثل غنم للذبح . ولكننا فى هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذى أحبنا . فإنى متيقن أنه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة ولا علو عمق ولا خليقة أخرى تقدر أن تفصلنا عن محبة اللّه التى فى المسيح يسوع ربنا " " رو : 33 - 39"..
إن الحقيقة المثيرة التى ينبغى أن ننبه الناس إليها ، فى قصة أيوب ، والتى تقلبها رأساً على عقب ، هى أن أيوب صمد فى المعركة لسبب واحد لا أكثر ولا أقل ، وقد ذكره السيد المسيح فى قوله : " وأنا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد ولا يخطفها أحد من يدى ، أبى الذى أعطانى إياها هو أعظم من الكل ولا يقدر أحد أن يخطف من يد أبى " .. " يو 10 : 28 و 29 " عندما هدد الكاردينال " كاجيتان " لوثر وهو يقول له : " إن خنصر البابا أغلظ من ألمانيا التى أنت متكل عليها ، وأين تكون أنت عند ئذاك ؟!! ... وأجاب لوثر : أكون حيث أنا الآن فى قبضة يمين القادر على كل شئ !! .. قال أحدهم : إن الشيطان رغم معرفته بحقائق كثيرة ، لكن هناك حقيقة يجهلها أو لا يستطيع أن يصل إلى عمقها ، وهى قدرة نعمة اللّه الفعالة فى حفظ الناس!! .. وهذه الحقيقة ليست مجرد خيال أو تصور ، أو من باب التخمين أو الاستنتاج ، بل إنها واضحة من القصة نفسها ، لقد استنفد شيطان تجاربه بالقضاء على ثروة أيوب وأولاده ، بسماح من اللّه ، ثم عاد مرة أخرى يطلب مواصلة الامتحان فى جسده ، وأعطى له كل شئ بحدود ، فهو ليس مطلق التصرف ، وعندما طلب التلاميذ ليغربلهم كالحنطة . .. كان هناك طلب آخر ، مضاد ومعاكس لطلب الشيطان ، وهو طلب المسيح " طلبت من أجلك لكى لا يفنى إيمانك . وأنت متى رجعت فثبت إخوتك " . " لو 22 : 32 ".. لقد ذهب يهوذا لأنه كان ابن الهلاك ، وبقى بطرس لا لقوة فيه ، بل للحارس الضامن بأعجوبة النعمة الإلهية الفعالة فى حياة المؤمنين !! ... أما ما هى البواعث العميقة فى قلب اللّه للمنح أو للترك ؟؟؟ ... فهذا سؤال أعمق من أن يصل إليه الإنسان فى العالم الحاضر ، وربما يشاء اللّه فى جلاله الأبدى أن يبقيه ، إلى أن يكشف حكمته العظيمة الكلية ، فيما وراء عالمنا المنظور وفى مجده الفائق فى السماء ، ... ومن الثابت على أية حال أن صراعنا الأكبر فى الأرض ، ليس الصراع مع المنظور ، بل مع غير المنظور ، أو كما يقول الرسول بولس : " البسوا سلاح اللّه الكامل لكى تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد ابليس ، فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء مع السلاطين ، مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية فى السماويات " " أف 6 : 11 و 12 " إن الناس ، كبروا أو صغروا ، ما هم إلا دمى فى يد الشيطان يلعب بهم ويستخدمهم فى حربه مع المؤمنين !! .. ومن أول التاريخ البشرى حتى نهايته ، من اللحظة التى اختبأ فيها الشيطان فى الحية ، والتى ظهر فيها فى الصليب من وراء قيافا وبيلاطس واليهود والرومان ، ... والتى فيها ارتكب يهوذا جريمته الكبرى بعد أن دخله الشيطان ، ... وإلى آخر القصة البشرية ، لا ينبغى أن نحول النظر عنه ، لأنه دائم الجولان والتمشى فى الأرض ، " ولأن ابليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمساً من يبتلعه هو " ... " 1 بط 5 : 8 " هل يستطيع البشر كتابة التاريخ من هذه الزاوية ؟ ، .. إنهم إن عجزوا ، فإن الأبدية سترويه وستقصه من هذه النقطة المثيرة التى لا يتعمق الناس فى دراستها ، وهم يناقشون مسرحية الإنسان ولعبته الكبرى فى الأرض !! .
أيوب والحوار المنظور مع أصحابه :
فإذا تركنا الخلفية غير المنظورة ، وتحولنا إلى الحوار المنظور ، وهو الحوار الذى قام بين أيوب وبين أصدقائه الأربعة ، ... ولكن قبل أن نتعرض لهذا الحوار ، لابد أن نشير إلى أن لغز الألم أعمق من أن يكشف عنه البشر فى الأرض !! .. قال جـ . ولا س هاملتون : " لا يمكن لأى إنسان إلا الأحمق أن يدعى معرفة الجواب عن كل آلام الإنسان فى العالم ، ... إن آلام الإنسان مغطاة بالرهبة وبالفزع المقدس ، وهى التى تجعله يصرخ فى اتجاه السماء قائلا : لماذا !! ؟ ... وأحكم الناس على الأرض ، لا يستطيعون معرفة لماذا !! ... ومع ذلك ، فنحن لسنا فى ظلام مطبق !! ... فالناس الذين يشتكون ، كثيراً ما ينسون أن شكواهم ما هى إلا خلاصة الاختيار الذى اختاروه هم لأنفسهم !! .. ومع ذلك فليس الكل يشتكون دائماً ، إذ نحن نعيش فى عالم واحد ، والناس يدخلون الاختبار الواحد بدرجات مختلفة ، وتقبل الإنسان الأمور بالشك أو الإيمان ، إنما هو عملية داخلية بينه وبين نفسه !! .. ورد الفعل عند البعض بالمرارة والتذمر ، وعند آخرين هو التدرب على اليقين بأن صمت السماء ليس مجرد صمت غليظ أو جاف ، بل سيتعلمون بعض المعانى ، وسيرون فى أعماق الليل ، النجوم التى لم يستطيعوا أن يروها فى النهار ، وسيدركون أن المعنى الأعمق فى الحياة هنا ليس السعادة بل القداسة ، وأن ما هو أفضل لنا ، هو القياس الصحيح للنضال المحتدم فى حياتنا !! .. فقد " هارولد رسل " يديه فى الحرب العالمية الأخيرة ، لكنه أصبح واحداً من أشجع الناس فى تقبل صدمته بعد الحرب ، وشق طريقه لتصبح حياته ذات فائدة ومغزى عندما كتب كتاباً فى عام 1949: " النصر فى يدى " قال فيه : إنه ليس هناك قاعدة سهلة للحياة السعيدة ، والذى يقول غير ذلك إما أنه ساخر ، أو كاذب ولست أقصد أن أعطى وصفة أو تذكرة طبية من عندى ، ... ولكنى أركز على حقيقة واحدة بسيطة ، إذا كان لى أن أذكر ، وهى ليست وصفة مؤكدة للسعادة ، أو سبيلا يمكن أن يملأ حديقتك الخلفية بالطيور المغردة ، بل هى فى الواقع ، ما وجدت أنه يساعد على الانتصار على الأسف الذى لا يجدى ، أو هزيمة النفس !! ... إنه ليس ما تفقد بل ما تترك هو الذى يتبقى ، ... وما أكثر الذين يبذرون جهدهم ووقتهم وأحلامهم فى الأمور التى انطوت ، والتى لا يمكن أن تعود ، وكان الأحرى بهم أن يشغلوا حياتهم بالحقائق ، والواجبات الثقيلة اليومية " .
لقد أفلس أيوب وأصحابه فى الوصول إلى الحل الأخير لمشكلة الألم ، وبقيت المشكلة أعمق من أن نجد لها الجواب الصحيح فى العالم الحاضر ، ويكفى أن نلخص الحوار العظيم حول هذه المشكلة فى سفر أيوب !! .. لقد بدأ أيوب الحوار ، بعد أن عجز عن ضبط نفسه ، فلعن اليوم الذى ولد فيه ، والليل الذى تصور فيه فى بطن أمه ، وتمنى لو أنه مات طفلا ، ليتساوى مع الذين ماتوا بعد أن بنوا الأهرام ، ... ومن المتصور أن اليفاز التيمانى كان أكبر الصحاب ، وخلاصة كلامه فى الأصحاح الرابع أنه لابد أن هذا عقاب من اللّه على خطايا ارتكبها أيوب ، وطلب إليه فى الأصحاح الخامس أن يتوب عنها ، وسارع أيوب فى الرد على أليفاز ، فى الأصحاحين السادس والسابع ، غير أن بلدد الشوحى وصوفر النعمانى ساندا أليفاز فى الأصحاحين الثامن والحادى عشر ، وكان بلدد أقسى من أليفاز ، وصوفر أقسى من بلدد ، ... ورد أيوب بضعف على الجميع فى الأصحاحات التاسع والعاشر والثانى عشر ، والثالث عشر ، والرابع عشر ووصفهم بالقول : " أما أنتم فملفقو كذب أطباء بطالون كلكم " . " أيو 13 : 4 " .. ومع أن أيوب اعترف بخطايا صباه : " لأنك تثبت على أمور مرة وورثتنى آثام صباى " . " أيو 13: 26 " .. ومع أنه اعترف بنقصه شأن كل بشر : " أ أخطات ؟ ماذا أفعل لك يارقيب الناس ؟ لماذا جعلتنى عاثوراً لنفسك حتى أكون على نفسى حملا ؟ . وولماذا لا تغفر ذنبى ولا تزيل إثمى لأنى الآن اضطجع فى التراب تطلبنى فلا أكون ؟ " " أيو 7 : 20 و 21 " إن اخطأت تلاحظنى ولا تبرئنى من إثمى. إن أذنبت فويل لى ، وإن تبررت لا أرفع رأسى " " أيو 10 : 14 و 15 " " كم لى من الآثام والخطايا أعلمنى ذنبى وخطيتى " " أيو 13 : 23 " " أما الآن فتحصى خطواتى، ألا تحافظ على خطيتى ؟ معصيتى مختوم عليها فى صرة وتلفق على فوق إثمى " ( أيو 14 : 16/17 ) إلا أن أيوب مع هذا كله لا يعلم خطية معينة معروفة لديه قد ارتكبها ، وهو لهذا يؤكد : " فى علمك إنى لستت مذنباً " " أيو 10: 7 " وهو إذا حوكم سيخرج بريئا !! .. وبينما يرى أصدقاؤه أن هذا الإصرار من جانبه على براءته يعتبر نوعاً من التجديف : " أما أنت فتنافى المخافة وتناقض التقوى لدى اللّه ، لأن فمك يذيع إثمك وتختار لسان المحتالين " " أيو 15 : 4 و 5 " ومع أن أيوب ، وهو فى سياق الدفاع عن نفسه ، كاد يصور اللّه ، وكأنه لا يبالى بالفرق بين الكامل والشرير : " لذلك قلت إن الكامل والشرير هو يغنيهما . إذا قتل السوط بغتة يستهزئ بتجربة الأبرياء . الأرض مسلمة ليد الشرير . يغشى وجوه قضائها ، وإن لم يكن هو فإذاً من " " أيو 9 : 22 - 24 " " خيام المخربين مستريحة والذين يغيظون اللّه مطمئنون الذين يأتون بإلههم فى يدهم " ( أيو 21 : 6 ) .. وهو مع هذا كله ، لا يتخفى عن اللّه مهما يفعل اللّه معه ، ... وهو يؤمن أنه سينصفه بصور ة ما ، وفى يوم ما ... ولذا يقول مهما بلغت قسوة أصدقائه عليه : " هوذا يقتلنى . لا انتظر شيئاً . فقط أزكى طريقى قدامه " . " أيو 13 : 15 " .
فإذا انتهى الحوار الأول عند هذا الحد ، فإن حواراً ثانياً يبدأ من الأصحاح الخامس عشر حتى نهاية الأصحاح الحادى والعشرين وقد بدأه أيضاً أليفاز التيمانى ، وفيه يؤكد بشهادة الحكماء الأقدمين ، العقاب الذى يلاحق الأشرار فى الأرض ، ... وقد عدد بعده بلدد فى الأصحاح الثامن عشر الألوان المختلفة لهذا العقاب ، ... ويبدو أن صوفر وهو يساند الاثنين ، يكاد ينعت أيوب بالخطايا السرية التى ارتكبها ، وجلبت عقاب اللّه عليه، ... وقد رد أيوب فى الأصحاحات السادس عشر والسابع عشر والتاسع عشر والحادى والعشرين ، ويبدو من الرد أنه لا يهتم باتهامهم له ، فهو فى نظره لغو فارغ بغير دليل ،... وأنه لهذا يشهد اللّه : " أيضاً الآن هو ذا فى السموات شهيدى وشاهدى فى الأعالى " " أيو 16 : 19 " وهو لا يتحدث عن براءته فحسب ، بل يؤكد أن اللّه لابد أن يكشف الحق يوماً ما ولو بعد حياته هنا على الأرض ، أو كما يقول : " ليتك توارينى فى الهاوية وتخفينى إلى أن ينصرف غضبك عنى وتعين لى أجلا فتذكرنى . إن مات رجل أفيحيا ؟ كل أيام جهادى أصبر إلى أن يأتى بدلى تدعو فأنا أجيبك تشتاق إلى عمل يديك " " أيو 14 : 13- 15"" أما أنا فقد علمت أن وليى حى ، والآخر على الأرض يقوم ، وبعد أن يفنى جلدى هذا وبدون جسدى أرى اللّه " .. " أيو 19 : 25 و 26 " على أنه فى الوقت عينه ، وفى الرد على صوفر يبدو أيوب أو بالحرى يقع فى التجربة التى وقع فيها آساف عندى يرى خير الأشرار وفيضهم وبهجتهم ، وهو يفزع لهذا كله على النحو الذى يذكره فى الأصحاح الحادى والعشرين !! ..
فإذا جئنا إلى الحوار الثالث وهو الذى يبدأ من الأصحاح الثانى والعشرين حتى نهاية الأصحاح الحادى والثلاثين ، فنجد أنه فى هذا الحوار يتخلف صوفر عن الاشتراك فيه . ويتكلم أليفاز فى الأصحاح الثانى والعشرين وبلدد فى الخامس والعشرين ، ويجيب أيوب فى الأصحاحات الثالث والعشرين والرابع والعشرين ، ومن السادس والعشرين حتى الحادى والثلاثين - ويؤكد أليفاز بشاعة خطية أيوب ، كما يتصورها فى الأصحاح الثانى والعشرين ، وفى الوقت عينه رحمه اللّه الواسعة متى اتضع أمامه وتاب ، ... ويضيف بلدد إلى ذلك متحدثاً عن عظمة اللّه وسلطانه ، وضعف الإنسان ونقصه : " السلطان والهيبة عنده . هو صانع السلام فى أعاليه ، هل من عدد لجنوده وعلى من لا يشرق نوره فكيف يتبرر الإنسان عند اللّه وكيف يزكو مولود المرأة هو ذا نفس القمر لا يضئ والكواكب غير نقية فى عينيه فكم بالحرى الإنسان الرمة وابن آدم الدود " " أيو 25 : 2 - 6 " ويرفض أيوب إتهام الرجلين ، ويؤكد براءته ويدعمها باستعداده للمثول فى حضرة اللّه ، وأنه إذا جربه سيخرج كالذهب ، وهو يذكر كم يعانى الأبرار من متاعب ، وكم يستمر الأشرار فى ظلمهم ، ... ومع ذلك فهو يؤكد عظمة اللّه وجلاله ومجده ، فى الأصحاح السادس والعشرين ، وأن نهاية الأشرار ، مهما ارتفعوا وعلوا ، قاسية وشنيعة كما يظهر فى الأصحاح السابع والعشرين - ومن الغريب أن الإنسان مهما علا فى الفهم والإدراك والمعرفة العالمية ، فهو عاطل تماماً من كل حكمة سماوية كما يظهر فى الأصحاح الثامن والعشرين !! .. ويختم أيوب هذا الحوار بالحديث عن نفسه ، فى مجده السابق ، وفى حياته العظيمة ، وفى مأساته اللاحقة ، ... دون أن يتخلى عن يقينه بصدق حياته وأمانته أمام اللّه والناس ، وأنه ليس لأصدقائه أدنى حق ، فيما حاولوا أن يتهموه ، أو يلصقوه به !!
فإذا أردنا أن نلخص كل مساجلات الحوار التى أشرنا إليه ، فهو اتهام يبدأ بالتشكك ، ثم تصاعد إلى مرتبة اليقين من أصدقاء أيوب ، عن الخطايا المتعددة والجسيمة التى اقترفها صاحبهم سراً أو علنا ، والتى لا يمكن أن يتركها اللّه دون عقاب ، إذ هو شديد البأس والبطش بالخطاة والأشرار ، وهيهات لمجرم أو آثم أن يفلت من بين يديه ، وأنه يمكن أن يكون هناك رجاء ، لو أن أيوب اتضع فى حضرة اللّه ، وندم ، ويدفع أيوب عن نفسه سائرالتهم . ويؤكد براءته ، ويسجل أن الأبرار وليس الأشرار هم الذين يعانون مرات كثيرة من الظلم والمتاعب والآلام ، ... وعلى العكس ، فما أكثر النعم والمتع والخيرات التى تمتلئ بها بيوت العتاة ! وهو لا يعرف السبب الذى من أجله تلاحقت النكبات ، والتى قلبت حياته رأساً على عقب ، ... وهو يتمسك باللّه ، وبكماله ، وهو يؤمن أن اللّه لابد أن يحقق العدل الذى ضاع فى الأرض ويؤمن بحياة بعد الموت ، فصحح فيها كل الأوضاع ، ويتم فيها الجزاء الصحيح للأبرار أو الأشرار على حد سواء !! ...
وإذ ينتهى الحوار عند هذا الحد ، دون أن ترجح كفة أيوب أو كفة أصحابه ، يدخل أليهو طرف فى الحوار ، وقد ظل مستمعاً طوال الوقت وكان أحدث سنا ، ولعل هذا هو الذى منعه من المساجلة أولا !! .. ولكنه لا يلبث وقد تمكن منه الغضب على أيوب وأصحابه ، أن يدفع فى حديث طويل ، يتجه شطره الأكبر إلى أيوب ، ما بين الأصحاحات الثانى والثلاثين إلى السابع والثلاثين ، والأقل إلى أصحابه ، ... وفيه يندفع قاسياً فهو لا يقبل تبرير أيوب لنفسه ، ويشتد عليه فى الكلام ، ... وإن كان فى الوقت نفسه يدخل عنصراً جديداً لم يذكره أصحاب أيوب الثلاثة ... وهو أن الآلام والمآسى ، تأتى من اللّه أساساً فى أغلب الأحوال ، وهى تأديبات المحبة ، وليست عقوبة الغضب ، وأنها مرسلة للتعليم والتقويم والتحذير ، دون أن تكون رصداً لخطايا قديمة ينتقم منها !! ..
أيوب والسبى المردود :
وفى الأصحاحات الأربعة الأخيرة ، تأتى نهاية القصة العظيمة . ويظهر اللّه من خلال العاصفة ، ليتحدث إلى أيوب ، وإذا كان أصدقاء أيوب جميعاً ، قد صمتوا ، ولم يعد لهم كلام ، ولم يكن لأيوب سوى كلمات قليلة ، فإن اللّه يتكلم ، وهو لم يأت ليتحاجج مع أيوب أو ليعطيه جواباً على أسئلته ، بل أخرجه إلى الطبيعة الواسعة ليعرف منها كيف يكون الجواب !! .. وكان السؤال : هل يستطيع أيوب وهو يرى السماء والنجوم ، والبحار والنور ، والزوبعة والجليد ، والضباب والوحوش ، والحيوانات البرية وفرس البحر ، والتمساح وغيرها ، هل يستطيع أن يخلفها ، ويقودها، ويوجهها ! ؟؟ وهل له القدرة والحكم والسلطان على تسييرها وضبطها وفق النظام الدقيق العظيم الذى تسير به كما يلمح ويشاهد !!؟ ... ومع أن أيوب سبق أن صاح : " من يعطينى أن أجده فأتى إلى كرسيه . أحسن الدعوى أمامه وأملأ فمى حججاً فأعرف الأقوال التى بها يجيبنى وأفهم ما يقوله لى " " أيو 23 : 3 - 5 " ... إلا أنه - وقد جاء أمام اللّه فى جلاله العظيم - لم تعد له كلمة أو حجة واحدة يجاوب بها، إذ أدرك حقارته ووضع يده على فمه إذ لا يجد الجواب !! .. وإذا كان اللّه يدير الكون بهذه القدرة الواسعة ، والحكمة العظيمة ، فهل يستطيع أيوب أمام أسرار اللّه الفائقة أن يبحث سراً واحداً ، ويهتدى فيه إلى حل !! ؟ .. لقد أدرك أيوب ، ما ينبغى أن يدركه الإنسان فى كل العصور والأجيال ، إن الحياة مفعمة بالأسرار ، وأن الإنسان مهما يبلغ من معرفة أو فهم ستأتى عليه اللحظات التى يقف فيها أمام الجلال الإلهى ، عارى القدم ، مغطى الوجه ، لأن الأرض التى يقف عليها أرض مقدسة ، وأن أسرار اللّه التى يطويها ، ( ومن بينها سر الألم ) ستبقى مكنونة ، ومحفوظة ، ومهما قال الإنسان إزاءها : لماذا !! ؟ لماذا !! ؟ فإنه يجمل به على الدوام أن يقول : " لما كنت طفلا كطفل كنت أتكلم وكطفل كنت أفطن ... ولكن لما صرت رجلا أبطلت ما للطفل . فإننا ننظر الآن فى مرآة فى لغز لكن حينئذ وجهاً لوجه ، الآن أعرف بعض المعرفة لكن حينئذ سأعرف كما عرفت " !! " 1 كو 13 : 11 و 12 " .
نسى أيوب كل حججه أمام اللّه ، وإذ سمع صوت القدير انجابت عن نفسه الزوابع والأعاصير ، وسكنت مشاعره وقرت نفسه ، ... إن سر عاصفته هو أنه كان يتكلم عن الرب ويبحث عنه دون أن يجده ، ولكنه الآن قد رآه وسمعه ، وهناك فرق شاسع بين أن يتكلم الإنسان عن الرب ، وأن يكلم الرب ، ... وبين أن يسمع عن الرب ، وأن يسمع الرب . إن سر الشقاء والتعاسة الدائمة للانسان ، هو أنه لا يستطيع أن يتبين اللّه أو يسمعه من خلال تجاربه ، ولكن أيوب تعلم بعد أن سمعه ، أنه وإن كان لا يفهم شيئاً فمن واجبه أن يثق فيه ويؤمن به ، وهو إذ يصل إلى هذه النتيجة ، يندم على ما فرط منه دون فهم ، بل يلتتصق بالتراب والرماد فى الخضوع والتسليم للّه !! .. ملك الشيطان الزمام مؤقتاً ، ولكنه خسر المعركة ، وسيخسرها على الدوام ، لأن اللّه محبة، ولأن السبيل إليه ، على الدوام ، هو سبيل الإيمان ..
لم يؤخذ أيوب مع أملاكه إلى الأسر ، ولم يذهب بعيداً عن المكان الذى عاش فيه . فلماذا يقال : " ورد الرب سبى أيوب ؟ " .. إن الكلمة تعنى نهاية الألم والتعب ، والضيق والمشقة ، والعسر والمرض ، .. أو فى - لغة أخرى - إن عودة الحياة والصحة والأصدقاء والظروف الطيبة ، كمن أفلت من الأسر والغربة والبؤس والتشريد ، ليعود إلى السلام والبهجة والهدوء والراحة بعد طول البلوى والمعاناة ، وهو لم يعد إلى هذه جميعاً ، إلا بعد أن جلس مستضعفاً على التراب فى حضرة اللّه ،.. ولن يرد اللّه سبينا أو يعيد إلينا المجد والجلال والحياة ، إلا ونحن فى وادى الوداعة والتصاغر والاتضاع أمام عظمته الكلية ومجده الأسنى ، وهو لن يفعل ذلك قبل أن نغفر لإخوتنا ، ونزيل كل مرارة من نفوسنا تجاههم ، .. ولم يرض اللّه على أليفاز وصوفر وبلدد ، رغم ما تكلموه أو ظنوا أنه يتكلمونه من أجل اللّه ، .. ومع أنهم تكلموا جميعاً عن المبادئ السليمة عن اللّه وحقه ومجده العظيم ، لكنهم أخطأوا ، إذ تحدثوا عن أيوب ، وظلموه بما لم يكن لهم به علم ، واللّه لا يقبل دفاعاً يستند إلى ظلم ، أو حقاً يتمشى إلى جانب القسوة فى الحكم على البائس المسكين . وعفا اللّه عنهم بالذبيحة التى قدمها أيوب من أجلهم !! .. وانتهت قصة أيوب بالبركة المضاعفة ، والأولاد السبعة والبنات الثلاث البارعات الجمال ، .. وبالحياة الصابرة التى عوضها اللّه كل شئ بسخاء عظيم !! ..
فى أحد معسكرات أسرى الحرب العالمية الأخيرة ، وجدت هذه الكلمات التى كتبها أحدهم : إنى أؤمن بالشمس حتى لو لم تكن ساطعة ، وأؤمن بالمحبة حتى ولو لم أحس بها ، وأؤمن باللّه حتى ولو صمت ولم يتكلم !! ... حقاً نحن لا نعلم ماذا سيأتى به الغد . ولكننا نعلم من يمسك بالغد !!..
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
أيوب | إذ انتهت المحاكمة لم يترك الله أيوب ليموت في وسط آلامه
أيوب | دعوة أيوب إلى التأمل جيدًا في كلمات الله العجيب
أصحابه أيوب الثلاثة تواعدوا أن يأتوا ويلتقوا معُا عند أيوب
- عظمة أيوب وغنى أيوب لقداسة البابا شنودة الثالث
ليس من محنة في الوجود خطيرة ومخيفة سوى محنة واحدة، هي محنة الخطيئة


الساعة الآن 08:46 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024