رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أليشع وبرهان دعوته وقف بنو الأنبياء على الجانب الآخر من الأردن ، وينظرون إلى أليشع ممزق الثياب يحمل رداء إيليا ، وأذا بهم يرونه يفعل مثل ما فعله معلمه ، فيلف الرداء ويضرب به الماء ، وإذا بالنهر ينفلق ، ويعبر أليشع ، ويأتى بنو الأنبياء ليسجدوا له إلى الأرض فى انحناء الاعتراف واليقين بأنه أخذ مكان إيليا ، ومع أنه كان شاباً نظيرهم أو أكثر منهم قليلا ، لكنهم مع ذلك رأوا برهان النبوة ، فى الرداء ، وفيما فعل ، وفيما أخذ من سلطان مماثل لسلطان معلمه العظيم ، والنبوة ليست ادعاء يضيفه الإنسان على نفسه ، فما أكثر الأنبياء الكذبة ، الذين يحاولون أن يلبسوا رداء السابقين ، دون أن تكون لهم قوتهم وسلطانهم ، وسيكشفهم رداء النبوة ، ويظهرهم على الملأ ، ويظهر مدى ما فى ادعائهم من زيف أمام الأردن الممتلئ بالماء ، والذى لا يستطيعون أن يشقوا طريقهم فيه ، وإذا كان من الملاحظ أن أليشع يختلف فى شخصيته عن إيليا ، لكن الرداء واحد للاثنين ، ... لأن اللّه الواحد سيد الاثنين ، ومحركهما ، ودافعهما فى الحياة والخدمة ، ومن ثم فإن أليشع يضرب الماء صائحاً : " أين هو الرب إله إيليا ؟ " ... " 2 مل 2: 14 " أو فى لغة أخرى - أنه يشق الطريق مستنداً إلى ذات الإله الذى عاش فى ظله إيليا وصنع قواته ومعجزاته ، وهو يسير على نفس الدرب مهما اختلفت الظروف ، وتلونت الحياة ، وتغيرت الأوضاع ، لكن اللّه هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد، ليس عنده تغيير أو ظل دوران ، ... وما أجملها من ثقة وما أروعه من يقين !! ، أن نستند إلى إله آبائنا ، وأن نأخذ من اختباراتهم عظة وعبرة وفى الوقت عينه تتجدد وتتكرر اختباراتنا نحن ، دون أن تقف عند ماضى السابقين ، . رأى أليشع المركبة النارية التى حملت معلمه إلى السماء ، وأيقن أنه ذهب إلى المكان العظيم العتيد أن يبلغه المتوجون المنتصرون من المؤمنين ، ولكن بنى الأنبياء ألحوا عليه أن يفتشوا فى الجبال أو الأودية ، لعل روح اللّه يكون قد طرحه فى واحد منها ، ومع أن أليشع لميقتنع بمنطقهم ، إلا أنه كما يقول جورج ماثيسون لم يجبرهم على الاقتناع برأيه ، أو يلزمهم بهذا الرأى حتى يصلوا إليه بأنفسهم . ومن اللازم أن نتعلم ألا نلوى أيدى الآخرين ، أو نكرههم على قبول رأينا . قد يطول بحثهم عن الحقيقة ، التى وصلنا إليها ، ولكن من الأفضل أن ندعهم يكتشفون لأنفسهم ما وصلنا إليه ، حتى نستطيع أن نقول لهم ما قاله اليشع بعد تفتيشهم ثلاثة أيام دون أن يصلوا إلى النتيجة التى تصوروها : " أما قلت لكم لا تذهبوا ! ؟ " ... " 2 مل 2 : 18 " . وقد ظهر برهان الدعوة من واقعتين أخريين مختلفتين تماماً ، الأولى من تحويل النبع الردئ إلى نبع عذب ، عند مدينة أريحا ، وأريحا مدينة النخل والرياض والزهور، ومع جمال المدينة وخصب الأرض حولها ، إلا أن مشكلتها الكبرى كانت فى الينبوع الردئ المر الذى كان يمدها بالماء ، وإذا جاء بنوا الأنبياء وأهلها إلى أليشع، طلب صحناً جديداً ، لم يكن قد وضع فيه شئ ، حتى يمكن أن يقال إنه سر التغير فى ماء الينبوع ، ووضع فيه ملحاً ، والملح أساساً ، فى المفهوم الدينى ، للتنقية والتطهير ، وإن كانت إضافته إلى الماء ، ليتحول الماء العذب ، هى أشبه الأشياء بوضع الطين على عينى الأعمى ليبصر ، الأمر الذى فعله المسيح ، ... لكى تظهر يد اللّه فى الحالين ، وهى تغير الأمور إلى العكس بالقدرة العلوية العجيبة ، وما أن وضع أليشع الملح فى الماء ، ودعا باسم الرب ، حتى تحول النبع الردئ إلى واحد من أعذب الينابيع التى يقول الكثيرون إنه باق إلى الآن باسم " نبع السلطان " على مقربة من أريحا !! ... كانت هذه من أولى معجزات أليشع ، وهى - بالأحرى - رمز لرسالته ، الرسالة التى تبدأ بالينبوع ، قبل أن يغترف الإنسان من المجرى ، ورسالة اللّه تحول أولا وقبل كل شئ النبع الردئ إلى نبع حلو صاف عذب جميل ، والقلب الذى كان يخرج فى الأصل فساداً وشراً ، عندما تستولى عليه النعمة الإلهية ، ... هذا القلب يتدفق بثمر الروح القدس : " محبة ، فرح ، سلام ، طول أناة ، لطف ، صلاح ، إيمان ، وداعة ، تعفف " " غل 5 : 22 " .. كانت معجزات أليشع ، التى سنتأمل فيها فيما بعد ، رمزاً لإحسان اللّه وجوده من الجوانب المتعددة للحياة البشرية ، ... ولكن على رأس المعجزات وأولها ، بدأ أليشع بالنبع الذى أضحى حلواً جميلا صافياً رقراقاً !! .. على أنه من الجهة الأخرى وعلى العكس من ذلك ، إذا كانت الرسالة الإلهية رائحة حياة لحياة ، فهى فى الوقت نفسه رائحة موت لموت ، وهنا نتحول من البركة إلى اللعنة ، ومن النبع الصافى إلى المأساة القاسية ، ومن الملاحظ أن أليشع تحرك فمه باللعنة مرتين شهريرتين : المرة الأولى للصبية الذين سخروا منه فى بيت إيل ، والمرة الثانية عندما لعن جيحزى بعدما أخذ - كذباً - بعض عطايا نعمان السريانى ، ومع ذلك فالفرق بين اللعنتين واضح ، أما بالنسبة للصبية ، فإن اللعنة كانت إعلاناً عن غضب اللّه على هؤلاء الساخرين العابثين ، أما بالنسبة لجيحزى فقد كانت طلباً محدداً أن يلصق به وبنسله برص نعمان السريانى ، للأسلوب الشرير المتعمد الذى يعطى صورة خاطئة عن مفهوم الخلاص المجانى لإنسان وثنى ، دعاه أليشع إلى الخلاص من برص الخطية وإثمها وفسادها وشرها !! .. على أنه فى الوقت نفسه ، من واجبنا ألا نحكم على عمل أليشع فى نور العهد الجديد كما يقول بعض المفسرين ، لئلا نستمع إلى قول السيد وهو يتحدث إلى تلميذيــــه اللذين أرادا محاكــاة أسلوب إيلـــيا ....... فقال لهما على الفـــور : " من أى روح أنتما ؟ !! " لو 9 : 55 " لقد لعن أليشع الأولاد ، الذين أطلق عليهم الكتاب " صبيان صغار " والكلمة فى الأصل العبرى هى التى استخدمها سليمان وهو يصلى إلى اللّه فى جبعون ، بعد أن أصبــــح ملكــــاً " فتى صغير " . كان هؤلاء الصبيان فى سن الشباب ، وهم من بيت إيل المكان الذي حلم فيه يعقوب حلمه العظيم ، وبنى مذبحه ، ومع ذلك فإن يربعام أقام فيه العجل الذهبى ، وعبد الناس الآلهة الوثنية ، ولعل هؤلاء الشباب ، رأوا أليشع ، وهو يلبس رداء إيليا ، مع الفارق بين شعر إيليا الطويل ، وشعر أليشع القصير ولربما كان الأخير أصلع الرأس فعلاً وإذ رأوه ، وسمعوا قصة صعود إيليا التى لم يصدقوها ، وأرادوا أن يسخروا من إيليا ، وأليشع ، ومن اللّه نفسه ، فقالوا له : اصعد يا أقرع ؟؟ !! .. " 2مل 2 : 23 " اصعد كما صعد إيليا إلى السماء فى مركبة من نار !! .. وإذا كان الأثينيون قد حكموا - كما يقول جورج ماثيسون - على غلام أثينى بالإعدام لأنه فقأ عينى طائر السمان ، ورأى القضاة فيه قسوة غير مألوفة ، ربما تتحول لو عاش بين الناس ، إلى قسوة يفقأ معها عيون البشر ، فإن أليشع ، وهو يلعن هؤلاء الصبيان كان يرى فيهم وفى تجديفهم ما رآه الأثينيون فى ذلك الغلام ، ومن ثم لعنهم على ما وصلوا إليه من إثم وفجور وارتداد وشر !! .. وقد صادق اللّه على اللعنة ، فخرجت دبتان من الوعر لتفتك باثنين وأربعين منهم !! ... فإذا كان الينبوع العذب يمثل جانب اللطف الإلهى ، لمن يريد أن يتمتع بالمراحم السماوية ، فإن مصرع الأولاد يمثل الصرامة لمن لا يريد أن يعتبر ، وحقاً : " مخيف هو الوقوع فى يدى اللّه الحى !! .." "عب 10 : 31"0 |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
حقيقة ناسوته وبرهان لاهوته |
الفرح هو دليل وبرهان على أن كل شيء أقوم به هو حقيقي |
يهوذا وبرهان التوبة |
فقط أقبل دعوته |
ما بين الفكر المقنع وخبرة الحياة وإفراز المحبة وبرهان الروح والقوة |