رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
صـحــــراء الخـــوف إنَّ الخوف ظاهـرة مُلازمة للإنسان، الذي لا يَكُف بحثاً عن الأمن والسلام، لأنََّه يشعر في كل لحظة بأنَّ حياته مُهددة بالأخطار، سواء كانت تلك الأخطار من خارج الفرد أو داخله. والحق إنَّ التجربة تشهد بأننا جميعاً نخاف، فنحن نرهب الموت، ونخشى الفشل، ونجزع من الشيخوخة، ونخاف من المجهول، ولكننا ونحن بصدد الحديث عن الخوف، يجب علينا أن نُفرّق بين مخاوف طبيعية نمر بها جميعاً، وأُخرى مَرَضيَّة وهى التي تتملك على فئة المضطربين والمنحرفين.. فمن الطبيعيّ أن يحترس الإنسان من المرض ويتجنب العدوى، ولكن أن يغسل يديه عقب كل مقابلة يُصافح فيها آخر، أو أثناء أداء أيّ عمل.. فهذا مرض! وليس من الغرابة أن يتردد المرء، قبل الإقدام على عمل كبير أو مشروع حسَّاس، ولكنَّ الغرابة أنْ يستمر التردد فيشل إرادته، ويتحوّل الحَذَر إلى خوف دائم من المسئولية وعجز تام عن العمل، أتتذكّرون قول يعقوب الرسول: " رَجُلٌ ذُو رَأْيَيْنِ هُوَ مُتَقَلْقِلٌ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِ " (يع8:1). إنَّ الإنسان يحيا في عالم مليء بالتهديدات، فيه الوعد والوعيد ، وهو يشعر بأنَّه مهما تكن قوته وقدراته، فإنَّ ضربات الحياة وأخطار المجتمع قد تأتي عليه فتفسد كل مشروعاته.. ومادام الإنسان عاجزاً عن التوفيق بين كل ما بداخله من آمال، وما يأتي عليه من الخارج من قيود، فلابد إذن أن يستسلم لقوى العالم المظلمة، أو الطبيعة الغاشمة.. وبالتالي فإنَّ النجاح لا يمكن أن يكون أمراً أكيداً يستطيع أن يُسيطر عليه بإرادته. والواقع أنَّه مهما قستْ الحياة علينا بضرباتها، أو زادت إعاقات البشر لنا.. فإنَّ الإنسان لا يمكن أن يكون أُلعوبة في يد الخوف! فالإنسان الذي يخاف هو الذي يملك عقلاً، له القدرة على تحويل العوائق إلى وسائط. على أنَّ الخوف من الفشل قد يكون سبباً من أسباب عدم المبادأة والخنوع، وليس من شك في أنَّ هذا الشعور يختلف باختلاف مراحل الحياة، ولكنَّ المشكلة أنَّ كثيرين يظلون أو يريدون أن يظلوا أطفالاً في سلوكهم، إزاء موجات الخطر التي تتهددهم، فيستجيبون لحالات الخطر القديمة كما لو كانت قائمة بالفعل، دون أن ينجحوا مُطلقاً في التغلّب على العوامل القديمة للخوف، وهؤلاء هم المرضى النفسانيون! والحق إنَّ الخوف المَرَضيّ هو سُم قاتل للحياة، مُعوّق للتقدم، مُمزّق للروح، وهو يقود إلى الكذب وخطايا أُخرى كثيرة، ويجعل الإنسان لا يُطلق ما في وجدانه من أحاسيس، أمَّا العقل الخائف المتردد فحتماً سيُصيبه الشلل وينطفيء فيه نور الحكمة والمعرفة.. والآن كيف نتحرر من قيود الخوف؟ ------------------------------------- أعتقد أنَّ جوهر مشكلة الخوف يكمن في ضعف الإيمان، فإن أردت أن تتحرر يجب أن تُقوّي إيمانك، فالإيمان حفظ دانيال النبيّ عندما أُلقي في جُب الأُسود! والثلاثة فتية حفظهم الإيمان من لهيب النار عندما أُلقوا في الآتون! ويوسف الصديق بسبب إيمانه حفظه اللهفي السجن وخرج منه لكي يصير ثاني رجل في مملكة مصر بعد فرعون! ثق أنَّك بحصاة داود الفتى، تستطيع أن تنتصر على كل الجبابرة وتتغلب على الأشرار، كما انتصر هو على جليات الجبّار، حتى وإن دخلت في حرب معهم فاعلم أنَّ " الحرب للرب " (1صم17: 47). فلا تهتز أمام التجارب، ولا تخر أمام الضيقات، إنَّما كن كالبيت المتين المبنيّ على الصخر، حيث لا تقوى عليه الأمطار ولا تهدمه الرياح (مت25:7). ألم يقل الله: " هُوَذَا عَلَى كَفّّيَّ نَقَشْتُكِ " (إش16:49)، إنَّها آية تفتح لنا كل أبواب الرجاء التي أغلقها الخوف في وجوهنا، وهى تُذكّرنا بعادة شرقية قديمة ألا وهى: نقش الرجل اسم محبوبه على كفه أو كتفه كعلامة أنَّه لن ينساه إلى الأبد، وأنَّ كل ما يعمله بيده سيكون له! وهكذا رب المجد قد نقش اسم كنيسته بل نقش اسم كل فرد على كفه بالمسامير، لكي تبقى آثار الجراحات علامة حُب أبديّ على محبة الله وعنايته! إنَّ كلمة " لا تخف" من أكثر الكلمات التي تكررت في الكتاب المقدس، ولهذا ننصح بحفظ بعض آيات تُعزّى وتُقوّي الإيمان مثل:" إذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرّاً، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا يُعَزِّيَانِنِي" (مز4:23)، "إن يحاربني جَيْشٌ لاَ يَخَافُ قَلْبِي إنْ قَامَْ عَلَيَّ قتال فَفِي ذَلِكَ أَنَا مُطْمَئِنّ ٌ" (مز27: 3)، "لاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ وَلَكِنَّ النَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا " (مت10: 28). بالإضافة إلى ما سبق، فإنَّ مجرد نظرة سريعة إلى أُسلوب السيد المسيح وتعاملاته مع القادة، نجد ما يُشجعنا ويُقوينا، عندما نعتَ هيرودس الملك بالثعلب، وسمَّى الفريسيين بالحيات أولاد الأفاعي، وشحذ فكر رؤساء الكهنة والكتبة حُرَّاس شريعة موسي، وأمسك سوطاً وهو إنسان فقير يحيا فى أُسرة فقيرة لا يحمل سلطة ولا يؤيده قانون وضرب باعة الحمام وقلب موائد الصيارفة.. وهكذا زلزل المسيح في ثورته العارمة ضد الظلم والفساد، كل أركان الأُمة اليهودية، فتلعثمت قلوبهم، واضطربت سيوفهم، وخجل قوادهم وعلماؤهم، وهرب التجار والعبيد والحراس.. ولم يجسر أحد أن يتصدّى له أويرد عليه أو يدنو منه، لأنَّه قد جاء لكي يُحرر الإنسان من خوف السماء واستبداد البشر. |
|