كانت ميلاني تجلس على كرسيها المتحرك تحدّق في الأفق البعيد، حيث ترتفع الجبال شامخة كأنها أحلام لا تُمس. منذ طفولتها، لم تعرف معنى السير الحر، لم تختبر ارت*جاف الأرض تحت قدميها، ولا نشوة الصعود إلى القمم. ومع ذلك، ظل حلمها حبيس قلبها: أن تقف يومًا على قمة جبل، وتتنفس الهواء البارد العابر للغيوم.
في مكان آخر، كان تريفور يخطو خطواته المترددة على طريقٍ يعرفه جيدًا بعقله، لا بعينيه. فقد بصره منذ سنوات طويلة، لكنه لم يفقد إحساسه بالطبيعة. كان يسمع همسات الرياح كأنها موسيقى، ويشم رائحة التراب المبلل كأنه كتاب مفتوح بين يديه. كان قلبه متعلقًا بالجبال، لكنه لم يعد يرى الطريق إليها.
التقيا صدفةً في حصة تعليم ملاكمة، جمع بين أجساد مختلفة القدرات وأرواح تبحث عن القوة. لم يكن اللقاء عابرًا؛ كانت نظرات ميلاني اللامعة وصوت تريفور المليء بالإصرار بداية حكاية أكبر من مجرد صداقة. جلسا طويلًا يتحدثان، فاكتشفا أن ما يجمعهما يتجاوز القيود: حب الطبيعة، الرغبة في التحدي، والإيمان بأن العج*ز لا يعني الاستسلام.
من هنا بدأت مغامرتهما. ابتكرا أسلوبًا لا يخطر على بال أحد. ميلاني تجلس في حقيبة خاصة على ظهر تريفور، بينما يقوده هو صوتها. هي عينيه التي تصف له الطريق: "إلى اليسار صخرة كبيرة… أمامك منحدر حاد… الآن خطوة بخطوة." وهو قدماها التي تجرؤ على الصعود، تحملها فوق الصخور، وتجعلها تشعر كأنها أخيرًا تسير، بل تطير.
كانت رحلاتهما أشبه بملحمة إنسانية صغيرة. يتوقفان ليستريحا، يتبادلان الضحكات وسط التعب، يمضيان ببطء لكن بخطوات واثقة. ميلاني تتحرر من كرسيها وتعيش لحظات من الحرية الخالصة، أما تريفور فيستعيد إحساسه بأن كل خطوة لها معنى عميق. لم يكونا يسعيان لإبهار أحد، ولم يردا أن يُلقَّبا بـ "الأبطال" أو "المُلهمين". كل ما كانا يريدانه هو أن يعيشا حياتهما بطريقتهما الخاصة: شريكين، صديقين، فريقًا واحدًا يكمل كل منهما الآخر.
وهكذا، لم تعد الجبال عائقًا، بل صارت رمزًا لانتصارهما المشترك. صارت خطواتهما درسًا خفيًا لكل من يشاهد من بعيد: أن المستحيل قد يلين حين نجد من يحملنا حين نعجز، ومن يرينا الطريق حين يعمينا الظلام. فالقوة الحقيقية ليست في الجسد بل في الإصرار، وفي الحب الذي يجعل من اثنين نصفين كاملين.