رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ختان القلب: 3 «لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ لِرِجَالِ يَهُوذَا وَلأُورُشَلِيمَ: احْرُثُوا لأَنْفُسِكُمْ حَرْثًا وَلاَ تَزْرَعُوا فِي الأَشْوَاكِ. 4 اِخْتَتِنُوا لِلرَّبِّ وَانْزِعُوا غُرَلَ قُلُوبِكُمْ يَا رِجَالَ يَهُوذَا وَسُكَّانَ أُورُشَلِيمَ، لِئَلاَّ يَخْرُجَ كَنَارٍ غَيْظِي، فَيُحْرِقَ وَلَيْسَ مَنْ يُطْفِئُ، بِسَبَبِ شَرِّ أَعْمَالِكُمْ. 5 أَخْبِرُوا فِي يَهُوذَا، وَسَمِّعُوا فِي أُورُشَلِيمَ، وَقُولُوا: اضْرِبُوا بِالْبُوقِ فِي الأَرْضِ. نَادُوا بِصَوْتٍ عَال وَقُولُوا: اجْتَمِعُوا، فَلْنَدْخُلِ الْمُدُنَ الْحَصِينَةَ. 6 اِرْفَعُوا الرَّايَةَ نَحْوَ صِهْيَوْنَ. اِحْتَمُوا. لاَ تَقِفُوا. لأَنِّي آتِي بِشَرّ مِنَ الشِّمَالِ، وَكَسْرٍ عَظِيمٍ. 7 قَدْ صَعِدَ الأَسَدُ مِنْ غَابَتِهِ، وَزَحَفَ مُهْلِكُ الأُمَمِ. خَرَجَ مِنْ مَكَانِهِ لِيَجْعَلَ أَرْضَكِ خَرَابًا. تُخْرَبُ مُدُنُكِ فَلاَ سَاكِنَ. 8 مِنْ أَجْلِ ذلِكَ تَنَطَّقُوا بِمُسُوحٍ. الْطُمُوا وَوَلْوِلُوا لأَنَّهُ لَمْ يَرْتَدَّ حُمُوُّ غَضَبِ الرَّبِّ عَنَّا. 9 وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَنَّ قَلْبَ الْمَلِكِ يُعْدَمُ، وَقُلُوبَ الرُّؤَسَاءِ. وَتَتَحَيَّرُ الْكَهَنَةُ وَتَتَعَجَّبُ الأَنْبِيَاءُ». إذ كانت مملكة إسرائيل قد عصت الرب علانية، وأقامت العبادة الوثنية عوض عبادة الله الحيّ، لذا طالبها بنزع هذه العبادة المكروهة بكل رجاساتها (1-2)، أما مملكة يهوذا فسلكت طريقًا آخر، وهي المزج بين العبادة الحقيقية والوثنية. في المظهر يذهبون في الأعياد إلى أورشليم، يقدمون ذبائح وتقدمات للرب، ويمارسون العبادة في شكلياتها، ويتمسكون بحرفية الناموس، أما قلوبهم فمرتبكة بالوثنية. إنهم يعتزّون بكونهم أهل الختان... بينما قلوبهم غير مختتنة. لهذا جاءت الوصية إليهم تلزمهم بالدخول إلى الأعماق، ليمارسوا ختان القلب الخفي، ويهتموا بالمجد الداخلي. "لأنه هكذا قال الرب لرجال يهوذا وأورشليم: احرثوا لأنفسكم حرثًا، ولا تزرعوا في الأشواك. اختتنوا للرب، وانزعوا غُرل قلوبكم يا رجال يهوذا وسكان أورشليم. لئلا يخرج كنارٍ غيظي فيحرق، وليس من يطفئ بسبب شر أعمالكم" [3-4]. جاءت الدعوة هنا إلى رجال يهوذا وأورشليم، وكما يقول العلامة أوريجينوس: [أنني أتذكر ما قيل حديثًا حول المعنى الرمزي ليهوذا وسكان أورشليم: فإننا نحن أيضًا، إذا أعطانا الرب هذه النعمة، سوف نكون سكان أورشليم. بما أنه "حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضًا"، فإن كان كنزنا في السماء يكون قلبنا أيضًا في أورشليم السمائية، التي يقول عنها الرسول: "وأما أورشليم العليا التيهي أمنا جميعًا فهي حرة" (غل 4: 26)]. يستحيل أن يُرجى ثمر روحي إلهي ممن َيزرعون في أرض قفر مملوءة بالأشواك الخانقة، إنما يجب أن تُشق بشفرة المحراث لتبكيت تربة القلب القاسية... ففي مثل الزارع يقول السيد المسيح: "وسقط آخر على الشوك فطلع الشوك وخنقه" (مت 13: 7). وجاء في هوشع ضرورة حرث الأرض لنزع الشوك وزرع بذار البر: "اِزْرَعُوا لأَنْفُسِكُمْ بِالْبِرِّ. احْصُدُوا بِحَسَبِ الصَّلاَحِ. احْرُثُوا لأَنْفُسِكُمْ حَرْثًا، فَإِنَّهُ وَقْتٌ لِطَلَبِ الرَّبِّ حَتَّى يَأْتِيَ وَيُعَلِّمَكُمُ الْبِرَّ" (هو 10: 12). إن كانت تربة قلوبنا مملوءة أشواكًا فبصليب ربنا يسوع المسيح تُحرث فتصير صالحة، يُنزع عنها الشوك بكونه الغرلة. هذا هو ختان القلب الذي يرتبط بالصليب، ولا يختنق بأشواك هموم الحياة وملذاتها الباطلة. يقول القديس أغسطينوس: [اقلبوا التربة الصالحة بالمحراث، أزيلوا الحجارة من الحقل، انزعوا الأشواك عنها... احذروا من أن تختنق البذار الصالحة التي زُرعت فيكم خلال جهادي (رعاية القديس لهم)، وذلك بواسطة الشهوات واهتمامات هذا العالم. كونوا الأرض الجيدة، وليأتِ الواحد بمئة والآخر بستين، وآخر بثلاثين ]. ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [كما يُستخدم المحراث في الحقل فيقلب الأرض من أسفل ليُعد مقدمًا ملجأ آمنًا للبذار، حتى لا تنتثر على السطح، بل تختفي في رحم الأرض ذاتها، فتودع جذورها في آمان، هكذا يليق بنا نحن أيضًا أن نعمل، فنستخدم محراث الضيقات لحرث أعماق القلب. ينصحنا نبي آخر، قائلًا: "مزقوا قلوبكم لا ثيابكم" (يؤ 2: 13). لنمزق قلوبنا، حتى متى وُجد فيها زرع شرير، أو فكر مخادع نقتلعه بجذوره، فنهيئ تربة نقية لبذار الصلاح. إن كنا الآن لا نحرث الأرض البور، إن كنا لا نبذر الآن، إن كنا لا نرويها الآن بالدموع، ما دام وقت ضيق وصوم، فمتى نلوم أنفسنا؟! هل يحدث هذا عندما نصير في ُيسر وترف؟! مستحيل! فإن اليُسر والترف بوجه عام يقودانا إلى التراخي، كما تردنا الضيقة إلى الجهاد، ترد الذهن الذي ضل بعيدًا وصار هائمًا يحلم بأمور كثيرة]. يرى العلامة أوريجينوس أن الحديث هنا ينطبق على المعلمين والكارزين، إذ يهتم بعضهم بتقديم العقائد الإيمانية خارج دائرة الخلاص العملي، فيكونوا كمن يقدمون بذارًا صالحة وسط الأشواك. إذ يقول: ["احرثوا لأنفسكم حرثًا، ولا تزرعوا في الأشواك" [3]. قيل هذا الكلام على وجه الخصوص للمعلمين والمبشرين؛ حتى لا ينطقوا بكلمات الإنجيل للسامعين قبل تهيئة حقولٍ جديدة (محروثة) في نفوسهم. لأنهم متى هيأوا حقولًا جديدة في النفوس، ومتى أصبح الناس مُعدين لاستقبال التعاليم كما في الأرض الجيدة الصالحة، عندئذ يزرعون ليس في الأشواك. على العكس، قمنا نحن بزرع بذور مقدسة قبل أن نُعد حقولًا جديدة في عقول الناس، زرعنا عقيدة الآب والابن والروح القدس، والقيامة، والعقاب والراحة الأبدية والناموس والأنبياء وغير ذلك من تعاليم الكتاب المقدس. أننا بهذا نخالف الوصية التي تقول أولًا: "احرثوا لأنفسكم حرثًا" أعدوا لأنفسكم حقولًا جديدة، ثانيًا: "لا تزرعوا في الأشواك". قد يقول أحد السامعين: أنني لست أعلم، فهذه الوصية ليست لي. ليكن! كن مزارعًا (معلمًا) لنفسك، ولا تزرع في الأشواك، إنما أعدد حقلًا جديدًا من قطعة الأرض التي سلّمها لك الرب. اهتم بهذه الأرض. ابحث أين توجد الأشواك، أين توجد الهموم والاهتمامات المادية وإغراءات الغنى وحب الشهوة، وانزع في الحال تلك الأشواك التي في نفسك. ابحث عن المحراث الروحي الذي قال عنه يسوع: "ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله" (لو 9: 62). بهذا تكون قد أعددت حقلًا جديدًا. بعد إعداد هذا الحقل، اذهب وخذ بذارًا من المعلمين ومن الشريعة والأنبياء والكتابات الإنجيلية وكلمات الرسل، وازرعها في نفسك بتذكرها وتنفيذها. ستبدو لك أن هذه البذار تنمو من تلقاء ذاتها، لكن الحقيقة أنها لا تنمو من مجرد تذكرك إياها، بل الرب هو الذي ينميها. "أنا غرست وأبلوس سقى، لكن الله كان ينمي" (1 كو 3: 6) ]. يرى البابا أثناسيوس في الكلمات النبوية: "احرثوا لأنفسكم حرثًا، ولا تزرعوا في الأشواك" [4] دعوة للجدية في استخدام نعمة الله الغنية المجانية، لأن طريق الكسلان كسياج من شوكٍ (أم 15: 19). إنه يظن أن أرضه تنتج خبزًا بلا عمل، فإذا بها تخرج له شوكًا... لدينا وصية رسولية ألا تكون النعمة المعطاة لنا باطلة، الأمور التي كتب عنها القديس بولس إلى تلاميذه شخصيًا، موصيًا إيانا بها من خلالهم، كقوله: "لا تهمل الموهبة التي فيك" (1 تي 4: 14). يوجد مثل له ذات المعنى: "من يشتغل بحقله يشبع خبزًا، أما طرق الكسلان فسياج من شوك" (أم 19: 12، 15). لذلك يحذرنا الروح القدس ألا نسقط في مثل هذه الأمور، قائلًا: "احرثوا لأنفسكم حرثًا، ولا تزرعوا في الأشواك"]. "اختتنوا للرب وانزعوا غُرل قلوبكم" [4]. إذ يحرث الإنسان بصليب رب المجد يسوع داخل القلب لينزع الأشواك، يتمتع بختان القلب الروحي الخفي، وكما يقول الرسول بولس موبخًا المتكلين على ختان الجسد الخارجي: "لأن اليهودي في الظاهر ليس هو يهوديًا، ولا الختان الذي في الظاهر في اللحم ختانًا، اليهودي في الخفاء هو اليهودي؛ وختان القلب بالروح لا بالكتاب هو الختان، الذي مدحه ليس من الناس بل من الله" (رو 2: 28-29). يقول القديس أغسطينوس: [يتفق هذا مع قوله: "دُعِيَ أَحَدٌ وَهُوَ مَخْتُونٌ، فَلاَ يَصِرْ أَغْلَفَ" (1 كو 7: 18). لقد كان يهوديًا، ودُعى مختونًا، ليته لا يطلب أن يصير أغلف،أي لا يعيش كمن هو ليس مختونًا]. يقول العلامة أوريجينوس: [كان لا بُد أن يقول: "اختتنوا للرب". فإن الختان من الجانب الجسدي لم يقتصر على أهل الختان حسب شريعة موسى وحدهم، وإنما مارسه أناس آخرون كثيرون. فكهنة الأوثان المصريون كانوا يختتنون لها (أي للأوثان)، فكان ختانهم للأوثان لا للرب، أما ختان اليهود فكان يمكن أن يكون للرب. إن كنا قد فهمنا معنى "اختتنوا للرب" بالمعنى الحرفي، فلننتقل إلى المعنى الرمزي حتى نعرف كيف يوجد بين المختونين من هم مختونون للرب، وآخرون مختونون ليس للرب. توجد عقائد أخرى بخلاف عقيدة الحق أي العقيدة الأرثوذكسية، هؤلاء الذين يعتمدون على الفلسفة. إنهم مختونون في أخلاقهم وقلوبهم ويمارسون ما يمكن أن نطلق عليه الاعتدال (الفضيلة)... هؤلاء مختونون ليس للرب، لأن ختانهم يتم بعقيدة كاذبة. ولكن حين تذهب إلى الكنيسة، وتتبع تعاليمها الحقة، فإنك لا تكون مختتنًا فحسب وإنما تكون مختتنًا للرب ]. كما يقول العلامة أوريجينوس: [تُوجد غرلة في القلب يجب نزعها. الغرلة هي خلقية منذ الولادة، يأتي الختان بعد ذلك؛ فما جاء بالولادة ينزع بالختان. إذا كانت الوصية تقول غرل قلوبكم، لا بُد أن يكون هناك في القلب شيء منذ الولادة يسمى غرلة، يجب علينا نزعه حتى نكون مختتنين من غرلة قلوبنا. إذا دققنا النظر في العبارتين: "لقد كنا بالطبيعة أولادًا في الغضب"، "جسد هذا الموت" الذي وُلدنا فيه، وإذا تأملنا في القول "ليس أحد طاهرًا من دنس ولو كانت حياته يومًا واحدًا على الأرض"، نستخلص كيف أننا ولدنا بخطايا وبغرلة في قلوبنا. إذا كان القلب الذي فينا هو الذي يحمل العقل، حيث توجد الأفكار، ومنه تخرج الأفكار الشريرة، فإن من ينزع الأفكار الشريرة ينزع أيضًا غرلة القلب. أما من لا ينزع غرلة قلبه (متجاوبًا مع عمل الروح القدس فيه)، فلينظر ما يتوعده به الله: "لِئَلاَّ يَخْرُجَ كَنَارٍ غَيْظِي، فَيُحْرِقَ وَلَيْسَ مَنْ يُطْفِئُ" (إر 4: 4)]. إذن ليكن لنا ختان القلب الداخلي للرب، يقوم على عمل الروح القدس الذي ينزع غُرلة القلب ويهب ختانه، يُصلب الإنسان العتيق ويهبنا الجديد في مياه المعمودية. العماد هو ختان القلب والروح، يعيشه المؤمن كل أيام حياته، ليعمل روح الله فيه بلا انقطاع، حتى يمارس الحياة الجديدة المُقامة مع المسيح. هذههي زينة العروس، الزينة التي يهبها لها الروح القدس في مياه المعمودية، والذي لا يتوقف عن تجميلها كل أيام غربتها، زينة الروح الداخلية... فلا تسمع التوبيخ: "وَأَنْتِ أَيَّتُهَا الْخَرِبَةُ، مَاذَا تَعْمَلِينَ؟ إِذَا لَبِسْتِ قِرْمِزًا، إِذَا تَزَيَّنْتِ بِزِينَةٍ مِنْ ذَهَبٍ، إِذَا كَحَّلْتِ بِالأُثْمُدِ عَيْنَيْكِ، فَبَاطِلاً تُحَسِّنِينَ ذَاتَكِ، فَقَدْ رَذَلَكِ الْعَاشِقُونَ. يَطْلُبُونَ نَفْسَكِ" (إر 4 :30) [30]. إذ نقبل عمل الروح القدس الناري فينا يلتهب قلبنا المختون بالحب الإلهي، أما إذا استعاد الغرلة،أي أعمال الإنسان العتيق، فيحترق بنار غضب الله. " لئلا يخرج كنار غيظي، فيحرق وليس من يطفئ بسبب شر أعمالكم" [4]. يقول العلامة أوريجينوس: [يشتعل غضب الله مثل النار بالنسبة للذين لم يختتنوا له، هؤلاء الذين لم ينزعوا عنهم غُرل قلوبهم. "وليس من يطفئ بسبب شر أعمالكم". طعام هذه النار هي الأعمال الشريرة التي نمارسها، فإن لم توجد أعمال شريرة لا تجد النار لها مأكلًا!]. من لا يقبل عمل الروح الناري فيه يسقط في نار الغضب الإلهي، أي يسقط في مرارة تجلبها أعماله الشريرة عليه، كما جلبت خطايا يهوذا السبي بكل مذلته، هذا الذي يصفه إرميا النبي بصورة قاسية حتى لم يعد يقدر أن يحتمل المنظر [10]... كان صوت التحذير مستمرًا حتى لحظات السبي، إذ يقول: "اخبروا في يهوذا وسمعوا في أورشليم وقولوا، اضربوا بالبوق (shophar) في الأرض، نادوا بصوتٍ عالٍ وقولوا: اجتمعوا فلندخل المدن الحصينة. ارفعوا الراية نحو صهيون. احتموا. لا تقفوا. لأني آتي بشرٍ من الشمال وكسرٍ عظيم. قد صعد الأسد من غابته وزحف مهلك الأمم. خرج من مكانه ليجعل أرضك خرابًا، تخرب مُدنك فلا ساكن، من أجل ذلك تنطقوا بمُسُوح، الطموا ولولوا، لأنه لم يرتد حمو غضب الرب عنا. ويكون في ذلك اليوم يقول الرب، إن قلب الملك يُعدم وقلوب الرؤساء، وتتحير الكهنة وتتعجب الأنبياء" [5-9]. الله القدوس الذي يطلب عروسه مزينة بالقداسة، إذ يراها تمارس الشر الذي يدفعها إلى السبي ينذرها، ويبقى ينذرها حتى اللحظات الأخيرة، فإنه يشتاق ألا تسقط في مرارة السبي... لقد أرسل من يخبرها، ويضربوا بأبواق كلمته، وينادوا بصوتٍ عالٍ، لعلهم يتركون القرى غير الحصينة ويدخلون إلى المدن الحصينة ويرفعون راية صهيون؛أي يدخلون بالتوبة إلى حصنٍ إلهي ويحملون راية الكنيسة، راية الحب الإلهي، فيحتمون من الخطر. يسألهم: "لا تقفوا".... إذ يليق بالعروس أن تتحرك تجاه عريسها، تعلن حبها له عمليًا، كما تحرك هو أولًا نحوها، باذلًا حياته لأجلها. إنه يكرر لها الدعوة بالتوبة حتى لا تسقط تحت التأديب القاسي. يقول العلامة أوريجينوس: [كلمة الله تيقظ السامع، وتُعِده للحرب ضد الشهوات، وضد القوات الشريرة، وتهيئه أيضًا للولائم السمائية. إنها هنا بمثابة بوق. "نادوا بصوتٍ عالٍ، وقولوا: اجتمعوا فلندخل المدن الحصينة" [5]. لا يريدنا الله أن ندخل إلى مدينة غير محصنة، بل إلى مدينة محصنة. فقد تحصنت كنيسة الله بالحق الذي في المسيح يسوع؛ هو نفسه حصنها، كما يقول داود النبي في المزمور: "الرب صخرتي وحصني ومنقذي" (مز 18: 2). أنتم جميعًا الذين كنتم خارج صهيون "ارفعوا الراية نحو صهيون (اهربوا إلى صهيون)؛ احتموا؛ لا تقفوا" [6]. أنتم الذين كنتم في تقدمٍ ونموٍ احتموا في صهيون. "لأني آتي بشرٍ من الشمال وكسر عظيم". عند مجيء هذا الشر، من لا يحتمي ويدخل المدن الحصينة،أي كنائس الله، يبقى خارجًا، يمسكه الأعداء ويقتلونه. من هو هذا العدو؟ لننظر إلى تكملة الحديث: "قد صعد الأسد من غابته وزحف مهلك الأمم" [7]. هذا هو العدو الذي يجب أن نهرب منه. من هو هذا الأسد الذي يتتبعنا؟ ينبهنا إليه القديس بطرس، قائلًا: "إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسًا من يبتلعه هو، فقاوموه راسخين في الإيمان" (1 بط 5: 8-9). يوجد أسد قد صعد من غابته؛ أين هي هذه الغابة؟ إنه سقط إلى أسفل. نزل إلى أسفل الأرض، إلى أعماقها. أنت إنسان، أعلى من الشيطان، لأنك أفضل منه على أي الأحوال، أما هو فهبط إلى أسفل بسبب فساده... إنه يريد أن يدخل إلى أرضك، يريد أن يفترس كل واحدٍ منا... بما أن الأسد قد صعد إليك ليهددك ويخرِّب أرضك، البس المسوح وابكِ وتنهد وتضرع إلى الله بالصلوات، فيهلك هذا الأسد، وتتخلص أنت منه، ولا تقع بين أنيابه. يحاول هذا الأسد أن يصطادك عن طريق آذانك، إذ يلقي إليك كلمات كاذبة محببة إلى نفسك، فيجعلك تحيد عن طريق الحق. يريد أن يلتهم قدميك، وينزعها من فوق أرض الحق. تمنطق بمسوح، واقرع صدرك، ابكِ، واصرخ صرخات الحرب حينما ترى العدو يهددك، فيرتد حمو غضب الرب عنك، عندئذ تستطيع بكل هدوء وطمأنينة أن تتصدى لكل هجمات الأسد، لأنك قد دخلت المدينة الحصينة]. في وسط الخطر يفتح الله باب الخلاص، معلنًا أن غضبه لا يدوم إلى الأبد. إنه يغضب لأنه يرى العدو قادمًا كأسدٍ ليفترسنا ونحن في تهاوننا لا ندخل إليه كمدينة حصينة، ولا نقبله ملجأ لنا. يضرب كما ببوقٍ لكي نرجع إليه فيرجع هو إلينا. ختان القلب يُكسب النفس جمالًا في عيني عريسها السماوي، مما يثير عدو الخير ضدها، فتدخل في حرب روحية، متسلحة بروح التوبة والاتضاع مع الاتكال على إمكانيات عريسها... ومع كل موقعة تتمتع بنصرة جديدة، فيزداد جمالها بهاءً. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
آرميا النبي | القلب نجيس |
آرميا النبي | القلب المُصاب بعمى الكبرياء |
آرميا النبي | إاتساع القلب بالحب |
آرميا النبي | إصلاح القلب الداخلي |
ختان القلب |