* إن كنتم مشتاقين إلى الحصول على نور المعرفة الروحية، معرفة ليست خاطئة لأجل كبرياء فارغ لتكونوا رجالًا فارغين. يجدر بكم أولًا أن تلتهبوا بالشوق نحو هذا التطويب الذي نقرأ عنه: "طوبى للأَنْقِياءِ القلب، لأنهم يعاينون الله" (مت 8:5). بهذا تنالون ما قاله الملاك لدانيال: "والفاهمون يضيئُون كضياءِ الجلد، والذين ردُّوا كثيرين إلي البرّ كالكواكب إلي أبد الدهور" (دا 3:12). ويقول نبي آخر: "ازرعوا لأنفسكم بالبرّ (حيث يوجد وقت)" (هو 12:10).
هكذا يلزمنا المثابرة بجهادٍ في القراءة، الأمر الذي أراكم تصنعونه، مع السعي بكل اشتياق لنوال المعرفة العملية الاختبارية أولًا، أي المعرفة السلوكية. لأنه بغيرها لا يمكن اقتناء النقاوة النظرية التي نتكلم عنها، وبهذا لا ينطقون بكلمات غيرهم معلمين بها، إنما بالسمو في العمل والتنفيذ. فبعدما يبذلون جهودًا وأتعابًا كثيرة يستطيعون أن ينالوا المعرفة الروحية كمكافأة لهم من أجلها. وإذ يقتنون المعرفة، لا من مجرد التأمل في الشريعة، بل كثمرة لتعبهم، يتغنون مع المرتل قائلين: "من وصاياك تفهمت" (مز 104:119). وإذ يقهرون كل شهواتهم، يقولون بكل ثقة: "لك يا ربِّ أرنم. أتعقل في طريقٍ كامل" (مز 1:101-2). فمن يجاهد في طريق كامل بقلبٍ نقيٍ يترنم بالمزمور ويتعقل (يتفهم) الكلمات التي يسبح بها.
إن أردتم أن تعدوا قلوبكم هيكلًا للمعرفة الروحية، فنقُّوا أنفسكم من آثار كل الخطايا، وتخلَّصوا من اهتمامات هذا العالم، لأن هناك استحالة على النفس التي ترتبك باهتمامات العالم - ولو إلي درجة بسيطة - أن تقتني عطية المعرفة، أو تصير مصدرًا للتفسير الروحي، وتجاهد في قراءة الأمور المقدسة .
الأب نسطور