05 - 04 - 2023, 02:00 PM
|
|
|
† Admin Woman †
|
|
|
|
|
|
معاقبة الأشرار بالرغم من نجاحهم
إِنِّي أُعَلِّمُكُمْ بِيَدِ اللهِ.
لاَ أَكْتُمُ مَا هُوَ عِنْدَ الْقَدِيرِ [11].
يؤكد أيوب أن معرفته للأسرار الإلهية قد تسلمها كما من يد الله، وأنه لا يبخل عن أن بعلن ما تسلمه. وهو في هذا يرمز للكنيسة التي تلقنت الحق من السيد المسيح، بكونه الحق نفسه، جاء لكي يخبرنا عن الآب.
إذ يرمز أيوب للكنيسة المضطهدة، فإنه باسمها يعلن عن رسالتها، ألا وهي أن تعلِّم الناس بيد الله أي بالمسيح يسوع، لأن يد الله تشير إلى الابن الكلمة، وإصبع الله يشير إلى الروح القدس.
كثيرًا ما كان القديس إكليمنضس السكندري يدعو السيد المسيح المعلم أو المدرب أو المهذب Paedagogus. كان القديسيميز بين اللوغوس الإلهي كهادٍ Protrepikos، وكمربٍ Paedagogus، وكمعلمٍ Didaskelos. فهو الهادي يدعو الناس للخلاص، وهو المربي الذي يحث المؤمنين على الحياة الأفضل ويشفيهم من آلامهم، ممارسًا عمله الروحي فيهم، وأخيرًا هو بعينه المعلم Didaskalos الذي يعلم الأسس العامة ويشرحها، مفسرًا المنطوقات الرمزية.
ومن كلمات القديس نفسه: [المرشد السماوي، اللوغوس يُدعى الهادي عندما يدعو البشرية للخلاص... لكنه إذ يعمل كطبيبٍ أو مربٍ يصير اسمه "المربي"... فإن النفس المريضة تحتاج إلى مربٍ يشفي آلامها. ثم تحتاج إلى المعلم الذي يعطيها الإدراك... "إعلان اللوغوس". هكذا إذ يريد اللوغوس خلاصنا خطوة فخطوة يستخدم وسيلة ممتازة. إنه في البداية يهدي، ثم يصلح، وأخيرًا يعلم.]
* ليست معرفة بدون إيمان، ولا إيمان بدون معرفة... الابن هو المعلم الحقيقي عن الآب. إنّنا نؤمن بالابن لكي نعرف الآب، الذي معه أيضًا الابن. مرّة أخرى، لكي نعرف الآب يلزمنا أن نؤمن بالابن، ابن الآب.
معرفة الآب والابن، بطريقة الغنوسي الحقيقي، إنّما هي بلوغ للحق بواسطة الحق... حقًا، قليلون هم الذين يؤمنون ويعرفون .
* يتكلم الطوباوي أيوب بطريقة ما مشيرًا إلى أمرٍ يخصنا. فالكنيسة المقدسة في تعليمها تشرح الحق لكي نعرفه، ولا تخفي أدنى جزء من الحق. هكذا لأن "يد الله" هي اسم الابن، إذ به كان كل شيءٍ (يو 3:1). إنها تؤكد أن بيد الله تُعلم أولئك الذين تراهم مستمرين في الجهالة بتمسكهم بحكمتهم الذاتية. وكأنها تقول في صراحة: "لست أعرف شيئًا من نفسي، بل ما أدركه من الحق أفهمه بسخاء الحق".
البابا غريغوريوس (الكبير)
هَا أَنْتُمْ كُلُّكُمْ قَدْ رَأَيْتُمْ،
فَلِمَاذَا تَتَبَطَّلُونَ تَبَطُّلًا قَائِلِينَ: [12]
هنا يوبخ الذين لهم معرفة ولا يعَلِمون، فهذا خطية كقول الرسول (يع 17:4).
ماذا رأوا في أيوب؟ حقا لقد تمررت نفسه جدًا بسبب اتهاماتهم الباطلة التي أضافت إلى ضيقاته ضيقًا أشد. لكنه مع هذا لم يجدف على الله، ولا نسب إليه ظلمًا. في مرارة نفسه طلب أن يقف أمام الله ليُحاكم، فهو في يقين أنه عادل ومحب، سيبرئه.
في عتابٍ يقول لهم: لماذا تنطقون بالباطل؟ لماذا تتصيدون لي الأخطاء؟ لماذا لا تحكمون عليّ من خلال الواقع الذي أعيش فيه؟ لماذا لم تدركوا ما وراء كلماتي من إيمانٍ حي بالله القدير؟
هَذَا نَصِيبُ الإِنْسَانِ الشِّرِّيرِ مِنْ عِنْدِ اللهِ،
وَمِيرَاثُ الْعُتَاةِ الَّذِي يَنَالُونَهُ مِنَ الْقَدِيرِ [13].
يقول لهم: لماذا تنطقون عليّ بالباطل؟ فإن كنت أعاني من النكبات والضربات، انظروا ما هو نصيب الشرير في هذا العالم، وميراث العتاة هنا؟ فإن كثيرين منهم ناجحون وأصحاب سلطة وأغنياء... لكن إلى لحظة، فينهار كل ما لديهم إن لم يكن في هذا العالم ففي الحياة العقيدة. هوذا الواقع العملي يشهد أنه ليس كل الأبرار في وسعٍ، ولا كل الأشرار في ضيق! لا تتسرعوا في الحكم علي!
إِنْ كَثُرَ بَنُوهُ فَلِلسَّيْفِ،
وَذُرِّيَّتُهُ لاَ تَشْبَعُ خُبْزًا [14].
تعاني ذرية الشرير من الجوع، فلا يجدون الخبز الضروري للشبع. وإن وُجد طعام يأكلون، وليس من شبعٍ (راجع حج 1: 6). كما يمكن أن يعني عوزهم إلى تذوق الخبز السماوي، كلمة الله المشبعة للنفس، حيث تحل بهم مجاعة إلى الكلمة. هوذا أيام تأتي يقول السيد الرب، أرسل جوعًا في الأرض، لا جوعًا للخبز، ولا عطشًا للماء، بل لاستماع كلمات الرب" (عا 8: 11).
بَقِيَّتُهُ تُدْفَنُ بِالْوَبَاءِ،
وَأَرَامِلُهُ لاَ تَبْكِي [15].
تصير ذريته ثقلًا على المجتمع، حتى في موتهم لا يكرمهم أحد، وكما قيل في إرميا: "تُدفن دفن حمارٍ" (إر 22: 19). متى ماتوا لا تبكي عليهم أراملهم، فإنه ليس من داعٍ للحزن عليهم، إذ تستريح الأرامل منهم، ويحسبن موتهم راحة لهن.
*يصف أيوب النصيب البائس للأشرار. فإنه وإن كان لهم الكثير من الأطفال، يكونون بلا ذرية، إذ ينقصهم النسل الصالح والأعمال التي تستحق التقدير. بالحقيقة فإن الذرية ليست تلك التي على الأرض، بل في السماء. لذلك مثل هؤلاء ينقصهم ميراثهم، ويكون الموت هو نهايتهم. بالرغم من أنهم يجمعون الثروة،، فإنهم يشحذون، إذ عندما يموتون يكونون في عوزٍ حيث لا يجدون راحة. ليس من يشفق على أراملهم.
إِنْ كَنَزَ فِضَّةً كَالتُّرَابِ،
وَأَعَدَّ مَلاَبِسَ كَالطِّينِ [16]
يكدس الأشرار ثروتهم من الفضة والذهب والملابس، لكن الفضة لا تفيدهم في شيء، بل تكون أشبه بالتراب، والثياب أشبه بالطين. تصير كنوزهم ثقلًا وعبئًا عليهم، يثقِّلون أنفسهم بها.
ولما كانت الفضة في الكتاب المقدس غالبًا ما تشير إلى كلمة الله، فإن الأشرار حتى في اقتنائهم للكتاب المقدس يصير بالنسبة لهم كالتراب، لأنهم لا يقبلونه للتمتع بعربون السماويات، وإنما لأجل نوال البركات زمنية.
ولما كانت الملابس تشير إلى برّ المسيح الذي يستر المؤمن ويصونه من الخطية، إذا بالشرير يمارس بعض الفضائل من أجل المجد الزمني في رياءٍ، فتصير ثيابه الداخلية طينًا قذرًا.
إلى وقت قريب كان كثير من الشرقيين يحصون ثيابهم الثمينة مع الفضة والذهب بكونها تمثل ثروة ذات تقديرٍ كبيرٍ وكنز ثمينٍ. يقول الرسول بولس: "فضة أو ذهب أو لباس أحدٍ لم أشتهِ" (أع 20: 33). كما أشار إلى قيمة الثياب في (1 تي 2: 9) "ملابس كثيرة الثمن". ويعقوب الرسول يتحدث عن الأغنياء: "غناكم قد تهرأ، وثيابكم قد أكلها العث" (يع 5: 2). وعندما أكرم يوسف أخاه بنيامين قيل: "أعطاه ثلاث مئة من الفضة وخمس حلل ثياب" (تك 45: 22).
كانت الثياب من الهدايا الثمينة التي تُقدم كنوعٍ من التقدير والاعتزاز والتكريم. فقد وعد شمشون بتقديم ثيابٍ لمن يحل لغزه (قض 14: 12- 13، 19). وأخذ نعمان ثيابًا مع بقية الهدايا لتقديمها لإليشع النبي (2مل 5: 5). وسليمان في كل مجده لم يمتنع من قبول ثياب كهدايا قيِّمة (2 أي 9: 24). ودانيال ارتدى ثوبًا من أرجوان قدمه له الملك لتكريمه (دا 5: 29).
جاء عن شاعر شرقي مشهور في القرن التاسع أنه قدمت له هدايا كثيرة في حياته، وعند موته كان لديه 100 طاقم من الملابس كاملة، و200 قميصٍ و500 عمامة. لا يزال الهندوس يقدمون في نهاية العيد ثيابًا جديدة لكل ضيفٍ حضر العيد.
* عادة ما تُفسر الفضة بمعنى نقاوة الكتاب المقدس، حيث قيل في موضع آخر: "كلمات الرب كلمات نقية، مثل الفضة المُجربة في تنور الأرض" (مز 6:12) ولما كان البعض يشتاقون أن تكون لهم كلمة الله، ليس داخليًا لكي يتمثلوا بها، بل خارجيًا للتباهي بها، قيل بالنبي: "كل هؤلاء الذين يلتحفون بالفضة يُقطعون" (صف 11:1)، وذلك بخصوص الذين لا يملأون أنفسهم بكلمة الله بانتعاشٍ داخلي، بل يكسون أنفسهم باستعراضٍ خارجيٍ.
البابا غريغوريوس (الكبير) "البريء يقسم الفضة"، إذ لا يكنزها كما فعل الشرير الذي جمعها، إنما يوزعها على الفقراء. "يعطي نصيبًا لسبعة ولثمانية" (جا 11: 2). فهو يودعها في خزانةٍ أمينةٍ، تسنده في يوم الرب العظيم.
*"وأما البريء فيقسم الفضة". فإن البريء (له قلب صادق) يقسم الفضة، أي يُقَدِّم إعلانات الرب (الواردة في الكتاب المقدس) قطعة فقطعة بتمييز، ويقدم لكل فردٍ ما يناسبه بلياقة. فإن كلمة الرب التي تُدعى هنا فضة أو ثيابًا، تُدعى في موضع آخر "غنائم". يشهد بذلك المرتل بعمل مقارنة، قائلًا: "ابتهج بكلامك، كمن وجد غنائم" (مز 162:119).
البابا غريغوريوس (الكبير)
يَبْنِي بَيْتَهُ كَالْعُثِّ،
أَوْ كَمِظَلَّةٍ صَنَعَهَا الْحَارِسُ [18].
قد يبني الأشرار قصورًا فخمة، يظنون أنها تهبهم سعادة وراحة كما تبقى لتخليد ذكراهم، ولا يدركون أنها تشبه ما يبنيه العث في ثوبٍ قديمٍ، سرعان ما يزول تمامًا.
*"يبني بيته مثل العث (عثة الملابس)" [8]. فالعث يبني بيتًا لنفسه بالفساد.
البابا غريغوريوس (الكبير)
يَضْطَجِعُ غَنِيًّا، وَلَكِنَّهُ لاَ يُضَمُّ.
يَفْتَحُ عَيْنَيْهِ وَلاَ يَكُونُ [19].
عند نومه يقول: "يا نفسي استريحي" (لو 12: 19). يبدو للآخرين أنه سعيد للغاية ومستريح، قد جمع ما يكفيه كل عمره وما يكفي أبناءه وأحفاده. لكنه لا يجد في أعماقه راحة حقيقية. "نوم المشتغل حلو، إن أكل قليلًا أو كثيرًا، ووفر الغني لا يريحه حتى ينام" (جا 5: 12).
إذ يغمض الشرير عينيه عند موته ويرقد، يفتحهما، فيجد أن كل ما قد جمعه قد تبدد، لا يسنده في شيء أمام الديان.
* "عندما ينام الغني لا يأخذ معه شيئًا، يفتح عينيه فلا يجد شيئًا" [19] في تناغم مع هذه العبارة يقول المرتل: كل الأغبياء مضطربون في القلب، ينامون نومهم، وكل الأغنياء لا يجدون في أياديهم شيئًا" (مز 5:76). فلكي يجد الأغنياء بعد موتهم شيئًا في أياديهم يُقال لهم قبل الموت وهم واضعون غناهم في أياديهم: "اصنعوا لأنفسكم أصدقاء من مال الظلم، حتى متى فُنيتم يقبلونكم في المساكن الأبدية" (لو 9:16).
* عندما ينام الجسد في الموت، تستيقظ النفس في معرفة صادقة. وهكذا فإن الغني ينام ويفتح عينيه، لأن من يموت في الجسد تلتزم نفسه أن ترى ما كانت تخشى توقعه. عندئذ تقوم في معرفة صادقة، وترى أن كل ما قد اقتنته هو لا شيء، فتجد نفسها في فراغٍ. لقد اعتادت أن تتهلل بكونها مملوءة خيرات أكثر من بقية العالم. لكنها تنام ولا تأخذ معها شيئًا. بالتأكيد لا تأخذ شيئًا من الخيرات التي اقتنتها. إذ تصاحبها خطية اقتناء الخيرات، وإن كانت تترك وراءها كل ما من أجله ارتكبت الخطية.
البابا غريغوريوس (الكبير)
الأَهْوَالُ تُدْرِكُهُ كَالْمِيَاهِ،
لَيْلًا تَخْتَطِفُهُ الزَّوْبَعَةُ [20].
يصير الموت بالنسبة للشرير ملك الأهوال. يصير كمن يغرق في مياه غامرة. يرتعب في رحيله من هذا العالم، فيكون كالعاصفة التي تخطفها زوبعة. تهب عاصفة غضب الله علبه "ليلًا"، وتختطفه وسط الظلمة التي اختارها بنفسه، فيكون كمن يتزعزع ولا يراه أحد لينقذه. إذ يحرم نفسه من إشراق شمس البرّ عليه، ليسكب رحمته فيه، يضع نفسه تحت العدالة الإلهية، ومن يحتملها؟!
* "العوز يلحق به كالماء، والعاصفة تجتاحه في الليل" [20]... ليس من غير اللائق أن يشبه العوز بالماء، لهذا أُعتيد أن تُدعى العذابات في جهنم بالبحيرة، تبتلع من تتقبله فيها وتنزل به حتى الأعماق. لذلك قيل بالنبي على لسان البشرية: "حياتي تسقط في البحيرة" (مراثي 53:3). بينما يتغنى المنتصرون الهاربون منها، قائلين: "أيها الرب إلهي أصرخ إليك وأنت تشفيني. أيها الرب قد أصعدت نفسي من القبر. حفظتني من الذين ينحدرون في البحيرة" (مز 2:30-3).
* "تجتاحه عاصفة في الليل" [20]. ما هذا الذي يدعوه "الليل" هنا إلا الزمن الخفي للرحيل المفاجئ؟
البابا غريغوريوس (الكبير)
تَحْمِلُهُ الشَّرْقِيَّةُ فَيَذْهَبُ،
وَتَجْرُفُهُ مِنْ مَكَانِهِ [21].
تهب عليه عاصفة الغضب كريحٍ شرقيةٍ عنيفةٍ ومرعبةٍ جدًا، تنقله كما إلى الهلاك الأبدي. أما البار فتهب عليه نسمة حب الله ومراحمه، لتنقله إلى حضن الآب في السماء! الموت بالنسبة للشرير مدمر، وبالنسبة للبار مُبهج للغاية.
يرى البابا غريغوريوس (الكبير) أن الريح الشرقية المُحرقة هي الروح الشرير بسهامه النارية، الذي يثير بها الشهوات في الشرير، ويدخل به إلى جهنم الأبدية.
* "الريح المحرقة ستنقله بالقوة وتطرده" [21]. ما هو هذا الذي يدعوه هنا بالريح المحرقة سوى الروح الشرير الذي يثير لهيب الشهوات المختلفة في القلب، فيسبحه إلى عقوبة أبدية؟ يُقال إن الريح المحرقة تنقل بالقوة الأشرار، لأن المتآمر، الروح الشرير، الذي يلهب الإنسان الذي يعيش في الشر، يسحبه إلى العذابات عند الموت. يقصد ب "الريح المحرقة" عادة الروح النجس الذي بنسمة الاقتراحات الشريرة يلهب قلوب الأشرار بالشهوات الأرضية.
*"ومثل زوبعة تحمله من مكانه" [21]. مكان الشرير هو التمتع بالحياة الزمنية ولذة الجسد. لذلك كل فرد بطريقة ما يُحمل من مكانه بواسطة زوبعة عندما يبتلعه الخوف من اليوم الأخير، فإنه ينفصل عن كل مسراته.
البابا غريغوريوس (الكبير)
يُلْقِي اللهُ عَلَيْهِ وَلاَ يُشْفِقُ.
مِنْ يَدِهِ يَهْرُبُ هَرْبًا [22].
حين كان الشرير في العالم، يترفق الله به، حتى في تأديبه بحزمٍ شديد، فاتحًا له أبوابه لكي يرجع إليه بالتوبة، لكن في يوم الدينونة لن يقدر أن يهرب من العدل الإلهي. الآن وقت الرحمة وطول الأناة.
يَصْفِقُونَ عَلَيْهِ بِأَيْدِيهِمْ،
وَيَصْفِرُونَ عَلَيْهِ مِنْ مَكَانِهِ [23].
بعد أن تحدث أيوب عن ازدهار الشرير المؤقت، وصوَّر لنا مرارة نفسه وهو يواجه الموت، الآن يرى كيف أن الضعفاء وبعض الخطاة يرون في هذا درسًا عمليًا من ثمر الشر المرّ، فيُصفِّقون بأياديهم في دهشة، ويرجعون عن طريقهم الشرير، ويطلبون حياة مع الله.
"يصفِّقون عليه بأياديهم"، أي يفرحون بالقصاص الذي ينهي الظلم، ويُحدر إبليس وجنوده إلى جهنم. "عند هلاك الأشرار هتاف" (أم 11: 10)؛ "في نفس المكان الذي ترفَّه فيه يضحك عليه الصدِّيقون" (مز 52: 6)، "يُداس رماده تحت بطون أقدام الأتقياء" (مل 4: 3).
* عندما يموت الخاطي يكتم هؤلاء الذين يشهدون موته أفواههم وهم في هسهسة (كصوت الأفعى)، بهذا يتحولون إلى تلك الكلمات الروحية التي كانوا يستخفون بها، وبهذا يبتدئون أن يؤمنوا، ويتعلمون ما لم يؤمنوا به قبلًا، وذلك عندما ظنوا أن الشرير يحيا في ازدهارٍ. يقول سليمان: "عندما يعاقب الإنسان الخطير، يصير الضعيف حكيمًا" (أم 11:21)
* كل ضربة من الله، إما لتطهير الحياة الحاضرة فينا، أو كبداية لعقوبةٍ مقبلةٍ... أما بالنسبة للأشخاص الذين تكون لهم الضربات لعنة وليس للتأديب، فيُقال عنهم: "لقد ضربتهم ولم يحزنوا. لقد أفنيتهم ولم يقبلوا الإصلاح" (إر 3:5). بالنسبة لهؤلاء تبدأ ضرباتهم في هذه الحياة، وتستمر في ضربات أبدية. يقول الرب بموسى: "فإن نارًا تشعل غضبي، وستحرق إلى أسافل جهنم" (تث 22:32).
البابا غريغوريوس (الكبير)
|