29 - 03 - 2023, 06:48 PM
|
|
|
† Admin Woman †
|
|
|
|
|
|
عدم إدراكه لسرّ الله
هَأَنَذَا أَذْهَبُ شَرْقًا، فَلَيْسَ هُوَ هُنَاكَ،
وَغَرْبًا، فَلاَ أَشْعُرُ بِه [8].ِ
شِمَالًا حَيْثُ عَمَلُهُ، فَلاَ أَنْظُرُهُ.
يَتَعَطَّفُ الْجَنُوبَ، فَلاَ أَرَاهُ [9].
عبَّر أيوب عن التيه الذي كان فيه، إذ كان كمن يبحث عن الله، فلم يجده في الشرق، ولا شعر به في الغرب. لقد سبق أن أمره أليفاز أن يتعرف على الله (أي 22: 12)، فيجيبه أيوب أن هذه هي شهوة قلبه، فإنه يود الظهور أمامه.
كان أيوب بلا شك يؤمن بأن الله حاضر في كل موضع، لكنه هنا يشكو من عجزه عن تركيز أفكاره في الله وفي حكمته وسط ملاحقتهم له بالمناقشات غير المجدية والمثيرة. فمع إيمانه بوجود الله كأن شيئًا أشبه بغشاوة يغطي بصيرته الداخلية، فيعجز عن التعرف على أسباب متاعبه التي سمح بها الله. لا يعرف خطية معينة ارتكبها لكي يتوب عنها. لم يدرك ما هو هدف الله من السماح له بهذه النكبات. وأخيرًا لا يعرف ما هي نهاية هذه النكبات، هل سينجيه الله منها؟ متى؟ وكيف يتحقق هذا؟
يقدم لنا البابا غريغوريوس (الكبير)أكثر من تفسير للشرق والغرب والشمال (أو اليسار) والجنوب (أو اليمين) في هذه العبارة.
التفسير الأول: الله كائن في كل مكان، وهو لا يتجزأ، يملأ الكل، يرى الإنسان ويعرف كل ما في أعماقه، لكن الإنسان لا يراه ولا يقدر أن يميزه بالحواس. مهوب مع أنه غير منظور.
التفسير الثاني: إن تطلعنا إلى الشرق، أي إن فكرنا في عظمته، حيث يشرق هو من الشرق، لا نستطيع إدراك طبيعته بفكرنا المائت. وإن تطلعنا إلى الغرب، أي إن تراجعت بصيرة القلب بسبب فيض بهائه، لا يمكن فهمه. وإن سلكنا نحو اليسار حيث السقوط في الخطايا لا ندركه. وإن سلكنا نحو اليمين حيث الضربات اليمينية من الكبرياء والرياء والبرّ الذاتي لا نراه.
*"هأنذا أذهب شرقًا، فلا يظهر، وإن ذهبت غربًا لا أفهمه. إن ذهبت شمالًا، ماذاأفعل؟ إني لا أدركه، وإن اتجهت يمينًا (جنوبًا) فلا أراه" [8-9]. خالق كل الأشياء لا يتجزأ، وهو في كل مكان... فإن الروح غير المدرك يحوي كل شيءٍ فيه، هذا الذي في نفس الوقت يملأ ويحوي...
كأنه يقول بوضوحٍ: إني لا أستطيع أن أنظر هذا الذي يراني، ذاك الذي ينظرني بكل دقةٍ، ليس لي قدرة على التطلع إليه... خالقنا الذي هو كامل بكليته في كل موضعٍ ويميز كل شيءٍ، لا يٌمكن أن يُميَّز (بالحواس)، وهو بالأكثر مهوب، إذ يبقى غير منظورٍ، وأن مصير تصرفاتنا معلق، وزمانها غير معروف.
يمكن أيضًا فهم هذه الكلمات بمعنى آخر: فإننا نذهب شرقًا عندما نرفع أذهاننا بالتفكير في عظمته، لكنه "لا يظهر"، حيث لا يمكن أن يُرى في طبيعته بفكرٍ قابل للموت. "إن ذهبت غربًا، لا افهمه"، نذهب غربًا عندما تتراجع عين القلب المرتفعة في الله بسبب فيض النور...
الذهاب يسارًا (شمالًا) هو خضوع الإنسان لملذات خطاياه. واضح بالتأكيد أن الشخص الذي لا يزال يرضي خطاياه، وينطرح نحو اليسار لا يقدر أن يدرك الله...
يذهب الشخص نحو اليمين (الجنوب)، ذاك الذي يرتفع على إنجازات فاضلة.
لكن الله لا يُمكن أن يُرى بواسطة ذاك الذي يُسر بتمتعه بأعماله الصالحة في أنانية، إذ يُحدر عين القلب بغرور الكبرياء. لذلك حسنًا يُقال في كل موضع: "لا تحد يمينًا ولا يسارًا" (راجع تث 11:17)...
البابا غريغوريوس (الكبير) * لا تقدر أن ترى الله، لكن من حقك أن تراه بحبك لقريبك. وبتطلعك إلى مصدر ذاك الحب ترى الله قدر ما تستطيع .
|