رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
حزن يقود للفرح الإنسان بِطَبعِهِ يَكرَه الاِنتِقاد ويُحِبّ المَدح، فمَن مِنَّا يَوَدّ أن يَنتَقِدهُ الآخَرون أو أن يُوَبِّخهُ أحَدٌ على سُلوكٍ ما؟ لذلك نَرى حتَّى الطِّفل الصَّغير عندَما يُنتَقَد أو يُوَبَّخ من أهلِهِ على فِعلٍ سَيّءٍ ارتَكَبَهُ، فإنَّهُ يُنكِر أنَّهُ فَعَلَهُ أصلاً ويَتَشبَّث بِنُكرانِهِ بَل ورُبَّما يَنفَجِر باكِياً لِكَي يَستَدِرّ عَواطِف أبَوَيهِ حتَّى لا يُعاقَب على فِعلَتِه. لكن نَرى أنَّ بَعض الأهل لا يَنجَرُّونَ وَراء هذا السُّلوك الدِّفاعي الذي يَبتَدِعهُ الطِّفل لكي يَهرُب من التَّوبيخ والعِقاب، لذلك يَستَخدِمونَ التَّأديب والتَّوبيخ من أجل مَصلَحَة طِفلِهِم حتَّى ولَو سَبَّبَ ذلك بَعض الحُزن الوَقتي للطِّفل، خاصَّةً أنَّهُ لن يَفهَم تَداعِيات تَصَرُّفاتِهِ السَّيِّئة في حينِها بِسَبَب عَدَم نُضجِهِ، لكنَّ ما يَفعَلهُ الأهل هو بِلا شَكّ لِخَير ابنِهِم ومَنفَعَتِهِ عِندَما يَكبُر، فمِن غَير الجائِز أن يَترُكوهُ يَتصَرَّف بِطَريقة سَيِّئة وبِقِلَّة تَهذيب، لأنَّ ذلك سيُؤثِّر على حَياتِه وعلى مُحيطِهِ بِشَكل سَلبي عِندَما يَكون قَد اعتادَ على الطِّباع السَّيِّئة التي تُسَبِّب الألَم والحُزن لَهُ وللآخَرين. لذلك التَّأديب في التَّربِية هو من واجِب ومَسؤولِيَّة الأهل تجاه أطفالِهِم. لكن حتَّى نحنُ كمؤمِنين كِبار وناضِجين، نَمُرّ أحياناً بِظُروف مُشابِهة للأطفال في حَياتِنا الرُّوحِيَّة، ونَحزَن عندَما نَتَوَبَّخ من كَلِمَة الرَّب، لأنَّها تُجَرِّدنا أمامَ أنفُسِنا وتُعَرِّي لنا أفكار قُلوبنا ونَوايانا الخَفِيَّة. لذلك نَحزَن لأنَّنا لا نُريد أن نتَخَلّى عن خَطايانا ونُحِبّ التَّمَسُّك بِها دونَ أن يُوَبِّخنا أحَد على ذلك. اعتَرَفَ بولُس الرَّسول بأنَّهُ أحزَنَ الكورِنثِيِّين في رِسالَتِهِ لأنَّهُ كانَ مُدرِكاً أنَّ تَوبيخَهُ لَهُم هو من أجل تَقويمِهِم، حتَّى ولَو أحزَنَهُم ذلك وأزعَجَهُم إلى حِين، فقالَ لَهُم: “فَإِنْ أَحْزَنْتُكُمْ فَمَنْ ذَا يُفَرِّحُنِي إِلاَّ الَّذِي أَحْزَنْتُهُ؟” (رِسالة بولُس الرَّسول الثَّانِية إلى أهل كورِنثوس 2:2) للوَهلة الأولى يَبدو بولُس وكأنَّهُ يَخلِط بينَ المَفاهيم، فأيّ صِلة لهذا بذاك وكيفَ يُمكِن للحُزن أن يَقود للفَرَح؟ لكن ما يَقصِدهُ بولُس هو أنَّ تَوبيخَهُ لمؤمِني كَنيسَة كورِنثوس حتَّى وإن تَسَبَّبَ لَهُم بِحُزنٍ وَقتِيٍّ في البِداية إلَّا أنَّهُ سَيُنتِج فَرَحاً فيما بَعد ليسَ فقَط للَّذينَ تَقَوَّموا بَل أيضاً لِبولُس الخادِم الأمين العامِل لأجلِهِم والمُوكَل من الرَّب لرِعايَتِهِم، مِمَّا سَيُفَرِّح قَلب الرَّب بِسُلوك هؤلاء المؤمِنين بعدَ تَوبَتِهِم. ثُمَّ يَقول بولُس أيضاً في نَفس الرِّسالة: “فَإِذَا كُنْتُ قَدْ أَحْزَنْتُكُمْ بِرِسَالَتِي إِلَيْكُمْ، فَلَسْتُ نَادِماً عَلَى ذَلِكَ، مَعَ أَنِّي كُنْتُ قَدْ نَدِمْتُ، لأَنِّي أَرَى أَنَّ تِلْكَ الرِّسَالَةَ أَحْزَنَتْكُمْ وَلَوْ إِلَى حِينٍ. وَأَنَا الآنَ أَفْرَحُ، لاَ لأَنَّكُمْ قَدْ أُحْزِنْتُمْ، بَلْ لأَنَّ حُزْنَكُمْ أَدَّى بِكُمْ إِلَى التَّوْبَةِ. فَإِنَّكُمْ قَدْ أُحْزِنْتُمْ بِمَا يُوَافِقُ مَشِيئَةَ اللهِ، حَتَّى لاَ تَتَأَذَّوْا مِنَّا فِي أَيِّ شَيْءٍ. فَإِنَّ الْحُزْنَ الَّذِي يُوَافِقُ مَشِيئَةَ اللهِ يُنْتِجُ تَوْبَةً تُؤَدِّي إِلَى الْخَلاَصِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ نَدَمٌ. وَأَمَّا حُزْنُ الْعَالَمِ فَيُنْتِجُ مَوْتاً. ” (رِسالة بولُس الرَّسول الثَّانِية إلى أهل كورِنثوس 8:7-10). إنَّ الحُزن الذي يؤدِّي إلى التَّوبة هو حُزن بِحَسَب مَشيئَة الله، لأنَّ الغاية الأسمى التي يَعمَل الرَّب على تَحقيقِها في حَياتنا هي أن نَنمو في إيمانِنا أكثَر وأكثَر لِنُشابِه صُورَةَ ابنِهِ يسوع. إنَّ الحُزن الذي يؤدِّي إلى التَّوبة هو حُزن بِحَسَب مَشيئَة الله لذلك إن أحَزَنَتكَ كَلِمَة الرَّب ووَبَّخَتكَ وكَشَفَت لكَ عن سُلوك خاطِئ تَتَّبِعهُ أو سَلَّطَت الضَّوء على أفكارِكَ التي لا تُمَجِّد الله وعلى الخَطايا المُستَتِرة في قَلبِك، فَلا تَحزَن حتَّى ولَو جاءَ هذا التَّوبيخ بِواسِطَة راعي كَنيسَتك على سَبيل المِثال أو عن طَريق مؤمِن ناضِج أكثَر مِنكَ بالإيمان، أو عبرَ آية قَرَأتَها أو عِظة سَمِعتَها، فَلا تَحزَن ولا تُنكِر ذلكَ في نَفسِك بَل اِفرَح لأنَّ الله يُحِبّك ويُريد مِنكَ أن تَسمَع لِصَوتِهِ لِكَي تَتغَيَّر وتَتنَقَّى من كُل الشَّوائِب التي تَقِف عائِق بَينَكَ وبَينَهُ، لأنَّ الآية تَقول إن راعيتُ إثماً في قَلبي لا يَستَمِع لي الرَّب، واشكُر الله لأنَّ هذا الحُزن الوَقتي الذي شَعَرتَ بِهِ سَيَقودكَ إلى الفَرَح الحَقيقي عِندَما سَتَتحَرَّر من ذُنوبِك وتَحيا بِحَسَب كَلِمَة الله، مِمَّا سَيُفرِح راعي كَنيسَتك بِنُمُوِّكَ ونُضجِكَ الرُّوحي وسَيُفرِح أوَّلاً قَلب الله بِتَوبَتِكَ ونُصرَتِكَ على الخَطيئة، من أجلِ ذلك تَذَكَّر دائِماً هذهِ الآية الجَميلة التي تَقول: “يَا ابْنِي لَا تَحْتَقِرْ تَأْدِيبَ الرَّبِّ وَلا تَكْرَهْ تَوْبِيخَهُ، لأَنَّ مَنْ يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَيُسَرُّ بِهِ كَمَا يُسَرُّ أَبٌ بِابْنِهِ.” (سِفر الأمثال 11:3-12) |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
دعوة للفرح |
من قال ان الابتسامة رمز للفرح |
دعوة للفرح |
فستان للفرح |
إن كان العقل يقود الإنسان، فما الذي يقود العقل؟ |