فلكي يستطيع أحدٌ أن يدرك عظم الجهاد الذي تكبده هذه الأم الإلهية ضد ذاتها في أمر قربان أبنها وتقدمتها إياه ضحيةً وكم كان علقم مرارة الألم الذي هي تجرعته في شربها هذه الكأس. فينبغي ضرورةً أن يدرك قبلاً مقدار الحب الذي به كانت هي تحب هذا الأبن الوحيد. فنحن بوجه العموم نعلم أن المحبة الوالدية الكائنة في الأمهات عموماً نحو أولادهن، تصيرهن عند موتهم أو فقدانهم أن ينسين بالكلية نقائصهم بأسرها، وخصالهم الرديئة وبشاعة خلقة بعضهم بل الأهانات والأفتراء الذي يكون التحق بهن من البعض منهم. وبالأجمال يشعرون بالوجع والحزن على فقدهم كأنهم مزينون بالكمالات بأجمعها. هذا مع أن حب هؤلاء الأمهات لأولادهن المشار إليهم هو حبٌ مقسومٌ فيما بينهم وبين أولادهن الآخرين، أو فيما بينهم وبين موضوعاتٍ أخرى من الأشياء المجلوقة.