![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() وفاة أنطونيوس ووصيَّته الأخيرة أنعم الله على القدِّيس أنطونيوس بحياة طويلة قضاها مع الله بالجهد العنيد والحبّ المستميت. ولمَّا علِمَ بدنوّ أجَلِه، حدّثته نفسه بزيارة تلاميذه في صوامعهم للمرَّة الأخيرة ليراهم ويلقي عليهم وصيَّته الأبويَّة الأخيرة. ولمَّا وصل، سلـَّم عليهم وقال لهم: "هذه، يا أولادي، زيارتي الأخيرة لكم. ولا أظنّ أنـِّي أراكم بعد في هذه الدُّنيا. إنَّ المئة والخمس سنين تضطرُّني إلى أن أنحلَّ من هذا الجسد الفاني". فحزن سامعوه وامتلأت قلوبهم كآبة وعلت زفراتهم وتهافتوا على يديه يقبِّلونها. ثمَّ أشار القدِّيس أنطونيوس ليسكـتوا ويكـُفـُّوا عن البكاء. وتابع يقول لهم: "يا أولادي، إنـِّي مغادركم. غير أنـِّي لا أنفكّ عن محبَّتكم. مارسوا دائمًا أعمالكم المقدَّسة ولا تتراخوا قط. احرصوا كلّ الحرص ألاَّ تدنـِّس أنفسكم شوائب الأفكار. اجعلوا الموت نصب أعينكم واجعلوا قيد أبصاركم حياة القدِّيسين واقتدوا بهم. اتبعوا طريق الحقّ شجعانـًا، وحذارِ أن تشتركوا مع الأريوسيِّين المعروف كفرهم ونفاقهم وزميم أعمالهم. اهربوا منهم. لا تتعجَّبوا من مساعدة الحكـَّام ومناضلتهم عن تعليمهم. فهذه السُّلطة الوهميَّة التي اختلسوها لا بدّ أن تتلاشى. وليكن ذلك محرِّضًا لكم على ألّا تكون لكم علاقة بهم. حافظوا بكلّ تقوى على تقليدات آبائكم واثبتوا في إيمان المسيح وعلى ما تثقـَّفتم به من الأسفار المقدَّسة واستماعكم الإرشادات التي ألقيتها عليكم أنا العبد القاصر". فألقى كلامه هذا في قلوب تلاميذه حزنـًا عميقـًا. لكـنـَّهم التزموا، مراعاةً لشعوره، أن يكتموا حزنهم، إنـَّما اجتهدوا أن يحملوه على البقاء بينهم حتى ساعة موته. فيتشرَّف ديرهم بميتته المجيدة ودفنته الموقـَّرة. هذه هي التـَّعزية الوحيدة التي كانوا يرجونها. لكنَّ القدِّيس رفض طلبهم هذا بكلّ صراحة. وودَّع رهبانه وعاد إلى خلوته استعدادًا لملاقاة ربِّه. وبعد أيَّام من وصوله إلى صومعته، اعتراه المرض. فقدَّم لله تعالى حياته وسأله بكلّ اتـِّضاع أن يغفر له خطاياه مفوِّضًا إليه أمر نفسه. ثمَّ صلـَّى من أجل تلاميذه وخاصَّة من أجل تلميذيه مكاريوس وأماتوس اللـَّذين كانا معه منذ خمس عشرة سنة، يقيمان معه ويخدمانه في شيخوخته، وقال لهما: "إنـِّي، يا ولدَيَّ العزيزين، منطلق في طريق الآباء. فالرّبّ يدعوني. وأنا مرتاح كلّ الإرتياح للحُظوة بالإتـِّحاد به تعالى. أُذكـِّركما، بنيَّ، وأحضُّكما ألاَّ تضيعا في يسير من الزَّمن جنى أتعاب سنوات عديدة. ضعَا نصب أعينكما أنـَّكما قد ابتدأتما اليوم، فيزداد عزمكما وحرارتكما بحفظ الواجب. أنتما تعلمان مكائد إبليس وقساوته ولا تجهلان ضعفه. فلا تخافاه قط؛ بل آمِنا بيسوع المسيح واكتبا على صفحات قلبَيكما الإيمان باسمه المقدَّس، لأنَّ الإيمان الرَّاسخ يهزم الأبالسة. أجيلا فكركما في نصائحي واذكرا زوال الحياة التي هي في تصرُّفٍ وتقلـًّبٍ دائم. فتحرزا عاجلاً ثواب السَّماء. اهرُبا من سمّ أرباب الشِّقاق والبدَع لأنـَّهم أبدًا أعداء صليب المسيح. إجهَدا النـَّفس في حفظ وصايا الله. فبعد مماتكما، يلقاكما الجميع بمنازل السَّماء كأصدقاء. فكـِّرا بهذه الأشياء وتصرَّفا فيها بفطنة وتحدَّثا عنها ما استطعتما". "ثمَّ إنـِّي أُناشدكما الله، إذا خطرت لكما في بال وجاء في فكركما ذكر أبيكما، وإذا شئتما أن تبادلاني ما لي عندكما من خالص المودَّة، ألاَّ تحملا جسدي إلى مصر، مخافة أن يُصان. فيكون لي ذلك الإعتبار الباطل، تِبعًا لعادة المصريِّين الذميمة. فحذار من ذلك، عدتُ إلى هنا لكي أموت في هذا الموضع. فأنتما إذًا تدفناني في بطن الأرض وتردَّان التـُّراب عى جسد أبيكما. واحفظا وصيَّتي، وهي ألاَّ تَدعا أحدًا سواكما يعلم أين موضع دفني. ورجائي وطيد أنـِّي أقبل هذا الجسد يوم القيامة من يد سيِّدي يسوع المسيح معصومًا من الفساد. أمَّا ثيابي، فإنـِّي أُوزِّعها كما يلي: "أعطيا الأُسقف أتناسيوس جلد الغنم والرِّداء الذي استلمته منه جديدًا فأردُّه له باليًا. أعطِيا الأُسقف سرابيون جلد الغنم الآخر. واحفظا لكما مِسحيَّ. أستودعكما الله، يا ولدَيَّ العزيزَين. إنَّ أنطونيوس يفارقكما بالجسد ولا يفارقكما بالرُّوح". (الشُّذور الذَّهبيَّة صفحة 101- 106). فلمَّا انتهى أنطونيوس من كلامه، تقدَّم إليه الـتـِّلميذان يعانقانه. ثمَّ بسط رجليه وقابَل الموت بكلّ هدوء وابتهاج وإشارات الفرح السَّماويّ بادية على ملامحه فاتحًا ذراعيه كأنـَّه يريد أن يعانق آخرين. ولفظ روحه الطـَّاهرة. لاحقـًا الآباء الأوَّلين، في السَّابع عشر من كانون الـثـَّاني سنة 356، وله من العمر مئة وخمس سنين. أمَّا الـتـِّلميذان فعَمِلا بما أوصاهما. فأدرجا جسده في كفن ودفناه في بطن الأرض. |
![]() |
|