نداء المعمدان إلى التوبة
آ7. فلمّا رأى الكثيرين من الفرِّيسيّين والزنادقة، وهم أصحاب بدعتين كانتا أوَّلاً في أيّام يوناتان أخي يهوذا المكّابيّ، ذكرهما يوسيفوس* مع الأسينيّين في ك 1 و3 في القدميّات وفي ك 2 في الحرب رأس 7. فالزنادقة دُعوا كذلك نسبة إلى زادوق أو صادوق إمام بدعتهم، أو من صدق وهي لفظة عبرانيَّة تأويلها البرّ لأنَّهم كانوا يدَّعون البرارة. وهؤلاء كانوا يُنكرون قيامة الأجساد وديمومة النفس ووجود الأرواح والملائكة والثواب والعقاب المؤبَّدين. ولم يكونوا يسلِّمون بشيء من تقديمات الأقدمين الغير المكتتبة في شريعة موسى. وكان يتبعهم كثير من رؤساء وعظماء اليهود الأكثر انعطافًا إلى حرِّيَّة الجسد. وأمّا الفريّسيّون فكانوا يعتقدون كلَّ ما تقدَّم لكنَّهم كانوا يتمسَّكون بطقوس ورتب لا طائل لها وبتقليدات ذات تحفُّظات باطلة لتدعوهم العامَّة أبرارًا وأتقياء، كما جاء في مت23، وكما يظهر في أع 23: 8 حيث ورد "أنَّ الزنادقة يقولون لا قيامة ولا ملائكة ولا روح والفرّيسيّين يعترفون بذلك". وقد دُعي هؤلاء فرّيسيّين من فرس أو فرش كلمة عبرانيَّة تأويلها الاعتزال والانفراز، أي إنَّهم مفرَزون عن العامَّة بالعلم والتقوى والسيرة كما قال مار إيرونيموس*. أو تأويلها التفسير لأنَّهم كانوا يفسِّرون الشريعة. والشعب كان يتبع هؤلاء غالبًا. وكان إمام بدعتهم شمعي* الذي ورد ذكره في حز 12: 13 وذكره يوسيفوس*. وأقدم وأقدس من هؤلاء جميعهم الأسيانيّون الذين كانوا أصحاب البدعة الثالثة وروى عنهم يوسيفوس* في ك1 في القدميّات رأس 9 أنَّهم كانوا ينسبون كلَّ ما يحدث للإنسان إلى المقدَّر. فمن هذه البدع جميعها كان كثيرون. يأتون. إلى يوحنّا ولكنّ بعضهم أتوا إليه، لا ليعتمدوا أو يتوبوا، بل رغبة في الاعتبار وليظهروا للشعب أنَّهم أتقياء. ولذا وبَّخهم يوحنّا أشدَّ التوبيخ، إذ قال لهم: يا أولاد الأفاعي. أي يا أولادًا أردياء من آباء أردياء كالأفاعي المسمَّة ترغبون في أن تقبّحوا الأمور الحسنة بالمخادعات. وقد ذكر بعض القدماء أنَّ الأفاعي إذا حبلت قرضت أفراخُها بطنَها وخرجت ولذا قال بعضهم إنَّ هذا وجه التشبيه. فكأنَّه يقول: كما أنَّ الأفاعي تقرض بطون أمَّهاتها هكذا أنتم أيُّها الزنادقة والفرّيسيّون تطعنون وتقتلون أمَّكم المجمع وآباءكم الروحيّين أي أنبياء الله لتعيشوا بشهواتكم وطمعكم. ولكنَّ المحقَّق أنَّ تشبيههم بالأفعى هو لسمِّها وخبثها. من دلَّكم على الهرب من الغضب، أي انتقام الله، الآتي، المفاجئ لكم لا سيَّما في الحياة العتيدة، والذي أنتم أيُّها الزنادقة لا تؤمنون به، وأنتم أيُّها الفرّيسيّون لا تخافونه واثقين ببرِّكم الباطل وكلُّكم منتفخون بالعجرفة والصلف فلا تريدون أن يرشدكم أحد. ولذا أعلم أنَّكم أتيتم إليَّ رياءً وخداعًا، ولذا لا تَنجون من الغضب. وارتأى ملدوناتوس* أنَّ كلام يوحنّا هنا هو كلام متعجِّب لا متهدِّد، فكأنَّه يقول: من دلَّكم أن تخافوا من حكم الله مع أنَّكم لم تكونوا قبلاً تؤمنون به ولا تخافونه*؟ فحقًّا إنَّ ذلك ليس منكم بل من نعمة الله. واستشهد ملدوناتوس* لتفسيره فم الذهب* وأمبروسيوس*.
آ8. اعملوا الآن ثمارًا تليقُ للتوبة. أي افعلوا أفعالاً تليق فعلها وإظهارها من التائبين كالدموع والاعتراف بالخطايا ومقتها والوفاء عنها وتغيير السيرة والخصال بما هو أحسن، كما قال فم الذهب. ولذا يظهر أنَّ التوبة لا تقوم بتجديد السيرة وحده كما زعم كلفينوس* بل بالندامة على الآثام الماضية والوفاء عنها أيضًا.
آ9. ولا تظنُّوا قائلين في نفوسِكم إنَّ أبانا إبراهيم، الذي وعد الله ذرِّيَّته بالخلاص، لأنَّه ليسوا أبناء الجسد هم ورثة الموعد، بل الذين يقتفون آثار أبيهم إبراهيم وطاعته، كما يقول الرسول في روم 9. وإذا لم يوجد من هم كذلك في المسكونة، ولم يتيسَّر له تعالى أن يحفظ وعده لإبراهيم لعدم وجود الأولاد الشرعيّين له، فأقول لكم إنَّ الله لا يخلف وعده وهو قادرٌ أن يقيمَ من هذه الحجارة بنينَ لإبراهيم. أي لا يعسر عليه جلَّ ثناؤه أن يجعل الحجارة تصير بشرًا كما صنع تراب الأرض إنسانًا إذ جبل آدم. ولا يحتاجكم أنتم الأولاد العقوقين لحفظ وعده لإبراهيم. ويوجد غيركم أولاد حقيقيّون لإبراهيم من اليهود والأمم (الذين يشبِّههم داود بالحجارة) فينالون هذه المواعيد الصالحة. ويشير بذلك إلى دعوة الأمم إلى الإيمان، كذا فسَّر إيرونيموس* وأغوسطينوس* وغيرهما.
آ10. ها هوذا الفأسُ موضوعٌ على أصولِ الشجر فكلُّ شجرة لا تُثمرُ ثمارًا صالحةً تُقطَعُ وتُلقى في النار. يعبِّر على الأصحِّ بالفأس عن قضاء الله. وبالشجر عن كلِّ يهوديٍّ. وبالثمار الصالحة عن الأعمال الصالحة التي تليق بالتوبة. فكأنَّه يقول: ها هوذا قد فاجأكم الانتقام الأخير إذا لم تتوبوا وتخضعوا للماسيّا ملككم. وإلاّ فليس بعضكم فقط بل أمَّتكم كلّها أيضًا تُقطع من البركة الموعود بها لإبراهيم ويوضع عوضكم الأمم، كما جاء في محلٍّ آخر: يؤخذ منكم ملكوت الله ويعطى لشعب يصنع ثمره. كذا فسَّر أوريجانس وتوليتوس. وإذ كانوا يظنُّون أنَّ يوحنّا هو المسيح كما جاء في لو 3: 16 ففنَّد ذلك بقوله.