رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
محبة الخير ومحبة الغير بقلم: البابا شنودة الثالث الخير في معناه الايجابي هو البر والفضيلة والنقاوة وفي معناه السلبي هو البعد عن الخطأ بكل معانيه وتفاصيله. ونحن حينما نتكلم عن الخير في حياتنا لانقصد إطلاقا مجرد عمل الخير, وإنما محبة الخير. فالله تبارك اسمه لايهمه الخير الذي نعمله مضطرين أو مجبرين. كما لاقيمة للخير الذي نبغي من ورائه مديحا أو مجدا من الناس أو اعجابا. لأننا في هذه الحالة يكون حبنا هو للمديح والأعجاب وليس للخير. كما أننا ننال أجرا علي مافعلناه هنا علي الأرض. وأحيانا قد يفعل الإنسان الفضيلة أو الخير خوفا أو خجلا من انتقاد الناس, أو اتقاء للعقوبة أو حفظا لسمعته, أو مجاملة أو مجاراة للمجتمع, أو رياء.. بينما تكون محبة الخطية في أعماقه, إذن أهم مانريده هو محبة الخير. إن الخير مصدره هوالله القدوس الذي يدعو إلي الخير, ويساعد الناس علي عمله, لذلك إن ابتعدناعن الله تبتعد طبيعتنا عن الخير, كما أننا إذا ابتعدنا عن الخير نكون قد ابتعدنا عن الله إن الذي يحب الخير, سيجد أنه قدارتفع فوق مستوي الصراع مع الخطية. فالمرحلة التي يشتهي فيها الجسد ضد الروح, وتشتهي الروح ضد الجسد, هي مرحلة خاصة بالمبتدئين الذين يجاهدون ضد الجسد غير الخاضع للروح, أما الجسد النقي البار الذي يحب الخير فهو لايشتهي ضد الروح بل إن الروح, البارة هي التي تقود جسده نحو الخير. الذي يحب الخير يجاهد لكي يغصب نفسه علي حياة الفضيلة, فمادام هو يحب الفضيلة طبيعي أنه لايغصب نفسه عليها. هذا البار قد أصبح الخير جزءا من عناصر نفسه, يفعله تلقائيا كشيء عادي طبيعي لايبذل فيه جهدا يصير الخير في حياته كالنفس الذي يتنفسه, دون أن يشعر في داخله أنه يفعل زائدا أو عجبا, لذلك فهو ايضا لايفتخر أبدا بهذا الخير, باعتباره شيئا عاديا بالنسبة إليه. ومحبة الخير توصل الإنسان بالطبيعة إلي محبة الله الذي هو مصدر كل خير فيحب الله, ويحب وصاياه ويحب نعمته التي تشجع دائما علي عمل الخير.. هذا بعكس الخاطيء الذي يحب الخطية, ولايستطيع أن يحب الله معها في نفس الوقت. لأنه لاشركة بين النور والظلمة ولا خلطة بين البر والأثم, مثال ذلك الوجوديون الذين يظنون ان الله يعطل ممارستهم لشهواتهم فينكرون وجود الله الذي يدعو إلي الخير ويعاقب علي تلك الشهوات. إن الخير هو الأصل في طبيعتنا البشرية قبل أن نعرف الشر. الشر دخيل علي طبيعتنا. ونحن حينما نحب الخير إنما نرجع الي الطبيعة البشرية التي خلقنا الله بها وأيضا نستعد للمصير الذي نصل إليه في الأبدية. وفي محبتنا للخير لايكون لنا جهاد للوصول إليه إنما يكون جهادنا في النمو في حياة الخير والتدرج للوصول إلي خير أكبر ثم أكبر. وفي محبتنا للخير, نحب أن نوصل هذا الخير إلي الغير, ونقصد بالخير كل أخ لنا في البشرية أيا كان نوعه أو لونه, وأيا كانت علاقتنا بهذا الغير. سواء كان صديقا لنا, أو عدوا, أو مقاوما سواء كان بارا أو خاطئا, البار نحبه من أجل قدوته الصالحة, والخاطيء نحبه مصلين من أجله أن ينقذه الله, من أخطائه ويقوده الي الخير. ومحبتنا للناس توصلنا إلي محبتنا لله لأنه إن كان أحد لايحب أخاه في البشرية اذي يبصره, فكيف يقدر أن يحب الله الذي لم يبصره؟! لذلك يا أخي القارئ إن أردت أن تحب الله, ابدأ أولا بمحبتك للناس, اخدم الناس, ساعدهم احترمهم, ابذل نفسك عنهم, اعط من قلبك حبا لكل المحتاجين الي الحب, أعط حبا للأطفال, للعجزة والمسنين, للأيتام, للمحتاجين والفقراء, للمعوقين, للذين ليس لهم أحد يذكرهم, فإن أحببت كل هؤلاء ستجد أن محبة الله قد دخلت إلي قلبك بقوة وستجد أيضا أنك ترفع قلبك الي الله ليساعدك علي خدمتهم ومحبتهم, وأنك تشكره إذ قدم لك احتياجاتهم لتعطيهم. أنت تحب الغير لأنه رعية الله.. وتحبه لأنه يحبهم ويساعدك علي محبتهم. وحينما تحب الغير احرص علي أن تكون محبتك له محبة طاهرة نقية, ومحبة عملية فلا تحب بالكلام أو باللسان, بل بالعمل والحق.. وفي محبة الغير احترس من المحبة الخاطئة التي تسبب ضررا. ولتكن محبتك للغير محبة عادلة. ولاتكن محبتك له محبة الاستحواد, أي المحبة التي تحبس محبوبها في حيزها الخاص, كالذي يحبس عصفورا في قفص لكي يتمتع وحده بتغاريد ذلك العصفور. وفي محبتك للغير عليك أن تحتمله في أخطائه وفي ضعفاته وفي نقائصه, وتحتمل التعب من أجل الغير. وثق بأنك ستنال أجرتك من الله حسب تعبك في محبة الآخرين وفي خدمتهم وفي قيادتهم الي الخير. ومحبة الغير تظهر أيضا في المحبة الروحية التي تظهر في الرعاية وفي التعليم وفي الارشاد, وفي حل مشاكل الناس, والتعب في اقناعهم بالسلوك السوي, والصلاة من أجلهم والمحبة شجرة ضخمة كثيرة الثمار. ومن نوعة ثمرها نعرف قيمتها ودرجتها. ومن جهة محبتنا للخطاة لايجوز لنا أن نحتقر هؤلاء الخطاة أو نوبخهم ونتهرهم, بل نقودهم بوداعة وحنو إلي التوبة. ونجاهد لأجل الساقطين لكي يعودوا إلي الله. وفي محبتنا العملية, لانكتفي بمجرد الاشفاق, أو إلقاء النصائح وإنما نبذل جهدا عمليا لسد احتياجات الناس, سواء كانت مادية أو معنوية. وبمحبتنا للخير ومحبتنا للغير نصل إلي نقاوة القلب وبذل الذات لأجل الآخرين. |
|