فهذا المثل الذي قاله الرب مع ربطه بكلام القديس يعقوب الرسول يُظهر لنا القصد جلياً، ويوضح الأمور كإشراق شمس النهار ليرى ويبصر الإنسان كل شيء بوضوح، والآن اتضح لنا المعنى من جهة الخبرة والسلوك السليم والصحيح لكي نصير الرجل البار الذي نال الطوبى.
وعلينا أن نُركز في كلام الرب نفسه، لأنه لم يقل المثل وفسره فقط، بل وضع لنا الجانب العملي التطبيقي لازدهار كلمته فينا وإعلان مجده الخاص، حينما قال: وَلَيْسَ أَحَدٌ يُوقِدُ سِرَاجاً وَيُغَطِّيهِ بِإِنَاءٍ أَوْ يَضَعُهُ تَحْتَ سَرِيرٍ بَلْ يَضَعُهُ عَلَى مَنَارَةٍ لِيَنْظُرَ الدَّاخِلُونَ النُّورَ. لأَنَّهُ لَيْسَ خَفِيٌّ لاَ يُظْهَرُ وَلاَ مَكْتُومٌ لاَ يُعْلَمُ وَيُعْلَنُ، لذلك في المزمور قال أنه يكون كالشجرة، لأن الشجرة يظهر علوها الشامخ وثمرها أمام الناس في كل مكان، لذلك قال أيضاً: فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هَكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ (متى 5: 16)، وذلك لأن الأعمال هنا ليست عملنا نحن بل عمله هو فينا: لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا (أفسس 2: 10)
ونعود للآية الآن لنفهمها فهماً صحيحاً في إطار المعنى السليم حسب القصد الإلهي المُعلن والظاهر لنا في الكتاب المقدس، وذلك من جهة فعل عمل الله في باطننا، لأن حينما يعطينا كلمته فأنه يعجن طبعنا بها، لأن بكونها تحمل حياته الخاصة فأنه يعجن بها شخصيتنا، حتى نندمج ونصير معها واحد، فنصير نحن أنفسنا غُرس الرب للتمجيد، لأنه بها غير حالنا لنكون سمائيين حاملي طبعه، مُرتدين بره الخاص، لأن آدم حينما سقط فقد ثوبه فتعرى، أما نحن فقد قُدِّمَ لنا الثوب الجديد الذي يكسي عُرينا، وهذا ما أُعلن لنا في النبوة: لأَجْعَلَ لِنَائِحِي صِهْيَوْنَ لأُعْطِيَهُمْ جَمَالاً عِوَضاً عَنِ الرَّمَادِ، وَدُهْنَ فَرَحٍ عِوَضاً عَنِ النَّوْحِ، وَرِدَاءَ تَسْبِيحٍ عِوَضاً عَنِ الرُّوحِ الْيَائِسَةِ، فَيُدْعَوْنَ أَشْجَارَ الْبِرِّ غَرْسَ الرَّبِّ لِلتَّمْجِيدِ (أشعياء 61: 3)، لذلك فأن حياتنا في الله تُمجده، لأنه يظل يعمل فينا ويغرسنا في نفسه أعضاء حيه في جسده.