شاهدت ذات يوم برنامجاً فى التليفزيون المصرى عن حرب اليمن، وباختصار شديد يمكن أن تخرج بعد مشاهدته بقناعة تامة بأننا «مرتزقة» لحساب الشيوعية الدولية وما ذهبنا لليمن لمساعدة ثورته التى أخرجته من غياهب حكم الإمام، بل «للتحرش» بأمريكا الحنون والسعودية المسالمة ونموذج الديمقراطية الفريد فى الوطن العربى، والمسئول الأول عن كل هذه المصائب، هو جمال عبدالناصر، أو الديك الرومى، وبما أننى كنت وقتها عائدة لتوى من زيارة لليمن، حيث شاهدت بأم عينى وسمعت بأذنى تقدير الأشقاء هناك لمساعدة مصر لهم فى ثورتهم والتحدث عن جمال عبدالناصر بأنه انقذهم من حكم الإمام الاستبدادى، كما أنهم لن ينسوا أن الجندى المصرى دافع بدمائه عن حريتهم، اتجهت إلى مكتب المسئول الأول فى التليفزيون وقلت له إن عبدالناصر قد مات وأننى مستعدة أن أحلف له على المصحف أنه «مات!!»، .ولكن المصيبة أننا نؤكد من تلفزيوننا أننا كنا فى حرب اليمن «مرتزقة» لحساب الشيوعية الدولية والاتحاد السوفيتى!! وسألت الرجل: ماذا كان يمكن أن تقول أمريكا وإسرائيل والسعودية أكثر مما قاله «تليفزيوننا الوطنى» بصدد دور مصر فى هذه الحرب؟ وأضفت.. أننا فاجأنا الذين أتوا لمواساتنا بعد رحيل الزعيم، بأنه كان: ديكتاتوراً ومستبداً وطاغية، وإلى آخر ما يحفل به القاموس المستمر من أبشع الأوصاف، فانقض الأشقاء من حولنا وتغيرت نظرتهم إلينا.. وأكدت للرجل أن نظامهم نظام غبى.. فبدلاً من «استثمار» شعبية عبدالناصر الكاسحة فى العالم العربى، أخذنا نهيل عليه التراب ولم نراعى أنه يوجد فى صنعاء نصب تذكارى للجندى آلمصرى، وكل عام يخرج علينا «خبراء ومحللون ومؤرخون» يتحدثون عن أخطاء عبدالناصر وخطاياه وكلها تصب فى اثنائنا عن «التوهم» بأننا شعب عريق يدافع عن حقه فى حياة كريمة وتحقيق حلم التقدم ومواكبة العصر.. ويلاحظ أى ساذج سيل الكلام عن هزيمة يونيو مصحوباً بصك براءة لإسرائيل وأمريكا وحلفائها وكأننا نحن الذين هاجمنا تل أبيب وهو ما يذكرنى بما قرأته فى الخارج عن «اغتصاب» عبدالناصر لقناة السويس وسرقتها من أصحابها الحقيقيين الفرنسيين والبريطانيين؟!.. وإمعاناً فى تكريس فكر الهزيمة والمشى بجوار الحائط لا يأتى هؤلاء على ذكر حرب الاستنزاق المجيدة ولا على تصميم الشعب على رفض الهزيمة وعلى الزلزال الذى أوقعته فى إسرائيل حرب أكتوبر، التى أهدرت القيادة السياسية آنذاك نتائجها.. باختصار نحن سبب كل البلاوى إذ آمناً بحلم عبدالناصر وإليكم عينة من أخطائه الكارثية: تأميم قناة السويس التى تحقق إيراداً سنوياً لمصر يفوق الستة مليارات دولار، بناء السد العالى الذى يوصف فى الخارج بأنه من أعظم مشروعات الإنسانية وأعظم مشروع فى القرن العشرين، وهو الذى يحمى بلدنا من الموت عطشاً أو الغرق فى مياه الفيضان.. بناء صناعات كبرى مثل شركات المراجل البخارية والحديد والصلب ومجمع الألومنيوم وغيره كثير بينما لم يفكر «يا للهلو» فى منح توكيلات لكنتاكى وماكدونالدز؟!! فهل نغفر له أخطاء كارثية كتلك؟
25 - 07 - 2012, 04:48 PM
العرض العادي
