حينئذ قام الجواهري بسرعةٍ واستدعى غلمانَه، وقال لهم: «كلُّ ما آمركم به، افعلوه بسرعةٍ، لأنه إن تهاونتم، فسوف أموتُ أنا، وسوف تموتون أنتم أيضاً». ثم بَسط إزاراً في وسطِ المركبِ، وقال لهم: «هاتوا ربوات الجواهر كلِّها»، فقدموها إليه، ففتحها وأفرغها قدام كلِّ من في المركبِ، وبدأ يقول: «هذا عدوي، وأنا أشفقُ عليه، هذا قاتلي، وأنا أحبُه، هذا مبعدي من الحياتين، فما انتفاعي به؟ احملوا معي»، فحملوا معه، وبسرعةٍ طرح جميعَ الجواهرِ في البحرِ، فلما رأى الملاحون ذلك تحيروا في أمرهم، وانحلت مشورتهم، ثم أصبح يتصدق منهم الخبزَ، فالملاحون لما أبصروه على تلك الحالِ، رحموه، وبدأ هو يقول: «أشكرك يا ربُّ، لأنك أنهضتني لخلاصِ نفسي وجسدي، اليوم زالت عني قساوةُ القلبِ، وربحتُ تلك النفوسَ الهالكة، أولئك الذين بعمى قلوبهم تشاوروا، وبسببي طلبوا أن يسكنوا الجحيمَ المخلدَ».