وقال أيضاً: «يتقدمُ الآلامَ جميعَها، عزةُ النفسِ ومحبةُ الذاتِ، ويتقدم كلَّ الفضائلِ احتقارُ الإنسانِ للراحة. الذي يُغذي جسدَه بالراحةِ، فإنه في بلدِ السلامِ ينضغطُ بالضيقةِ، والذي يتنعم في شبابهِ، يكون عبداً في شيخوخته، وفي الآخرِ يتنهد. وكما أنه لا يتمكن مَن قد حَبَسَ رأسَه في بئرٍ عميقةٍ مملوءة ماءً، من استنشاق هواء هذا الجو المتدفق في الفضاءِ، هكذا من غَطَسَ ضميرُه باهتماماتِ الأمور الحاضرةِ، فإنه لا يمكن أن تقبلَ نفسُه استنشاق حُسن العالم الجديد. وكما أن رائحةَ السم المميت تُفسد مزاج الجسد، كذلك المناظر السمجة تخبط سلامة الضمير. وكما أنه لا يُستطاع أن تكون الصحةُ والمرضُ في جسدٍ واحدٍ، ولا يفسد أحدُهما من الآخر، هكذا لا يمكن للحب والبغضة أن يسكنا في إنسانٍ واحدٍ ولا يُفسد أحدُهما قريبَه. وكما أنه لا يثبت الزجاج في تقلبه مع الأحجار بل ينكسر، هكذا لا يمكن أن يكون أحدٌ طاهراً، وهو مداوم النظرَ والكلامَ مع النساءِ. وكما تنقلع الأشجارُ من شدةِ جريان الماءِ، كذلك محبة العالم تنقلع من القلبِ من حدة التجارب الحادثة على الجسدِ. وكما أن الأدويةَ المسهلةَ تنقي الكيموسات (أي الإفرازات) الرديئة من الأجسادِ، هكذا شدة الضيقات تقلع الآلام من القلبِ. وكما أنه لا يمكن أن يكونَ بغيرِ أذيةٍ ذاك الذي يُشفق على عدوِهِ المحارب له في صفوف القتالِ، هكذا لا يمكن أن يُشفِقَ المجاهدُ على جسدِه، وتنجو نفسُه من الهلاكِ. من اقتنى دموعاً في صلاتِه، فهو كإنسانٍ يُقدِّم قرباناً عظيماً للملكِ، وقد اقتنى عنده وجهاً بهجاً، كذلك الدموع قدام الله الملك العظيم تزيلُ كلَّ أنواع خطاياه ويقتني عنده وجهاً بهجاً. وكالنعجةِ التي تخرج من الدوّارِ وتمضي لتقيمَ في جحرِ الذئابِ، هكذا الراهب الذي يترك موافقة إخوته، ويداوم الطياشةَ والنظرَ في الخليقةِ. وكمثلِ من هو حاملٌ جوهرةً ثمينةً، ويمضي بها في طريقٍ، وتُشاع عنها أفكارٌ سمجةٌ، فيصبحَ في كلِّ وقتٍ مرعوباً من السالبِ، هكذا الذي قد اقتنى جوهرةَ العفةِ، ويسيرُ في العالمِ الذي هو طريق الأعداء فهذا ليس له رجاءٌ في أن يفلتَ من اللصوصِ السالبين، إلى أن يدخلَ منزلَ القبرِ (أي القلاية)، الذي هو بلد الثقةِ. وكما أنه لا يمكن لذاك أن لا يخاف، كذلك أيضاً ولا هذا؛ لأنه لا يعرف بأيِّ بلدٍ وبأيِّ وقتٍ يخرجون عليه بغتةً ويُفقرونه من جميعِ مالهِ، لأنه هناك من يُسلبُ في بابِ دارهِ، الذي هو زمانُ الشيخوخةِ».