رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
التجديف على الروح القدس المتنيح الأنبا غريغوريوس جريدة وطنى بتاريخ 2/12/2007م السنة 49 العدد 2397 عن مقالة بعنوان [من قال كلمة علي الروح القدس ] سؤال: من قال كلمة علي ابن الإنسان يغفر له أما من قال كلمة علي الروح القدس فلن يغفر له، لا في هذا العالم ولا في الآتي، أرجو تفسير هذه الآية؟ الجواب: القائل بهذا الكلام هو المسيح له المجد، وقاله بمناسبة معينة، عندما رأوه الكتبة والفريسيين يخرج الشياطين، فبدلا من أن ينسبوا هذه القوة إلي لاهوته وأنه يخرج الشيطان بسلطانه وبسلطان لاهوته، قالوا إنه ببعلزبول رئيس الشياطين يخرج الشياطين. فالمسيح له المجد يبين لهم مدي العمي والغباوة التي وصلوا إليها، كيف انقلبت الحقائق في نظرهم، وكيف وصل الأمر إلي أن يؤولوا الأمور تأويلا عكسيا، فبدلا من أن ينسبوا هذا العمل لله ينسبوه إلي الشيطان، وقال لهم المثل: كيف يقدر إنسان أن يدخل بيت القوي أو الجبار وينهب أمتعته إن لم يربط الجبار أولا، فهذا كلام منطقي كيف يخرج المسيح الشيطان الصغير الذي هو من مملكة الشيطان الكبير ما لم يربط الشيطان الكبير أولا، وقال الكلمة المشهورة كل مملكة تنقسم علي ذاتها تخرب وكل بيت يقسم علي ذاته لا يثبت فإن كان يخرج الشيطان بشيطان فقد انقسم الشيطان علي ذاته فكيف تثبت مملكته، وبرهن بهذا علي سوء منطق هؤلاء الكتبة والفريسيين الذين بدلا من أن ينسبوا إخراج الشياطين إلي القوة الإلهية التي كان المسيح يخرج بها الشياطين، قالوا أنه ببعلزبول رئيس الشياطين يخرج الشياطين، فبين لهم بالمثل الذي ضربه استحالته إخراج الشيطان ما لم يربط هو بسلطانه أولا الشيطان الأكبر وهو بعلزبول، وبعد هذا المثل الذي ضربه يبين أن إخراجه للشياطين كان بسلطان لاهوته، قال هذه العبارة من قال كلمة علي ابن الإنسان يغفر له وأما من قال علي الروح القدس فلن يغفر له لا في هذا العالم ولا في الآتي وبهذا أبان سيدنا له المجد سعة صدره واتساع تسامحه لأن يغفر لكل من أساء إليه، إذا كانت هذه الإساءة جهلا من هذا الإنسان، بمعرفة المسيح من هو، وعذره في هذا أن المسيح جاء متخفيا في صورة البشر، فإذا أهان إنسان المسيح وهو لا يعلم حقيقته إنما أهانه وهو جاهل بحقيقته نظرا لأنه مستتر في الناسوت، فهذا الإنسان الذي أساء بجهل ممكن أن تغفر له خطيئته إذا رجع تائبا، لأنه أخطأ عن جهل، فإذا رجع تائبا تغفر له خطيئته، أما الذي يجدف علي الروح القدس، والروح القدس لا يتخفي كما تخفي الابن، الابن تخفي في الناسوت، أما الروح القدس فلا يتخفي، الروح القدس يعلن عن ذاته بالحق الناصع الواضح الذي لايمكن للإنسان أن يتجاهله، وأن في قلب الإنسان بصيرة ممكن بها أن يميز بين الحق والباطل.بين الخير والشر من دون أن يرشده إلي هذا أحد، كما يميز الإنسان بالعين بين الألوان، وما يميز بالأذن بين الأصوات، ويعرف أن هذا صوت رجل أو صوت طفل أو صوت امرأة، ويميز الإنسان بالأنف أو بحاسة الشم بين الروائح، فيدرك من غير تعليم أن هذه رائحة جميلة وهذه رائحة قبيحة أو كريهة، ويميز بلسانه أو بحاسة الذوق بين الطعوم، فيعرف أن هذا حلو وهذا مر وهذا صالح إلي آخره، فبهذه الحواس ومن غير تعليم ولا تلقين بل بحاسة طبيعية يمكن للإنسان أن يميز بين الألوان وبين الأصوات وبين الروائح وبين الطعوم وبين الأجسام، بحاسة اللمس يمكن أن يميز بين الخشن والناعم، هكذا أيضا لكل إنسان بصيرة مانسميه بالضمير، وبهذا الضمير يمكن للإنسان الطبيعي، للإنسان العادي أن يميز بين الحق والباطل، بين الخير والشر من دون أن يعلمه أحد، من دون إرشاد الوالدين، ومن دون إرشاد المعلمين، غريزة طبيعية في الإنسان حتي لو كان ضمير الإنسان في بعض الأحيان يضل، فإن روح الله يعمل في ضمير الإنسان فيرشده، ولذلك يمكن حتي للص وللإنسان الشرير، يمكن أن يقول الحق، قد تجد لصا أو سفاحا قد يكون متحيرا لنفسه، لكن بالنسبة لتصرفات الآخرين نجده يحكم بالحق، ويحكم علي هذا بالصواب أو الخطأ، فالسفاحون والقتلة والزناة والأشرار بالنسبة للمواقف الخارجية عنهم شخصيا يقدرون أن يحكموا في الأمور ويحكموا حكما صائبا، ويقول هذا خير وهذا شر، فهناك بصيرة داخلية وهذه البصيرة يتعامل معها الروح القدس، فالإنسان الذي يفقد التمييز بين الخير والشر وبين الحق والباطل، إذا وصل الإنسان إلي هذه المرحلة مرحلة قلب الحقائق، وفقد التمييز بين الخير والشر هذه مرحلة خطيرة، معناها أن الإنسان فقد البصيرة، وإذا فقد الإنسان البصيرة فلا مغفرة له لأنه لن يتوب، لو كان في الإمكان أن يتوب، كان يمكن أن تغفر له خطيئته لأنه ليست هناك خطيئة بلا مغفرة إلا التي بلا توبة، فمادامت هناك توبة فمراحم الله متسعة لتقبل توبة الخطاة، ولكن هذا الطراز من الناس لن يتوب بإرادته لأنه فقد الإحساس الداخلي الذي يقوده إلي التوبة، وهذه حالة عمي فظيعة جدا لا يصل إليها الإنسان بسهولة، إنما يصل إليها الإنسان بعد المعاداة والمقاومة المستمرة لعمل الروح القدس، إذا فارق الروح القدس الإنسان لا يفارقه إلا بعد أن يكون قد يئس منه وإذا فارقه فمعني ذلك أنه قد وصل إلي حالة العمي المطبق ولا يمكن أن يري بعده نورا، هذا الطراز من الناس لا مغفرة له لا في هذا الدهر ولا في الدهر الآتي، لأنه لن يتوب لأنه ليس عنده استعداد للتوبة، هو شخصيا لا يتوب ولا يمكن أن يطلب التوبة، لأنه قد وصل لحالة الفقدان للشعور وفقدان التمييز وتنقلب الحقائق في نظره، ويصبح مثل السفينة التي تفقد بوصلتها في البحر، فإذا فقدت السفينة البوصلة التي ترشدها إلي اليمين والشمال والشرق والغرب، معني ذلك أن السفينة سوف تتوه وتضل، هكذا النفس البشرية إذا فقدت البصيرة وفقدت هذا الإحساس الذي يساعدها علي التمييز بين الخير والشر، فإنها تصير في حالة عمي مطبق، وهكذا تسير في الظلام التام، هذه هي حالة التجديف علي الروح القدس. إذن الحالة الأولي التجديف علي الابن هي حالة التجديف عن جهل، نظرا لأن المسيح جاء متخفيا، فهو كمثل الملك أو رئيس الجمهورية في بلد ما من البلاد أراد أن ينزل في وسط الشعب ليتعرف علي أحوال الناس فلبس ملابس عادية وتخفي وغير ملامح وجهه ومشي كواحد بين الناس وأخذ يتسامر مع الناس ويتحدث إليهم، فإذا حدث أن واحدا أهانه فإن هذه الإهانة إهانة والخطأ خطأ، ولكن هذا الخطأ وجه إليه بصفته إنسانا وليس بصفته ملكا أو رئيس الجمهورية، فإذا كشف هذا الملك أو الرئيس حقيقة شخصيته، ورجع هذا الإنسان إليه واعتذر له، ففي هذه الحالةتكون خطيئة هذا الإنسان عن جهل، حقا قد أخطأ ولكن كإنسان أخطأ إلي إنسان مثله لأنه أخطأ إليه وهو لا يعلم أنه الملك أو أنه رئيس الجمهورية، ففي هذه الحالة يكون الخطأ عن جهل بالنسبة لشخصية المساء إليه، فالمسيح يقول الذي يخطئ وهو يجهل حقيقتي فمراحمي تمتد إليه بالرحمة لو أنه تراجع تائبا، لأنه في هذه الحالة تكون خطيئة عن جهل، أما الذي يخطئ إلي الروح القدس، فالروح القدس لا يتخفي إنما يعمل في قلب الإنسان، ويجعله يميز بين الخير والشر والحق والباطل، فهذا الإنسان لا مغفرة له لأنه لا يخطئ ضد الروح القدس إلا من فقد الإحساس الداخلي الذي يعينه علي التمييز بين الخير والشر، وهذا ما نسميه خطيئة العناد أو خطيئة الإصرار عن عمد، الخطأ عن عمد، ثم أن هذه الآية أو هذا النطق الإلهي يكشف عن حقيقة أخري وهي أن قول السيد من جدف علي الروح القدس فلن يغفر له في هذا العالم ولا في الآتي، وآباء الكنيسة اعتبروا أن هذا التصريح من مخلصنا له المجد أن هناك احتمالا بغفران في العالم الآخر، فهو يقول لن يغفر له في هذا العالم ولا في الآتي، فآباء الكنيسة رأوا في كلام المسيح وبهذا النطق الإلهي تصريحا بأن هناك إمكانية بالغفران في العالم الآخر، وبناء علي هذه الإمكانية تصلي الكنيسة من أجل الراقدين الذين انتقلوا إلي العالم الآخر، تطلب لهم الرحمة، نحن اليوم نقول فلان الله يرحمه فهذا النطق عبارة عن صلاة نرفعها باستمرار كلما ذكرنا هذا الإنسان المنتقل، أو كما قال القديس بولس الرسول عن أنسيفورس في رسالته الثانية إلي تيموثيئوس في الأصحاح الأول أن يعطي الرب رحمة لأنسيفورس ليعطيه أن يجد رحمة من الرب في ذلك اليوم والمقصود به يوم الدينونة، وأنسيفورس كان قد مات فبولس الرسول يطلب له الرحمة علي أساس أن يوم الدينونة لم يجئ، والديان لم ينطق بالحكم. فالقاضي لم ينطق بالحكم بعد فهناك مجال للمحامي أن يترافع، فطلب الرحمة للراقدين قائم علي هذا الأساس، علي أساس التصريح الذي صرح به السيد المسيح أن هناك احتمالا بالغفران في العالم الآخر، هذا مجرد احتمال لأن الرسول يوحنا في رسالته الأولي الأصاح الخامس يبين أن هذا الاحتمال هو في جانب الناس الذين ماتوا في التوبة، ولكن لا تخلو حياتهم من التواني والتفريط كما نقول في أوشية الراقدين، أو من الهفوات والسهوات، فالكنيسة تصلي مترحمة علي الراقدين ليغفر الله لهم أخطاءهم غير المتعمدة، خطاياهم التي صدرت عنهم عن جهل أو عن عدم معرفة، علي الرغم من حياة التوبة التي يعيشونها، أما إذا كان الإنسان قد مات غير تائب أو مات متلبسا بخطيئة مميتة، مات في غير الإيمان، مات خارج دائرة الإيمان أو مات وهو يرتكب خطيئة كبيرة كالقتل والزني والسرقة وما إليها من أخطاء كبيرة، أو مات وقلبه متعلق بالخطيئة متشبع بها فلا أمل إطلاقا في أي صلاة تصلي من أجله، أو أي رحمة تطلب عن روحه، لأن الرسول يوحنا يقول إن رأي أحد أخاه يخطئ خطيئة ليست للموت ويطلب فيعطيه حياة، توجد خطيئة للموت ليس من أجل هذا أقول أن يطلب أي أنه عندما تكون خطيئة مميتة لا فائدة للصلاة، إنما توجد خطيئة ليست للموت يطلب فيعطيه حياة وبناء علي هذا الجزء الأخير من القداس الذي نترحم فيه علي الراقدين، ونقولأولئك يارب الذين أخذن نفوسهم نيحهم أرحهم في فردوس النعيم في عالم الأحياء إلي الأبد في أورشليم السمائيةفنطلب إليهم الرحمة، نطلب الرحمة لأولئك الذين رقدوا اعتمادا علي أن هناك احتمالا بالغفران في العالم الآخر، وهذا مبني علي قول مخلصنا لن يغفر له في هذا العالم ولا في الآتي، فهناك خطايا لا تغفر لا هنا ولا هناك، وأما التي لها مغفرة هي التي من قبيل التواني أو التفريط أو الكسل أو الهفوات أو السهوات. |
|