مزمور 136 - تفسير سفر المزامير
تسبيح محبة الله الحانية
هذا المزمور هو قطعة تسبيح رائعة تنعش النفس وتلهبها بنيران محبة الله وحنانه نحو كل الخليقة، خاصة الإنسان. يدعوه بعض اليهود "الشكر بالعظيم" أو "الهلليل العظيم"، وذلك من أجل طابعه المُفرح والتهليلي الفريد في كل سفر المزامير.
يفتح هذا المزمور باب الرجاء أمام المؤمن، فلا يشك في مراحم الله، بل يشعر أن الخلاص ليس ببعيدٍ عنه.
ليس من شيء نقدمه لمجد الله، وينزع عنا اليأس المحطم للنفس البشرية سوى الشكر الدائم لله على مراحمه الأبدية. هذا وإن كانت الصلاة لازمة مادام فينا نَفَس، فإن الشكر الدائم يسكب مسحة من الفرح السماوي على الصلاة.
كان التسبيح بهذا المزمور يمثل جزءًا من العبادة اليهودية اليومية، كما كان يستخدم في الاحتفال التعبدي في السنة الجديدة، وأيضًا في عيد الفصح اليهودي إذ يشير إلى الخروج[1].
يقوم خورسان بتسبيح هذا المزمور، الأول يرنم الجزء الأول من كل عبارة، والثاني يجاوبه: "لأن إلى الأبد رحمته". ليس في هذا التكرار الباطل الذي حذرنا منه السيد المسيح (مت 6: 7). إنما علته الشعور بالعجز الكامل للتعبير عن حقيقة رحمة رب الأرباب والدخول إلى أعماقها. ويرى القديس يوحنا الذهبي الفم في هذا التكرار أن النفس تشبه الأرض التي تحتاج إلى سقي مستمر، لتأتي بثمار البرّ والقداسة. يتم هذا السقي بمياه التسبيح المتكرر. إنه ليس بالتكرار الممل، إنما هو دعوة للتعرف على مراحم الله التي يجب أن تكون أمام أعيننا على الدوام، وأن تكرار الترنم بها غير مضنٍ. حنوه وأمانته ومراحمه لن تنقطع ولا تفتر.
يرى الدارسون للتلمود أن تكرار العبارة "لأن إلى الأبد رحمته" 26 مرة يطابق الـ26 جيلًا من الخليقة إلى استلام الشريعة في سيناء[2].
اعتادت الكنيسة الأولى الصلاة بهذا المزمور، ولا تزال تسبح به الكنيسة في التسبحة اليومية (الهوس الثاني). فقد جاء في سيرة البابا أثناسيوس الرسول إذ كان الشعب يقضي سهرة في الصلاة والتسبيح تحت قيادة البابا، حاصر الجند الكنيسة، وقاموا بالهجوم عليها، لكن الشعب كان يردد هذا المزمور بصوتٍ كالرعد، مكررين "لأن إلى الأبد رحمته" 26 مرة. بقي البابا على كرسيه حتى انصرف الشعب، واختفى البابا وسط الظلام، ولجأ إلى أصدقائه دون أن يصيبه ضرر.
تتجلّى رحمة الله في الآتي:
1. إنه الإله الفريد العجيب [1-3].
2. خالق كل شيء من أجل الإنسان [4-9].
3. المعتني بمؤمنيه بيدٍ شديدةٍ [10-24]. واهب النصرة على قوات الظلمة؛ وهو في السماء مشغول بنا ونحن بعد على الأرض.
4. رعايته تحتضن الأرض والسماء [25-26]، إذ هو محب لكل خليقته، خاصة العاقلة.
1. رب الأرباب الصالح
1-3.
2. الخالق المُبدع
4-9.
3. المنقذ
10-15.
4. القائد
16.
5. المحارب
17-22.
6. المعين
23.
7. المخلص
23.
8. المعتني بنا
24.
9. السماوي
26.
من وحي مز 136
1. رب الأرباب الصالح
احْمَدُوا الرَّبَّ لأَنَّهُ صَالِحٌ،
لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ [1].
افتتح المرتل هذه التسبحة بإبراز أن موضوع التسبيح والشكر هو الله نفسه، بكونه الصالح. وصلاحه فريد ومطلق. إنه يهوه الحاضر في وسط شعبه، الحافظ العهد، القائد الحقيقي، أعظم وأقدر من كل القادة البشريين، وكل الطغمات السماوية .
صالح كخالقٍ أوجدنا من العدم، وخلق كل ما نحتاج إليه.
صالح كمخلصٍ، فإن أصابنا ضرر أو فساد بسبب خطايانا يبقى الصالح الذي يُصلح ما أفسدناه.
صالح كقائدٍ، يبعث قادة، بل ويود أن يقيم من كل إنسانٍ قائدًا، ويبقى هو القائد الخفي القادر أن يدخل بنا إلى أحضانه.
صالح كمحاربٍ، فهو نصير الضعفاء والمظلومين والذين ليس لهم من يسندهم.
صالح كمعينٍ، يرعى خليقته، ويهتم بكل كبيرةٍ وصغيرةٍ في حياتنا، حتى بكسرة الخبز التي نحتاج إليها.
صالح كسماويٍ، يسكن في السماء لا ليعتزل الأرضيين، إنما يود أن يجعل منهم أشبه بطغمة شبه سماوية، ويُعد لهم أماكن في السماء، لكي يأتي ويأخذهم، ويهبهم شركة أمجاد سماوية.
يعلق القديس أغسطينوس على تعبير: "لأن إلى الأبد رحمته"، قائلًا بأن الله يهب رحمته لقديسيه ومؤمنيه، أما كونها أبدية فلا يعني أنهم سيكونون بائسين، وينقلهم من البؤس إلى السعادة الأبدية. إنما برحمته ينقلهم هنا على الأرض من البؤس إلى السعادة. يبدأون أن يكونوا سعداء هنا، هذه السعادة لا تتوقف ولا تنتهي، بل تستمر أبديًا. فإننا نصير أتقياء بعد أن كنا أشرارًا، وأصحاء بعد أن كنا فاسدين، نصير أحياء بعد أن كنا أموات، خالدين بعد أن كنا هالكين، سعداء بعد أن كنا بائسين، هذا من فضل رحمته.
* إنه صالح، لا يهبنا صلاحًا مؤقتًا، بل رحمته دائمة إلى الأبد. بمعنى أن النفع الذي يقدمه لكم، إنما يمنحه برحمته أبديًا[3].
* الآن، ماذا يعني بـ"إلى الأبد"؟ يقول إنه لا يمارس لطفه في وقت ما، ويكف عن ذلك في وقت آخر، يُظهر رحمة في وقت، ويتوقف في وقت آخر. وذلك كما يحدث مع الكائنات البشرية، الذين يعوقهم الانفعال، ويوقفهم البخل، أو يتوقفون بالدخول في محاكمٍ أو يرفضون بسبب ضغط الانشغال بالأعمال. الله ليس هكذا، وإن كان يستخدم الرحمة بطرقٍ كثيرةٍ متنوعةٍ. فهو دومًا رحوم، ولن يتوقف عن الحنو على الكائنات البشرية[4].
المؤمن المُخلص في علاقته بالله، أينما تطلع سواء في أعماقه أو في الخليقة المحيطة به أو في علاقته بإخوته أو تطلعاته نحو الأبدية، تتغنى نفسه بصلاح الله الفائق، وتتلامس معه في عذوبةٍ صادقةٍ دائمةٍ، مع تهليل روحي عميق.
احْمَدُوا إِلَهَ الآلِهَةِ،
لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمتَهُ [2].
يرى القديس أغسطينوس أن الكتاب المقدس يستخدم أحيانًا تعبير "إله" أو "رب" عن بعض المخلوقات مثل الإنسان. كما يستخدم الوثنيون مثل هذين التعبيرين عن الأصنام، لهذا يميز المرتل الله بكونه إله الآلهة ورب الأرباب.
غالبًا ما تُستخدم كلمة "إله" أو الله للتعبير عنه بكونه القدير والقوي صاحب السلطان المطلق، وكلمة "رب" للتعبير عنه بكونه حاضرًا وسط شعبه، يحتضنهم كأبناء له، ويسكب فيض حبه فيهم لبنيانهم أبديًا.
* يُقال آلهة عن الصديقين والأبرار، لأنهم آلهة بالوضع (التبني) والتمتع... وهو الإله الواحد بالطبيعة (وليس بالوضع) خالق كافة الآلهة.
* الإنسان البار يتهم نفسه عندما يبدأ أن يتكلم. فإن كان البار يتأهب لاتهام نفسه، كم بالأكثر يكون الخاطئ؟
"اشكروا إله الآلهة". يشير النبي إلى هؤلاء الآلهة الذين قيل عنهم: "أنا قلت إنكم آلهة وبنو العلي كلكم" (مز 82: 6)[5].
احْمَدُوا رَبَّ الأَرْبَابِ،
لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ [3].
* يُقال "أرباب" على القوات السماوية الملائكية، لكن الرب الحقيقي هو رب الأرباب.
* ربما نسأل: من هم هؤلاء الآلهة والأرباب الذي قيل إن الله الحقيقي هو إلههم وربهم؟ نجد في مزمور آخر مكتوبًا أن حتى البشر يُدعون آلهة (مز 82: 1؛ 6: 7). ذكر الرب هذه الشهادة في الإنجيل، قائلًا: "أليس مكتوبًا في ناموسكم أنا قلت إنكم آلهة" (يو 10: 34)... ذلك ليس لأنهم جميعًا صالحون، وإنما لأن كلمة الله صارت إليهم...
أيضًا دُعي الملائكة آلهة[6].
2. الخالق المُبدع
الصَّانِعَ الْعَجَائِبَ الْعِظَامَ وَحْدَهُ،
لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ [4].
هنا يؤكد الكتاب أن الله وحده هو خالق السماء والأرض، بكونه الخالق المُبدع. تكشف الخليقة عن حكمته وقدرته ورعايته الإلهية.
يكشف لنا المرتل في العبارات التالية هذه العجائب العظام التي صانعها الله وحده. وهي خلقة السماء والأرض، ورعايته لخليقته خاصة الإنسان، مع طول أناته يؤدب ويذل المتكبرين، ويسند الضعفاء والمظلومين. يهتم بالأمور حتى تقديم خبزٍ لكل إنسانٍ، ويدبر أمور السمائيين.
يرى القديس أغسطينوس أن المرتل يشكر الله على العجائب التي صنعها بنفسه وحده، بكونه الخالق، وبعد ذلك يشكره على الأعمال التي صنعها خلال الملائكة والبشر مثل ضرب مصر وأبكارها [10] وما ورد بعد ذلك.
* لم يقل "الذي صنع العجائب" بل "الصانع"، مظهرًا أنه يقدم هبات بلا توقف، صانعًا عجائب ومحققًا أمورًا محيَّرة...! هذه العجائب تتحقق ليس فقط بسلطانه، وإنما أيضًا برأفته[7].
الصَّانِعَ السَّمَاوَاتِ بِفَهْمٍ،
لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ [5].
مسكين الإنسان الذي يؤله نفسه، ويقيم من عقله ناقدًا لأعمال الله.
يقول القديس أغسطينوسإن كلمة "بفهمٍ" إما تعني أن الله خلق السماوات التي نحن ندركها ونفهمها قدر استطاعتنا، أو أن الله بحكمته وفهمه خلق السماوات كما جاء في المزمور 104: 24.
كما يقول لقد ذكر كلمة "بفهمٍ" هنا فقط، لكنها تُفهم ضمنًا بالنسبة لكل ما صنعه الله بالنسبة للمخلوقات الأخرى.
* هؤلاء هم السماوات، الذين يعلنون مجد الله (مز 19: 1)؛ يلتحفون في صورة السماوي، لا في صورة الأرضي (راجع 1 كو 15: 49)[8].
* هذه الأشياء (السماء والأرض والأنوار الخ) تُظهر سلطانه وحكمته، كما تعلن عن رأفته العظيمة، بكونها قوية وجميلة ودائمة، تعلن عن قوته وحكمته. أما أنه خلقها لأجلنا ولكي نستخدمها، فتعلن عن رأفته وصلاحه. ألا ترون كيف أن رحمته إلى الأبد؟ أعني أنه لم يخلق هذه لعشرة سنوات أو عشرين أو مئة أو مئتين أو لألف سنة، إنما خلقها لتبقى كل أيام حياتنا.
ولكي يوحي لنا بذلك أكثر، ختم كل عبارة: "لأن إلى الأبد رحمته".
ما هو بحق مدهش أنه خلقها في البداية، وعندما عصاه البشر، لم يحرمهم من هذه الأشياء. فما أعطاه لهم عندما لم يخطئوا تركه لهم حتى بعد أن أخطأوا، ولم يوقف عملها بعد الخطية.
لم يخلق سماءً واحدة بل وأخرى مظهرًا من البداية أنه لا يتركنا على الأرض، بل سينقلنا إلى هناك... لقد أعدَّ لنا المساكن. كان النبي مدركًا هذا، لذلك أضاف إلى كل عبارة: "إلى الأبد رحمته"، متأثرًا برأفته الحانية[9].
الْبَاسِطَ الأَرْضَ عَلَى الْمِيَاهِ،
لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ [6].
يدعي بعض الملحدين أنه لم يكن وقت ما كانت فيه المياه تغطي كل الأرض، غير أن الكتاب المقدس والعلم السليم يؤكدان أنه ما كان يُمكن أن توجد يابسة يعيش عليها الإنسان دون تدخل مراحم الله[10].
أحد العجائب العظمى لمراحم الله أن يظهر سطح الأرض، وإن تنحصر المياه في المحيطات والبحار.
يرى القديس أغسطينوس أن تعبير المرتل عن الأرض المبسوطة على المياه يشير إلى الأرض أو اليابسة وقد أحاطت بها المحيطات في العالم. وذلك مثل وجود مدينة تحيط بها المياه من كل جانب، فنقول إنها مبنية على المياه، لأنها هي أعلى في المستوى من المياه، وذلك يختلف عن التعبير بخصوص مركبٍ مثلًا فوق المياه.
يرى القديس جيروم أن هذه العبارة تشير إلى المعمودية.
* "الذي يثبت الأرض على المياه" (راجع مز 136: 6). إن كان قد قيل عن الأرض إنها تستقر على المياه، تحفظ اتزانها على البحار، إلا أنه قد أسس أرضنا وثبتها في المعمودية. لم يقل المرتل أنه أصعد أو رفع أرضنا، أو جعلها تصعد إلى السماء. فإن المعمودية تغفر الخطية، كمن تحرر النفس من السجن. إنها لا تستطيع أن تمنح ملكوت السماوات، فإن لم يقبل الإنسان الإيمان والأعمال الصالحة لا يستطيع أن يتأكد من الخلاص[11].
* "المثبت الأرض على المياه". لاحظوا أيضًا حنوه في هذا الأمر أيضًا. فإننا إذ نحن قابلون للموت وفي عوزٍ شديدٍ، لم يتركنا في هذا الوضع، إنما أعطانا مسكنًا مناسبًا مؤقتًا، وملأ الأرض بمثل هذه الأعمال العجيبة لحنوه[12].
الصَّانِعَ أَنْوَارًا عَظِيمَةً،
لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ [7].
الأنوار العظيمة هي الشمس والقمر والكواكب، هذه التي كان كثير من الأمم يعبدونها بسبب ضيائها. هنا يظهرها النبي كخليقة الله العظيمة وهبها لنا من أجل رحمته.
الشَّمْسَ لِحُكْمِ النَّهَارِ،
لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ [8].
الْقَمَرَ وَالْكَوَاكِبَ لِحُكْمِ اللَّيْلِ،
لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ [9].
* كيف تكون الشمس لحكم النهار؟ لأنه حيثما تحمل الشمس النور حولها، وهي فوق الأفق، تضع نهاية للظلمة وتجلب النهار... والقمر إذ يكمل دورانه 12 مرة يتمم مرور عام، وإن كان يحتاج أحيانًا إلى شهرٍ أضافي ليضبط توقيت المواسم، كما كان اليهود وقدماء اليونانيين يقيسون السنة قديمًا[13].
3. المنقذ
الخالق العجيب لم يخلق لنا كل شيء ويتركنا، لكنه هو أيضًا المخلص القدير.
لكي يخلص شعبه من عبودية فرعون استخدم كل وسيلة لكي يتوقف فرعون ورجاله عن العنف والقسوة، وأخيرًا سمح بقتل أبكارهم، وامسك بيد قوية شعبه، وقادهم إلى الحرية.
لتحقيق ذلك شقّ لهم البحر، وجعل لهم أرضًا يابسة في وسطه ليعبروا. عبروا في إيمان، وأما جيش فرعون فغرق إذ عادت المياه إلى وضعها الطبيعي.
هذا الحدث هزّ العالم إلى أجيال طويلة، أما الخلاص الذي قدمه لنا بتحريرنا من عبودية إبليس لنعبر إلى الفردوس، فهزّ السماء والأرض، ويبقى موضوع تسبيحنا وتسبيح الطغمات السمائية المُحبة لنا أبديًا.
الَّذِي ضَرَبَ مِصْرَ مَعَ أَبْكَارِهَا،
لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ [10].
كثيرًا ما يشير الكتاب المقدس إلى الضربات التي حلت على مصر لتحرير شعب الله من العبودية، والعبور بهم إلى أرض الموعد، لتأكيد اهتمام الله بالشئون البشرية في الوقت المناسب، وبحكمة إلهية فائقة، ولما حمل ذلك من رمزٍ لعمل السيد المسيح الخلاصي والعبور بنا إلى كنعان السماوية.
* يكرر على الدوام الأعجوبة التي حدثت في مصر، وذلك بسبب جحودهم ونسيانهم لها، بالرغم من سماعهم عنها مرارًا وتكرارًا. فإن الرحمة لم تكن بعلامة تافهة، إنما حررتهم من السبي والعبودية، وقدمت أسسًا ثابتة عن معرفة الله للأمور المستقبلية[14].
* البحر الأحمر الذي تَقّبل الإسرائيليين الذين لم يخافوه، هذا الذي خلصهم من الشرور التي أضمرها لهم المصريون المقتفون آثارهم، كان -وكل تاريخ الخروج- رمزًا للخلاص الذي يتم في المعمودية.
مصر في الحقيقة ترمز هنا إلى العالم الذي نمارس فيه شقاءنا بالحياة الشريرة التي نعيشها، والشعب هم الذين يستنيرون (يعتمدون)، والماء هو واسطة الخلاص للشعب يمثل المعمودية. فرعون وجنوده رمز للشيطان وأعوانه[15].
* ضرب بالعصا، وشق البحر للشعب العظيم، وصوّر الصليب بذلك العبور المملوء عجبًا.
من يقدر أن يقسم البحر بالعصا، ما عدا موسى الذي حمل سرّ ابن الله؟
شقَّ البحر، وبرهن كيف يشق ابن الله أبواب الهاوية، وصار جسرًا للموتى وعاشوا.
عبر العبرانيون، وصُورت صورة للعبور العظيم، لأن الابن يجذب ويعبّر الناسَ عند أبيه.
غرق المصريون، وصاروا نمطًا للشياطين الدنسين عندما غرّقهم ابن الله في اللجة.
صوّر فرعونَ الذي كان يتجبر كلوياثان، وجعله شبهًا للعدو الذي رضّه بصليبه.
صعد من البحر، وقاد القطيع الذي مات ذئبه، ورسم الراعي الذي جلب قطيعه من السالبين[16].
وَأَخْرَجَ إِسْرَائِيلَ مِنْ وَسَطِهِمْ،
لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ [11].
لم يتحقق تحرير بني إسرائيل من عبودية فرعون بأحداث طبيعية، إنما بتدخل يد الله العجيبة بقوة ومراحمه الفائقة.
بِيَدٍ شَدِيدَةٍ وَذِرَاعٍ مَمْدُودَةٍ،
لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ [12].
* تقال يد الله عن فعله، وذراع الله عن قدرته الإلهية.
الَّذِي شَقَّ بَحْرَ سُوفٍ إِلَى شُقَقٍ،
لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ [13].
جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: "الذي شق البحر الأحمر إلي أقسام".
يرى القديس يوحنا الذهبي الفم والأب أنسيمُس الأورشليمي أن الله فتح لا طريقًا واحدًا بل اثني عشر طريقًا، كما وهبهم شجاعة أن يسيروا في هذه الطرق، وقد صارت المياه كحوائط مرتفعة، حاجزة.
ويرى الآباء أن ما حدث قديمًا مع شعب بني إسرائيل يحدث الآن في المعمودية.
* إنه شقَّ أيضًا بحكمة هكذا، فإن نفس المعمودية تكون للبعض حياة، ولآخرين موتًا... أخرج شعبه المتجدد خلال جرن التجديد. "ودفع فرعون وقوته في البحر الأحمر". بسرعة يحطم خطايا شعبه وجرمه هناك بالعماد[17].
القديس أغسطينوس
* عندما ترك الشعب مصر بإرادته، وهربوا من سلطان ملك مصر بعبورهم الماء، أهلك الماء الملك وكل جيشه. أي شيء أكثر وضوحًا من هذا كرمز للمعمودية؟! فالشعوب تخلص من العالم بواسطة الماء، إذ يتركون الشيطان الذي كان يطغي عليهم، فيهلك في الماء[18].
العلامة ترتليان
* يريد (فرعون وجنوده) أن يصلوا إليك، لكنك إذ تنزل في المياه تخرج منها إنسانًا صحيحًا سليمًا، حيث تغتسل فيها من نجاسات الخطيئة لتصعد إنسانًا جديدًا مستعدًا للتسبيح بالنشيد الجديد (إش 42: 10)[19].
وَعَبَّرَ إِسْرَائِيلَ فِي وَسَطِهِ،
لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ [14].
يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن من مراحم الله أنه شق لهم طريقًا أو طرقًا في البحر، وهنا تظهر أيضًا قوة الله وسلطانه. لكن هذا لا يكفي. إنما من مراحمه إنه وهبهم ثقة للعبور دون تخَّوفٍ وارتباكٍ لئلا ترجع المياه إلى وضعها الأصلي أثناء عبورهم هذا الطريق غير المعتاد والغريب. كانوا في حاجة إلى روح عالية وسامية لتحقيق العبور.
وَدَفَعَ فِرْعَوْنَ وَقُوَّتَهُ فِي بَحْرِ سُوفٍ،
لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ [15].
إن كان الله من أجل رحمته أراد أن يحرر شعبه من مذلة العبودية، فسمح بسلسلة من الضربات تزداد حزمًا وشدة، مع هذا لم يرجع فرعون ورجاله عن العنف، لذلك سمح لجيشه بالغرق في البحر الأحمر الذي هو نفسه وسيلة خلاص لشعبه.
هذا التأديب حتى وأن بلغ إلى الموت، فإن الله يبقى ينتظر أن يأخذ العالم درسًا، فلا يسقط فيما سقط فيه فرعون ورجاله. فالله لا يشاء موت الخطاة، بل أن يرجعوا إليه ويحيوا.
* ليس بدون سبب عوقب الجيش، بل بالحري إذا اشتركوا في الخطايا، وسعوا وراءهم، نالوا عقوبة وجزاءً[20].
4. القائد
الَّذِي سَارَ بِشَعْبِهِ فِي الْبَرِّيَّةِ،
لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ [16].
رحلة البرية التي دامت قرابة أربعين عامًا فريدة ومذهلة. إن كان الله قد أرسل موسى لقيادة شعبه ومعه هرون، فإن القائد الحقيقي الذي سار بالشعب في البرية هو الله. إنه القائد الفريد، قاد شعبه في البرية لمدة أربعين عامًا. لم تكن لهم طرق مرصوفة ولا خرائط، ولا مظلات تحميهم من حرارة الشمس، ولا طعامًا يعدونه، كان هو كل شيءٍ بالنسبة لهم. لم يعوزهم شيئًا. أما رحلتنا إلى السماء خلال عبورنا هذه الحياة، فهي موضوع رعايته الفائقة، حتى يحملنا من وادي الدموع، ويدخل بنا إلى الأحضان الأبدية.
* "الذي سار بشعبه في البرية" هكذا يقودنا نحن أيضًا خلال قحط هذا العالم القفر حتى لا نهلك فيه[21].
* هذا الأمر ليس بأقل أهمية من قيادتهم لعبور البحر، لأنه إن كانت الأرض قد تُركت جافة، وكان يمكن أن توقف الموكب بأن تصير مستنقعًا، لكن تبقى متاعب أخرى كثيرة كافية أن تبتلعهم، وتدخل بهم إلى الموت: الجوع والقفر والعطش والحرارة الشديدة ووحوش البرية وعدم وجود ضروريات الحياة. الآن تعلمون كم من الأمور يحتاج إليها الإنسان من أغطية، ومنعشات وملابس كافية، وأحذية وأمورٍ كثيرة توجد في المدن، ولا توجد في برية مرعبة[22].
5. المحارب
قام أيضًا بقيادتهم في الحروب، كقائد للمعركة، ليدخل بهم إلى أرض الموعد، ويقدمها لهم ميراثًا.
إنه يقودنا كل أيام غربتنا، يحارب عنا عدو الخير ويحطم كل خططه، ليكللنا ويهبنا السماء ميراثًا أبديًا، حيث نحيا معه وبه، وننعم بالشركة مع الطغمات السماوية أشبه بطغمة من طغماتهم، يُسرون بنا، ونحن نُسر بهمّ.
الَّذِي ضَرَبَ مُلُوكًا عُظَمَاءَ،
لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ [17].
* "الذي ضرب ملوكًا عظماء"، أولًا ضرب فرعون الذي هو رمز إبليس، وبنفس الطريقة ضرب جيشه[23].
وَقَتَلَ مُلُوكًا أَعِزَّاءَ،
لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ: [18]
* "الذي ضرب ملوكًا عظماء"، "وقتل ملوكًا مشهورين". وهو أيضًا يضرب ويقتل قوات الشيطان المميتة لأجلنا[24].
سِيحُونَ مَلِكَ الأَمُورِيِّينَ،
لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ [19].
من بين الملوك ذكر سيحون وعوج، لأنهما كانا مشهورين بالقوة وحصانة مدنهما. هذا ويرى البعض في الملكين وبلديهما إشارة إلى القوات الشريرة التي تهاجم المؤمنين.
يرى القديس أغسطينوس أن المرتل اختار الملكين سيحون وعوج، لأنهما يحملان معانٍ رمزية تكشف عن حماية الله لنا. فسيحون يشير إلى تصويب سهام عدو الخير التي لن تصيبنا مادمنا نحتمي تحت جناحي الله، كما يشير إلى المرارة التي يود عدو الخير أن يسكبها في نفوسنا، لكن الله يحول المرارة إلى عذوبة النصرة.
أما عوج فمعناه "كومة معًا" وباشان معناها ارتباك. هذا هو عمل عدو الخير أن يجمع فينا أكوامًا من الارتباك، الأمر الذي يزيله الله من قلوب أولاده!
* "سيحون ملك الأموريين" "الانطلاقة غير الصائبة" للسهم، "والتجربة النارية" يبطلهما، لأن هذا هو معنى "سيحون. وهو ملك أولئك الذين يسببون مرارة، لأن هذا هو معنى الأموريين[25].
وَعُوجَ مَلِكَ بَاشَانَ،
لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ [20].
وَأَعْطَى أَرْضَهُمْ مِيرَاثًا،
لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ [21].
مِيرَاثًا لإِسْرَائِيلَ عَبْدِهِ،
لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ [22].
* يعطي أولئك الذين ملك عليهم إبليس ميراثًا لنسل إبراهيم، أي للمسيح[26].
* جاء التمتع بهذا الإحسان مضاعفًا: النصرة على العدو، وصيرورتهم سادة على ممتلكاتهم. ها أنتم ترون أيضًا علامة قوة عظيمة، ليس فقط استبعاد السكان، وإنما أيضًا النجاح في شغل أرضٍ غريبة والسيطرة عليها. ولكي يظهر ذلك بأكثر وضوحٍ أنهم صاروا سادة على مثل هذه الأشياء، لا باستحقاقاتهم، بل بصلاح الله وحده، أضاف: "الذي في مذلتنا ذكرنا"[23]، موضحًا أنه ليس بأعمالنا الصالحة، ولا بانجازاتنا الحسنة، وإنما بمذلتنا[27].
6. المعين
الَّذِي فِي مَذَلَّتِنَا ذَكَرَنَا،
لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ [23].
يقدم لنا المرتل صورة للرب المعين لنا في وسط الشدة. لقد ذكر شعبه حين كانوا قلة في العدد، بلا قدرة على الدفاع عن أنفسهم، وبلا خبرات.
كثيرًا ما كان الشعب ينسى الله ويلتصق بالشر، فيفقد سلامه وحريته ويسقط تحت مذلة المستعمرين لهم. وعندما يرجع الشعب بالتوبة إلى الله يجده منتظرًا إياه ليخلصه برحمته. ولعل فترة القضاة تقدم لنا صورة حيَّة متكررة لهذا الموقف.
* "الذي في مذلتنا ذكرنا". لم يقل المرتل إنه ذكرنا في حكمتنا، أو في غنانا، أو في تعليمنا، إنما ذكرنا في تواضعنا. إنه يهب مصادر قوة للممتازين، ومع هذا ما لم يقتنِ الإنسان التواضع لا يكون مقبولًا لدى الله. يقاوم الله المستكبرين، ويعطي نعمة للمتواضعين (يع 4: 6)[28].
* ليثبت الآن قلبي في الرب، وهو يذل مبغضينا، يرفع مذلتنا، ويخزي أعداءنا الذين تجبروا علينا مجانا[29].
7. المخلص
وَنَجَّانَا مِنْ أَعْدَائِنَا،
لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ [24].
مادمنا في الجسد لن يتوقف عدو الخير عن محاربتنا بكل وسيلة، إذ بطبيعته التي أفسدها يحمل عداوة وحسدًا نحو الإنسان. يود العدو أن يشاركه الإنسان مصيره الأبدي، أي الهلاك، لكن الرب لا يترك الإنسان محبوبه، باذلًا حياته لأجل خلاصه.
الله لا يريد مذلة الإنسان، لكن الإنسان في غباوته وتهاونه يلتصق بالشر، فيدخل تحت ضغوط كثيرة، ويسوده الأعداء من الداخل والخارج. مع هذا فإن الله يطلب فرصة لخلاصهم من هؤلاء الأعداء.
* عصا موسى كان بها يرعى غنم حميّه، وبها جعله الله يضرب فرعون وكل المصريين المضادين لأمته، وهي تشير إلى التواضع (مذلتنا) الذي به يمكننا أن نغلب الشيطان عدوّنا وجميع جنوده المصريين العقليين، وذلك أن الضدّ بضده أبدًا يُغلب. لأن البرد بالحر الذي هو ضده يُغلب، والحرّ كذلك بالبرد. ولما كان الشيطان متعظمًا، فبالتواضع يُغلب. بالتواضع غلبه الرب الذي لبس صورة العبد، وسلك كل طريق التواضع حتى قهر المتعظّم؛ وعلمنا أنه هكذا تقهره. بالتواضع تخلص منه ومن جنوده أعدائنا، كما يقول النبي داود: "إنه بتواضعنا ذكرنا الرب، وخلصنا من أعدائنا" (مز 136: 23-24). وفي مزمور آخر يقول: "حافظ الأطفال هو الرب. اتضعت وخلصني" (مز 115: 6). يعني أن الذي يتواضع ويجعل نفسه كالطفل، لا معرفة له بإفراز الخير من الشر، ويستشير في كل ما يعمل، هو بالحقيقة يخلص من حيل الشرير[30].
القديس مار أفرام السرياني
8. المعتني بنا
الَّذِي يُعْطِي خُبْزًا لِكُلِّ بَشَرٍ،
لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ [25].
الله الذي يهتم بفراخ الغربان وطيور السماء وحيوانات البرية، لا يكف عن أن يقدم للإنسان حتى خبزه اليومي.
هنا يبرز النبي أن الله ليس عنده محاباة، هو محب لكل البشر، يهتم حتى بالخبز لكل إنسان! وكما يقول المرتل: "الرب صالح للكل، ومراحمه على كل أعماله" (مز 145: 9).
يرى القديس جيروم أن المرتل هنا يسبح الله، لأنه يهب الإنسان اليوم الخبز النازل من السماء، خبز الغد. أي يختبر الإنسان عربون الشبع الروحي الذي نناله بصورة كاملة غدًا أو في الحياة الأبدية[31].
جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: "الذي يعطي طعامًا لكل ذي جسد". ويرى الأب قيصريوس أسقف آرل، أن المرتل هنا يشير ليس للبشر فقط، وإنما لكل ذي جسد، في البشر والحيوانات والطيور. ويعلق على تقديم الطعام حتى لذوي الجسد الروحي مثل الملائكة والشياطين. فللملائكة طعامهم، وللشياطين أيضًا طعامهم الخاص بهم.
* "الذي يعطي طعامًا لكل ذي جسد". إن كان كل مخلوق يطلب طعامًا له، أليست الحيوانات الروحية تطلب طعامًا لها؟ ما هي الحيوانات الروحية، إلا الذي سبق أن أشرنا إليهم، أي الشيطان وملائكتهم؟ وأي طعام يطلبونه من الرب سوى الناس المهملين والفاترين والمتعطشين لسفك الدماء، والمتكبرين والشهوانيين والطماعين؟ هؤلاء بالحق هم طعام الحيوانات المفترسة الروحية، لأنهم بأعمالهم الشريرة يعوضون الشيطان عن خسارته لنفسه. كما أن حياة القديسين تنعش المسيح، هكذا على العكس فإن أعمال الأشرار تُطعم الشرير.
لماذا تطلب الحيوانات المفترسة الروحية طعامًا لها من الله؟ لأن آدم عندما أخطأ قيل له: "أنت تراب وإلى تراب تعود"، كما قيل للشيطان (الحية): "ترابًا تأكلين". هل الأرض التي نسير عليها يأكلها الشيطان يا إخوة؟ لا، إنما البشر ذوي الفكر الأرضي والشهواني والمتكبر، الذين يحبون الأرض، ويضعون كل رجائهم فيها. وإنهم يتعبون بكل طاقاتهم من أجل منافع جسدانية، لا بل من أجل مثل هذه الملذات، ونادرًا ما يفكرون في خلاص نفوسهم، بل ويفكرون في ذلك تمامًا. البشر الذين مثل هؤلاء هم يبحث عنهم الشيطان![32]
* "الذي يعطي طعامًا لكل بشرٍ"، أي لكل جنس البشرية، وليس لإسرائيل وحده، وإنما للأمم أيضًا. قيل عن هذا الطعام: "جسدي هو مأكل حق"[33].
9. السماوي
احْمَدُوا إِلَهَ السَّمَاوَاتِ،
لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ [26].
أعماله العجيبة التي استعرضها المرتل، تشغل فكر الله بكونه إله السماوات المحب للإنسان الأرضي، حتى يرفعه إلى سماواته.
في بداية المزمور يدعو الله "إله الآلهة" و"رب الأرباب"، وهنا يدعوه "إله السماوات"، فهو ينسب نفسه لمؤمنيه الحقيقيين السالكين بالروح، فيدعوهم تارة آلهة، وأخرى أرباب، وثالثة سماوات.
يرى البعض أن هذه العبارة الختامية للمزمور تعتبر ملخصًا وافيًا ورائعًا لكل المزمور، تعبرِّ عن روح المزمور ومنهجه.
من وحي مز 136
يا لعذوبة مراحمك الأبدية!
* مع كل صباح مراحمك جديدة يا إلهي المحبوب!
نصيبي هو الرب،
قالت نفسي الملتصقة بمراحمك.
* شخصك يا إلهي يسحب كل أعماقي.
قلبي وفكري وعواطفي وكل كياني تسبحك.
صالح أنت يا رب في كل أعمالك ومعاملاتك معي!
* أنت إله الآلهة ورب الأرباب.
المطلق في قدرته وحكمته ومحبته.
أوجدتني من العدم لأحمل صورتك.
تبقى في سماواتك ترعاني،
أتلامس معك، فأجدك قريبًا جدًا مني!
* بحكمتك أوجدت لي الشمس تنير لي،
فأرى أعمالك العجيبة.
أنت هو شمس البرّ تشرق في داخلي،
فتقيم من قلبي سماءً جديدة.
يرف روحك القدوس على قلبي،
فتقيم من بريتي فردوسًا سماويًا!
* تفتح لي طريقًا وسط البحر،
فأسير كما على اليابسة.
تحوط حوّلي كسورٍ، فلا يتسلل إبليس إليّ.
تحميني من أعدائي المرئيين وغير المرئيين.
* تقودني في برية هذا العالم كل أيام غربتي.
تُشبع كل احتياجاتي فلا أعتاز إلى شيءٍ.
لا احتاج إلى علامات في الطريق،
ولا إلى خرائط ترشدني،
ولا إلى مظالٍ تحميني من حرارة الشمس،
ولا إلى نور يكشف لي الطريق.
أنت هو الطريق الحق يقودني إلى الاتحاد بك.
أنت هو أكلي وشربي وزادي في الطريق.
أنت هو حصني، تظللني بصليبك من شمس التجارب.
أنت هو النور الحقيقي،
فلا يكون للظلمة موضع في طريقي!
* لن يكف إبليس وكل قواته عن المقاومة.
في حسده لا يطيق أن أصير أيقونة لك.
من يدافع عني سواك،
أيها الجبار محطم قوات الظلمة.
أنت قائد المعركة وواهب النصرة.
أنت تعد لي الأكاليل،
وتُسر بخلاصي ومجدي.
* إلهي ماذا أقول عن مراحمك اليومية.
تقودني دومًا لأنعم بالأبدية.
تعد لي مكانًا لتأتي وتأخذني معك.
قلبي وفكري وكل طاقاتي تصرخ إليك:
تعالَ أيها الرحوم الحبيب!
ليس لي من يشغل قلبي سواك!