رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
التجسد ميَّز المسيحية عن أديان الأرض كلها ليست الميزة في المسيحية تعاليمها الأخلاقية السامية فحسب، ولكن الميزة الأولى هي في حقيقة التجسد الإلهي، فكما إن التجسد الإلهي حادثة فريدة هكذا المسيحية دين فريد، فالمسيحية هي إنها حققت الصلة الكاملة بين الله والإنسان.. بين الخالق والمخلوق.. بين المعبود والعابد.. حقًا ما أوسع المسافة بين الله الخالق المعبود القدوس القوي اللامتناهي وبين الإنسان المخلوق العابد الخاطئ الضعيف؟!.. إنه فارق لا نهائي بين نقطتين متباينتين، ولكن هذا الفارق اللانهائي والمسافة الشاسعة قد اختفت في شخص الرب يسوع، ويقول د. موريس تاوضروس بتصرف عن الفرنسية "فالأديان جميعها تتفق على ضعة الإنسان إذا قيس بسمو الله، وعلى حقارة الإنسان إذا قيس بقداسة الله، وعلى النظرة إلى الإنسان كأنه لا شيء إذا قيس بالله الذي هو كل شيء، ويبقى السؤال قائمًا: كيف تتم علاقة وتقع صلة بين الله والإنسان مع وجود هذا الفارق العظيم اللانهائي بين الله والبشر؟ وتاريخ الأديان يظهرنا على محاولات عدة لتفسير هذه الرابطة ولتحقيق هذا الاتصال. من ذلك مثلًا إنهم كانوا يعتقدون بمخلوق وهمي لا هو بالإلهي ولا هو بالإنساني الخالص. إنما هو وسط بين الاثنين يجمع بين الطبيعتين ويمثل كلا العالمين السماوي والأرضي. وأيا كان هذا المخلوق الوهمي "النصف إلهي" فإننا لا نستطيع أن نعرف هل هو إنسان أم هو إله. فليس هو بالإله المتأنس ولا هو بالإنسان الإلهي. لكنه يجمع بينهما دون وحدة، أو هو آنيتان وليس آنية واحدة. إن الإجابة على الأسئلة السالفة الذكر.. نجدها في عقيدة التجسد المسيحي، العقيدة التي تقول إن الله صار إنسانًا، وهذه الصيرورة تفوق الوصف. هي إتحاد عميق لم يصبح الإله على إثره نصف إنسان. ولم يسمَ الإنسان على إثره فيصبح إلهًا إنه إتحاد لا يغير في طبيعة الله ولا طبيعة الإنسان، ولكنه يزيل الفاصل بينهما ويبطل المسافة التي تباعد الواحد عن الآخر. إنه إتحاد من نوع فريد. وفي هذا الإتحاد لا نرى الإله وحده أو الإنسان وحده، ولكننا نرى ذاتًا واحدة، أو آنية واحدة هي التي كان يعبر عنها السيد المسيح على الدوام بلفظ أنا.. وإذا كان الدين ليس أكثر من الرابطة التي تقوم بين الخالق والمخلوق، فهو من جهة المخلوق عبادة وتضرع وصلوات، ومن جهة الخالق رحمة وعطف وغفران. جاز لنا أن نقول إن المسيح الذي فيه اتحد الخالق مع المخلوق هو ذاته الدين، ولم يصبح بعد ذلك ثمة صعوبة إذا قلنا إن الدين المسيحي هو دين الكمال أو الدين الكامل، وإن قيمته مستمدة من التجسد.. يقول الأب بياردونتان "ما هو الدين في حقيقته؟ إن في لفظة دين Religion فكرة الترابط والعلاقة. أي فكرة إتحاد الإنسان بالله، ومن ثم تكون أحسن ديانة تلك التي تحسن الربط بين الطرفين. الإنسان بالله.. وإذ يمتلك يسوع تمام الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية يمثل الرباط الكامل بين الله والإنسان.. ومن ثم ينبغي علينا أن نبقى فيه لأننا هناك نجد الله" (1) |
|