رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
اليوم لقائنا مختلف وحزيناً فقد رحلت عنا أمنا سارة.. *أولادى الأحباء أخيراً جاء اليوم الذى كان علىَ أن أرحل فيه عن العالم الذى كنت قد تغربت فيه طويلاً وكان قبرى هو أول قبر يذكر فى الكتاب المقدس... *وماتت سارة فأتى إبراهيم ليندب سارة ويبكى عليها [تك23: 2]... *لقد كنت متغيباً عن البيت عندما لفظت سارة أنفاسها الأخيرة ولكننى أتيت فى الحال لأندبها وأبكى عليها وهذه هى أول مرة يقرأ عنى أننى بكيت.... *لم نقرأ أنك بكيت يا أبانا إبراهيم عند نهر الفرات عندما تركت الأهل والأوطان... *ولا نرى أثراً لذلك عندما وصلت إليك أخبار سبى أخيك لوط... *والكتاب لا يذكر أنك فعلت ذلك فى طريقك إلى جبل المُريا لتقديم وحيدك الذى تحبه إسحق مُحرقة... *أما وقد ماتت سارة فقد تفجرت ينابيع حزنك وسالت دموعك أنهاراً... *ترى ما الذى أحدث هذا التغيير؟... *نعم عندما نُدعى من الله لنتمم عملاً سواء كان رحلة شاقة أو حرباً أو تضحية ما فإننا نستطيع أن نحبس دموعنا... *ونتحمل كل شىء بصبر وربما كثرة مشاغلنا تلهينا عن أحزاننا... *ولكن عندما ينتهى كل شىء وعندما تأتى بنا الأيام بجوار جثة هامدة لا تملك أيدينا أن تفعل لها شيئاً حينئذ تنساب دموعنا.... *لعله ليس بمستغرب أن أبكى حبيبتى ... *لقد كانت سارة شريكة حياتى وحب عمرى ورفيفة دربى ... *كانت هى الوحيدة الباقية ممن تحمّلوا معى مشاق رحلتى الخطيرة هذه السنين الطوال.... *وإذ جثوت بجوارها إنهالت علىَ ذكريات الماضى... *فقد عاشت سارة 127 عامًا كلها أعوام مثمرة فى الرب بدت فى سنواتها التسعين الأولى عقيمة من جهة الإنجاب لكن بالإيمان ظهرت أمًا للمؤمنين [إش 51: 2]... *تشاركنى أنا [أب المؤمنين] كل أيام جهادى تحمل معى المشقات وتتقبل معى الوعود الإلهية... *كما سلكت بروح الطاعة حتى طلب الرسول بطرس من المؤمنات أن يتمثلن بها... 《كما كانت سارة تطيع إبراهيم داعية إياه سيدها التى صرتنَّ أولادها صانعات خيرًا وغير خائفات خوفًا البتة》 [1 بط 3: 6] *نعم يا أولادى تذكرتها كعروس فى بدء حياتنا الزوجية... *تذكرت طاعتها وخضوعها فى كل حياتها داعية إياى سيدى ... *مرَّ فى مخيلتى شريط أحداث متتابعة ومواقف كثيرة لها.. * ضيافتها وكرمها وقارها وزينة الروح الوديع الهادئ الكثير الثمن... *حسن تدبيرها ووقوفها معى فى كل مسيرة الحياة كل هذا كان لا بد أن يقودنى للبكاء.... *لقد رفعنى إيمانى فوق الأحداث فبالإيمان حاربت الملوك لأنقذ إبن أخى لوط... *وبالإيمان أخذت ابنى إسحق إلى أرض المريا لأذبحه... *لكن هذا الإيمان لا يتعارض مع المشاعر الإنسانية الرقيقة التى فجرت ينابيع دموعى أمام جثمان حبيبتى... *نعم أصدقائى فالإيمان لايجردنا من الإحساس بل يقدسها وينميها فى الرب.. *هذا ما نراه فى أبينا إبراهيم رجل الإيمان... *وما نلمسه فى التلاميذ والرسل ... *بل وفى السيد المسيح نفسه الذى لم يحتمل دموع مريم ومرثا على أخيهما لعازر فبكى [يو 11: 35]... *حتى قال اليهود انظروا كيف كان يحبه؟ [يو 11: 36]... *وقد جاءت رسائل معلمنا بولس الرسول مشحونة بالمشاعر الإنسانية المقدسة... *فنراه يذكر دومًا منظر تلميذه تيموثاوس وهو يبكى عند فراق الرسول أو عند سجنه [2 تى 1: 3، 4]... *ومع أننا كنا نعيش حياة صحراوية فى خيمة إلا أننا أردنا مكاناً أكثر إستقراراً من رمال الصحراء المتحركة ليكون مستقراً ًلمحبوبتى سارة... *لذلك إشتريت مغارة المكفيلة من عفرون الحثى لتكون قبراً لزوجتى ... *فلم أفكر فى دفن زوجتى بجوار أسلافى فإن كان بالإيمان قد خرجت مع سارة من أور الكلدانيين بقيت سالكًا بالإيمان حتى النفس الأخير ودفنت فيها أنا أيضا... *كما دفن فيها إسحق ورفقة ويعقوب وليئة... *وهكذا فى الموت رمزياً لم يفترقا كما كانا خلال حياتهما أيضاً... *حقا فإن الدموع تهوّن على النفس أحزانها الثقيلة.. *وهى تخفف ضغط الأحزان عن القلب... *هى لآلئ وليدة الجروح والآلام كما تتحول الجروح فى المحارات إلى لآلئ.... *نعم يا أصدقاء نحن لا نستطيع أن نعرف تماماً لماذا يبكى البشر إذا وقفنا معهم بجانب القبر.... *ففى معظم الأحيان يكون باعث الحزن خالص المحبة... *ولكن فى بعض الأحيان تكون الدموع ممتزجة بمرارة بسبب ما يملأ نفوسهم بالندم والأسف بسبب معاملة قاسية أو كلمات صعبة أو بسبب تقصير فى خدمة أو مشاركة فى أعواز... *ليحفظنا الرب فى روح المحبة لكى لا نشرب مثل هذه الكأس المُرَّة كأس أحزان الحرمان... |
|