رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
القديس كيرلس الأورشليمي صلب ودفن المقال الثالث عشر "من صدق خبرنا؟ ولمن أُستعلنت ذراع الرب...؟ كشاة تساق إلى الذبح" (إش 13: 1-7). الصليب أعظم أعجوبة 1. كل عمل قام به المسيح، إنما يمجد الكنيسة الجامعة. ولكن أعظم كل الأمجاد للكنيسة هو الصليب. وإذ عرف بولس ذلك قال: "وأما من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلاّ بصليب ربنا يسوع المسيح" (غل 6: 14). عجيب أن يرى المولود الأعمى من بطن أمه النور في سلوام، لكن هذا العمى كيف يُقارن بعمى العالم كله؟! انه أمر عظيم وخارق للطبيعة أن يقوم لعازر من الموت في اليوم الرابع، لكن النعمة شملته وحده، فكيف يُقارن بالذين ماتوا بخطاياهم في العالم كله؟! أي معجزة هذه أن يُطعم خمسة آلاف بخمس خبزات، ولكن ماذا يكون هذا بالنسبة للذين يتضورون جوعًا في المسكونة كلها؟! حقًا إنها لمعجزة أن تحل المربوطة بالشيطان 18 عامًا من قيودها هذه، لكن ماذا يكون هذا بالنسبة لنا نحن جميعًا الذين تقيدنا برباطات آثامنا؟! لكن مجد الصليب قادر أن يبعث النور في هؤلاء العميان في جهلهم، ويحل عنهم وثاقات الإثم، ويفتدي العالم البشرية أجمع؟! يا لعظمة إمكانية المصلوب! 2. لا تعجب من أن العالم كله اُفتدى، لأن الذي مات من أجله لم يكن مجرد إنسان بل ابن الله الوحيد! فإذ جلب عصيان آدم الموت على العالم، لكن كما أنه "بخطية الواحد قد ملك الموت بالواحد. فبالأولى كثيرا الذين ينالون فيض النعمة وعطية البرّ سيملكون في الحياة بالواحد" (رو 5: 17). وإذا كان بسبب شجرة طعام قد طُردوا من الفردوس، أفلا يدخل المؤمنون الآن بأكثر سهولة إلى الفردوس بشجرة يسوع. إن كان الإنسان الأول المخلوق من الطين جلب الموت العام، أفلا يستطيع الذي صنعه من التراب أن يعيده إلى الحياة الأبدية، هذا الذي هو بنفسه "الحياة"؟! وإذا كان فينحاس عندما زادت غيرته ذبح فاعل الشر فرد سخط الرب، فهل يسوع الذي لم يذبح غيره بل بذل نفسه فدية (1 تي 2: 6) لا يرد السخط الذي كان من جهة الجنس البشري؟! لا تخجل من الصليب 3. لا تخجل من صليب مخلصنا، بل بالأحرى افتخر به. لأن "كلمة الصليب عند اليهود عثرة، وعند الأمم جهالة، أما بالنسبة لنا فخلاص" (1 كو 1: 2، 3). إنه "عند الهالكين جهالة، وأمّا عندنا نحن المخلصين فهو قوة الله" (1 كو 1: 18، 23). لأنه كما سبق أن قلت أنه لم يكن ذاك الذي مات عنا إنسانًا مجردًا، بل هو ابن الله، الله المتأنس. بالأحرى إن كان الحمل في أيام موسى جعل المُهلك يعبر بعيدًا، أفلا ينزع عنا خطايانا ذاك الذي هو حمل الله الذي يرفع خطايا العالم؟! (يو 1: 29) دم الخراف غير الناطقة وهب خلاصنا، أليس بالأحرى دم ابن الله الوحيد يخلص؟! من ينكر قوة المصلوب، فليسأل الشياطين! من لا يؤمن بالكلام، فليؤمن بما يرى. فكثيرون صُلبوا في العالم، لكن الشياطين لم تفزع من واحدٍ منهم، لكنها متى رأت مجرد علامة صليب المسيح الذي صُلب عنا يُصعقون. لأن هؤلاء الرجال صُلبوا بسبب آثامهم، أما المسيح فصُلب بسبب آثام الآخرين... "لأنه لم يعمل ظلمًا، ولم يكن في فمه غش" (إش 53: 9؛ 1 بط 2: 22). لم ينطق بهذه العبارة وحده، وإلا لشككنا في أنه منحاز لمعلمه. ولكن إشعياء قالها أيضًا، ذاك الذي لم يكن حاضرًا معه بالجسد، لكنه تنبأ بالروح عن مجيئه بالجسد. ما بالنا نستشهد بالنبي وحده هنا؟ فها هو بيلاطس نفسه الذي حكم عليه يقول: "لا أجد في هذا الإنسان علّة" (لو 23: 14). ولما أسلمه غسل يديه قائلًا: "أنا بريء من دم هذا البار". توجد شهادة أخرى عن يسوع البار الذي بلا خطية، هي شهادة اللص أول الداخلين الفردوس، إذ بكَّت زميله منتهرًا إيّاه قائلًا: "أمّا نحن فبعدل لأننا ننال استحقاق ما فعلنا، وأمّا هذا فلم يفعل شيئًا ليس في محله" (لو 23: 41)، لأن كلينا تحت قضائه. آلامه وصلبه حقيقة وليس خيالًا 4. بالحقيقة تألم يسوع من أجل البشر، لأن الصليب لم يكن وهمًا، وإلا صار فداؤنا وهمًا أيضًا. لم يكن موته مجرد خيال، وإلا كان خلاصنا واهن أيضًا. فلو كان موته مجرد مظهر لكان على حق أولئك الذين قالوا "لقد تذكرنا أن ذلك المضل قال وهو حيّ إني بعد ثلاثة أيام أقوم" (مت 63:27). كانت آلامه حقيقة. لأنه بالحقيقة صُلب، ونحن لا ننكر هذا. لقد صُلب ونحن نذكره بل نفتخر به. فإنني إن أنكرته ها هي الجلجثة التي احتشدنا بالقرب منها تبكتني. خشبة الصليب التي وزّعت قطعًا مختلفة على العالم كله تُفحمني. إنني اعترف بالصليب إذ أعرف القيامة. لأنه لو كان بعد الصليب بقى كما هو ربما لم أكن أعترف به. بل لكنت أنكره وأحاول إخفاء الصليب وإخفاء سيدي. لكن إذ تبعت القيامة الصليب، فإنني لا أخجل من إعلانه. لم يصلب بسبب خطية! 5. إذ كان قد صُلب بالجسد كالآخرين، لكنه لم يكن مثلهم في الخطية. إنه لم يصلب بسبب الطمع، إذ كان معلمًا للافتقار. لم يحكم عليه بسبب شهوة، بل بنفسه قال في وضوح: "وأمّا أنا فأقول لكم إن كل من نظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه" (مت 5: 28). ولا حُكم عليه لغضب أو هياج سريع، إذ هو مدير الخد الآخر لمن يلطمه، ولا لكسر الشريعة إذ هو منفذها. ولا لسب نبي، إذ هو نفسه موضوع نبوة الأنبياء. ولا لغشه أحد في أجرته، إذ خدم مجانًا دون مكافأة. ولا لخطية ارتكبها بكلام أو عمل أو فعل، إذ "لم يفعل خطية، ولا وجد في فمه مكر، الذي إذ شُتم لم يشتم عوضًا. وإذ تألم لم يكن يهدد" (1 بط 2: 22-23). الذي تألم بإرادته وليس رغمًا عنه. نعم فإنه إلى الآن متى قال له أحد "حاشاك يا رب"، يجيبه "اذهب عني يا شيطان" (مت 16: 22-23). تألم بإرادته 6. أتريد أن تقتنع أنه تألم بإرادته؟ آخرون لا يعلمون ماذا يحدث لهم لذلك ماتوا بغير إرادتهم، أما هو فسبق وقال: "ابن الإنسان يسلم ليُصلب" (مت 26: 2). ألاّ تعرف لماذا "صديق الإنسان" هذا لم يمنع الموت؟ لكي لا يهلك العالم كله في خطاياه. "ها نحن صاعدون إلى أورشليم، وابن الإنسان يُسلم ويصلبوه" وأيضًا: "تقدم صاعدًا إلى أورشليم" (مت 20: 18، لو 19: 28). أتريد حقًا أن تعرف أن الصليب مجد يسوع؟ استمع إلى كلماته لا إلى كلماتي، فإذ كان يهوذا خائن رب البيت على وشك القيام بالخيانة، وقد جلس على مائدته، وشرب كأس نعمته، عوض الخلاص تقدم ليسفك الدم البريء. "رجل سلامتي الذي وثقت به، آكل خبزي رفع عليّ عقبه" (مز 41: 9). لم تكن يده بعد قد تركت عطية نعمته حتى أسرع ليسلمه إلى الموت، حبًا بثمن الخيانة. وبّخه، وإذ سمع: "أنت قلت" (مت 26: 5) خرج ليسلمه. عندئذ قال يسوع: "قد أتت الساعة ليتمجد ابن الإنسان" (يو 12: 23). لترى يا عزيزي، كيف عرف أن الصليب هو المجد اللائق به. إن كان إشعياء لم يخجل من نشره إلى أجزاء، أفيخجل المسيح لموته عن العالم؟! "الآن يتمجد ابن الإنسان" (يو 13: 3)، لا لأنه لم يكن ممجدًا من قبل، بل كان ممجدًا بالمجد الذي له من قبل كون العالم (يو 17: 5). كان ممجدًا على الدوام، إذ هو الله، والآن يتمجد حاملًا صبره. إنه لم يسلم حياته رغمًا عنه، ولا قبل الموت قسرًا، بل بموافقته. اسمع ماذا يقول؟ "لي سلطان أن أضعها، ولي سلطان أن آخذها أيضًا" (يو 10: 18). إنني أسلمها لأعدائي باختياري، وإلا ما كان يتم ذلك. لقد جاء بغرضٍ وضعه هو بنفسه أن يتألم، مسرورًا بعمله النبيل، مبتسمًا بتاجه، معتزًا بخلاص البشرية، دون خجلٍ من الصليب، إذ هو لخلاص هذا العالم. لم يكن إنسانًا عاديًا بل الله المتأنس... اعتراض اليهود 7. لكن اليهود يعترضون على ذلك وهم على استعداد دائمًا أن يغالطوا ويرتدوا عن الإيمان. لهذا السبب يقول النبي إلى يومنا هذا "من صدق خبرنا؟" (إش 53: 1) آمن الفارسيون، والعبرانيون لم يؤمنوا. "الذين لم يُخبروا به سيبصرون والذين لم يسمعوا سيفهمون" (رو 15: 21؛ إش 5: 1). الذين كانوا يدرسون هذه الأمور كأنهم لم يدرسوها. إنهم يتكلمون ضدنا قائلين: "أيتألم الرب؟ ماذا؟ هل ليد الإنسان سلطان على جبروته؟" اقرأ المراثي التي فيها يرثيك النبي... إذ رأى خرابك. لقد نظر سقوطك، فانتحب أورشليم على ما كانت عليه، وليس على ما هي عليه الآن، إذ صلبت المسيح أما الآن فتتعبد للرب. إنه يقول في رثائها "مسيح الرب أُخذ في حفرهم"(1). هل هذه وجهة نظري أنا؟ إذ يشهد النبي بالقبض على الرب يسوع. ثم ماذا يتلو ذلك؟ قل لنا أيها النبي: "الذي قلنا عنه في ظله إنّا نعيش بين الأمم"، وهو يعني أن عطية الحياة لم تعد تقطن في إسرائيل بل بين الأمم. شهادات عن آلامه 8. لكننا إذ نجد منهم مقاومة شديدة، لذلك فإنني بصلواتكم أقدم بنعمة الله قليلًا من الشهادات عن آلامه. فإن الأمور التي تتعلق بالمسيح قد سبق أن كُتبت، ولم يترك منها دون شاهد، إنما أعلن على فم الأنبياء. وكُتبت هذه الأمور بصراحة لا على لوحي حجر بل بالروح القدس. لذلك عندما تسمع الإنجيل يتحدث عن يهوذا، أما يليق أن تطلب شهادة عن ذلك؟ لقد سمعت أنه طعن بالحربة في جنبه، أما يلزم أن تعرف عما إذا كان قد كتب عنه هذا؟ سمعت أنه بيع بثلاثين من الفضة، ألاّ تريد أن تعلم أي نبي نطق بهذا؟! سمعت أنه أعطى خلًا للشرب... وأن جسده ألقي في صخرة وأقيم عليها حجر... وأنه صلب بين لصوص أما تريد أن ترى هذا مكتوبًا؟! إنك سمعت أنه دُفن أتريد أن تعرف كل ظروف الدفن كيف سجلت بدقة؟! لقد سمعت عنه أنه قام أيضًا أتريد أن تعرف إن كنا نسخر بك في هذا التعليم؟! لأن" كلامي وكرازتي لم يكونا بكلام الحكمة الإنسانية" (1 كو 2: 4). فنحن لا ننشئ كلامًا سوفسطائيًا بل "نكرز بالمسيح مصلوبًا" (1 كو 1: 23) الذي سبق فتكلم الأنبياء عنه... التنبؤ بخصوص خيانة يهوذا 9. لنطلب الشهادات الخاصة بآلام المسيح... لقد تقبلت مني الشهادات الخاصة بمجيئه وبسيره على البحر، إذ كتب "في البحر طريقك" (مز 77: 19). لنبدأ الآن بالألم. كان يهوذا خائنًا ووقف ضد المسيح. فمع أنه كان يحدثه بكلمات السلام كان يدبر حربًا. لهذا يقول المرتل: "أحبائي وأصحابي يقفون تجاه ضربتي" (مز 38: 11). وأيضًا: "ألين من الزيت كلماته، وهي سيوف مسلولة" (مز 55: 21). قال: "السلام يا سيدي" (مت 26: 49) وهو يخون سيده إلى الموت. إذ لم يرتدع من تحذير سيده القائل "يهوذا، أبقبلة تسلم ابن الإنسان؟!" (لو 22: 48) إن ما قاله الرب له هو تأويل اسم "يهوذا" الذي يعني "اعتراف". لقد تآمرت وقبضت الثمن اعترف بسرعة. "يا إله تسبيحي لا تسكت. لأنه قد انفتح عليّ فم شرير، وفم الغش. تكلموا معي بلسان كذب. بكلام بُغض أحاطوا بي، وقاتلوني بلا سبب" (مز 109: 1-3). كان بعض رؤساء الكهنة حاضرين، وقد تم القبض عليه عند أبواب المدينة، وبهذا تحقق قول المزمور "يَعُودُونَ عِنْدَ الْمَسَاءِ، يَهِرُّونَ مِثْلَ الْكَلْبِ، وَيَدُورُونَ فِي الْمَدِينَةِ." (سفر المزامير 59: 6، 14). ثمن الخيانة وحقل الفخاري 10. لتسمع أيضًا بخصوص الثلاثين من الفضة. "فقلت لهم أن حسُن في أعينكم فأعطوني أجرتي وإلا فامتنعوا" (زك 11: 12). انظر كيف تنبأ الكتاب المقدس عن هذه الأمور، فقال: "فوَزنوا أجرتي ثلاثين من الفضة". يا لدقة النبوة! يا لحكمة الروح القدس العظيمة الذي لا يخطئ! لأنه لم يقل عشرة أو عشرين ولكنه حدد بالضبط ثلاثين. اخبرنا أيضًا ماذا يتم بهذا الثمن أيها النبي؟ هل يحتفظ بها من استلمها؟ أم يرده...؟ يقول "فأخذت الثلاثين من الفضة، وألقيتها إلى الفخاري في بيت الرب" (زك 11: 13). قارن قول الإنجيل بهذه النبوة! "لما رأى يهوذا الذي أسلمه أنه قد دين ندم... فطرح الفضة في الهيكل وانصرف"(2)... 12. محاكمة الرب قيدوا يسوع وأحضروه إلى دار رئيس الكهنة، أتريد أن تعرف كيف سبق أن كتب هذا أيضًا؟ يقول إشعياء "ويل لنفوسهم لأنهم يصنعون لنفسهم شرًا قائلين: لنقيد البار لأنه مغلق لنا" (راجع إش 3: 9-10) نعم ويل لنفوسهم. لترى كيف هذا فإن إشعياء نُشر إلى أجزاء، وبعد ذلك شُفي الشعب. إرميا طُرح في جب من طين، لكن جرح اليهود شفي، إذ أن آثامهم كانت قليلة لأنها موجهة ضد إنسان. لكن عندما أخطأ اليهود إلى الله المتأنس "ويل لنفوسهم... لنقيد البار!" ألم يكن قادرًا على إطلاق سراح نفسه؟! قد يقول قائل: الذي حل لعازر من رباطات الموت في رابع يوم، وأطلق سراح بولس من قيود السجن الحديدية، أما كان قادرًا على إطلاق سراح نفسه؟ لقد وقفت الملائكة مستعدة تقول "لنقطع قيودهم" (مز 2: 3)، لكنهم أحجموا لأن سيدهم شاء أن يقبل هذا. اقتيد إلى المحكمة أمام الشيوخ. وهذه شهادة عن ذلك "الرب يدخل في المحاكمة مع شيوخ شعبه ورؤسائهم" (إش 3: 14). المحاكمة 13. لكن إذ سأله رئيس الكهنة وسمع الحق أظهر خسة. فضربه موظفوه (عبد رئيس الكهنة)... وأتى آخرون وبصقوا على وجهه هذا الذي ببصاقه شفي المولود أعمى. "ألْرَّبَّ تُكَافِئُونَ بِهذَا يَا شَعْبًا غَبِيًّا غَيْرَ حَكِيمٍ؟" (سفر التثنية 32: 6) لهذا يتعجب النبي جدًا فيقول: "من صدق خبرنا"؟! (إش 50: 6)، لأن الذي لا يُنطق به، ابن الله، ذراع الرب (1 تس 53: 1) يحتمل هذا! أمّا الذين يؤمنون، فإنهم يخلصون، إذ سبق فكتب الروح القدس في شخص المسيح قائلًا: "بذلت ظهري للسياط، وخديّ للناتفين، وجهي لم أستر عن العار والبصق" (إش 53: 1)... كأن يسوع يقول: بالرغم من إنني أعرف مقدمًا أنهم يلطمونني لكنني لم أدر عنهم خدي. لأنه كيف أخاف من الموت أنا الذي أعلم تلاميذي ألاّ يخافوا من الموت من أجل الحق؟! فلو أحببت حياتي كيف أعلم بما لا أُمارسه؟! لهذا وهو الله أحب أن يحتمل من الأيدي البشرية حتى لا نخجل نحن إذا تألمنا من أجله مثل هذه الآلام من البشر... في محاكمته صالحَ المتخاصمين 14. وإذ ربط (يسوع)، أُرسل من قيافا إلى بيلاطس. هل كتب هذا أيضًا؟ نعم "إذ قيد اُقتيد كهدية إلى الملك باريم Jarim" (هو 10: 6). لكن قد يعترض سامع حاذق فيقول: لم يكن بيلاطس ملكًا، (لكن نترك هذا الاعتراض إلى حين) فإنه كيف اُقتيد كهدية لملك؟ يقول الإنجيل "فلما سمع بيلاطس ذِكْر الجليل سأل: هل الرجل جليلي...؟ أرسله إلى هيرودس (لو 23: 6) "لأن هيرودس كان ملكًا، وكان في أورشليم في ذلك الوقت. لاحظ دقة النبي: لأنه يقول أُرسل كهدية. لقد "صار بيلاطس وهيرودس صديقين مع بعضهما البعض في ذلك اليوم، لأنهما كانا من قبل في عداوة بينهما" (لو 23: 12). نعم الذي صار صلحًا بين السمائيين والأرضيين صالح أيضًا المتخاصمين ضده، إذ كان الرب نفسه بينهما هذا "الذي يصالح قلوب رؤساء شعب الأرض" (راجع أي 2: 24). لاحظ دقة الأنبياء وصدق شهادتهم. على مَنْ تفغرون الفم؟ 15. تطلع باهتمام إلى الرب وهو يُحَاكَم، فقد سمح لنفسه أن يقوده الجنود. بيلاطس جلس في الحكم؛ والذي يجلِس عن يمين الآب يقف ليُحاكم! الشعب الذي حَرَّرهُ من أرض مصر... يصرخ: "خذه أصلبه" (يو 19: 15). لماذا أيها اليهود؟ هل لأنه شفى عميانكم؟ أم لأنه جعل العُرْج منكم يمشون؟ ووهب البركات للآخرين؟! يدهَش النبي فيقول: "على من تفغرون الفم وتدلعون اللسان؟" (إش 57: 4) ويقول الرب نفسه في الأنبياء: "صار لي ميراثي كأسد في الوعر. نطق عليّ بصوته. من أجل ذلك أبغضته" (إر 12: 8). لم أرفضهم لكنهم رفضوني، لهذا أقول: "قد تركت بيتي" (إر 12: 7). صمته في المحاكمة 16. في أثناء محاكمته أعلن سلامه إلى حد قال فيه بيلاطس: "أما تسمع كم يشهدون عليك؟" (مت 27: 13). يقول المرنم: "وأكون مثل إنسان لا يسمع وليس في فمه حجة" (مز 109: 25). وأيضًا "كأصم لا يسمع وكأبكم لا يفتح فاه" (مز 38: 13)... سخرية الجنود به 17. لكن الجنود الذين تجمهروا حوله كانوا يسخرون به. صار أضحوكة لهم. "ينظرون إليّ، وينغضون رؤوسهم" (مز 38: 14). كانت تظهر ملوكيته حتى في سخريتهم له حيث كانوا يركعون قدامه. وقبل الصلب ألبسه الجنود ثوبًا من الأرجوان ووضعوا على رأسه إكليلًا. لماذا ألبسوه تاجًا ولو أنه من الشوك؟ لأن كل ملك يظهر مُلكه بواسطة جنوده. فيسوع كملك تُوِّج رمزيًا خلال الجنود. لهذا يقول الكتاب في نشيد الأناشيد: "أخرجن يا بنات أورشليم، وانظرن الملك سليمان بالتاج الذي توجته به أمه" (نش 3: 11). وقد كان التاج سريًا إذ هو غفران الخطايا ومزيل اللعنة. بالشوك أزال اللعنة 18. تلقى آدم هذا الحكم: "ملعونة الأرض بسببك. شوكًا وحسكًا تنبت لك" (تك 3: 17، 18). لهذا السبب كان يليق بيسوع أن يقبل الشوك حتى يزيل هذا الحكم. ولهذا السبب دُفن يسوع في الأرض حتى تقبل الأرض التي لُعنت البركة عوض اللعنة. في زمن الخطية ارتديا (آدم وحواء) أوراق التين، لهذا جعل يسوع شجرة التين آخر علاماته (قبل الصلب). فقبل آلامه لعن شجرة التين، ليس كل شجر التين، بل شجرة واحدة لكي تكون رمزًا. قال: "لا يأكل أحد منك ثمر بعد" (مر 11: 14). وإذ كانا قبلًا قد سُترا بأوراق الشجرة، جاء يسوع في وقت لا تعطى فيه شجرة التين ثمرًا. من لا يعرف أن شجر التين لا يحمل ثمرًا في فصل الشتاء؟! هل كان يسوع جاهلًا بهذا الأمر الذي يعرفه الجميع؟! لا، لكن مع معرفته بذلك جاء كمن يبحث عن ثمرٍ لهذه الشجرة، ليس جهلًا، ظانًا أنه يجد فيها ثمرًا، بل لكي يظهر اللعنة الظاهرية التي تلحق بالأوراق... بين الفردوس والبستان 19. مادمنا قد لمسنا موضوعات تتعلق بالفردوس، فإنني أعجب من حقيقة المقارنات... في الفردوس كان السقوط، وفي البستان كان خلاصنا. من الشجرة جاء إثمنا، وإلى مجيء الشجرة انتهت آثامنا. في المساء إذ كان الرب يتمشى في الجنة اختبأ (آدم وحواء) (تك 3: 8)، وفي المساء قبل يسوع اللص في الفردوس... الحيّة النحاسية كرمز للصليب 20. هذا هو الرمز الأصلي، الحيّة التي رفعها موسى على صليب، لكي يشفي كل من لدغته حية، فبالنظر إلى الحيّة النحاسية يُشفى بالإيمان (عد 21: 9؛ يو 3: 14). فهل الحيّة النحاسية تشفي بصلبها، وابن الله المتجسد المصلوب لا يُخلص؟! على أي الأحوال كانت الحياة تأتي من وسائط خشبية، ففي زمان نوح كانت الحياة تُحفظ خلال فلك خشبي. وفي أيام موسى كان عبور البحر بواسطة عصا موسى الخشبية التي ضرب بها البحر. هل لعصا موسى قوة وصليب المخلص بلا قوة؟! بالخشبة في أيام موسى صار الماء حلوًا، أمّا مع يسوع فقد تدفقت على خشبة الصليب المياه "من جنبه". الماء والدم 21. الماء والدم هما بداية الرموز عند موسى، وهما آخر علامة تركها يسوع. فأولًا حوَّل موسى النهر إلى دمٍ، وآخر ما قدمه المسيح ماءً ودمًا من جبنه. وكأنهما يشيران إلى اثنين من المتحدثين: الذي حاكم (الرب) والذين صرخوا ضده، إذ هما رمزّا للمؤمنين وغير المؤمنين، بيلاطس غسل يديه بالماء قائلًا: "إني بريء"، والشعب صرخ "دمه علينا" (مت 27: 24، 25). لهذا تدفق الاثنان من جبنه. ويمكننا أن نفهم هذا الأمر بصورة أخرى: الدم لليهود والماء للمسيحيين. لأن على هؤلاء الذين هم يُدانون من الدم (الذي سفكوه)، أما لك يا من تؤمن حديثًا فتنال الخلاص بالماء. لم يحدث شيء بغير معنى، وقد أورد آباؤنا سببًا آخرًا لذلك. قالوا إنه حسب الإنجيل تتم نعمة المعمودية بطريقتين: أحدهما بالماء للاستنارة، والثانية للشهداء القديسين في الاضطهاد خلال سفك دمائهم. لهذا خرج من جنب المخلص دم وماء، حتى يؤكد نعمة الاعتراف بالمسيح، إما بالعماد أو الاستشهاد في أيام الاضطهاد. يوجد معنى آخر وهو أن المرأة التي خرجت من جنب الرجل جلبت الخطية، لذلك طُعن المسيح في جنبه من أجل المرأة حتى يغفر الإثم، مانحًا الغفران للرجل والمرأة على السواء. صلبه على الجلجثة 22. من يبحث يجد أسبابًا أخرى كثيرة لكنني أظن أن ما قلته فيه الكفاية من أجل ضيق الوقت، حتى لا يقلق السامعون. وإن كان لا يتعبنا قط الاستماع بخصوص تتويج الرب ونحن على هذه الجلجثة المقدسة للغاية. فإن غيرنا يسمعون فقط، أما نحن فنرى ونلمس. لا يقلق أحد. احمل سلاحك(3) ضد الأعداء بالصليب ذاته. احمل الإيمان بالصليب كنصرة على المقاومين. فعندما تذهب لمجادلة غير المؤمنين بخصوص صليب المسيح، ارسم بيدك علامة صليب المسيح فيصمتون. لا تخجل من الاعتراف بالصليب. فالملائكة تمجده، إذ تقول: "نحن نعلم من تطلبان: يسوع المصلوب!" (مت 28: 5) لماذا لم تقل أيها الملاك: "نحن نعلم من تطلبان: سيدنا!" لكن في شجاعة قلت: "نحن نعلم... يسوع المصلوب"، لأن الصليب تاج لا عار! لا تهرب من الصليب وقت الضيق! 23. ...لا تعرض عنه وقت الاضطهاد. لا تفرح بالصليب وقت السلم فقط، بل تمسك بذات الإيمان وقت الاضطهاد أيضًا. لا تكن صديقًا ليسوع وقت السلم، وعدوه وقت الحروب. إنك تتقبل منه غفران خطاياك وغنى مواهب الملك الروحية، فإذا جاء وقت الحرب حارب(4) بنبل من أجل ملكك. يسوع الذي بلا خطية صُلب من أجلك، ألاّ تصلب من أجله!؟ ليس لك فضل في هذا، فقد سبق هو وابتدأ، إنما أنت ترد له الجميل، ترد له الدين الذي عليك، لأنه صلب من أجلك على الجلجثة. "الجلجثة" تترجم "موضع الجمجمة"، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. إذ هكذا دُعيت بروح نبوية، لأن المسيح هو الرأس الحقيقي قد احتمل الصليب هناك. وكما يقول الرسول: "الذي هو صورة الله غير المنظور" (كو 1: 15، 18). وبعد ذلك بقليل يقول: "وهو رأس جسد الكنيسة". وأيضًا "رأس كل رجل هو المسيح" (1 كو 11: 3). وأيضًا "الذي هو فوق كل رياسة وسلطان" (كو 2: 10). تألمت الرأس في "موضع الجمجمة". يا للظهور النبوي العجيب! كأن هذا المكان يذكرك قائلًا: لا تظن أن الذي صُلب هنا مجرد إنسان، لكنه رأس كل رياسة، رأسه الآب؛ لأن رأس الإنسان المسيح، ورأس المسيح الله (1 كو 11: 3). الظلمة في الظهيرة 24. إذن صلب المسيح من أجلك، إذ حُوكم في ليلة باردة، لهذا أُوقدت النيران (يو 18: 18) صُلب في الساعة الثالثة "ومن الساعة السادسة كان ظلام حتى التاسعة" (مت 27: 45). ومن الساعة التاسعة كان نور مرة أخرى. هل سبق أن كتبت هذه الأمور؟ تعال نسأل النبي زكريا إذ يقول "ويكون في ذلك اليوم أنه لا يكون نور... وأنه معروف للرب" (زك 1: 6، 7). ماذا؟ ألاّ يعرف الرب بقية الأيام أيضًا؟ نعم لكن الأيام كثيرة، لكن هذا يوم صبرالرب الذي صنعه... إنه "لا نهار ولا ليل" (زك 14: 6، 7). أي ظلام يقصده النبي؟ إنه ذلك اليوم الذي "لا نهار ولا ليل"، فبماذا نسمّيه إذن؟ يفسر لنا الإنجيل هذا حيث يروى لنا هذا الأمر. إنه لم يكن نهارًا، لأن الشمس لم تشرق فيه من بدايته إلى وقت الغروب، بل انكسفت من السادسة حتى التاسعة، كان هناك عارض في منتصف النهار. لكن الرب دعا الظلام ليلًا (تك 1: 5)، لهذا لم يكن نهارًا ولا ليلًا. لأنه لم يكن كله نور حتى يُحسب نهارًا، ولا كله ظلامًا فيحسب ليلًا. لأنه بعد الساعة التاسعة ظهرت الشمس مرة أخرى. وهذا أيضًا ما سجله النبي لأنه بعدما قال "لا نهار ولا ليل" أضاف "بل يحدث أنه في وقت المساء يكون نور" ها أنت ترى دقة النبوة. إنك ترى حقيقة الأمور التي كتبت مقدمًا. أُغيب الشمس في الظهر 25. هل تسأل عن الساعة التي أظلمت فيها الشمس بالضبط؟ هل كان في الساعة الخامسة أم الثامنة أم العاشرة؟ قل أيها النبي لليهود غير الراغبين في الاستماع عن موعد غروب الشمس تمامًا! يجيب عاموس قائلًا: "ويكون في ذلك اليوم، يقول السيد الرب، إني أُغيب الشمس في الظهر (إذ كانت الظلمة في السادسة) وأُقتم الأرض في يوم نور" (عا 8: 9). أي فصل أو موسم وأي يوم أيها النبي؟ يقول "وأحوِّل أعيادكم نوحًا"، وقد تحقق ذلك في أيام الفطير وفي عيد الفصح. إنه يقول بعد ذلك: "وأجعلها كمناحة الوحيد، وآخرها يوم مرّ". وفعلًا تحقق هذا حين بكت نساء أورشليم، وكان ذلك في أيام الفطير وفي عيد الفصح، واختبأ التلاميذ أنفسهم وكانوا في مرّ. يا لها من نبوة عجيبة! اقتسام ثيابه 26. قد يقول آخر: أعطني علامة أخرى تحققت بدقة. يسوع صلب، ولم يكن له سوى لباس واحد. الثوب اقتسمه العسكر فيما بينهم إلى أربعة أجزاء، أما اللباس فلم يُقسم إذ كان يفقد نفعه لو اقتسم، فطرحوا قرعة علية كقطعة واحدة... يقول المزمور: "اقتسموا ثيابي وعلى لباسي ألقوا قرعة" (مز 22: 18؛ يو 19. ألبسوه ثوبًا أرجوانيًا 27. في محاكمته أمام بيلاطس كان يرتدي ثوبًا أحمر، إذ ألبسوه ثوبًا من الأرجوان. هل كُتب هذا أيضًا؟ يقول إشعياء: "من ذا الآتي من آدوم بثياب حمر من بصره؟" (أي من هو هذا الذي يلبس ثوبًا أرجوانيًا في عارٍ، لأن بصره Bosor في العبرية تحمل هذا المعنى) "ما بال لباسك حمر، وثيابك كدائس المعصرة؟!" (إش 63: 1-2) لكنه يجيب قائلًا: "بسطت يدي طول النهار إلى شعب متمرد سائر في طريق غير صالح" (إش 65: 2). فاعل الخلاص في وسط الأرض 28. لقد بسط يديه على الصليب حتى يعانق العالم أجمع، إذ الجلجثة هي مركز العالم. هذا ليس من عندي بل يقول النبي: "فاعل الخلاص في وسط الأرض" (مز 74: 12). بسط يديه البشريتين هذا الذي بيديه الروحيتين أوجد السماء. وسُمرتا بالمسامير، حاملًا آثام البشر، حتى إذ سمر في خشبة مات، فيموت الإثم لنقوم في برّ. "لأنه بإنسانٍ واحدٍ دخل الموت، وهكذا بإنسان واحد تكون الحياة" (رو 5: 12، 17)، بإنسان واحد -المخلص- مات بإرادته. لعلك تذكر ما قاله: "لي سلطان أن أضع نفسي ولي سلطان أن آخذها" (يو 10: 18). أنا عطشان 29. بالرغم من احتمال كل هذه الآلام إذ جاء لخلاص الجميع إلاّ أن الشعب (اليهودي) جازاه مجازاة شريرة. قال يسوع "أنا عطشان". هذا الذي أخرج لهم الماء من الصخرة الصماء، يطلب ثمر كرمته التي زرعها، فماذا فعلت كرمته؟ هذه الكرمة التي بحسب الطبيعة هي من الآباء القديسين، لكنها بحسب قلبها مثل سدوم. "لأن جفنة سدوم جفنتهم، ومن كروم عمورة" (تث 32: 32). قدمت هذه الكرمة لسيدها إسفنجًا مغموسًا خل فوق قصبة. "ويجعلون في طعامي علقمًا، وفي عطشي يسقونني خلًا" (مز 69: 21). ها أنت ترى وضوح النبوة وصفاءها! لكن أي نوع من العلقم وضعوا في فمه؟ "أعطوه خمرًا ممزوجًا بمرّ" هذا المر طعمه كالعلقم شديد المرارة. أبهذا تجازي الرب أيتها الكرمة؟! أهذه تقدمتك له؟! بالحقيقة قال إشعياء في القديم مولولًا عليك: "كان لحبيبي كرم على أكمة خصبة. فنقبّه ونقّىّ حجارته وغرسه كرم سورق... فانتظر أن يصنع عنبًا (إذ عطش طالبًا عنبًا) فصنع شوكًا" (راجع إش 5: 1-2). هل رأيت الإكليل التي تزينت به؟! لكن ماذا أفعل؟ "سأوصي السحب أن لا تمطر عليه مطرًا" (راجع إش 50: 6). لأن السحب هي الأنبياء الذين نُزعوا من بينهم وصاروا للكنيسة... صلبه بين لصين 30. وفيما يتعلق باللصين اللذين صُلبا مع يسوع، فقد كُتب عنهما: "أحصيَ مع أثمه" (إش 23: 12). كلاهما كانا أثيمين، لكن أحدهما لم يظل هكذا، فواحد منهما بقي أثيمًا إلى النهاية رافضًا الخلاص. فبالرغم من أن يديه موثقتان فقد أطلق لسانه بالتجديف. فكانا يسبه مع اليهود الذين كانوا يعبرون ويهزون رؤوسهم ساخرين بالمصلوب، محققين المكتوب: "ينظرون إليّ، وينغضون رؤوسهم" (مز 109: 25). انتهره الثاني مؤنبًا إياه. وبهذا ختم حياته الأثيمة وبدأ حياة الإصلاح. كانت نفسه أول من اشتركت في الخلاص، إذ بعدما وبخ رفيقه التفت إلى يسوع وقال "اذكرني يا رب" لأكون معك. لا تبالِ يا رب بعيني فهم هذا الإنسان إذ هي عمياء، لكن اذكرني. لست أقول اذكر أعمالي، لأنني من جهتها أنا خائف. لكن كما أن لكل إنسان مشاعر تجاه رفيق سفره، هكذا مسافر معك نحو الموت، اذكرني يا رفيق سفري. إنني لا أقول اذكرني الآن، بل "إذا جئتَ في ملكوتك". أيّة قوة قادتك إلى النور أيها اللص؟ 31. من علمك أن تمجد رفيقك المصلوب معك؟ النور الأبدي الذي يضيء لمن هم في الظلمة! سمع اللص هذه الكلمات: "تهلل". ليست أعمالك حسنة، لكن هنا يوجد ملك يوزع هبات. سؤالك جاء في وقته. النعمة معك تلحقك سريعًا جدًا. "الحق أقول لك: اليوم تكون معي في الفردوس". "لأنك اليوم سمعت صوتي، ولم تقسِ قلبك" (مز 95: 7-8). فبسرعة أنا حكمت على آدم، وبسرعة عفوت عنك. فاليوم يكون خلاصك. آدم بالشجرة سقط، وأنت بالشجرة دخلت الفردوس. لا تخف من الحيّة، فإنها لن تطردك إذ سقطت من السماء (لو 10: 8). إنني لم أقل لك اليوم ترحل، بل قلت "اليوم تكون معي". تشجع فلن تُطرد خارجًا. لا تخف من السيف المسلول لحراسة الجنة (تك 3: 24). يا لقدرة عطيتك غير الموصوفة يا رب! إبراهيم المؤمن لم يدخل بعد واللص دخل! موسى والأنبياء لم يدخلوا بعد واللص كاسر الناموس دخل! بولس أيضًا يتعجب من جهتك، فيقول: "حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جدًا" (رو 5: 20). الذين احتملوا حر النهار لم يدخلوا، وصاحب الساعة الحادية عشر دخل! لا يتذمر أحدكم على رب البيت الصالح، فإنه يقول: "يا صاحب ما ظلمتك، أو ما يحل لي أن أفعل ما أريد بمالي؟!" (مت 20: 12) كان للّص إرادة لعمل البرّ، لكن الموت منعه، فلا أنتظر منه عملًا (إذ مات) إنما أقبل أيضًا إيمانه. إنني جئت كراعٍ بين السوسن (نش 6: 3). جئت لأطعمهم في الحدائق. لقد وجدت الخروف الضال (لو 15: 5، 6). وأنا أضعه على منكبي، لأنه يؤمن. لهذا قيل: "ضللت كمثل شاةٍ ضالة. أُطلب عبدك لأنني لم أنس وصاياك" (مز 119: 176). نعم "اذكرني يا رب إذا جئت في ملكوتك" (لو 23: 42). الدخول إلى الأقداس بدم يسوع 32. في هذا الفردوس غنيت لعروسي في نشيد الأناشيد: "قد دخلت جنتي يا أختي العروس" (إش 5: 1)، (فقد كان مكان الصلب بستانًا) (يو 19: 41). ماذا أخذت من هناك؟ "قطفت مري مع طيبي"، إذ شرب المر مع الخل، وبعد ذلك قال: "قد أُكمِل". لأن السرّ تم، والمكتوب تحقق، والآثام غُفرت. لأن المسيح وهو قد جاء رئيس كهنة للخيرات العتيدة. فبالمسكن الأعظم والأكمل غير المصنوع بيد. أي الذي ليس من هذه الخليقة، وليس بدم تيوس وعجول، ولكن بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس، فوجد فداءًا أبديًا: لأنه إن كان بدم ثيران وتيوس ورماد عجلة مرشوش على المنجسين يقدس إلى طهارة الجسد، فكم بالأحرى يكون دم المسيح؟!" (عب 9: 11-14). وأيضًا فإذ لنا أيها الإخوة "ثقة في الدخول إلى الأقداس بدم يسوع، طريقًا كرسه لنا حديثا حيًا بالحجاب أي جسده" (عب 10: 19، 20). ولأن جسده -هذا الحجاب- غير ممجد، لذلك شق حجاب الهيكل كما هو مكتوب: "وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل" (مت 27: 51)، ولم يترك فيه شيء. لأن يسوع قال: "هوذا يترك بيتكم خرابًا" (مت 23: 38). لقد خرب البيت كله! عاملًا الصلح بدم صليبه 33. احتمل المخلص هذا كله، "عاملًا الصلح بدم صليبه بواسطته سواء كان ما على الأرض أم في السماوات" (كو 1: 20). لأننا كنا أعداء الله خلال الخطية وحكم الله على الخاطئ هو الموت. لهذا كان لابد من تحقيق أحد أمرين: إما أن الله في عدله يبيد كل البشرية، أو في محبته المترفقة يزيل الحكم! أنظر حكمة الله، فقد حفظ الحكم، وفي نفس الوقت حقق محبته! لقد حمل المسيح آثامنا في جسده على الخشبة لكي "نموت عن الخطايا فنحيا للبرّ" (1 بط 2: 24). إنه لم يكن بالهيّن ذاك الذي مات عنا، فليس هو مجرد حمل حرفي ولا إنسان عادي، بل أعظم من ملاك، أنه الإله المتأنس، لم تكن خطايا البشر أعظم من برّ الذي مات بسببها. لم تكن هذه الآثام كثيرة بالنسبة لبرّ من بإرادته وضع نفسه وبإرادته أخذها. لقد صرخ إلى الآب: "في يدك استودع روحي"، استودعها لكي أخذها مرة أخرى. وإذ قال هذا أسلم الروح، لكن ليس لزمانٍ طويلٍ، إذ سرعان ما قام من الأموات. الظروف التي صاحبت الصلب 34. لقد أظلمت الشمس (لو 23: 45) من أجل "شمس البرّ" (مل 4: 22). والصخور تشققت من أجل الصخرة الروحية (1 كو 10: 4). القبور تفتحت والموتى قاموا بسبب هذا الذي هو "حر بين الأموات" (مز 88: 5). إذ حرر أسراه من الحفرة التي بلا ماء (زك 9: 11). تشجع ولا تخجل من الصليب، بل بشجاعة قل: "أحزاننا حملها وأوجاعنا تحمّلها وبحُبره شفينا" (إش 53: 4، 5). لا نكن جاحدي المعروف، إذ هو "ضُرب، من أجل ذنب شعبي، وجعل مع الأشرار قبره، ومع غنى عند موته" (إش 53: 8، 9). لهذا يقول بولس بوضوح "المسيح مات لأجل خطايانا حسب الكتب، وأنه دفن وقام في اليوم الثالث حسب الكتب" (1 كو 15: 3، 4). دفن المسيح 35. لنبحث حتى نعرف بتدقيق أين دُفن؟ وهل صُنعت مقبرته بأيادٍ؟ وهل هي مُقامه فوق الأرض مثل مقابر الملوك أم منحوتة بحجارة؟ وماذا وضع عليها؟ أخبرونا بالحقيقة أيها الأنبياء فيما يتعلق بمقبرته! أين وضع؟ وأين نبحث عنه؟ إنهم يقولون "انظروا إلى الصخر الذي منه قطعتم" (إش 51: 1). وفي الأناجيل قيل: "ووضعوه في قبره الجديد الذي كان قد نحته في الصخر" (مت 27: 60)... أيضًا يقول النبي "قرضوا في الجب حياتي" (راجع مرا 3: 53؛ إر 37: 16). وألقوا عليّ حجارة. أنا حجر الزاوية المختار الكريم (1 بط 2: 6-10) أُوضع في حجر إلى حين. أنا هو حجر العثرة لليهود وحجر خلاص للمؤمنين. لقد زُرعت أنا شجرة الحياة (تك 2: 9، 3: 22) في الأرض، حتى تتمتع الأرض التي لُعنت بالبركة، وينطلق أمواتها. رشم علامة الصليب 36. إذن ليتنا لا نخجل بالاعتراف بالمصلوب. لنرسم علامة الصليب ختمنا بشجاعة، بأصابعنا على جباهنا وعلى كل شيء: على الخبز الذي نأكله وعلى الكأس التي نشربها، في دخولنا وفي خروجنا، قبل النوم وعندما نركض وعندما نستيقظ، في الطريق وحيثما حللنا. عظيم هو هذا الفعّال. هو مجانًا من أجل الفقراء، يتم بغير عناء من أجل المرضى. إنه علامة المؤمنين، ورعب الشياطين، إذ غلبهم ظافرا بهم جهارًا (كو 2: 15). لأنهم إذ يرون الصليب يتذكرون المصلوب، فيرتعبون من ذاك الذي كسر رؤوس التنانين (مز 74: 13). لا تحتقر الختم من أجل مجانية العطية، بل بالأحرى كرموا صاحب الفضل(5)... إن قال أحد أما الصليب فاعرض عنه. اترك القائلين إن المسيح صلب خيالًا فقط. لأنه لو كان الأمر هكذا، لكان الخلاص الذي هو من الصليب أيضًا خيالًا. لو كان الصلب خيالًا، لكانت القيامة هكذا، وإن كان المسيح لم يقم فنحن بعد تحت خطايانا (1 كو 15: 7). إن كان الصليب خيالًا، يكون الصعود خيالًا... فهل مجيئه الثاني أيضًا خيالٌ وبهذا يصير كل شيء غير قائم؟! 38. إذن خذ الصليب كأساس متين يُبنى عليه كل بقية بنود الإيمان. لا تنكر المصلوب، لأنك إن أنكرته فإن أمورًا كثيرة توبخك(6)... عمل الصليب 40. لديك الإثنا عشر رسولًا شهود للصليب، وكل الأرض وعالم البشر الذين يؤمنون بالمصلوب عليه. ليقنعك وجودك نفسه هنا الآن بقوة الصليب. لأنه من الذي قادك إلى هذا الاجتماع؟ أي جنود؟ أية سلاسل ألزمتك؟ أي حكم من أحكام القضاء قادتك إلى هنا؟ إنه بالحري شعار حضرة الخلاص، أي صليب يسوع، الذي جمعكم كلكم هنا. هو الذي قهر الفرس ولجَّم السكِّيثيين، ووهب المصريين معرفة الله عوض القطط والكلاب، وأضاليلهم العديدة. إنه إلى اليوم يشفي الأمراض، ويطرد الشياطين ويفسد مفعول السموم والسحر. راية الصليب 41. ستظهر (هذه العلامة) في السماء مع يسوع (مت 24: 30)، لأن الراية تسير دائمًا قدام الملك. فيندم اليهود ويحزنون عندما ينظرون إلى الذي طعنوه (يو 19: 37؛ زك 12: 10؛ رؤ 1: 7)... سيندمون وينوحون ولكن لا مجال للتوبة، أما نحن فسنتمجد ونفتخر بالصليب ونسجد للرب الذي جاء وصُلب لأجلنا، ونسجد أيضًا لله أبيه الذي أرسله مع الروح القدس، الذي له المجد إلى أبد الأبد. آمين. |
|