رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مابين الكمال والممكن 23\5\2010 بقلم: البابا شنودة الثالث كلنا مطالبون بأن نصل إلي الكمال, أو علي الأقل نسعي إلي ذلك, ولكن الكمال المطلق هو لله وحده. أما نحن فأقصي ما نصل إليه هو الكمال النسبي أو الكمال الممكن ــ نسبة لمقدراتنا ــ ونسبة لما يمنحه الله لنا من نعمة ومن قدرة. فالكمال المطلوب منا هو ما يمكننا عمله..مثال ذلك طفل صغير في بداية التعليم, يدرسونه الجمع والطرح في علم الحساب, فينجح في الامتحان ويحصل علي الدرجة النهائية فنقول إنه وصل لدرجة الكمال في الرياضة( الحساب) طبقا لمستواه, علي الرغم من أن مستواه يعتبر لاشيء إذا ما قورن بالمستويات العليا في الرياضيات ولكنه حصل علي الكمال النسبي. نحن مثلا نطالب بالسلام مع الناس ولكن عمليا حسب طاقتنا نسالم جميع الناس مثال ذلك زوجة لا تستطيع إطلاقا ان تعيش في سلام مع حماتها, ليس من جهتها هي وإنما من جهة معاملة حماتها لها, لذلك إن كانت تعيشان معا في بيت واحد فبدلا من ان يتكرر الشجار بينهما كل يوم من الأفضل ان ينفصل كل منهما في بيت وبهذا تعيشان في سلام. مثال آخر في جهة التعليم والإرشاد: نلاحظ ان بعض المعلمين أو المرشدين الذين يحبون المثاليات نراهم يطالبون الناس بما هو فوق طاقتهم من جهة الوصايا والتعاليم مما لا يستطيعون تنفيذه عمليا فيفشلون بينما الأمر يحتاج الي تدرج للوصول إلي الوصية في كمالها, وهذا أيضا نقوله للآباء والأمهات ومن يعملون في مجال التربية أو في مجال الإرشاد: إعطوا الناس الممكن الذي يقدرون عليه. إن الله ــ تبارك اسمه ــ في محاسبته للناس يحاسب كل واحد منهم حسب مستواه من جهة إمكانات كل شخص وحسب طاقته وحسب ظروفه وحسب سنه وصحته, وليس الجميع في مستوي واحد ولا في إمكانات واحدة, فإن الناس يتنوعون في مستوياتهم, حتي الروحية منها, فالشخص المبتدئ هو غير المختبر الناضج وكلاهما غير الإنسان الروحي صاحب المواهب التي منحها الله إياها, والناس يختلفون أيضا من جهة السن فما يستطيعه الشاب غير ما يقدر عليه الشيخ, غير ما يستطيعه الطفل, كذلك ما يقدر عليه القوي في صحته غير ما يقدر عليه المريض إن الكمال الممكن هو لكل هذه النوعيات ولكن درجته تختلف من واحد إلي آخر كل واحد علي قدر طاقته. هناك أشخاص يقدرون علي حياة الوحدة والتأمل وأشخاص لايستطيعون ذلك وإنما يحاولون الوصول الي الكمال النسبي والممكن في وسط الناس وخدمتهم ونلاحظ أيضا أن الناس يختلفون في نوعية نفسياتهم وفي نوعية ذكائهم وايضا يختلفون ما بين البساطة والعمق وكل من هؤلاء له قدرته الخاصة التي تختلف عن غيره, وكل منهم يمكنه أن يصل إلي الكمال النسبي بدرجة يختلف فيها عن غيره وكل منهم يحاسبه الله حسب الطاقات التي عنده وينال بركة إذا كان أمينا في التصرف حسب امكاناته وحسب جهاده في الوصول الي الكمال النسبي الذي يقدر عليه. نلاحظ أيضا في التجارب التي يسمح بها الله نري من مراحم الله ان الناس لايجربون فوق ما يستطيعون فما يقدر القوي علي احتماله هو غير ما لايحتمله الضعيف, كذلك مستوي الذين يعيشون وسط شعوب وثنية أو شيوعية أو مؤمنة بديانات أخري هو غير ما يطلبه الناس من مؤمنين في عمق الإيمان كل هؤلاء يحاسبون حسب امكاناتهم ولا يطلب منهم إلا الكمال النسبي حسب الجو الذي يعيشون فيه. وفي عمل الفضائل يطلب الله من كل فرد ما يستطيع ان يصل اليه من الكمال النسبي فمن جهة فضيلة العطاء مثلا عليك أن تعطي ما تستطيعه فإن استطعت ان تعطي كل ما يكون في طاقة يدك ان تفعله فهذا حسن جدا, وإن استطعت أن تعطي الغير من أعوازك وان تفضله علي نفسك فهذا أفضل, وإن لم تستطع فعلي الأقل تعطي المستوي الأدني من العشور, وإن طلب منك المحتاجون ما لا تقدر عليه فعلي الأقل يمكنك ان تحولهم الي الهيئات الخيرة التي تعتني بأمثالهم وتعطيهم وبهذا تكون قد اعطيت ولو بطريق غير مباشر اما ان كنت لا تفعل هذا ولا ذاك ولا الكمال النسبي ولا الممكن ولا العطاء غير المباشر فلاشك ان ضميرك يكون مقصرا يلومك ولابد أن يلومك. من جهة خدمة الآخرين هناك درجة من الكمال ان يكرس الإنسان نفسه للخدمة ويعطيها كل حياته ولكن ليس كل إنسان يستطيع هذه الدرجة من الكمال وظروفه العائلية والمادية لاتسمح بذلك فعلي الاقل من جهة الكمال النسبي ان يعطي وقت فراغه لخدمة الله والناس فإن لم يستطع فعلي الأقل يعطي جزءا من وقته لخدمة الآخرين علي قدر امكانه وإن لم يقدر فعلي الأقل كل من يرسله الله الي طريقه يقوم معه بالخدمة التي يستطيعها ويكون مستعدا في قلبه ان يخدم كل أحد بقدر طاقته. ومن جهة الصلاة فإن القديسين يصلون كل حين وهذا نوع من الكمال والذي لايستطيع ذلك عليه ان يصلي صلوات الساعات حسب الوصية وان كانت امكاناته لا تسمح بكل ذلك, فعلي الأقل ان يبدأ اليوم بالصلاة ويختم يومه بالصلاة أيضا قبل نومه وبإمكان كل أحد أيضا ان يرفع قلبه في كل وقت الي الله بصلاة قصيرة ولو بكلمة أو بضع كلمات يطلب فيها من الله البركة أو المعونة أو المغفرة وباختصار ان لم تقدر علي الوضع الكامل فلا تهمل الممكن. كذلك من جهة معاملة المسيئين ان لم تقدر ان تحب من يسيء إليك وتصلي من اجله فعلي الأقل ان جاع عدوك فاطعمه وان عطش فاسقه وان لم تقدر علي كل ذلك فعلي الاقل احتمل المسيئين ولا تنتقم لنفسك ولا ترد الإساءة بمثلها وصل ان يغفر الله لمن أساء اليك ويبعد شره عنك. كلمة أخيرة أقولها وهي ان سرت في الممكن وليس في الكمال فلا تحول الممكن الي تسيب, لا تقصر في تنفيذ وصية الله ولا تغط تقصيرك بالأعذار وبأنه لم يكن في امكانك غير ذلك! كلا, بل ليكون لك ضميرك صالح أمام الله وأمام نفسك في صدق وتدقيق لئلا تصل الي تدليل النفس في هروبها من الواجب وفي استهتارها. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
القناعة (بين المستحيل والممكن) |
بين المستحيل والممكن امر الله |
ما بين الكمال والممكن |
الكمال، والممكن |
السيد المسيح يدعو الى الكمال 7-1-2010 |