|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تأملات في سفر الرؤيا (25) ..أسد وحمل .. وجامات, وبخور, وقيثارات بقلم قداسة المتنيح: البابا شنودة الثالث ١٣ سبتمبر ٢٠١٤ كتب القديس يوحنا الرائي يقول: فقال لي واحد من الشيوخ لا تبك. هوذا قد غلب الأسد الذي من سبط يهوذا أصل داود, ليفتح السفر ويفك ختومه السبعة. ورأيت فإذا وسط العرش والحيوانات الأربعة وفي وسطه الشيوخ, خروف قائم كأنه مذبوح له سبعة قرون وسبع أعين هي سبعة أرواح الله المرسلة إلي كل الأرض. فأتي وأخذ السفر من يمين الجالس علي العرش. ولما أخذ السفر خرت الأربعة الحيوانات والأربعة والعشرون شيخا أمام الخروف ولهم كل واحد قيثارات وجامات من ذهب مملوءة بخورا هي صلوات القديسين. وهم يترنمون ترنيمة جديدة قائلين: مستحق أنت أن تأخذ السفر وتفتح ختومه لأنك ذبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة. وجعلتنا لإلهنا ملوكا وكهنة فسنملك علي الأرض.. (رؤ5:5-10). * * * قال: هوذا قد غلب الأسد الذي من سبط يهوذا, أصل داود, ليفتح السفر, ويفك ختومه السبعة. كان لا يمكن أن يفتح السفر ويفك ختومه, إلا شخص قد غلب.. والسيد المسيح هو الذي غلب العالم والخطية, وغلب الموت أيضا.. غلب العالم إذ قال: ثقوا أنا قد غلبت العالم (يو16:33). وغلب الخطية, لأنه قدوس (لو1:35). وقد تحدي اليهود قائلا: من منكم يبكتني علي خطية (يو8:46). وغلب الشيطان إذ قال: رأيت الشيطان ساقطا مثل البرق من السماء (و10:18). وكذلك غلب الموت بقيامته هذا الذي أبطل الموت وأنار الحياة والخلود (2تي1:10) وقال في سفر الرؤيا: ولي مفاتيح الهاوية والموت (رؤ1:18). لقد غلب لأنه الأسد, وهو من سبط يهوذا, الذي هو سبط الملك أصل داود الملك. وكملك قد غلب.. * * * هو أسد, وفي نفس الوقت شبه بخروف كأنه مذبوح لقد شبه بأسد في القوة والرئاسة, وفي الهيبة والملك. وليس مثل الشيطان الذي شبه بأسد في وحشيته, لأنه يزأر ويجول ملتمسا من يبتلعه هو (1بط5:8). وفي التشبيه يؤخذ الشبه المناسب. والمسيح أسد كملك, كابن داود, من سبط الملك يهوذا, قيل في البشارة به: يعطيه الرب كرسي داود أبيه, ويملك علي بيت يعقوب إلي الأبد, ولا يكون لملكه نهاية (لو1:32. 33). وفي نفس الوقت يقول القديس يوحنا الرائي: ورأيت وإذا في وسط العرش.. خروف قائم مذبوح… * * * فما معني قائم, كأنه مذبوح؟ وله سبعة قرون..؟ إننا لا ننسي ذبيحة المسيح, حتي في السماء. فهو الذبيحة التي تشفع فينا فوق السماء, عبارة كأنه مذبوح تشير إلي موته عنا. أما عبارة قائم فتشير إلي حياته وإلي انتصاره علي الموت. العبارتان معا قائم كأنه مذبوح فهو ذبيح, ولكن الموت لم ينتصر عليه.. وماذا عن صفاته أيضا؟ قيل وله سبعة قرون. القرن يرمز إلي القوة ورقم سبعة يرمز إلي الكمال. إذن عبارة وله سبعة قرون ترمز إلي كمال قوته. فما دامت له كل هذه القوة والقدرة, فلماذا عبارة كأنه مذبوح؟ إنها تعني بلاشك أنه تقدم إلي الذبح بإرادته. كما سبق وقال عن نفسه: إني أضع نفسي لآخذها أيضا, ليس أحد يأخذها مني, بل أضعها أنا من ذاتي (يو10:18). * * * قيل عنه أيضا وله سبع أعين, هي سبعة أرواح الله المرسلة إلي كل الأرض (رؤ5:6). فما هي هذه الأعين؟ وعبارة سبعة أرواح الله سبق أن تكررت في (رؤ4:5) إذ قيل وأمام العرش سبعة مصابيح نار متقدة هي سبعة أرواح الله.. وقلنا وقتذاك إنها ترمز إلي رؤساء الملائكة السبعة, فالملائكة أرواح فإن كانت العيون ترمز إلي الرؤية (أي إلي المعرفة), والرقم سبعة يرمز إلي الكمال, فهل السبع أعين ترمز إلي كمال المعرفة, فالسيد الرب يري كل شئ ويعرف كل شئ. وهو أقنوم المعرفة وقد قيل عنه إنه الذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم (كو2:3) وأنه حكمة الله (1كو1:24). وهو يرسل ملائكته إلي كل الأرض, ينقلون معرفته. * * * فأتي وأخذ السفر من يمين الجالس علي العرش وفك ختومه لاشك أن هذا السفر كان يحوي الأمور الخاصة بالمستقبل, أو بما لابد أن يكون عن قريب (رؤ1:1). وهذه الأمور العتيدة أن تكون, معرفتها في يد الله وحده. لذلك قيل إن السفر كان عن يمين الجالس علي العرش, ولا يمكن أن يعرف إلا بإعلان من الله, ولهذا لم يستطع أحد في السماء, ولا علي الأرض, ولا تحت الأرض, أن يفتح السفر (رؤ5:2). أي لم يستطع أحد من الملائكة (في السماء), ولا من البشر (علي الأرض), ولا من الأرواح التي تحت الأرض, أن يفتح السفر.. فكان لا يمكن أن يتم ذلك إلا عن طريق ابن الله, أقنوم المعرفة, المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم.. * * * حينئذ سجد الأربعة والعشرون شيخا أمام الخروف لاشك أن هؤلاء الأربعة والعشرين شيخا كانوا بشرا مثلنا. ذلك لأنهم قالوا للرب في تسبحتهم مستحق أنت أن تأخذ السفر وتفتح ختومه. لأنك ذبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة, وجعلتنا لإلهنا ملوكا وكهنة.. (رؤ5:9:10).. فهذا كلام لا يقوله إلا بشر, من كل القبائل والشعوب الأمم. ثم إنهم كانت لهم جامات من ذهب مملوءة بخورا, أي أنهم كانوا كهنة. وهذا دليل آخر علي أنهم بشر, كما أنهم ينوبون عن البشر في قولهم ذبحت واشتريتنا لله بدمك.. أما سجودهم, فيدل علي خشوعهم أمام الله, كما يدل علي رهبتهم في موقف تفك فيه الختوم, وتعلن أسرار الله الخاصة بالمستقبل. * * * ويقول الرائي أيضا عن هؤلاء الشيوخ الأربعة والعشرين: ولهم جامات من ذهب مملوءة بخورا هي صلوات القديسين. وهنا نسأل كيف يمكن أن صلوات القديسين تصعد إلي فوق, في المجامر التي في أيدي هؤلاء الشيوخ؟ لماذا لم تصعد إلا عرش الله مباشرة, وإنما تذهب إلي جامات هؤلاء الشيوخ أولا لكي يوصلوها إلي عرش الله؟! ألا يدل هذا في وضوح علي شفاعة هؤلاء الشيوخ الذين أمام العرش في توصيل الصلوات إلي الله. ألا يذكرنا هذا أيضا بما يفعله الأب الكاهن, حينما يمر بالبخور أثناء قراءة البولس علي الشعب, ثم يعود إلي الهيكل ويقول: يا الله الذي قبل اعتراف اللص علي الصليب, اقبل إليك اعترافات شعبك, فياليت كل واحد أثناء مرور الأب الكاهن بالبخور, يقدم طلباته إلي الله, لكي تجمع هي أيضا وتدخل في الجامات الأربع والعشرين. * * * ثم ما معني أن صلوات القديسين تصعد إلي الله كرائحة بخور؟ رائحة البخور دائما تصعد إلي فوق, وكذلك صلوات القديسين.. ليس كذلك الأشرار, ليسوا كذلك, فالكتاب يقول: إن صلواتهم هي مكرهة للرب (أم15:8). أما صلوات القديسين فهي التي تصعد إلي فوق. وتصعد كرائحة بخور, لأن البخور رائحته زكية, تدخل إلي السماء كنسيم عطر, يتنسم الرب منها رائحة الرضا (تك8:21). وصلوات القديسين تشبه برائحة البخور, لأن البخور يحترق بالنار أولا ثم يصعد إلي فوق. ولا يمكن أن يصعد إلي فوق إلا إذا احترق أولا.. هكذا القديسون يسكبون ذواتهم سكبا. والمحبة التي في قلوبهم مثل النار, تحول صلواتهم إلي بخور, فتشتعل وتفوح وتصعد وتنتشر. فهل صلاتك أيها القارئ العزيز تصعد إلي فوق, كرائحة بخور, مثل صلوات القديسين؟ أم هي لا تصعد أبدا؟! هل هي معطرة باللبان والميعة والسليخة, وكل أذرة التاجر (نش3:6)؟ أعني هل فيها الإيمان والحب والخشوع والفهم والاتضاع, وباقي هذه الصفات التي تصعدها كرائحة بخور..؟ اهتم جدا بهذه النقطة, لأنك تقول لله في صلاتك: لتدخل طلبتي إلي حضرتك, ولتكن صلواتي مقبولة فلتستقم صلاتي كالبخور قدامك, وليكن رفع يدي كذبيحة مسائية. * * * نقول هذا, لأنه ليست كل صلاة تصعد إلي فوق.. بل هناك خطايا تجذب صلوات البعض إلي أسفل, فلا تصعد. مثال ذلك صلوات المرائين, الذين يحبون أن يصلوا قائمين في المجامع وفي زوايا الشوارع, لكي يظهروا للناس (مت6:5). حقا إن كل صلاة مخلوطة بالبر الذاتي لا يقبلها الله كصلاة الفريسي في مثال الفريسي والعشار (لو18:11, 12). كذلك صلاة الحقد التي تطلب فيها ضررا لعدوك. هذه يجذبها الحقد إلي أسفل, فلا يمكن أن تصعد إلي فوق. عكس ذلك صلاة القديس إسطفانوس الشماس الذي قال أثناء رجمه يارب, لا تقم لهم هذه الخطية (أع7:60). هذه بلاشك قد صعدت إلي السماء كرائحة بخور, لأنها كانت مخلوطة بمحبة الأعداء, حسب وصية الرب أحبوا أعدائكم, باركوا لاعنيكم.. (مت5:44). * * * هناك صلوات أخري يرفضها الله.. كصلوات أولئك الخطاة الذين قال لهم الرب: حين تبسطون أيديكم, أستر وجهي عنكم وإن أكثرتم الصلاة لا أسمع, أيديكم ملآنة دما (أش1:15). وأيضا مثل الذين قال عنهم الرب: يقترب إلي هذا الشعب بفمه, ويكرمني بشفتيه. وأما قلبه فمبتعد عني بعيدا (مت15:8). إن الصلاة التي تخرج من الفم فقط, وليس من القلب لا يمكن أن تصعد إلي فوق. أيضا الصلاة الخالية من التوبة ومن الاتضاع هي مرفوضة من الله. عكسها صلة العشار الذي قال بكل انسحاق: ارحمني يارب فإني خاطئ (لو18:13). وكذلك صلاة اللص التائب حينما قال: اذكرني يارب متي جئت في ملكوتك (لو23:42). إن صلاة التوبة والاتضاع, هي التي تصعد كرائحة بخور. * * * هناك أشخاص لم تكن صلواتهم فقط كرائحة بخور, بل حياتهم كلها رائحة بخور. مثال ذلك ما قلناه في تأملاتنا في سفر النشيد من الآية التي تقول: ومن هذه الطالعة من البرية, كأعمدة من دخان, معطرة بالمر واللبان وكل أذرة التاجر (نش3:6). * * * الشيوخ الأربعة والعشرون لم تكن لهم فقط جامات من ذهب مملوءة بخورا, حيث كانت لهم أيضا قيثارات من ذهب, وهم يترنمون ترنيمة جديدة. كل واحد منهم له قيثارة, يعزف عليها لحنا جديدا, ويغني للرب أغنية جديدة. يشدو بجمال الرب وجمال ملكوته. إن كنت أيها القارئ العزيز لم تعرف الموسيقي علي الأرض, ولم تعرف القيثار والمزمار والعشرة أوتار, فسوف تتعلم الموسيقي فوق في السماء. بل ستجد حياتك كلها أنشودة موسيقية ولحنا أتخيل قديسا مثل داود النبي.. وهو موسيقي ممتاز يقف فوق في السماء وهو يقول لجماعة المفديين غنوا للرب أغنية جديدة (مز96:1) (مز98:1). بل يقف وينشد أمام الله أنشودة من كل القلب, ممتزجة بكل المشاعر العميقة, وبكل عواطف الحب. والرب يسمعها ويقول: من أجل داود عبدي (1مل11:13). * * * هذه الموسيقي هي التي دعا إليها القديس بولس الرسول فقال: بمزامير وتسابيح, وأغان روحية.. مترنمين في قلوبكم للرب (كو3:16). وقال نفس العبارة في (أفسس5:19). بل أنا أتصور السماء كلها كفرقة موسيقية تغني للرب وتسبح وقد ذكر سفر الرؤيا فرقة موسيقية أخري متخصصة في ترنيمة جديدة, يترنمون بها أمام العرش, وأمام الأربعة حيوانات والشيوخ, ولم يستطع أحد أن يتعلم الترنيمة إلا المائة والأربعة والأربعون ألفا.. (رؤ14:2, 3). وكان صوتهم كصوت ضاربين بالقيثارة, يعزفون بقيثاراتهم. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|