الحى القيوم (دا26:6) (3)
الخميس 03 يوليو 2014 القس بولس بشاى كاهن بكاتدرائية رئيس الملائكة ميخائيل بأسيوط
"ما ابعد احكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء" (رو33:11)
من حوالى ثلاث شهور تقريباً وقعت حادثة لسيارة بداخلها أسرتان أحدهما مكونة من الأب والأم وطفلتهما توفوا جميعا والأسرة الثانية مكونة من الأب وطفلهِ بعد أن تخلفت الأم عن السفر معهم وتوفى الأب ونجا طفله , أى أن هذا الطفل الذى لم يصل الثالثة من عمره هو الوحيد الذى نجا من الحادث
و استوقف الاهل والاحباب أمرٌ عجيبٌ إذ وجدوا الطفل جالساً على الرمل بجانب الطريق و حكى ما حدث بالتفصيل واما عن نفسه فقد قال بالنص :>العدرا شاطتنى على الرمل< !!! لماذا هو بالذات ؟ ولما لم تنقذ العذراء الباقين؟ او حتى طفل الاسرة الاخرى؟ و لماذا تنتقل أسرة بالكامل ؟ أو لماذا سمح الرب من الأساس بهذا الحادث؟ واسئلة كثيرة لا اجابة شافية لها و لكن هذه هى أحكام الله خصوصا اننا لانستطيع ان نَكَذب أبداً رواية طفل لم يصل بعد الثالثة من عمره لمعجزة حدثت معه لم تدع مجالاً للشك بل وبدا من الواضح جداً لكل ذى عينين ان الامور محكومة و مضبوطة سمائيا وان هذه هى ارادة الله , وإلا فكيف تفسر كلام طفل فى هذا العمر يقول هاتين الكلمتين العدرا شاطتنى على الرمل .
وهذه الأسئلة الموجهة لله: لماذا؟ و كيف؟ و متى؟ أسئلة قديمة جداً قدم البشرية , من حوالى 17 قرن وقف القديس أنطونيوس و قال مناجياً الله: يا رب أطفال يموتون فى غير ميعادهم و شيوخ يطلبون الموت ولا يجدونه؟!! فجاءه صوت من السماء: يا أنطونيوس هذه تدابير الله أهتم أنت بخلاص نفسك. فلم ينكر انطونيوس وجود الله ولا خاصم القدير, فمن الأسباب التى تقف وراء الالحاد:
محاولة الوصول إلى علم الله اللامتناهى
إن وجود ما لايروق لى أو ما لا افهمه فى هذا الكون الفسيح لا يعنى أبداً أنه بدون خالق او انه مهمل منه . فى الأمراض فى الكوارث الطبيعية فى المجاعات وما شابهها نقف منزعجين كيف يتفق هذا مع محبة الله , أنا لايمكن أن أختلف معك أن هناك تساؤلات كثيرة حول ما يحدث ليس بالضرورة معى لكن حتى مع الاخرين واتعاطف معهم لما يحل بهم و ربما أعتبره كارثة ولا أخفيك القول أنى أحياناً أسأل الله هل من جواب يا رب؟ و أجد بين الحين و الآخر تأتينى اجابات ماكنت أتوقعها أبداً و على فم من جازوا التجارب المحرقة فأخجل من ذاتى و أردد مع أيوب البار "وضعت يدى على فمى مرة تكلمت فلا أجيب و مرتين فلا أزيد" (أى4:40) . توفى لأرملة فقيرة عونها و نور عينيها وحيدها الشاب وذهب خدام الكنيسة و أباؤها لتعزيتها بكل أشكال العزاء الروحى و المادى و لكنها أغلقت باب الحديث تماما ًو كانت أقرب فى صدهم إلى طردهم و طلبوا منى الذهاب إليها و انا لا أملك من كلمات التعزية إلا ما سبق و قدمه غيرى وخجلت ان ارفض, قبلت و ذهبت إليها ويا للعجب فتحت و رحبت و جلست و تكلمت لأسمع أنا !! فإذ بها تخبرنى عن سر عزائها ,فقد إستيقظت ذات يوم على حالها الشقى فإذ بها ترى المسيح له المجد واقفاً امامها بطول فارع و يكسر خبزة و يقول: بركة للبيت. بمجرد رؤية المسيح و سماع صوته انطفأت نيران التجربة و صار الأتون كندى بارد و لا تقل لى كيف ، هذه هى امانته "سيجعل مع التجربة ايضاً المنفذ لتستطيعوا ان تحتملوا" (1كو13:10)
وليس بالضرورة أن تكون التعزية بظهور المسيح له المجد فى رؤيا بالعيان لانه "عند الرب السيد للموت مخارج" (مز 20:68) و عمله داخل النفس بصورة خفية لا يقل قوةً و إعجازاً و برهاناً عن الصورة المرئية وسامحنى إن كنت أطيل عليك بالقصص فوإن كنت لا أملك رداً منطقياً لكل أحداث الحياة الواقعية نظراً لمحدودية عقلى فبالأولى جداً أن تكون المعجزات الدامغة التى لا يمكن انكارها هى أبلغ جواب و أقوى من ألف عظة لألف واعظ على الف منبر "فكيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصاً هذا مقداره قد ابتدأ الرب بالتكلم به , ثم تثبت لنا من الذين سمعوا شاهداً الله معهم بآيات و عجائب و قوات متنوعة و مواهب الروح القدس حسب ارادته" (عب3:2-4) .
جاءنى رجل تقى يعرض علىّ فكرة عمل خير فقلت له ربما يكون هذا أكثر من طاقتك فقال :ما تعولش الهم . و عندها انسابت دموعه و هو يقول: وأنا استاهل ده أنا بدراع واحد لكن ربنا أعطانى كل هذا الخير و عندها فكرت أنه كان يمكن أن يعاتب أحدهم الله: لماذا سمحت بأن يولد هذا الرجل بذراعٍ واحدة؟ ما ذنبه؟ وربما نلوم الله على امور كهذه ونحن لا ندرى انه بين اصحابها وبين الله مودة وحب كهذا بعد ان احسوا بيد الله الحنونة تساند وتعضد بقوة اكثر جدا مما يطلبوا او يفتكروا, على رأى حكيم قال: نطلب من الله قوة لكى نصنع عظائم الأمور فنُعطى ضعفاً لكى نعملَ أعظمَ منها "تكفيك نعمتى لأن قوتى فى الضعف تُكمل فبكل سرور افتخر بالحرى فى ضعفاتى لكى تحل على قوة المسيح" (2كو9:12) و التاريخ ملآن بأمثال هذه القصص مثل هيلين كيلر و طه حسين وغيرهم.
حتى لو لم تكن احوال البشر مفسرة بصورة منطقية ولا تسير بحسب هواى فهذا لا يلغى وجود الله و ربما يقول قائل موجود لكنى اخاصمه فحتى هذه لا استطيعها لانى اصدق عمق محبته فما الذى يجبره تبارك اسمه و تعالت قدرته على ان يتودد لخليقته الضعيفة ويخبرنا فى وحيه المبارك "ان كل الاشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله" (رو28:8) كان يمكن له ان يصدر احكاما دون شفقة أو رقة و لا داعٍ لان يعلمنا او يظهر لنا أى صورة من صور المحبة التى اكتملت فى فدائه لنا "فانظرو أية محبة اعطانا الآب حتى ندعى اولاد الله"(1يو1:3)
ثم انه فى كثيرمن المواقف نظل سنين لا نفهم ثم ندرك اخيراً مثل يوسف الصديق مقاصد الله العليا وان ما كنا نراه شراً يحوله ابونا الحنون لخيرنا
أدعوك صديقى حينما تنتابك هذه الأفكار تحدث معه هو شخصياً بشأنها و هو قادر ان يرسل بصورة ما عزاءً سمائياً واعلم انه ان كان الآب من أجل السرور الموضوع امامه فى خلاصنا سُر بأن يسحق الابن بالحزن فلا مانع لاجل منفعتنا ان يسمح لنا ببعض الالم الذى يرفع قلوبنا وأيدينا وأعيننا الى السماء وهى الأبقى والاثمن "بضيقات كثيرة ينبغى ان ندخل ملكوت الله" (اع22:14)