الأقباط والنيروز .. بين الهوية والعقيدة-5
السبت 08 سبتمبر 2012
القمص روفائيل سامي
تمر العصور وتتواري الأجيال ولكن أرضنا مصر أم الدنيا لاتزال أمام كل التغييرات التي تمر عليها صامدة شامخة لا تهن ولا تضيع معالمها فهي أم الدنيا كما يطلق عليها العالم, فهي التي علمت العالم الكتابة وهي التي فتحت عقول البشر بعلومها وفنونها المختلفة ومهما يطل عليها الزمان بغباره, فمصر كفيلة أن تنفضه بصمودها وترجع إلي أصلها القويم فمصر الفرعونية القبطية (المصرية) لا تقبل أن تكون غير ذلك فالزمان بحروبه واستعماره يأتي ويذهب وفي النهاية تبقي مصر التي علمت العالم التقويم وكيفية تقسيم السنة إلي شهور والشهور إلي أسابيع والأسابيع إلي أيام والأيام إلي ساعات ونظمت الأوقات وأقامت المسلات في مدنها ليتعرف الإنسان علي الأوقات.. حقا أنها مصر العظيمة أم الأصالة والكرم التي رغم كل الظروف الصعبة التي مرت عليها لم تنس نيلها العظيم شريان الحياة وأقامت له احتفالا خاصا أطلقت عليه عيد مباركة النهر المعروف بـ(النيروز) فالمصري القديم قدس النيل وفرح به لأنه مصدر الخير والبركة وصلي أمام الإله له بالبركة حتي بعد دخول المسيحية وصار عيد النيروز عيدا وطنيا وعلامة فخر لكل مصري تضاف لهويته فليس في العالم عيد للنيروز قبل عيد المصريين فهم أول من احتفلوا به رسميا في عهد الملك مينا الأول قبل الميلاد بحوالي 4000سنة وكانت كلمة نيروز عندهم هي اختصار للعبارة المصرية اللغة (القبطية) كما قال العلامة المتنيح نيافة الأنبا لوكاس أسقف منفلوط: 'إن كلمة نيروز ليست فارسية بل كلمة مصرية قديمة أصلها (نياروز) وهي اختصار لجملة مكررة في الصلاة 'نيارو أزمو أروؤو' وهو قرار شعري ابتهالي إلي الخالق لمباركة الأنهار وتبعا لقواعد الاختزال في اللغة القبطية أي المصرية القديمة فعوضا عن تكرار القرار كاملا بنصه واقتصادا في الكتابة يكتفي بكلمة واحدة وجزء من الكلمة الثانية ويوضع فوقها خط أفقي يعني الإشارة التي توحي إلي القاريء بتكميل الجملة المختزلة وهي نياروز أو نياروس والمقصود بها عيد بركة الأنهار أي نهر النيل وروافده وهو أول أيام شهر توت القبطي الذي يقع الآن في تقويم الشهداء أي شهور السنة القبطية. ساهم البطالمة أثناء وجودهم في مصر من 323ق.م إلي 30ق.م في الاحتفال بعيد النيروز وأقاموا هيكل دندرة بجوار مدينة قنا بالوجه القبلي ويشهد هذا الهيكل حتي الآن علي الاحتفال بهذا العيد أنه عيد وطني اهتم به الملوك والأباطرة علي مر العصور فكان يصل عدد الحضور في ذاك الزمان إلي المليون نسمة يقدمون الذبائح ويستحمون في النيل ويأكلون المأكولات الخاصة بالعيد كالخبز بدون خمير كما كان الناس يزورون حقل النيروز من منتوت إلي الأشمونين حاملين أغصان النخيل وثماره واستمر الاحتفال بعيد النيروز المصري حتي عهد المماليك وكانت الحكومة تدفع مبالغ كبيرة من المال وتوزع الهدايا من الملابس الحريرية والفاكهة لكبار رجال الدولة وتعطي معونات علي يد متخصصين كان يطلق عليهم لقب (أمير النيروز) واهتم أيضا بعيد النيروز الفاطميين وجعلوه عيدا وطنيا رسميا لكل المصريين فقال عنه المقريزي: 'وكان النيروز القبطي في أيامهم من جملة المواسم فتتعطل فيه الأسواق ويقل فيه سعي الناس في الطرقات وتفرق فيه الكسوة لرجال أهل الدولة وأولادهم ونسائهم والرسوم من المال وحوائج النيروز'. وفي عصر محمد علي الكبير وكانت تدق فيه الطبول وتقام فيه التقاليد والعادات القديمة وتعطل فيه جميع الأعمال ولا ينسي التاريخ لسعيد باشا عندما جاء واليا علي مصر أصدر في يوم السبت 7يوليو عام 1855م أمرا بأن التاريخ القبطي أي المصري هو التاريخ الرسمي في دواوين الحكومة وظل معمولا به لمدة عشرين عاما محتفلا فيه بعيد النيروز حتي جاء إسماعيل ونقضه وحول التقويم إلي الأفرنجي لأنه كان جاهلا بتاريخ مصر كما تجاهلته ثورة يوليو ولم تضعه ضمن الأعياد الوطنية في القرار رقم 14 لسنة 1962 وظنت أنه عيد للمسيحيين فقط ولم تعترف أنه عيد وطني يشمل كل المصريين ولست أدري هل هو تعصب أم جهل بل لي عتاب عند البعض الذين ينسبوا النيروز إلي الفرس الذين عرفوه عن طريق المصريين وهم يحتفلون به في عيد الربيع ورأس السنة الإيرانية فهو ليس من الإنصاف أن ننسب ما نحن نفتخر به أنه عيد مباركة النيل الخاص بنا إلي أولئك الذين عرفهم العالم عام 1500 ق.م تقريبا فمصر هي الأصل والنيروز دعامة من دعائم هويتتنا الأصيلة ونأمل في الدولة الجديدة أن يرجع النيروز مرة أخري إلي المصريين ليحترموا النيل وإلي اللقاء ياعزيزي.