رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
المحبة تدرك أن التفاخر سلوك جسداني هناك سلوك «حسب الجسد» وسلوك «حسب الروح». والجسد يشتهي ضد الروح ويقاومه حتى نفعل ما لا نريد. لذلك جاءت النصيحة الرسولية: « اسْلُكُوا بِالرُّوحِ فَلاَ تُكَمِّلُوا شَهْوَةَ الْجَسَدِ » (غلاطية 5: 16). ولذلك نرى المحبة لا تتفاخر لأن الروح القدس يحكمها، كما قال الرسول بولس: « فَإِنَّ الَّذِينَ هُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ فَبِمَا لِلْجَسَدِ يَهْتَمُّونَ، وَلَكِنَّ الَّذِينَ حَسَبَ الرُّوحِ فَبِمَا لِلرُّوحِ » (رومية 8: 5) هذه المحبة الخاضعة للروح القدس لا تتصرف التصرف الجسداني الذي ينتفخ. * لقد كان الجسد من وراء تصرف نبوخذ نصر، فقال هذا المسكين: «أَلَيْسَتْ هَذِهِ بَابِلَ الْعَظِيمَةَ الَّتِي بَنَيْتُهَا لِبَيْتِ الْمُلْكِ بِقُوَّةِ اقْتِدَارِي وَلِجَلاَلِ مَجْدِي!» (دانيال 4: 30) لم يبنِ نبوخذ نصر بابل بنفسه، ولا دفع من جيبه نفقات البناء، بل تمتع بثمرة ما قام به الشعب الذي دفع الجزية، وما قام به المهندسون المقتدرون من رسم وتأسيس وبناء. أما قوله: « بِقُوَّةِ اقْتِدَارِي وَلِجَلاَلِ مَجْدِي » فيدل على أن عقله قد أصابه الجنون! * ولقد كان الجسد من وراء تصرُّف سالومة أم يوحنا ويعقوب ابني زبدي، فقالت للمسيح: « «قُلْ أَنْ يَجْلِسَ ابْنَايَ هَذَانِ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِكَ وَالآخَرُ عَنِ الْيَسَارِ فِي مَلَكُوتِكَ» (متى 20: 21) ولم يَعِدْها الرب بشيء مما طلبت، ومع ذلك اغتاظ باقي التلاميذ من طلبها، وكأنَّ المسيح وعدها أن يحقق لها ما طلبته! وفي طلبها، وفي غيظ التلاميذ نرى انتفاخ سالومة بولديها، وانتفاخ وكبرياء التلاميذ الآخرين الذين لا بد حسبوا نفوسهم أفضل من ابني زبدي! ربما قال كل واحد منهم: لئن جلس يوحنا ويعقوب عن يمينه وعن يساره، فأين أجلس أنا؟! والمسيح يقول للجميع: هل تستطيعون أن تصطبغوا بالصبغة التي أصطبغ بها أنا؟ كانت صبغة المسيح ولون حياته التواضع والمحبة، وهي الصبغة ولون الحياة الذي يريده لنا، لأنه وديعٌ ومتواضع القلب. * ولقد كان الجسد من وراء مشاجرة التلاميذ: من منهم يُظَن أنه يكون أكبر (لوقا 22: 24). لقد ظنوا ملكوت المسيح سياسياً أرضياً، ولكن المسيح أصلح فكرهم الجسداني، وقال لهم: « الْكَبِيرُ فِيكُمْ لِيَكُنْ كَالأَصْغَرِ وَالْمُتَقَدِّمُ كَالْخَادِمِ.. أَنَا بَيْنَكُمْ كَالَّذِي يَخْدِمُ» (لوقا 22: 26، 27). واضح أن البشر بحسب تفكيرهم العادي يميلون إلى التفاخر والانتفاخ، فهم يعتزُّون بعائلتهم باعتبار أنها أفضل العائلات، ثم يعتزون بأنفسهم باعتبار أنهم أفضل أفراد عائلتهم! ولكن المحبة سلوك سماوي، لذلك فهي لا تتفاخر ولا تنتفخ. ولقد تجرَّب بنو إسرائيل بالتفاخر بعد معجزات الخروج، فقال لهم محذراً: « ليْسَ مِنْ كَوْنِكُمْ أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ الشُّعُوبِ التَصَقَ الرَّبُّ بِكُمْ وَاخْتَارَكُمْ، لأَنَّكُمْ أَقَلُّ مِنْ سَائِرِ الشُّعُوبِ. بَل مِنْ مَحَبَّةِ الرَّبِّ إِيَّاكُمْ، وَحِفْظِهِ القَسَمَ الذِي أَقْسَمَ لآِبَائِكُمْ أَخْرَجَكُمُ الرَّبُّ بِيَدٍ شَدِيدَةٍ وَفَدَاكُمْ مِنْ بَيْتِ العُبُودِيَّةِ مِنْ يَدِ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ. فَاعْلمْ أَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ هُوَ اللهُ الإِلهُ الأَمِينُ، الحَافِظُ العَهْدَ وَالإِحْسَانَ لِلذِينَ يُحِبُّونَهُ وَيَحْفَظُونَ وَصَايَاهُ إِلى أَلفِ جِيلٍ» (تثنية 7: 7-9). لقد اختار الله بني إسرائيل لأنهم أقل من سائر الشعوب ليحفظ لهم تواضعهم. فأمرهم موسى بعدم التفاخر، وأوصاهم بالتواضع، وعلمهم أن يقولوا: « تَقُولُ أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِكَ: أَرَامِيّاً تَائِهاً كَانَ أَبِي، فَانْحَدَرَ إِلى مِصْرَ وَتَغَرَّبَ هُنَاكَ فِي نَفَرٍ قَلِيلٍ، فَصَارَ هُنَاكَ أُمَّةً كَبِيرَةً وَعَظِيمَةً وَكَثِيرَةً، فَأَسَاءَ إِليْنَا المِصْرِيُّونَ وَثَقَّلُوا عَليْنَا وَجَعَلُوا عَليْنَا عُبُودِيَّةً قَاسِيَةً. فَلمَّا صَرَخْنَا إِلى الرَّبِّ إِلهِ آبَائِنَا سَمِعَ الرَّبُّ صَوْتَنَا وَرَأَى مَشَقَّتَنَا وَتَعَبَنَا وَضِيقَنَا» (تثنية 26: 5-7). لقد تاه إبراهيم خليل الله، وجاء لاجئاً إلى مصر. ولما تضايق فيها صرخ إلى الرب فأنقذه. ولم تنقذه مكانته الشخصية أو قوته أو تفكيره البشري (تكوين 12: 10-20) وهذا يمنع المؤمنين الذين يقدِّرون فضل الله من الافتخار الجسدي. وعاد الله على فم النبي إشعياء يحذر الشعب القديم من التفاخر، فقال لهم: « اِسْمَعُوا لِي أَيُّهَا التَّابِعُونَ الْبِرَّ، الطَّالِبُونَ الرَّبَّ. انْظُرُوا إِلَى الصَّخْرِ الَّذِي مِنْهُ قُطِعْتُمْ، وَإِلَى نُقْرَةِ الْجُبِّ الَّتِي مِنْهَا حُفِرْتُمُ » (إشعياء 51: 1) والمقصود بالصخر هو إبراهيم الخليل، والمقصود بنقرة الجب زوجته سارة، فقد كان إبراهيم في التاسعة والتسعين من عمره، وسارة في التاسعة والثمانين لما حبلت بإسحاق. لم يكن هناك أملٌ في الإنجاب في هذا العمر الكبير، لكن على خلاف الرجاء البشري حقَّق الله وعده لإبراهيم الخليل (رومية 4: 18). وهكذا قال إشعياء إن الله أخرج من «الصخر» ومن «نقرة الجُبّ» شعباً له. فلا فخر هنا، ولكن تواضع أمام معجزة الله حتى « تَقَوَّى بِالإِيمَانِ مُعْطِياً مَجْداً لِلَّهِ» (رومية 4: 20). وقد حذر المسيح بطرس من ثقته الزائدة بنفسه، وقال له إنه سينكره ثلاث مرات (لوقا 22: 24). ولا بد أن المسيح استشعر أن تلاميذه سيتجربون بأن يفتخروا بأنه اختارهم تلاميذ له، فقال لهم: « لَيْسَ أَنْتُمُ اخْتَرْتُمُونِي، بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ وَأَقَمْتُكُمْ لِتَذْهَبُوا وَتَأْتُوا بِثَمَرٍ، وَيَدُومَ ثَمَرُكُمْ، لِكَيْ يُعْطِيَكُمُ الآبُ كُلَّ مَا طَلَبْتُمْ بِاسْمِي» (يوحنا 15: 16). إذاً الفضل للنعمة التي حملت الغصن في الكرمة، وغذَّته بعصارتها الكريمة فجاء الثمر. ونلاحظ أن الغصن الذي لا يحمل ثمراً يكون مرتفع الرأس، ولكن عندما يتثقل بالثمر ينحني. وقليلو الثمر هم الذين يتفاخرون! |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|