رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
والغيرة لقضية أمجد إن الغيرة المسيحية لابد أن تكشف في ولائها عن صور رائعة، وهي لهذا يمكن أن تأخذ الاتجاه الآخر، العكسي لما كانت عليه، وقد لفت أحد الكتاب نظرنا إلى كيف تحولت كراهية سمعان إلى حب عميق، فمثلاً كان من المستحيل أن تجمع بين اثنين من التلاميذ، هما سمعان الغيور، ومتى العشار، إذ كانا قبل علاقتهما بالمسيح على طرفي نقيض، بالغي الكراهية أحدهما للآخر، كان سمعان الغيور يمقت من أعماق قلبه الضرائب التي يفرضها المحتلون على بلاده، وكان يكره جابي الضرائب بكل ما يمكن أن تكون عليه كلمة الكراهية من معنى، لكن المسيح جمع بين الاثنين، وسما بعواطفهما، وارتقى بها، ليلتقيا وباقي التلاميذ في محبة مقدسة ممتلئة بالالتهاب والغيرة والقدسية لمجد السيد، وهكذا طهر المسيح الغيرة، لتستخدم في قضية أنبل وأعظم وأجمل. لم يكن حب سمعان لمن كان عدوه بالأمس، هو الظاهرة الوحيدة لتغير حياته، وعواطفه، بل إن الرجل نقل قضيته الضيقة إلى قضية أعلى وأمجد وأسمى، لم يعد سمعان الغيور المتعصب الأعمى لوطنه، بل أصبح الخادم الأمين ليسوع المسيح بغيرة ملتهبة، ولقد انحدرت الغيرة المتعصبة في قصة بارباس إلى الفتنة والقتل والإهلاك والتدمير، لكن الغيرة المسيحي في سمعان أعطته أجمل قضية يمكن أن يكرس حياته من أجلها، وشتان بين رجل العالم وانسان المسيح، ... كان يحلو لمودي أن يردد قصة فالنتين برك، ذلك السجين الذي أمسك مرات في قضايا سرقات، وحوكم وأودع السجن، وكان مجبولاً على الشراسة وعلى وجه الخصوص مع سجانيه، وكلما ازداد شراسة ازدادوا قسوة عليه، وكان مودي يقيم اجتماعات انتعاشية في مدينة سانت لويس، وقد وعظ عن سجان فيلبي، وكيف أمسكت به نعمة المسيح، وكتبت الجرائد العظة تحت عنوان «كيف أمسك سجان فيلبي» وقد سره العنوان إذتصور أن الأمر يتحدث عن سجان فيلبي بولاية الينوي» وأراد أن يقرأ من باب الشماتة، فإذا بها عظة تمسك به هو وتأتي به إلى يسوع المسيح وتاب برك وسلم حياته للمسيح، وخرج من السجن ليجد الأبواب جميعها مغلقة في وجهه بالنسبة لماضية، لكنه لم ينحرف قط عن الأمانة، ورجع إلى مدير السجن ليخبره عن متاعبه، وقال له المدير : أنا أعلم جيدًا ماذا عانيت، وكم كنت أمينًا لأني وضعتك تحت المراقبة طيلة هذه الشهور التي قضيتها خارج السجن، وتوسط له المدير، ومن العجيب، أنه أصبح حارسًا لمحل كبير للمجوهرات، وكان يردد دائمًا : «ما أعجب النعمة التي تجعل من كان لصًا وسارقًا حارسًا للمجوهرات والكنوز» إنها النعمة العجيبة التي نقلت بطرس الصياد ومتى العشار، وسمعان الغيور، من الحياة التافهة أو المؤذية أو الشريرة إلى الخدمة الخالدة التي جعلت من العالم كله حقلاً لها، ومجدها التاريخ والأبدية!! لماذا لا تكسب المسيحية اليوم رغم الإمكانات الهائلة التي تحت يد الملايين من أبنائها، ما كانت تكسبه في القرون الأولى رغم قلة عدد أبنائها، وضآلة إمكانياتهم المادية في تلك العصور؟ إن السر يرجع - بالدرجة الأولى - إلى روح الغيرة والحماس التي ملأت روادها الأوائل، وشهدائها الأبطال، ومن الثابت أن الغيرة تأتي دائمًا في المقدمة بين أسباب النجاح في شتى قضايا الحياة، ... قيل إن قائدًا حربيًا كان على رأس خمسمائة مقاتل، في القرن التاسع الميلادي، وهاجم ملكًا كان عدد جيشه ثلاثين ألفًا من الجنود، وإذا سمع الملك بقصة المهاجم ومن معهمن الجنود أرسل إليه يقول إنه إذا سلم فسيعامله وجنوده بالرأفة. فما كان من القائد إلا أن دعا - جوابًا على ذلك - وأحداً من الجنود وأمره أن يغمد خنجرًا في قلبه وفي الحال أطاع وسقط قتيلاً، وقال الأخر أقذف بنفسك من أعلى الجبل، فلم يتردد وهوى إلى الأعماق!! ثم قال لرسول الملك إن معى من هذا النوع خمسمائة جندي على استعداد أن يموتوا دون أن يسلموا، وعلى الملك أن يعلم أنه في خلال ثمان وأربعين ساعة سيكون أسيرًا مقيدًا في يدي، وقد ارتعب الملك إذ سمع هذا وأصابه وجنوده الفزع، وتحقق للمهاجم ما أنذر به!! قال لصاحبه ورفاقه ليذهب خمسون غريبًا لدى ظلمات السجن ولتبق روما حرة!! قال دكتور تايلور : إن غيرة رسل المسيح ظهرت على هذا النهج في أنهم كرزوا جهرًا وسرًا، وقد صلوا لأجل جميع الناس، وبكوا أمام الله من أجل قلوب الناس القاسية، كانوا كل شيء، لكل الناس، ليربحوا على كل حال قومًا، وسافروا في البحر وفي الصحراء واحتملوا حر الصحراء اللافح، وزوابع الاوروكليدون، والرياح، والعواصف، والبحار، والسجون والسخرية، والجلد، والصوم، والفقر، والعمل، والسهر، احتملوا الجميع، ولم يخطئوا في حق أحد، صنعوا كل خير، واحتملوا كل شر، وفي رجاء الإمساك بالنفس البشرية، جاهدوا بكل وداعة، واحتملوا بكل اتضاع، وأقنعوا بكل قوة، وسهروا على صالح الغير دون أثرة أو أنانية، وهذه هي الغيرة المسيحية، غيرة الوداعة، وغيره الحب وغيرة الصبر»!! ليس من السهل أن تعرف كيف امتدت خدمة سمعان الغيور، فالتقاليد تتعدد وتتضارب، إذ تصوره في رحلات متعددة بين بريطانيا وبلاد الفرس، وهناك تقليد يقول إنه مات منشورًا بالمنشار في بلاد فارس، ومهما يكن فإن الرجل قد انتشلته نعمة الله من الضياع والانحراف، وأخرجته من الغيرة التي كان يمكن أن تورده موارد الهلاك والحتوف، لتأتي به إلى الغيرة في الحسني، وليصبح واحدًا من الخالدين الذين كتبت أسماؤهم على سور مدينة أورشليم السماوية النازلة من عند الله، والمهيأة كعروس مزينة لرجلها وسيدها ربنا يسوع المسيح الذي له المجد الدائم إلى أبد الآبدين آمين!! |
|