المحبة أعظم من الحماسة والغيرة (آية 3)
«إِنْ أَطْعَمْتُ كُلَّ أَمْوَالِي، وَإِنْ سَلَّمْتُ جَسَدِي حَتَّى أَحْتَرِقَ، وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَلاَ أَنْتَفِعُ شَيْئاً» (آية 3).
يقدم كثير من الناس العطاء بغير محبة، ولكن رغبةً في الحصول على مدح الآخرين، وللافتخار الشخصي. وقد يعطي الإنسان كتكليف واجب مفروض عليه. ولكن ما أعظم الفرق بين عطية التفاخر أو الإجبار وعطية المحبة. نقرأ في مرقس 12: 41-44 « وَجَلَسَ يَسُوعُ تُجَاهَ الْخِزَانَةِ وَنَظَرَ كَيْفَ يُلْقِي الْجَمْعُ نُحَاساً فِي الْخِزَانَةِ. وَكَانَ أَغْنِيَاءُ كَثِيرُونَ يُلْقُونَ كَثِيراً. 42فَجَاءَتْ أَرْمَلَةٌ فَقِيرَةٌ وَأَلْقَتْ فَلْسَيْنِ قِيمَتُهُمَا رُبْعٌ. 43فَدَعَا تَلاَمِيذَهُ وَقَالَ لَهُمُ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ هَذِهِ الأَرْمَلَةَ الْفَقِيرَةَ قَدْ أَلْقَتْ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ الَّذِينَ أَلْقَوْا فِي الْخِزَانَةِ 44لأَنَّ الْجَمِيعَ مِنْ فَضْلَتِهِمْ أَلْقَوْا. وَأَمَّا هَذِهِ فَمِنْ إِعْوَازِهَا أَلْقَتْ كُلَّ مَا عِنْدَهَا كُلَّ مَعِيشَتِهَا ». فالرب يرى روح العطاء وكيفيته، ولا يقدِّر إلا عطاء المحبة، العطاء الحقيقي.
«إِنْ أَطْعَمْتُ كُلَّ أَمْوَالِي » للفقراء بدون محبة، سينتفع الفقراء، لكن المعطي لا ينال من الله شيئاً!
« إِنْ سَلَّمْتُ جَسَدِي حَتَّى أَحْتَرِقَ » فهناك من يقِّدم جسده حتى يحترق كله، حباً في الله، كما شهد نبوخذ نصر للفتية الثلاثة وقال: «تَبَارَكَ إِلَهُ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُو الَّذِي أَرْسَلَ مَلاَكَهُ وَأَنْقَذَ عَبِيدَهُ الَّذِينَ اتَّكَلُوا عَلَيْهِ وَغَيَّرُوا كَلِمَةَ الْمَلِكِ وَأَسْلَمُوا أَجْسَادَهُمْ لِكَيْ لاَ يَعْبُدُوا أَوْ يَسْجُدُوا لإِلَهٍ غَيْرِ إِلَهِهِمْ » (دانيال 3: 28). فنجى الرب أجساد الفتيان الثلاثة من الحريق لأنهم سلموها للأتون حباً له. ولكن هناك من يسلِّم جسده حتى يحترق بُغضاً للناس، كما فعل جنود الحروب الصليبية، فماتوا واحترقوا وهم يقتلون ويسفكون الدماء، رغم أن سلاح المسيح هو سيف الروح الذي هو كلمة الله (أفسس 6: 17)، ورغم أنه قال: « لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ » (متى 26: 52) .
يعلمنا الرسول بولس في هذه الآيات الثلاث أن المحبة أعظم الكل. هي أعظم من المواهب، وأعظم من النبوَّة والتعليم، وأعظم من الإيمان والمعجزات، وأعظم من الحماسة والغيرة.
إن مشكلتنا الروحية الأولى هي عدم ترتيب أولوياتنا. أولويتنا الأولى هي المحبة، ثم المواهب، ثم النبوة والعلم، وبعدها الإيمان والمعجزات، ثم الحماسة والغيرة.
ليعلمنا الله أن نحب، ليس فقط الذين يحبوننا ولكن الذين يسيئون إلينا أيضاً، كما أحبنا المسيح وأسلم نفسه لأجلنا.