العظة علي الجبل
لاتدينوا لكي لا تدانوامت7:1
بقلم مثلث الرحمات طيب الذكر المتنيح : البابا شنودة الثالث
١٥ أغسطس ٢٠١٥
هكذا قال الرب في العظة علي الجبل:
لا تدينوا لكي لا تدانوا لأنكم بالدينونة التي بها تدينون,تدانوا وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم ولماذا تنظر القذي الذي في عين أخيك وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها؟!أم كيف تقول لأخيك دعني أخرج القذي من عينك وها الخشبة في عينك؟ يا مرائي اخرج أولا الخشبة من عينك وحينئذ تبصر أن تخرج القذي من عين أخيكمت7:5,1.
متي يسمح بالإدانة:
عبارةلا تدينواليست حكما مطلقا لأن هناك حالات تجوز فيها الإدانة بل تكون واجبة.
مثالها الإدانة من شخص له سلطان.
+كالأب الروحي أو الأب الجسدي فإنه إن أدان ابنه لاتكون خطية إدانة لأن واجبه أن يفعل ذلك.
ونحن نعلم أنت عالي الكاهن عوقب من الله عقوبة شديدة لأنه لم يكن حازما في إدانة وتأديب أولاده1صم3:14,10.
كذلك كل مسئول في حدود مسئوليته.
+وكل رئيس بالنسبة إلي مرؤوسيه له أن يدينهم هي إدانة ولكنها ليست خطية إدانة.
وإلا فإن الفوضي تسود مع عدم الانضباط والكتاب يقولاخضعوا لكل ترتيب بشري من أجل الرب1بط2:13.
+ والقديس باسيليوس الكبير عندما سئل في نسكياته عن الإدانة قال إنه إذا اجتمع المسئولون في المجمع للنظر في شئون الإخوة وتدبيرهم..فإن ما يقررونه لا يدخل في الإدانة لأن وظيفتهم أن يفعلوا هكذا..
+وهكذا القاضي في مجلس القضاء والمعلم بالنسبة إلي تلاميذه والكبار بالنسبة إلي الصغار وكل المسئولين عن التربية والتهذيب والتدريب.
+وأيضا الكنيسة لها سلطان أن تدين.
والسيد الرب يقول عن المسيء:إن لم يسمع للكنيسة يكون عندك كالوثني والعشارمت18:17والقديس بولس الرسول يقول لتلميذه تيموثاوس الأسقف عظ وبخ انتهر2تي4:2وتقول الدسقولية للأسقف كما أنك أعطيت سلطانا أن تحل, كذلك أعطيت سلطانا أن تربط فاحكم بسلطان كمثل الله.
وبـهذا السلطان حكمت المجامع المسكونية والمكانية علي الهراطقة والمبدعين.
حكمت بالقطع والفرز والحرمان وحطهم من رتبهم الكهنوتية كانت إدانة ولكنها لم تكن خطية إدانة بل كانت أحكاما لازمة وواجبة من أجل حفظ الإيمان وسلامة الكنيسة والقديس بولس الرسول يقولالذين يخطئون وبخهم أمام الجميع لكي يكون عند الباقين خوف1تي5:20.
+هناك نقطة أخري لاتدخل في خطية الإدانة وهي التمييز الطبيعي.
أقصد استنارة الضمير في التمييز بين الخير والشر فإن رأيت إنسانا سكرانا ملقي علي الطريق أو سمعت إنسانا يشتم ويتفوه بألفاظ غير لائقة لابد ستدرك أن هناك خطأ وإلي هنا لاتعتبر خطية إدانة مع ملاحظة وهي:
الحكم علي الفعل الخاطيء وليس علي الشخص الخاطيء.
حقا,كما يقول الكتاب:من ثمارهم تعرفونهممت7:20لكننا مع معرفة العمل لا نعرف ظروف الشخص الداخلية والخارجية.
وعندما يقول المزمور عن الإنسان البار إنهلايسلك في مشورة الأشرار وفي طريق الخطاة لايقف وفي مجلس المستهزئين لايجلسمز1:1معني هذا:أن البار يدرك أن هذه مجالس مستهزئين فلا يشارك في الجلوس معهم.
ولاتكون هذه إدانة لهم بل هي احتراس منهم.
المهم أننا لانلوك بألسنتنا سمعة أولئك الناس بل نكتفي بالبعد عنهم ولاتعتبر هذه إدانة منا لأنه كما يقول الرسول:خطايا بعض الناس واضحة تتقدم إلي القضاء1تي5:24.
وفي مجال الإدانة نقول:إن كان من عمل القاضي أن يدين إلا أن للقضاء شروطا نذكر من بينها:
لايكون القاضي متحيزا ولايحكم بدافع شخصي فإن وجد مثل هذا الدافع الشخصي يمكن للدفاع أن يرد المحكمة.
أيضا القاضي يحقق ويفحص ولا يحكم بتسرع بل المتهم يتم التحقيق معه أمام البوليس ثم أمام النيابة ,وأخيرا أمام القضاء وهكذا يكون الحكم بمعرفة واستقصاء ولايتم إلا بثبوت الأدلة.
فهل الذين يدينون غيرهم يفعلون كل هذا أم أحكامهم عشوائية؟
القاضي أيضا يتصف حكمة بالعدل ويقتضي العدل أن يعطي المتهم فرصة للدفاع عن نفسه ويكون له محام أو أكثر للدفاع عنه ويعتبر المتهم بريئا إلي أن تثبت إدانته فهل كل من يدين غيره يعطيه فرصة للدفاع عن نفسه؟!
النصح والتأديب:
هنا نسأل:هل التأديب والتوبيخ والنصح يعتبر إدانة؟
هل إذا رأيت صديقك يخطيء فأظهرت له خطأة حتي لايستمر فيه أو ليعالج نتائجه أتكون هذه إدانة؟
+النصح لايعتبر خطية إدانة إن كان بمحبة واتضاع.
فأنت إن نصحت صديقك بمحبة يقبل منك وإن وجهته باتضاع يقبل منك التوجيه أما إن كان النصح بكبرياء وبطريقة جارحة فإنه لايكون مقبولا كذلك إن كان بقسوة أو بأسلوب فيه شيء من الاحتقار أو التعالي ففي ذلك تكون قد أخطأت ولاتكون قد أخطأت في النصح إنما في الأسلوب الذي تنصح به.
+كذلك التوبيخ لايعتبر إدانة ممن له سلطان وعليه واجب التربية.
ونلاحظ أن أبيجايل قد وبخت داود النبي ولم تخطيء.
بل قال لها داود:مبارك عقلك ومباركة أنت لأنك منعتني اليوم عن إتيان الدماء وانتقام يدي لنفسيانظري قد سمعت لصوتك ورفعت وجهك1صم25:35,33لقد أظهرت أبيجايل لداود خطأ ما كان مزمعا أن يفعله ولكن بأسلوب فيه الاتضاع والاحترام ولم تخدش شعوره بكلمة بل كانت تخاطب ضميره في أدب وكانت حكيمة في توبيخها له..
يلزم في التوبيخ :الهدف والدافع من جهة والأسلوب من جهة أخري.
فإن كان الهدف هو الإنقاذ وبدافع المحبة لاتكون هناك خطية كذلك إن كان الأسلوب مقبولا مع ملاحظة أخري.
أن يكون ذلكفيما بينك وبينه وحدكمامت18:15.
غالبية المخطئين يقبلون مثل هذا التوبيخ الذي في سر, أما إن كان أمام الناس حينئذ يكون الشعور بالحرج وإقلال نظرة الناس إليه فيتحول التوبيخ في نظره إلي إ هانة.
ومن التوبيخ غير المقبول,أن توبخ شخصا علي خطأ ليس فيه فيكون قد وصل إليك بالسماع أو أن يكون الذي يقوم بالتوبيخ واقعا في نفس الخطأ الذي يوبخ غيره عليه وحينئذ ينطلق عليه المثل القائلأيها الطبيب أشف نفسك أولالو4:23.
إن الخطاة لايجوز لهم أن يجلسوا علي مقاعد المعلمين.
أما عن التأديب فهو واجب لمن له هذا السلطان.
فالأب مثلا من واجبه أن يؤدب ابنه وهكذا يقول الرسول:أي ابن لايؤدبه أبوه؟عب12:7وأيضا المعلم عليه أن يؤدب تلاميذه وكذلك السلطان بالنسبة إلي رعاياه وفي هذا يقول الكتاب عنه إنهلايحمل السيف عبثارو13:4 بل لينتقم ممن يفعل الشر.
ليس التأديب خطية إدانة بل الخطية هي عدم التأديب.