القرعة الهيكلية بين الكتاب المقدس والتاريخ-(5)
السبت 16 يونيو 2012
القمص روفائيل سامي
سطر لنا التاريخ بين صفحات زمانه أحداثا وأمورا كثيرة احتاجت فيها الإنسانية إلي تدخل من الله سواء في الاختيار أو التنظيم خوفا من سقوطها في الهوي البشري الذي ممكن أن يسقط بها إلي قاع الظلمة والغدر, فمع تحديد البشر يجب
سطر لنا التاريخ بين صفحات زمانه أحداثا وأمورا كثيرة احتاجت فيها الإنسانية إلي تدخل من الله سواء في الاختيار أو التنظيم خوفا من سقوطها في الهوي البشري الذي ممكن أن يسقط بها إلي قاع الظلمة والغدر, فمع تحديد البشر يجب أن توضع الأمور بين يدي الله وعندما يكون الله هو الحكم الأخير في المشوار الاختياري أكيد سوف تكون البداية موفقة وهذا ما سطره لنا الكتاب والتاريخ عن اتخاذ القرعة الهيكلية واحدة من المحطات النهائية في الاختيار حتي يكون الجميع مقتنعا أن الله له دور في قيادة الكنيسة لأنه يعرف أن يختار القائد المناسب في الوقت المناسب مؤكدا وعده القائل:دفع إلي كل سلطان في السماء وعلي الأرض فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به وها أنا معكم كل الأيام إلي انقضاء الدهر آمين(مت28:18-20).
ومن ثم فالإبحار في التاريخ يصل بنا إلي ميناء القرون الماضية التي جاءت إلينا بسطور محملة من القرن الأول الميلادي الذي عاصر كثيرا من الآباء الرسوليين وكانت تعتمد أسس الاختيار البطريركي فيه علي أن مدير مدرسة الإسكندرية كان في أكثر الأحيان هو الذي يعتلي الكرسي المرقسي, ثم اتجهت الأنظار بعد ازدياد عدد المرشحين إلي الفكر الكتابي في الاختيار لهذا المنصب الرعوي والذي يؤكد لنا وجود القرعة في اختيار القيادة الكنسية والتي تمثل الكرسي الرسولي استنادا علي التقليد الكتابي فجاء عن البابا كردنوس البطريرك الرابع للكرسي المرقسي 98م-108م(اجتمع الأساقفة والكهنة والشعب وتشاورا حول من يجلس خلفا للبابا ميليوس فألقوا قرعة لكي يعرفوا من يستحق الجلوس علي كرسي الإسكندرية فاتفق رأيهم بتأييد روح الله القدوس علي انتخاب رجل فاضل اسمه كردنوس قيل إنه ممن عمدهم الشهيد مرقس الرسول فرسم بطريركا في7توت98م.في عهد تراجان قيصر وكان عفيفا متصفا بكل الصفات الصالحة فرعي الكنيسة باجتهاد وأمانة فكان أشهر وأتقي وأعلم وأفضل رجال الدين في عصره,وقبض عليه واستشهد في الاضطهاد الذي أثاره تراجان قيصر في 21بؤونة 108م.وكانت خدمته للكنيسة مدة10سنين و9شهور و10 أيام وقد خلا الكرسي بعده ثلاث سنوات وتزيد نظرا لشدة الاضطهاد وعدم تمكن الشعب المسيحي من انتخاب خليفة له).البابا مرقس الثامن(108) من تعداد بطاركة الكرسي المرقسي(1769-1809م) جاء عن تذكار نياحته في سنكسار الكنيسة القبطية تحت اليوم الثالث عشر من شهر كيهك وكتب عنه تاريخ الكنيسة أنه ترهب في دير الأنبا أنطونيوس,ثم عاش في الدار البطريركية مع البابا يوحنا الثامن عشر,وحضر ما حل بالبلاد من ويلات,وبعد وفاة البابا يوحنا وافق الأساقفة علي أن يكون بطريركا علي الكنيسة ووقعت عليه القرعة الهيكلية,ورسم بحارة الروم في يوم الأحد28توت 1513ش,1797م في عهد السلطان سليم الثالث,وفي عهده وصلت الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت,كما حضر هذا البابا السنوات الأولي لحكم محمد علي باشا.ثم مرت الكنيسة بفترة زمنية كانت لاتحتاج إلي القرعة وهي الفترة التي كان الإجماع الكنسي كله بما فيهم أراخنة الشعب يزكي مرشحا واحدا بلا منافس ولكن بعد نياحة البابا يوساب الثاني(115) في 13نوفمبر عام1956م احتاجت الكنيسة إلي نوعية خاصة تتناسب مع حكام البلاد في هذه الفترة الزمنية العصيبة وإيمانا من الكنيسة بعطية الرب واختياره المناسب كما يقول الكتابوأعطيكم رعاة حسب قلبي فيرعونكم بالمعرفة والفهم(إر3:10) لذا كان اختيار قداسة البابا كيرلس السادس البابا 116 في تعداد بطاركة الكنيسة القبطية(1959م-1971م) لم يكن بعمل إنسان بل كان اختيارا فيه تدخل واضح ليد الله.فكان ترتيبه بين المرشحين السادس,وكان علي لجنة الترشيح حسب لائحة السبت2نوفمبر1957 أن تقدم الخمسة رهبان المرشحين الأوائل للشعب وفي اللحظة الأخيرة للتقدم بالخمسة الأوائل,أجمع الرأي علي تنحي الخامس,وتقدم السادس ليصبح الخامس.ثم أجريت عملية الاختيار للشعب لثلاثة منهم فكان آخرهم ترتيبا في أصوات المنتخبين وبقي إجراء القرعة الهيكلية في الأحد19إبريل1959 ولم يخطر ببال أحد أن يكون إنجيل القداس في ذلك اليوم يتنبأ عنه إذ يقول هكذايكون الآخرون أولين والأولون يصيرون آخرين وكانت هذه هي نتيجة القرعة.ودقت أجراس الكنائس معلنة فرحة السماء وأتوا بالقمص مينا البرموسي المتوحد ليكون البابا كيرلس السادس بابا الإسكندرية المائة والسادس عشر من خلفاء مارمرقس الرسول.وعند ذاك أيقن الشعب أن عناية الله تدخلت في الانتخاب.. لهذا يا أحبائي قلبي مطمئن جدا لأنه مهما اختار الشعب فلابد من التدخل الإلهي الذي يحسم القضية.. نعم إنها قيادة كنيسة وخلاص شعب تحتاج إلي التأني في الاختيار والتدقيق فيه بعيدا عن العواطف والمحسوبيات...ومع أن القضية كلها من الأساس في يد الله الذي يعرف احتياجات شعبه إنما من محبته يعطينا فرصة للمشاركة في الاختيار لتظهر الكنيسة كأعضاء في جسد واحد ورأسها المسيح كما يقول الرسول في رسالتهكما أن المسيح أيضا رأس الكنيسة وهو مخلص الجسد.