|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
نعمان والحاجة العظمى كان نعمان - حسب الوصف الكتابى - رجلا عظيما ، والاسم " نعمان " يعنى " الجميـــــــــل " أو " البهيج " ، ويظن أن الرجل كان من مولده جميل المنظر بهيج الطلعة ، .. فهو رجل ولد على الشئ الكثير من الجمال ، وحلاوة المنظر ، .. وكان أكثر من ذلك ، قائد الجيش المنتصر المظفر . كانت آرام بلاده واقعة بين آشور وإسرائيل ، وكانت بهذا الموقع درعاً حامية لإسرائيل ، وقد استخدمها اللّه ليدفع عن إسرائيل شر الأشوريين ويقال ، إن نعمان دخل مع أشور فى قتال عظيم ، والبعض يعتقد أن هذا كان بالتعاون مع الإسرائيليين ، وسواء كان قتالا بالتعاون أو بغيره ، فإن الرب عن يده أعطى خلاصاً عظيماً لبلاده ، وبالتالى لجيرانه ، من الغزو الأشورى الرهيب ، ... ومن المعتقد أنه كان بهذا المعنى قائداً عبقرياً جباراً ، ... ومثل هذا الرجل كان عظيم الخطوة عند سيده ومليكه الأرامى ، إذ كان صاحب الشخصية القوية ، الممتلئة من الشجاعة ، والقوة ، والوطنية ، وأصالة الرأى ، وصائب المشورة ، والبادى من الرواية الكتابية أنه كان الرجل الذى لا يملك أى إنسان إلا أن يحبه ، وهو لم يكن محبوباً من العظماء وحدهم ، بل كان محبوباً من عامة الناس أيضاً ، وحتى الفتاة الإسرائيلية الصغيرة المسبية كانت عواطفها نحو شفائه من المرض ، وخدمه الذين ساروا معه فى الرحلة إلى إسرائيل يصفونه بالقول : " يا أبانا " ويلحون عليه فى إطاعة طريق الشفاء ، مما يدل على أن الرجل كان مرفوع الرأس ، ليس عند الملك فحسب ، بل عند العامة والخاصة على حد سواء ... وكان الرجل فى بيته ، ولا شك ، رجلا سعيداً ، ثرياً ، بل على الأغلب ممتلئاً من الثروة ، له الخدم والحشم والجوارى والعبيد ، ... ولكن ... وآه من ولكن ... كان الرجل أبرص !! . يقول ماكرتنى : " خلف كل مظهر براق وجميل ، كثيراً ما تكون هناك شوكة خفية فى الجسد أو الروح ، بعض الجراح أو المآسى الخفية " ... أجل !! وهذا حق ، فليست هناك حياة يمكن أن تخلو من التعبير : " ولكن " وصور نعمان فى الحياة قد تأخذ هذا اللون أو ذاك ، من ألوان العظمة والمجد ، " ولكن " ... فقد يكون " النعمان " غنياً ، ولكن له أولاد أغبياء !! ... وقد يكون قوياً ، ولكنه طاغية ... وقد يكون عالماً ولكنه أحدب ، ... وقد يرغب فى أعماق نفسه ، أن يتخلى عما يراه الناس من غنى ، وعظمة، ومجد وجلال ، وبهاء ، ... مقابل هذا البرص اللعين اللاصق به ، والتى يتمنى من قرارة قلبه أن يجد ، منه الخلاص !! .. والبرص فى اللغة الكتابية رمز للخطية ، وذلك لأنه ليست هناك أمراض كثيرة يمكن أن تحدث قبحاً وتشويهاً فى شكل الإنسان كما يحدث البرص فهو عدو الجمال فى الإنسان ، والخطية هى سبب كل قبح وصل إليه الإنسان جسداً ونفساً وروحاً وحياة ، ... وكان من المستحيل على ذاك الذى خلقه اللّه على الصورة الرائعة الجميلة فى جنة عدن أن يمرض أو يمسخ مشكلة بالعوامل المختلفة المرضية أو الوراثية ، إلا بسبب الخطية ، ... إن الذين قرأوا القصة الرائعة التى كتبها أوسكار وايلد : " صورة دوريان جراى " يدركون هذه الحقيقة بكيفية مؤثرة رهيبة ، كان جراى شاباً يافعاً جميلا فى طراوة العمر ، ونضارة الحياة ، يعتز بجماله ، ويتمنى ألا تذهب به عوادى الأحداث والأيام ، وقد رآه أحد المصورين فأخذ له صورة فاتنة تنطق بعظمة ذلك الجمال وروعته على أن الشاب سقط فى الإثم ، وهوى فى الخطية ، وقد أرادنا وايلد أن نرى تأثير هذا عليه ، فكانت كل موبقة يرتكبها الشاب تظهر فى هيئة بقعة سوداء على صورته . وتزايدت البقع وتكاثرت بتزايد أثمة وتكاثره حتى أضحى شكلها بشعاً مريعاً، وقد راع الشاب أن يرى صورته بهذا المنظر الفظيع ، وأخذ منه الحنق والضيق كل مأخذ ، فطعنها بمديته ، ... ومن عجب أنه بعد هذه الطعنة عاد إلى الصورة جمالها الأول الرائع !! ... لقد صدق الروائى الإنجليزى كل الصدق فى قصته هذه ، إذ ليس هناك ما ينكل بالجمال كما تفعل الخطية ، ... وليس هناك من عودة للجمال إلى أصحابه، إلا فى ذاك الذى طعن بالحربة فى جنبه على خشبة الصليب !! والبرص رمز للخطية أيضاً فى نموه وامتداده ، فهو قد يتناول بعض أجزاء الجسم ، أو يشمل الجسم كله ، وهو قد يتناول أجزاء يمكن تغطيتها بالثياب أو قد يصل إلى الوجه واليدين ، أى الأجزاء العارية التى لا يمكن أن تخفى ، ... وهو لذلك يمثل الخطية الظاهرة أو السرية ، المعروفة أو الخفية عن الناس ، غير أنه يمتد وينمو ، وقد ينمو ببطء أو بسرعة ، ولكنه يستشرى على أية حال ، كما تستشرى الخطية دون أن تقفل عند حد معين ، فإذا أمكن تغطية المرض إلى حين ، فإن إمتداده سيصل إلى أجزاء لا يمكن تغطيتها ، وهكذا قد يستطيع الإنسان أن يخفى خطية أو خطايا معينة ولكنه ليس خفى لا يظهر ولا مكتوم لا يعلم ويعلن ، فى الخير أو الشر على حد سواء ، ... وتفضح الخطية صاحبها إن آجلا أو عاجلا ، والبرص برص حتى ولو لبس صاحبه ثياب الملوك أو ثياب الصعاليك ، والخطية لا يمكن أن يغطيها لبس الحرير أو لبس الشعر الخشن ، .. ولكن الشئ العجيب الذى لاحظه ألكسندر هوايت ، أنك لست فى حاجة إلى الكياسة أو الحصافة ، لكى تعرف أنك أبرص ، وأنك تستطيع الوصول إلى هذه المعرفة من النظرة الأولى " ... لكنك فى حاجة كل الحاجة إلى النعمة والبصيرة الروحية ، لتكتشف أنك أبرص بالخطية والدنس والإثم ، ... وعندما وقف إشعياء فى بيت اللّه أمام الملك العظيم ، لم يكتشف برصه هو فقط ، بل اكتشف برص الأمة بأكملها ، وأنت وأنا إن لم نقف بنعمة اللّه ، أمام الإله القدوس ، وإن لم تفتح عيوننا الداخلية ، فلن تعرف أى عار وصلنا إليه ، وأية شناعة بلغناها ، وأى انحدار تردينا فيه!! .. والبرص أكثر من هذا كله مؤلم تتزايد آلامه كلما استشرى ورخص فى جسم الإنسان ، ... والخطية مؤلمة وقاسية وشديدة ، ولا يمكن أن تريح أو تسعد صاحبها ، غن ما شئت لنعمان السريانى ، وحدثه عن معاركه ، عن مجده الوطنى ، غن الأموال التى تسيل بين يديه ، حدثه عن مركزه فى الأمة كلها !! ... وستكتشف الدموع المترقرقة فى عينيه وهو يسمع أناشيد المدح والتكريم والتعظيم ، ويكاد يبكى ويصرخ قائلا لك : حدثنى بالأولى حديث المرثاة والبكاء والنحيب ، حدثنى عن الجرح المفتوح فى قلبى والذي ينزف بوساً ويأساً ودماً !! .. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
يعقوب والحاجة إلى طعام |
موسى والحاجة إلى الشريعة |
نمرود والحاجة للسلطة |
حجى والحاجة إلى بيت اللّه |
نعمان السرياني | نعمان الأبرص |