سؤال يرهقك بما يتطلبه من غوص إلى أعماق العقل و الروح، ذكريات و آهات و غضب مكتوم, انتشاء يبعث في الروح لذة أحلام اليقظة النقية، و ربما لذة استحضار شرور النفس, و جنون وحدة موحشة و مؤنسة معًا, ذلك الصديق ذو السائل الأسود, والذي يرحب دوما بما فطرت عليه من اختلاف و شرود, يعكس لك ما فيك بصمت يستفزك للبوح اكثر و اكثر, لا يفشي أسرارك, لا يحرف أفكارك, لا يمنعك من التمادي, لا يحاول تغييرك, مرآة ترى نفسك فيها أحيانا بأوجه مختلفة.
ليس من السهل أن تدع الأحداث و الكتب جانبًا؛ لتكتب عن نفسك أن تجيب عن هذا السؤال, الذي قد لا تكون فكرت فيه مسبقًا.
لكنك سرعان ما تجد نفسك متأثرًا بكل كلمة انتجتها إعادة استكشاف نفسك من خلال الإجابة على هذا السؤال, و نفسك لا يقل الكتابة عنها أهمية عن الكتابة من أجل اثبات الرأي أو إبهار الآخرين, أنت محتاج لتلك المواجهة, لتخرج أهداف خبأتها السنين و تخاطر بجس جراح قديمة من اجل تذكر حقيقتك.
بدأت رحلتي مع ذلك الصديق و أنا في المرحلة الابتدائية, كنت أكتب الشعر العامي عن فلسطين و انتفاضة شعبها, كنت اتشاجر مع العالم كله على تلك الوريقات بخط طفلة لا تحتمل كتمان ثورتها على كل شيء, تريد اغضاب الجميع مثلما هي غاضبة.
انقطعت لفترة ثم عدت إليه في المرحلة الثانوية بعدما هجرت العامية للأبد و عشقت الفصحى, كان الشجن بطل تلك الأشعار وخواطر كان بعضها رسائل إلى الله ملؤها التعلق و العهود و حضور طاغ لخيال يصور بدقة كيف تنفذ .
ثم انقطعت ثانية لأنشغل بالقراءة عن السياسة و الأديان خلال الفترة الجامعية, زاد ضيق جدران العزلة عليّ حتى لم يعد لأحد متسع في عالمي الخاص, لا أحد.
و بعد الجامعة بدأت رحلة العمل, قضيت في ذلك المكان سنة كاملة دون استخدام قلم
شعرت بعدها بشيء من رهبة مشتاق يخشى على حبيب من الفراق, فما الحال لو كان فقده يفقدك نفسك و يحيدك عن طريقك, قررت أن اعود, و لكن من اغرب المفارقات أن تلك العزلة اخرجتني من الكتابة الذاتية, الى الكتابة عن العالم, عن قضايا, تجاوزت أشجاني لأذهب حيث أشجان الآخرين.
يستفزني الظلم كثيرا, حتى إنه يجعل العالم أمامي ملونًا بلون الحبر الأسود, أحيانا أرى أن الحل بإزالة بعضه كي استطيع أن أكتب, و أحيانا أرى ألا مفر من الكتابة فوقه بالأحمر .
اكتب لأني لكي أعيش الحياة التي أريدها يجب أن أكتبها .