العظة علي الجبل .. لاتحلفوا البتة " مت 5 : 24 "
بقلم مثلث الرحمات طيب الذكر المتنيح : قداسة البابا شنودة الثالث
١٨ أبريل ٢٠١٥
هكذا قال الرب في العظة علي الجبل:
سمعتم أنه قيل للقدماء:لاتحنث بل أوف للرب أقاسمك وأما أنا فأقول لكم:لاتحلفوا البتة لابالسماء لأنها كرسي الله ولا بالأرض لأنها موضع قدميه ولا بأورشليم لأنها مدينة الملك العظيم . ولاتحلف برأسك لأنك لاتقدر أن تجعل شعرة واحدة بيضاء أو سوداء.. بل ليكن كلامكم نعم نعم ولا لا.. ومازاد علي ذلك فهو من الشريرمت5:23-27
لقد تدرج الأمر في موضع الحلفان فنقطة أساسية كانت معروفة وهي أن الإنسان لايحلف بالكذب كما قال الرب:
لا تحلفوا باسمي بالكذب فتدنس اسم إلهكلا19:12.
ولكن الحلفان عموما باسم الرب كان مصرحا به في عصر انتشرت فيه الوثنية وكان كل واحد من الوثنيين لكي يؤكد كلامه يحلف باسم الهه فلكي يتميز شعب الله عن الوثنيين كان مصرحا لهم أن يحلفوا باسم الله.وهكذا قيل في سفر الشريعة:
الرب إلهك تتقي وإياه تعبد وباسمه تحلف تث6:13 تث10:20.
وذلك لكي يبقي اسم الله باستمرار في ذاكرتهم وفي معاملاتهم ولتمييزهم عن غير المؤمن بالله الحي الذين لهم آلهة أخري يحلفون بها.وقد نهاهم الرب عن استخدام أسماء تلك الآلهة في أقسامهم وهكذا قيل لهم علي فم يشوع النبيلاتدخلوا إلي هؤلاء الشعوب أولئك الباقين معكم ولاتذكروا اسم آلهتهم ولاتحلفوا بها ولاتعبدوها..يش23:7.
كذلك قال الرب في سفر أرمياء النبي عن جيران شعبهإذا تعلموا علما طرق شعبي أن يحلفوا باسمي ,كما علموا شعبي أن يحلفوا ببعل أنهم يبنون وسط شعبيأر12:16.
وقد تعود المؤمنون بالله,أن يستحلفوا بعضهم بعضا باسم الرب:
فقال شاول الملك لداودالآن علمت أنك تكون ملكا فاحلف لي بالرب أنك لاتقطع نسلي من بعدي ولاتبيد اسمي من بيت أبي فحلف داود لشاول1صم24:22,21.
ولما أراد عزرا الكاتب تنقية الشعب من النساء الغريبات قام واستحلف رؤساء الكهنة واللاويين وكل إسرائيل أن يعملوا حسب هذا الأمر فحلفواعز10:5.
وهذا الاستحلاف كان معروفا أيضا قبل شريعة موسي.
فقد قال يوسف الصديق أن أباه يعقوب كان قد استحلفه أن يدفنه بعد موته في القبر الذي حفره لنفسه في أرض كنعان فقال له فرعون:اصعد وادفن أباك كما استحلفكتك50:6,5وكذلك قيل عن يوسف:واستحلف يوسف بني إسرائيل قائلا:الله سيفتقدكم فتصعدون عظامي من هناكتك50:25وفعل موسي النبي ذلك عند الخروج من مصر فقيلوأخذ موسي عظام يوسف معه,لأنه كان قد استحلف بني إسرائيل بحلف قائلا:أبانا إبراهيم قال لعبدهأستحلفك بالرب إله السماء وإله الأرض:أن لا تأخذ زوجة لإبني من بنات الكنعانيين..تك24:3.
ونلاحظ أن هذا الاستحلاف حدث مع السيد المسيح له المجد.
كان صامتا حينما كان يحاكم أمام مجلس السنهدريملا يجيب بشيءكان ساكتا فأجاب رئيس الكهنة وقال له: أستحلفك بالله الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله؟
فأجابه السيد إلي طلبه وقال لهأنت قلت وأيضا أقول لكم:من الآن تبصرون ابن الإنسان جالسا عن يمين القوة وآتيا علي سحاب السماءمت26:62-64
إذن كان الحلفان مباحا بشرط أنه لايكون كذبا ولكن احتراما لاسم الله العظيم وضعت وصية إلهية في الوصايا العشر تقول:
لا تنطق باسم الرب إلهك باطلاخر20:7تث5:11.
ووضع معها عقوبة تقولأن الرب لا يبريء من نطق باسمه باطلاونلاحظ هنا أنه لم يمنع فقط أن يحلف الإنسان باطلا بل حتي مجرد أن ينطق باسم الرب الإله باطلا.
وكلمةباطلاهنا تعني:بدون أي سبب ملزم.
ذلك لأنه اسم الرب يليق به الخشوع حيث ينطق به.
هناك قصة تروي أن عبدا مسيحيا متدينا له سيد كثير الحلفان وينطق باسم الرب عبثا في مناسبة وغير مناسبة فكان هذا السيد في كل مرة ينطق فيها باسم الرب يجد عبده المسيحي ينحني خاشعا ويسجد إلي الأرض فتعجب وسأله عن سبب ذلك,فشرح له ذلك العبد المسيحي عظمة ورفعة اسم الرب خالق السماء والأرض وبدأ ذلك السيد يتخشع ويحترس فلا يذكر اسم الرب كما كان يفعل-بلا اكتراث!
إن اسم الرب مهوب ومرهوب لذلك في الصلاة الربانية:
لانقول فقطأبانابل بعدها الذي في السموات.
لكن شعورنا بالدالة له كأب لاينسينا عظمته أنه في السموات علي الرغم من وجوده كذلك في كل مكان وبذلك لانسمح للحب أن يفقدنا المهابة ولا الدالة تفقدنا الخشوع!
وهكذا يقول المرتل في المزمورعظموا الرب معي ولنرفع اسمه معامز34:2
اسم الرب ترتعد منه الشياطين إن نطقناه بإيمان.
نلاحظ هيبة اسم الرب في تمجيد السارافيم والأربعة أحياء غير المتجسدين.
السارافيم يسبحونه في خشوع بجناحين يغطون وجوههم وبجناحين يغطون أرجلهم وهم يقولون قدوس قدوس قدوس رب الجنود..مجده ملء كل الأرضأش6:2-4
والأربعة أحياء يعطون مجدا وكرامة وشكرا للجالس علي العرش وهم يقولون قدوس قدوس الرب الإله القادر علي كل شيءرؤ4:29,8فيخلع الأربعة والعشرون كاهنا أكاليلهم أمام العرش قائلين:أنت مستحق أيها الرب أن تأخذ المجد والكرامة والقدرة لأنك أنت خلقت كل الأشياء وهي بإراداتك كائنةرؤ4:11,10ويخرون ويسجدون للحي إلي أبد الآبدين رؤ5:14.
وللأسف فإن البعض لايشعرون بكرامة اسم الله القدوس.
ويحلفون باسمه عبثا ويشهدونه علي العديد من تفاهاتهم.
البعض يحلف بحكم العادة ويستخدم اسم الله في حكاياته وأحاديثه طالبا أن يصدقه الناس بالحلفان, والبعض يستخدم اسم الله في العبث وفي الأغاني ويستعمله كمجرد عبارة استحسان حتي في مجال التهديد أو في مجال الانتقام ,كما فعل داود في غيظه من نابال الكرملي فقال مقسما هكذا يصنع الله لأعداء داود وهكذا يزيد, إن أبقيت من كل ماله إلي ضوء الصباح بائلا بحائط1صم25:22.
نلاحظ في قصة مقتل يوحنا المعمدان أن هيرودس الملك لما رقصت ابنة هيروديا وأعجبته أنهوعد بقسم أنه مهما طلبت يعطيها مت14:7,6 فطلبت منه رأس يوحنا المعمدان!!وهكذا ما كان يدري ما تجره إليه أقسامه من جريمة نحو نبي عظيم
ولكي لايحنث في قسمه أمر بقطع رأس يوحنا!
إن السيد المسيح قد أمر قائلا:لاتحلفوا البتة.
ليس فقط باسم الله بل بكل ما يتعلق به..
لا بالسماء لأنها كرسي الله ولا بالأرض لأنها موطيء قدميه ولا بأورشليم لأنها مدينة الملك العظيممت5:35,34
ويمكن أن يشمل هذا التعليم أمورا كثيرة كأن يحلف إنسان بالصليب المقدس,أو يحلف بالإنجيل أو أن يضع يده علي الكتاب المقدس ويحلف أو يضعه عل عينيه ويحلف كل ذلك حلفان ممنوع.
ومثاله:من يحلف بالهيكل أو بالمذبح أو بالقربان.
كما حدث أن الرب وبخ الكتبة والفريسيين قائلا:أيها القادة العميان القائلون من حلف بالهيكل فليس بشيء ولكن من حلف بذهب الهيكل يلتزم ومن حلف بالمذبح فليس بشيء ولكن من حلف بالقربان الذي عليه يلتزم أيها الجهال والعميان أيهما أعظم؟القربان أم المذبح الذي يقدس القربان؟فأن من حلف بالمذبح فقد حلف به وبكل ما عليه ومن حلف بالهيكل فقد حلف به وبالساكن فيه ومن حلف بالسماء فقد حلف بعرش الله وبالجالس عليهمت23:11-22.
نورد كل هذا لأن البعض ربما يظن عن جهل أن الحلفان الممنوع هو الحلفان فقط باسم الله
إن السيد الرب منع الحلفان حتي بما يخصك أنت.
فقال: ولا تحلف برأسك, لأنك لا تقدر أن تجعل شعرة واحدة بيضاء أو سوداء (مت5:36).
أو قد يحلف إنسان ويقول:وحياة أولادي, وحياتك ورحمة أبي.. ليس لك سلطان في كل هذا فلا تحلف بالأحياء ولا بالأموات.
ومن أمثلة ذلك في العهد القديم في النزاع بين يعقوب وخاله لابان يقول الكتابوحلف يعقوب بهيبة أبيه إسحقتك31:53 أو بشيبة أبيه وهذا في العهد الجديد غير جائز.
الحلفان بالله للتمييز عن الوثنيين انتهي بانقراض الوثنية وانتهائها.
والحلفان ليصدقك إنسان دليل علي عدم ثقته بكلامك ..
فقل الحق وليصدقك سامعك أولا يصدقك ولكن لاتحلف..
إن كنت موضع ثقة يصدقك دون أن تحلف وإن كنت لم تصر بعد موضعا لثقته فسوف تثبت له الأيام صحة ما تقول وبالخبرة سوف تصبح بصدقك موضعا للثقة دون حلفان.
وقد يحلف إنسان فلا يصدقونه فيزيد في الحلف والقسم ولا يصدقونه أيضا فالخير إذن أن تتبع وصية الرب.
ليكن كلامكم نعم نعم, ولا لا وما زاد علي ذلك فهو من الشرير.
تكفي هيبة كلامك ومصداقيته التي لاتحتاج إلي تأكيدات.